আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ৯৮৭৪
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] ٍ فِيهَا كَانَ الْغَلَاءُ وَالْفَنَاءُ مُسْتَمِرَّيْنِ بِبَغْدَادَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ بِحَيْثُ خَلَتْ أَكْثَرُ الدُّورِ وَسُدَّتْ عَلَى أَهْلِهَا أَبْوَابُهَا بِمَا فِيهَا، وَأَهْلُهَا فِيهَا مَوْتَى، وَصَارَ الْمَارُّ فِي الطَّرِيقِ لَا يَلْقَى إِلَّا الْوَاحِدَ بَعْدَ الْوَاحِدِ، وَأَكَلَ النَّاسُ الْجِيَفَ وَالْمِيَاتَ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ، وَوُجِدَ مَعَ امْرَأَةٍ فَخْذُ كَلْبٍ قَدِ اخْضَرَّ وَأَرْوَحَ، وَشَوَى رَجُلٌ صَبِيَّةً فِي الْأَتُونِ وَأَكَلَهَا فَقُتِلَ، وَسَقَطَ طَائِرٌ مَيِّتٌ مِنْ سَطْحٍ، فَاحْتَوَشَهُ خَمْسَةُ أَنْفُسٍ، فَاقْتَسَمُوهُ وَأَكَلُوهُ. وَوَرَدَ كِتَابٌ مِنْ بُخَارَى أَنَّهُ مَاتَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَمِنْ مُعَامَلَتِهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ إِنْسَانٍ، وَأُحْصِيَ مَنْ مَاتَ فِي هَذَا الْوَبَاءِ إِلَى أَنْ كُتِبَ هَذَا الْكِتَابُ - يَعْنِي الْوَارِدَ مِنْ بُخَارَى - بِأَلْفِ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ أَلْفٍ وَخَمْسِينَ أَلْفَ إِنْسَانٍ، وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ، فَلَا يَرَوْنَ إِلَّا أَسْوَاقًا فَارِغَةً وَطُرُقَاتٍ خَالِيَةً، وَأَبْوَابًا مُغْلَقَةً، حَكَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. قَالَ: وَجَاءَ الْخَبَرُ مِنْ أَذْرَبِيجَانَ وَتِلْكَ الْبِلَادِ بِالْوَبَاءِ الْعَظِيمِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ إِلَّا الْعَدَدُ الْقَلِيلُ: وَوَقَعَ وَبَاءٌ بِالْأَهْوَازِ وَأَعْمَالِهَا وَبِوَاسِطٍ
পৃষ্ঠা - ৯৮৭৫
وَالنِّيلِ وَالْكُوفَةِ وَطَبَّقَ الْأَرْضَ، وَكَانَ أَكْثَرَ سَبَبِ ذَلِكَ الْجُوعُ، حَتَّى كَانَ الْفُقَرَاءُ يَشْوُونَ الْكِلَابَ، وَيَنْبُشُونَ الْقُبُورَ، وَيَشْوُونَ الْمَوْتَى وَيَأْكُلُونَهُمْ، وَلَيْسَ لِلنَّاسِ شُغْلٌ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِلَّا غَسْلُ الْأَمْوَاتِ وَتَجْهِيزُهُمْ وَدَفْنُهُمْ، وَقَدْ كَانَتْ تُحْفَرُ الْحُفَيْرَةُ، فَيُدْفَنُ فِيهَا الْعِشْرُونَ وَالثَّلَاثُونَ، وَكَانَ الْإِنْسَانُ يَكُونُ قَاعِدًا فَيَنْشَقُّ قَلْبُهُ عَنْ دَمِ الْمُهْجَةِ، فَيَخْرُجُ إِلَى الْفَمِ مِنْهُ قَطْرَةٌ، فَيَمُوتُ الْإِنْسَانُ مِنْ وَقْتِهِ، وَتَابَ النَّاسُ، وَتَصَدَّقُوا بِأَكْثَرِ أَمْوَالِهِمْ، وَأَرَاقُوا الْخُمُورَ وَكَسَرُوا الْمَعَازِفَ وَتَصَالَحُوا، وَلَزِمُوا الْمَسَاجِدَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَقَلَّ دَارٌ يَكُونُ فِيهَا خَمْرٌ إِلَّا مَاتَ أَهْلُهَا كُلُّهُمْ. وَدُخِلَ عَلَى مَرِيضٍ لَهُ سَبْعَةُ أَيَّامٍ فِي النَّزْعِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى مَكَانٍ فَوَجَدُوا فِيهِ خَابِيَةً مِنْ خَمْرٍ، فَأَرَاقُوهَا فَمَاتَ مِنْ فَوْرِهِ بِسُهُولَةٍ. وَمَاتَ رَجُلٌ بِمَسْجِدٍ، فَوُجِدَ مَعَهُ خَمْسُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَلَمْ يَقْبَلْهَا أَحَدٌ، فَتُرِكَتْ فِي الْمَسْجِدِ تِسْعَةَ أَيَّامٍ لَا يُرِيدُهَا أَحَدٌ، فَدَخَلَ أَرْبَعَةٌ فَأَخَذُوهَا، فَمَاتُوا عَلَيْهَا. وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ يَشْتَغِلُ عَلَيْهِ سَبْعُمِائَةِ مُتَفَقِّهٍ، فَمَاتَ وَمَاتُوا كُلُّهُمْ إِلَّا اثْنَىْ عَشَرَ نَفَرًا مِنْهُمْ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَمَّا اصْطَلَحَ دُبَيْسُ بْنُ عَلِيٍّ مَعَ الْمَلِكِ طُغْرُلْبَكَ رَجَعَ إِلَى بِلَادِهِ، فَوَجَدَهَا خَرَابًا لِقِلَّةِ أَهْلِهَا، فَأَرْسَلَ رَسُولًا مِنْهُ إِلَى بَعْضِ النَّوَاحِي، فَتَلَقَّاهُ طَائِفَةٌ، فَقَتَلُوهُ وَأَكَلُوهُ.
পৃষ্ঠা - ৯৮৭৬
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ احْتَرَقَتْ قَطِيعَةُ عِيسَى، وَسُوقُ الطَّعَامِ، وَالْكَنِيسُ، وَأَصْحَابُ السَّقْطِ، وَبَابُ الشَّعِيرِ، وَسُوقُ الْعَطَّارِينَ، وَسُوقُ الْعَرُوسِ، وَالْأَنْمَاطِ، وَالْخَشَّابِينَ، وَالْجَزَّارِينَ، وَالتَّمَّارِينَ، وَالْقَطِيعَةِ، وَسُوقُ مُحَوَّلٍ، وَنَهْرُ الدَّجَاجِ، وَسُوَيْقَةُ غَالِبٍ وَالصَّفَّارِينَ وَالصَّبَّاغِينَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ، وَهَذِهِ مُصِيبَةٌ أُخْرَى مَا بِالنَّاسِ مِنَ الْغَلَاءِ وَالْفَنَاءِ. وَفِيهَا كَثُرَ الْعَيَّارُونَ بِبَغْدَادَ، وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ جِهَارًا، وَكَبَسُوا الدُّورَ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَكُبِسَتْ دَارُ أَبِي جَعْفَرٍ الطُّوسِيِّ مُتَكَلِّمِ الشِّيعَةِ، وَأُحْرِقَتْ كُتُبُهُ وَمَنَابِرُهُ وَدَفَاتِرُهُ الَّتِي كَانَ يَسْتَعْمِلُهَا فِي بِدْعَتِهِ، وَيَدْعُو إِلَيْهَا أَهْلَ نِحْلَتِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَفِيهَا دَخَلَ الْمَلِكُ طُغْرُلْبَكُ بَغْدَادَ عَائِدًا إِلَيْهَا مِنَ الْمَوْصِلِ وَقَدْ تَسَلَّمَهَا وَاسْتَعَادَهَا مِنَ الْبَسَاسِيرِيِّ وَسَلَّمَهَا إِلَى أَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ يَنَّالَ، فَأَحْسَنَ فِيهِمُ السِّيرَةَ، وَحَسُنَتْ مِنْهُ الْعَلَانِيَةُ وَالسَّرِيرَةُ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ، فَتَلَقَّاهُ الْأُمَرَاءُ وَالْوُزَرَاءُ إِلَى أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، وَأَحْضَرَ لَهُ رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ خِلْعَةً مِنَ الْخَلِيفَةِ فَرَجِيَّةً مُجَوْهَرَةً فَلَبِسَهَا،
পৃষ্ঠা - ৯৮৭৭
وَقَبَّلَ الْأَرْضَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ دَخَلَ دَارَ الْخِلَافَةِ، وَقَدْ رَكِبَ إِلَيْهَا فَرَسًا مِنْ مَرَاكِبِ الْخَلِيفَةِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى الْخَلِيفَةِ إِذَا هُوَ عَلَى سَرِيرٍ طُولُهُ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ، وَعَلَى كَتِفَيْهِ الْبُرْدَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَبِيَدِهِ الْقَضِيبُ، فَقَبَّلَ الْأَرْضَ، ثُمَّ أُجْلِسَ عَلَى سَرِيرٍ دُونَ سَرِيرِ الْخَلِيفَةِ، ثُمَّ قَالَ الْخَلِيفَةُ لِرَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ: قُلْ لَهُ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَامِدٌ لِسَعْيِكَ، شَاكِرٌ لِفِعْلِكَ، آنِسٌ بِقُرْبِكَ، وَقَدْ وَلَّاكَ جَمِيعَ مَا وَلَّاهُ اللَّهُ مِنْ بِلَادِهِ، فَاتَّقِ اللَّهَ فِيمَا وَلَّاكَ، وَاجْتَهِدْ فِي عِمَارَةِ الْبِلَادِ، وَإِصْلَاحِ الْعِبَادِ، وَنَشْرِ الْعَدْلِ، وَكَفِّ الظُّلْمِ. فَفَسَّرَ لَهُ عَمِيدُ الدَّوْلَةِ مَا قَالَهُ، فَقَامَ وَقَبَّلَ الْأَرْضَ وَقَالَ: أَنَا خَادِمُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَبْدُهُ، وَمُتَصَرِّفٌ عَنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَمُتَشَرِّفٌ بِمَا أَهَّلَنِي لَهُ، وَاسْتَخْدَمَنِي فِيهِ، وَمِنَ اللَّهِ أَسْتَمِدُّ الْمَعُونَةَ وَالتَّوْفِيقَ. ثُمَّ أَذِنَ الْخَلِيفَةُ فِي أَنْ يَنْهَضَ لِلُبْسِ الْخِلْعَةَ، فَقَامَ إِلَى بَيْتٍ فِي ذَلِكَ الْبَهْوِ، فَأُفِيضَ عَلَيْهِ سَبْعُ خِلَعٍ وَتَاجٌ، ثُمَّ عَادَ فَجَلَسَ عَلَى السَّرِيرِ بَعْدَ مَا قَبَّلَ يَدَ الْخَلِيفَةِ، وَرَامَ تَقْبِيلَ الْأَرْضِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ التَّاجِ، فَأَخْرَجَ الْخَلِيفَةُ سَيْفًا فَقَلَّدَهُ إِيَّاهُ وَخَاطَبَهُ بِمَلِكِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَأُحْضِرَتْ ثَلَاثَةُ أَلْوِيَةٍ، فَعَقَدَ مِنْهَا الْخَلِيفَةُ بِيَدِهِ لِوَاءً يُقَالُ لَهُ: لِوَاءُ الْحَمْدِ، وَأُحْضِرَ الْعَهْدُ فَسُلِّمَ إِلَى الْمَلِكِ، وَأَوْصَاهُ الْخَلِيفَةُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْقِيَامِ بِالْحَقِّ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ، وَقُرِئَ بَيْنَ يَدَيِ الْخَلِيفَةِ بِحَضْرَةِ الْمَلِكِ، ثُمَّ نَهَضَ فَقَبَّلَ يَدَ الْخَلِيفَةِ، وَوَضَعَهَا عَلَى عَيْنَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْحِجَابُ وَالْجَيْشُ بِكَمَالِهِ، وَجَاءَ النَّاسُ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ وَالتَّهْنِئَةِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ بِتُحَفٍ عَظِيمَةٍ ; مِنْهَا خَمْسُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَخَمْسُونَ غُلَامًا أَتْرَاكًا بِمَرَاكِبِهِمْ
পৃষ্ঠা - ৯৮৭৮
وَسِلَاحِهِمْ وَمَنَاطِقِهِمْ، وَخَمْسُمِائَةِ ثَوْبٍ أَنْوَاعًا، وَأَعْطَى رَئِيسَ الرُّؤَسَاءِ خَمْسَةَ آلَافِ دِينَارٍ، وَخَمْسِينَ قِطْعَةَ قُمَاشٍ. وَفِيهَا قَبَضَ صَاحِبُ مِصْرَ عَلَى وَزِيرِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَازُورِيِّ، وَأَخَذَ خَطَّهُ بِثَلَاثَةِ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأُحِيطَ عَلَى ثَمَانِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَدْ كَانَ هَذَا الْوَزِيرُ فَقِيهًا حَنَفِيًّا، يُحْسِنُ إِلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَهْلِ الْحَرَمَيْنِ، وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ أَبُو يُوسُفَ الْقَزْوِينِيُّ يُثْنِي عَلَيْهِ وَيَمْدَحُهُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ بْنَ الْمُطَهِّرِ بْنِ زِيَادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَنْوَرَ بْنِ أَسْحَمَ بْنِ أَرْقَمَ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ غَطَفَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ بَرِيحِ بْنِ جَذِيمَةَ بْنِ تَيْمِ اللَّهِ بْنِ أَسَدِ بْنِ وَبَرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ، أَبُو الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيُّ التَّنُوخِيُّ الشَّاعِرُ الْمَشْهُورُ بِالزَّنْدَقَةِ، اللُّغَوِيُّ، صَاحِبُ الدَّوَاوِينِ وَالْمُصَنَّفَاتِ فِي الشِّعْرِ وَاللُّغَةِ، وُلِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ
পৃষ্ঠা - ৯৮৭৯
غُرُوبِ الشَّمْسِ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَأَصَابَهُ جُدَرِيٌّ وَلَهُ أَرْبَعٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ، فَذَهَبَ بَصَرُهُ، وَقَالَ الشِّعْرَ وَلَهُ إِحْدَى عَشْرَةَ أَوْ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَدَخَلَ بَغْدَادَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، فَأَقَامَ بِهَا سَنَةً وَسَبْعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا طَرِيدًا مُنْهَزِمًا ; لِأَنَّهُ قَالَ شِعْرًا يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ دِينِهِ وَعِلْمِهِ وَعَقْلِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: تَنَاقُضٌ مَا لَنَا إِلَّا السُّكُوتُ لَهُ ... وَأَنْ نَعُوذَ بِمَوْلَانَا مِنَ النَّارِ يَدٌ بِخَمْسِ مِئِينَ عَسْجَدٍ فُدِيَتْ ... مَا بَالَهَا قُطِعَتْ فِي رُبْعِ دِينَارِ يَقُولُ: الْيَدُ دِيَتُهَا خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، فَمَا لَكُمْ تَقْطَعُونَهَا إِذَا سَرَقَتْ رُبْعَ دِينَارٍ. وَهَذَا مِنْ قِلَّةِ عَقْلِهِ، وَعَمَى بَصِيرَتِهِ ; وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذَا جُنِيَ عَلَيْهَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ دِيَتُهَا كَثِيرَةً ; لِيَنْزَجِرَ النَّاسُ عَنِ الْعُدْوَانِ، وَأَمَّا إِذَا جَنَتْ بِالسَّرِقَةِ فَيُنَاسِبُ أَنْ تَقِلَّ قِيمَتُهَا ; لِيُنْزَجَرَ عَنْ أَخْذِ الْأَمْوَالِ، وَتُصَانَ أَمْوَالُ النَّاسِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ ثَمِينَةً لَمَّا كَانَتْ أَمِينَةً، فَلَمَّا خَانَتْ هَانَتْ. وَلَمَّا عَزَمَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَخْذِهِ بِهَذَا الْكَلَامِ هَرَبَ وَرَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ، وَلَزِمَ مَنْزِلَهُ، فَكَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ. وَكَانَ يَوْمًا عِنْدَ الْخَلِيفَةِ ; وَكَانَ الْخَلِيفَةُ يَكْرَهُ الْمُتَنَبِّي، وَيَضَعُ مِنْهُ، وَكَانَ أَبُو الْعَلَاءِ يُحِبُّ الْمُتَنَبِّي وَيَرْفَعُ مِنْ قَدْرِهِ وَيَمْدَحُهُ، فَجَرَى ذِكْرُ الْمُتَنَبِّي فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، فَذَمَّهُ الْخَلِيفَةُ، فَقَالَ أَبُو الْعَلَاءِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَنَبِّي إِلَّا قَصِيدَتُهُ الَّتِي أَوَّلُهَا.
পৃষ্ঠা - ৯৮৮০
لَكِ يَا مَنَازِلُ فِي الْقُلُوبِ مَنَازِلُ لَكَفَاهُ ذَلِكَ. فَغَضِبَ الْخَلِيفَةُ، وَأَمَرَ بِهِ فَسُحِبَ بِرِجْلِهِ عَلَى وَجْهِهِ، وَقَالَ: أَخْرِجُوا عَنِّي هَذَا الْكَلْبَ. وَقَالَ الْخَلِيفَةُ: أَتَدْرُونَ مَا أَرَادَ هَذَا الْكَلْبُ مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ، وَذِكْرِهِ لَهَا؟ أَرَادَ قَوْلَ الْمُتَنَبِّي فِيهَا: وَإِذَا أَتَتْكَ مَذَمَّتِي مِنْ نَاقِصٍ ... فَهْيَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنِّي كَامِلُ وَإِلَّا فَالْمُتَنَبِّي لَهُ قَصَائِدُ أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ هَذَا. وَهَذَا مِنْ فَرْطِ ذَكَاءِ الْخَلِيفَةِ، حَيْثُ تَنَبَّهَ لِهَذَا. وَقَدْ كَانَ الْمَعَرِّيُّ أَيْضًا مِنَ الْأَذْكِيَاءِ، وَمَكَثَ الْمَعَرِّيُّ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ عُمُرِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا وَلَا لَبَنًا وَلَا بَيْضًا وَلَا شَيْئًا مِنْ حَيَوَانٍ، عَلَى طَرِيقَةِ الْبَرَاهِمَةِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ، وَيُقَالُ: إِنَّ رَاهِبًا اجْتَمَعَ بِهِ فِي بَعْضِ الصَّوَامِعِ ; آوَاهُ اللَّيْلُ إِلَيْهِ، فَشَكَّكَهُ فِي دِينِهِ. وَكَانَ يَتَقَوَّتُ بِالنَّبَاتِ، وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يَأْكُلُ الْعَدَسَ وَيَتَحَلَّى بِالدِّبْسِ وَبِالتِّينِ، وَلَا يَأْكُلُ بِحَضْرَةِ أَحَدٍ، وَيَقُولُ: أَكْلُ الْأَعْمَى عَوْرَةٌ. وَكَانَ فِي غَايَةِ الذَّكَاءِ الْمُفْرِطِ عَلَى مَا ذُكِرَ. وَأَمَّا مَا يُنْقَلُ عَنْهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمَكْذُوبَةِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنْ أَنَّهُ وُضِعَ تَحْتَ سَرِيرِهِ دِرْهَمٌ، فَقَالَ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ السَّمَاءُ قَدِ انْخَفَضَتْ مِقْدَارَ دِرْهَمٍ أَوِ ارْتَفَعَتِ الْأَرْضُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ كَذِبٌ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ مَرَّ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ بِمَكَانٍ فَطَأْطَأَ
পৃষ্ঠা - ৯৮৮১
رَأْسَهُ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَمَا هَاهُنَا شَجَرَةٌ! فَلَمْ يُوجَدْ، ثُمَّ نَظَرُوا فَإِذَا أَصْلُ شَجَرَةٍ كَانَتْ هُنَاكَ قَدِيمًا قَدِ اجْتَازَ بِهَا مَرَّةً، فَأَمَرَهُ مَنْ كَانَ مَعَهُ بِمُطَأْطَأَةِ رَأْسِهِ هُنَاكَ فَاسْتَحْضَرَهُ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ، فَهَذَا أَيْضًا لَا يَصِحُّ وَهُوَ كَذِبٌ. وَكَذَلِكَ مَا شَاكَلَ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْبَحْتِ وَلَكِنْ كَانَ ذَكِيًّا، وَلَمْ يَكُنْ زَكِيًّا. وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ أَكْثَرُهَا فِي الشِّعْرِ، وَفِي بَعْضِ أَشْعَارِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى زَنْدَقَةٍ وَانْحِلَالٍ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْتَذِرُ عَنْهُ وَيَقُولُ: كَانَ فِي الْبَاطِنِ مُسْلِمًا، وَإِنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَمَا الَّذِي كَانَ يُلْجِئُهُ أَنْ يَقُولَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَا يُكَفِّرُهُ بِهِ النَّاسُ؟ قَالَ: وَالْمُنَافِقُونَ مَعَ قِلَّةِ عَقْلِهِمْ وَعِلْمِهِمْ وَدِينِهِمْ أَجْوَدُ سِيَاسَةً مِنْهُ ; حَافَظُوا عَلَى قَبَائِحِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَهَذَا أَظْهَرَ الْكُفْرَ الَّذِي تَسَلَّطَ بِهِ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ بَاطِنَهُ كَظَاهِرِهِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَدْ رَأَيْتُ لِأَبِي الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيِّ كِتَابًا سَمَّاهُ " الْفُصُولَ وَالْغَايَاتِ فِي مُعَارَضَةِ السُّورِ وَالْآيَاتِ "، عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ فِي آخِرِ كَلِمَاتِهِ، وَهُوَ فِي نِهَايَةِ الرَّكَاكَةِ وَالْبُرُودَةِ، فَسُبْحَانَ مَنْ أَعْمَى بَصَرَهُ وَبَصِيرَتَهُ. قَالَ: وَقَدْ نَظَرْتُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى " لُزُومَ مَا لَا يَلْزَمُ ". ثُمَّ أَوْرَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ أَشْعَارِهِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِهْتَارِهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:
পৃষ্ঠা - ৯৮৮২
إِذَا كَانَ لَا يَحْظَى بِرِزْقِكَ عَاقِلٌ ... وَتَرْزُقُ مَجْنُونًا وَتَرْزُقُ أَحْمَقَا فَلَا ذَنْبَ يَا رَبَّ السَّمَاءِ عَلَى امْرِئٍ ... رَأَى مِنْكَ مَا لَا يَشْتَهِي فَتَزَنْدَقَا وَقَوْلُهُ: وَهَيْهَاتَ الْبَرِيَّةَ فِي ضَلَالٍ ... وَقَدْ نَظَرَ اللَّبِيبُ لِمَا اعْتَرَاهَا تَقَدَّمَ صَاحِبُ التَّوْرَاةِ مُوسَى ... وَأَوْقَعَ فِي الْخَسَارِ مَنِ افْتَرَاهَا فَقَالَ رِجَالُهُ وَحْيٌ أَتَاهُ ... وَقَالَ النَّاظِرُونَ بَلِ افْتَرَاهَا وَمَا حَجِّي إِلَى أَحْجَارِ بَيْتٍ ... كُئُوسِ الْخَمْرِ تُشْرَبُ فِي ذَرَاهَا إِذَا رَجَعَ الْحَلِيمُ إِلَى حِجَاهُ ... تَهَاوَنَ بِالْمَذَاهِبِ وَازْدَرَاهَا وَقَوْلُهُ: هَفَتِ الْحَنِيفَةُ وَالنَّصَارَى مَا اهْتَدَتْ ... وَيَهُودُ حَارَتْ وَالْمَجُوسُ مُضَلَّلَهْ اثْنَانِ أَهْلُ الْأَرْضِ ذُو عَقْلٍ بِلَا ... دِينٍ وَآخَرُ دَيِّنٌ لَا عَقْلَ لَهْ وَقَوْلُهُ: فَلَا تَحْسَبْ مَقَالَ الرُّسْلِ حَقًّا ... وَلَكِنْ قَوْلُ زُورٍ سَطَّرُوهُ
পৃষ্ঠা - ৯৮৮৩
فَكَانَ النَّاسُ فِي عَيْشٍ رَغِيدٍ ... فَجَاءُوا بِالْمُحَالِ فَكَدَّرُوهُ وَقُلْتُ أَنَا فِي مُعَارَضَةِ هَذَا: فَلَا تَحْسَبْ مَقَالَ الرُّسْلِ كِذْبًا ... وَلَكِنْ قَوْلُ حَقٍّ بَلَّغُوهُ وَكَانَ النَّاسُ فِي جَهْلٍ عَظِيمٍ ... فَجَاءُوا بِالْبَيَانِ فَأَذْهَبُوهُ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ: إِنَّ الشَّرَائِعَ أَلْقَتْ بَيْنَنَا إِحَنًا ... وَأَوْرَثَتْنَا أَفَانِينَ الْعَدَاوَاتِ وَهَلْ أُبِيحُ نِسَاءُ الرُّومِ عَنْ عُرُضٍ ... لِلْعُرْبِ إِلَّا بِأَحْكَامِ النُّبُوَّاتِ وَقَوْلُهُ: وَمَا حَمْدِي لِآدَمَ أَوْ بَنِيهِ ... وَأَشْهَدُ أَنَّ كُلَّهُمُ خَسِيسُ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ: أَفِيقُوا أَفِيقُوا يَا غُوَاةُ فَإِنَّمَا ... دِيَانَاتُكُمْ مَكْرٌ مِنَ الْقُدَمَاءِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْضًا:
পৃষ্ঠা - ৯৮৮৪
صَرْفُ الزَّمَانِ مُفَرِّقُ الْإِلْفَيْنِ ... فَاحْكُمْ إِلَهِي بَيْنَ ذَاكَ وَبَيْنِي أَنْهَيْتَ عَنْ قَتْلِ النُّفُوسِ تَعَمُّدًا ... وَبَعَثْتَ أَنْتَ لِقَبْضِهَا مَلَكَيْنِ وَزَعَمْتَ أَنَّ لَهَا مَعَادًا ثَانِيًا ... مَا كَانَ أَغْنَاهَا عَنِ الْحَالَيْنِ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ: ضَحِكْنَا وَكَانَ الضِّحْكُ مِنَّا سَفَاهَةً ... وَحُقَّ لِسُكَّانِ الْبَسِيطَةِ أَنْ يَبْكُوا تُحَطِّمُنَا الْأَيَّامُ حَتَّى كَأَنَّنَا ... زُجَاجٌ وَلَكِنْ لَا يَعُودُ لَهُ سَبْكُ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ: أُمُورٌ تَسْتَخِفُّ بِهَا حُلُومٌ ... وَمَا يَدْرِي الْفَتَى لِمَنِ الثُّبُورُ كِتَابُ مُحَمَّدٍ وَكِتَابُ مُوسَى ... وَإِنْجِيلُ ابْنِ مَرْيَمَ وَالزَّبُورُ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ: قَالَتْ مُعَاشِرُ لَمْ يَبْعَثْ إِلَهُكُمُ ... إِلَى الْبَرِيَّةِ عِيسَاهَا وَلَا مُوسَا وَإِنَّمَا جَعَلُوا الرَّحْمَنَ مَأْكَلَةً ... وَصَيَّرُوا دِينَهُمْ فِي النَّاسِ نَامُوسًا وَذُكِرَ لَهُ أَشْيَاءُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَكُلُّ قِطْعَةٍ مِنْ هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ وَانْحِلَالِهِ وَزَنْدَقَتِهِ وَضَلَالِهِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَوْصَى أَنْ يُكْتَبَ عَلَى قَبْرِهِ: هَذَا جَنَاهُ أَبِي عَلَيَّ ... وَمَا جَنَيْتُ عَلَى أَحَدْ مَعْنَاهُ أَنَّ أَبَاهُ بِتَزَوُّجِهِ لِأُمِّهِ أَوْقَعَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، حَتَّى صَارَ بِسَبَبِ ذَلِكَ إِلَى
পৃষ্ঠা - ৯৮৮৫
مَا إِلَيْهِ صَارَ، وَهُوَ لَمْ يَجْنِ عَلَى أَحَدٍ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ كُفْرٌ وَإِلْحَادٌ، قَبَّحَهُ اللَّهُ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَقْلَعَ عَنْ هَذَا كُلِّهِ وَتَابَ مِنْهُ، وَأَنَّهُ قَالَ قَصِيدَةً يَعْتَذِرُ فِيهَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ، وَيَتَنَصَّلُ مِنْهُ، وَهِيَ الْقَصِيدَةُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا: يَا مَنْ يَرَى مَدَّ الْبَعُوضِ جَنَاحَهَا ... فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ الْبَهِيمِ الْأَلْيَلِ وَيَرَى مَنَاطَ عُرُوقِهَا فِي نَحْرِهَا ... وَالْمْخُّ فِي تِلْكَ الْعِظَامِ النُّحَّلِ امْنُنْ عَلَيَّ بِتَوْبَةٍ تَمْحُو بِهَا ... مَا كَانَ مِنِّي فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ وَقَدْ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بِمَعَرَّةِ النُّعْمَانِ، عَنْ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً إِلَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقَدْ رَثَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَتَلَامِذَتِهِ، وَأُنْشِدَتْ عِنْدَ قَبْرِهِ ثَمَانُونَ مَرْثَاةً، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ فِي مَرْثَاتِهِ: إِنْ كُنْتَ لَمْ تُرِقِ الدِّمَاءَ زَهَاَدَةً ... فَلَقَدْ أَرَقْتَ الْيَوْمَ مِنْ جَفْنِي دَمَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَهَؤُلَاءِ إِمَّا جُهَّالٌ بِأَمْرِهِ، وَإِمَّا ضُلَّالٌ عَلَى مَذْهَبِهِ وَطَرِيقَتِهِ. وَقَدْ رَأَى بَعْضُهُمْ فِي النَّوْمِ رَجُلًا ضَرِيرًا عَلَى عَاتِقَيْهِ حَيَّتَانِ مُدَلَّيَتَانِ إِلَى صَدْرِهِ رَافِعَتَانِ رُءُوسَهُمَا، وَهُمَا يَنْهَشَانِ مِنْ لَحْمِهِ، وَهُوَ يَسْتَغِيثُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: هَذَا الْمَعَرِّيُّ الْمُلْحِدُ. وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ فِي " الْوَفَيَاتِ " فَرَفَعَ فِي نَسَبِهِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ ذَكَرَ لَهُ مِنَ التَّصَانِيفِ كُتُبًا كَثِيرَةً، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ وَقَفَ عَلَى الْمُجَلَّدِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْمِائَةِ مِنْ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِ " الْأَيْكِ وَالْغُصُونِ ".
পৃষ্ঠা - ৯৮৮৬
وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِ " الْهَمْزِ وَالرِّدْفِ "، وَأَنَّهُ أَخَذَ الْعَرَبِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ، وَاشْتَغَلَ بِحَلَبَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ النَّحْوِيِّ، وَأَخَذَ عَنْهُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ، وَالْخَطِيبُ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ التِّبْرِيزِيُّ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مَكَثَ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ عَلَى طَرِيقَةِ الْحُكَمَاءِ، وَأَنَّهُ أَوْصَى أَنْ يَكْتُبَ عَلَى قَبْرِهِ: هَذَا جَنَاهُ أَبِي عَلَيَّ ... وَمَا جَنَيْتُ عَلَى أَحَدْ قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَهَذَا أَيْضًا مُتَعَلِّقٌ بِاعْتِقَادِ الْحُكَمَاءِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِيجَادُ الْوَلَدِ وَإِخْرَاجُهُ إِلَى هَذَا الْوُجُودِ جِنَايَةٌ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ يَتَعَرَّضُ لِلْحَوَادِثِ وَالْآفَاتِ. قُلْتُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنِ اعْتِقَادِ الْحُكَمَاءِ إِلَى آخِرِ وَقْتٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يُقْلِعْ عَنْ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِظَوَاهِرِ الْأُمُورِ وَبَوَاطِنِهَا. وَذَكَرَ ابْنُ خَلِّكَانَ أَنَّ عَيْنَهُ الْيُمْنَى كَانَتْ نَاتِئَةً، وَعَلَيْهَا بَيَاضٌ، وَالْيُسْرَى غَائِرَةٌ، وَكَانَ نَحِيفًا، ثُمَّ أَوْرَدَ مِنْ أَشْعَارِهِ الْجَيِّدَةِ أَبْيَاتًا، فَمِنْهَا قَوْلُهُ: لَا تَطْلُبَنَّ بَآلَةٍ لَكَ رُتْبَةً ... قَلَمُ الْبَلِيغِ بِغَيْرِ جَدٍّ مَغْزَلُ سَكَنَ السِّمَاكَانَ السَّمَاءَ كِلَاهُمَا ... هَذَا لَهُ رُمْحٌ وَهَذَا أَعْزَلُ الْأُسْتَاذُ أَبُو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ، إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ
পৃষ্ঠা - ৯৮৮৭
إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَابِدٍ النَّيْسَابُورِيُّ الْحَافِظُ الْوَاعِظُ الْمُفَسِّرُ، قَدِمَ دِمَشْقَ وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى الْحَجِّ، فَسَمِعَ بِهَا وَذَكَّرَ النَّاسَ، وَقَدْ تَرْجَمَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ تَرْجَمَةً عَظِيمَةً، وَأَوْرَدَ لَهُ أَشْيَاءَ حَسَنَةً مِنْ أَقْوَالِهِ وَشِعْرِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: إِذَا لَمْ أُصِبْ أَمْوَالَكُمْ وَنَوَالَكُمْ ... وَلَمْ آمُلِ الْمَعْرُوفَ مِنْكُمْ وَلَا الْبِرَّا وَكُنْتُمْ عَبِيدًا لِلَّذِي أَنَا عَبْدُهُ ... فَمِنْ أَجْلِ مَاذَا أُتْعِبُ الْبَدَنَ الْحُرَّا وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَتَرَدَّدُ وَأَنَا بِمَكَّةَ فِي الْمَذَاهِبِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: عَلَيْكَ بِاعْتِقَادِ أَبِي عُثْمَانَ الصَّابُونِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
পৃষ্ঠা - ৯৮৮৮
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا كَانَتْ فِتْنَةُ الْخَبِيثِ الْبَسَاسِيرِيِّ وَهُوَ أَرْسَلَانُ التُّرْكِيُّ - قَبَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَذَلِكَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ يَنَّالَ أَخَا الْمَلِكِ طُغْرُلْبَكَ تَرَكَ الْمَوْصِلَ الَّذِي كَانَ قَدِ اسْتَعْمَلَهُ أَخُوهُ عَلَيْهَا، وَعَدَلَ إِلَى نَاحِيَةِ بِلَادِ الْجَبَلِ، فَاسْتَدْعَاهُ أَخُوهُ وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَأَصْلَحَ أَمْرَهُ، وَلَكِنْ فِي غُبُونِ ذَلِكَ رَكِبَ الْبَسَاسِيرِيُّ وَمَعَهُ قُرَيْشُ بْنُ بَدْرَانَ أَمِيرُ الْعَرَبِ إِلَى الْمَوْصِلِ فَأَخَذَهَا، وَأَخْرَبَ قَلْعَتَهَا، فَسَارَ الْمَلِكُ طُغْرُلْبَكُ سَرِيعًا مِنْ بَغْدَادَ إِلَى الْمَوْصِلِ فَاسْتَرَدَّهَا، وَهَرَبَ مِنْهُ الْبَسَاسِيرِيُّ وَقُرَيْشٌ ; خَوْفًا مِنْهُ فَتَبِعَهُمَا إِلَى نَصِيبِينَ وَفَارَقَهُ أَخُوهُ إِبْرَاهِيمُ وَعَصَى عَلَيْهِ، وَهَرَبَ إِلَى هَمَذَانَ وَذَلِكَ بِإِشَارَةِ الْبَسَاسِيرِيِّ عَلَيْهِ فَسَارَ الْمَلِكُ طُغْرُلْبَكُ وَرَاءَ أَخِيهِ، وَتَرَكَ عَسَاكِرَهُ وَرَاءَهُ، فَتَفَرَّقُوا، وَقَلَّ مَنْ لَحِقَهُ مِنْهُمْ، وَرَجَعَتْ زَوْجَتُهُ الْخَاتُونُ وَوَزِيرُهُ الْكُنْدُرِيُّ إِلَى بَغْدَادَ، ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرُ بِأَنَّ أَخَاهُ قَدِ اسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ، وَأَنَّ طُغْرُلْبَكَ مَحْصُورٌ بِهَمَذَانَ، فَانْزَعَجَ النَّاسُ لِذَلِكَ، وَاضْطَرَبَتْ بَغْدَادُ، وَأَرْجَفَ النَّاسُ بِأَنَّ الْبَسَاسِيرِيَّ عَازِمٌ عَلَى قَصْدِ بَغْدَادَ، وَأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مِنَ الْأَنْبَارِ فَقَوِيَ عَزْمُ الْكُنْدُرِيِّ الْوَزِيرِ عَلَى الْمُقَامِ بِبَغْدَادَ، فَأَرَادَتْ الْخَاتُونُ أَنْ تَقْبِضَ عَلَيْهِ، فَتَحَوَّلَ إِلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، وَنُهِبَتْ دَارُهُ، وَقُطِعَ الْجِسْرُ الَّذِي بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ، وَرَكِبَتْ الْخَاتُونُ فِي جُمْهُورِ الْجَيْشِ، وَذَهَبَتْ إِلَى
পৃষ্ঠা - ৯৮৮৯
هَمَذَانَ لِتَنْصُرَ زَوْجَهَا وَسَارَ الْكُنْدُرِيُّ وَمَعَهُ أَنُوشِرْوَانَ بْنُ تُومَانَ وَأُمُّهُ الْخَاتُونُ الْمَذْكُورَةُ، وَمَعَهَا بَقِيَّةُ الْجَيْشِ إِلَى بِلَادِ الْأَهْوَازِ، وَبَقِيَتْ بَغْدَادُ لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ، فَعَزَمَ الْخَلِيفَةُ عَلَى التَّرَحُّلِ عَنْ بَغْدَادَ إِلَى غَيْرِهَا، وَلَيْتَهُ فَعَلَ، ثُمَّ أَحَبَّ دَارَهُ وَالْمُقَامَ مَعَ أَهْلِهِ، فَمَكَثَ فِيهَا اغْتِرَارًا وَدَعَةً، وَلَمَّا خَلَا الْبَلَدُ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ قِيلَ لِلنَّاسِ: مَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ فَلْيَذْهَبْ حَيْثُ شَاءَ. فَانْزَعَجَ النَّاسُ، وَبَكَى الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالْأَطْفَالُ، وَعَبَرَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، وَبَلَغَتِ الْمِعْبَرَةُ دِينَارًا وَدِينَارَيْنِ لِعَدَمِ الْجِسْرِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَطَارَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ عَلَى دَارِ الْخَلِيفَةِ نَحْوُ عَشْرِ بُومَاتٍ مُجْتَمِعَاتٍ يَصِحْنَ صِيَاحًا مُزْعِجًا، وَقِيلَ لِرَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ: مِنَ الْمَصْلَحَةِ أَنَّ الْخَلِيفَةَ يَرْتَحِلُ مِنْ بَغْدَادَ لِعَدَمِ الْمُقَاتِلَةِ بِهَا، فَلَمْ يَقْبَلْ. وَشَرَعُوا فِي اسْتِخْدَامِ طَائِفَةٍ مِنَ الْعَوَامِّ، وَدُفِعَ إِلَيْهِمُ السِّلَاحُ مِنْ دَارِ الْمَمْلَكَةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، دَخَلَ الْبَسَاسِيرِيُّ إِلَى بَغْدَادَ وَمَعَهُ الرَّايَاتُ الْبِيضُ الْمِصْرِيَّةُ، وَعَلَى رَأْسِهِ أَعْلَامٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا: الْإِمَامُ الْمُسْتَنْصِرُ بِاللَّهِ أَبُو تَمِيمٍ مَعَدٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَلَقَّاهُ أَهْلُ الْكَرْخِ فَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْتَازَ عِنْدَهُمْ، فَدَخَلَ الْكَرْخَ، وَخَرَجَ إِلَى مَشْرَعَةِ الرَّوَايَا، فَخَيَّمَ بِهَا، وَالنَّاسُ إِذْ ذَاكَ فِي ضُرٍّ وَمَجَاعَةٍ شَدِيدَةٍ، وَنَزَلَ قُرَيْشُ بْنُ بَدْرَانَ فِي نَحْوٍ مِنْ مِائَتَيْ فَارِسٍ عَلَى مَشْرَعَةِ بَابِ الْبَصْرَةِ، وَكَانَ الْبَسَاسِيرِيُّ قَدْ جَمَعَ الْعَيَّارِينَ وَأَطْمَعَهُمْ فِي نَهْبِ دَارِ الْخِلَافَةِ، وَنَهَبَ أَهْلُ الْكَرْخِ دُورَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِبَابِ
পৃষ্ঠা - ৯৮৯০
الْبَصْرَةِ وَنُهِبَتْ دَارُ قَاضِي الْقُضَاةِ الدَّامَغَانِيِّ، وَهَلَكَ أَكْثَرُ السِّجِلَّاتِ وَالْكُتُبِ الْحُكْمِيَّةِ وَأُبِيعَتْ لِلْعَطَّارِينَ، وَنُهِبَتْ دُورُ الْمُتَعَلِّقِينَ بِالْخَلِيفَةِ، وَأَعَادَتِ الرَّوَافِضُ الْأَذَانَ بِحَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، وَأُذِّنَ بِهِ فِي سَائِرِ جَوَامِعِ بَغْدَادَ فِي الْجُمُعَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَخُطِبَ بِبَغْدَادَ لِلْمُسْتَنْصِرِ الْعُبَيْدِيِّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الْفَاطِمِيُّ، عَلَى مَنَابِرِ بَغْدَادَ وَضُرِبَتْ لَهُ السِّكَّةُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَحُوصِرَتْ دَارُ الْخِلَافَةِ، فَحَاجَفَ الْوَزِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْمُسْلِمَةِ الْمُلَقَّبُ بِرَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْتَخْدِمِينَ دُونَهَا، فَلَمْ يَفِدْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَرَكِبَ الْخَلِيفَةُ بِالسَّوَادِ وَالْبُرْدَةِ عَلَى كَتِفِهِ، وَعَلَى رَأْسِهِ اللِّوَاءُ، وَبِيَدِهِ سَيْفٌ مُصَلَّتٌ، وَحَوْلَهُ زُمْرَةٌ مِنَ الْهَاشِمِيِّينَ، وَالْجَوَارِي حَاسِرَاتٍ عَنْ وُجُوهِهِنَّ، نَاشِرَاتٍ شُعُورَهُنَّ، مَعَهُنَّ الْمَصَاحِفُ عَلَى رُءُوسِ الرِّمَاحِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْخَدَمُ بِالسُّيُوفِ الْمُسَلَّلَةِ، ثُمَّ إِنَّ الْخَلِيفَةَ أَخَذَ ذِمَامًا مِنْ أَمِيرِ الْعَرَبِ قُرَيْشِ بْنِ بَدْرَانَ لِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَزِيرِهِ ابْنِ الْمُسْلِمَةِ فَأَمَّنَهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَنْزَلَهُ فِي خَيْمَةٍ، فَلَامَهُ الْبَسَاسِيرِيُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ مَا كَانَ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ مِنْ أَنَّكَ لَا تَسْتَبِدُّ بِرَأْيِ دُونِي وَلَا أَنَا دُونَكَ، وَمَهْمَا مَلَكْنَا فَبَيْنِي وَبَيْنَكَ. وَاسْتَحْضَرَ الْبَسَاسِيرِيُّ أَبَا الْقَاسِمِ بْنَ مُسْلِمَةَ فَوَبَّخَهُ تَوْبِيخًا، وَلَامَهُ لَوْمًا شَدِيدًا، ثُمَّ ضَرَبَهُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا، وَاعْتَقَلَهُ مُهَانًا عِنْدَهُ، وَنَهَبَتِ الْعَامَّةُ دَارَ الْخِلَافَةِ، فَلَا يُحْصَى مَا أَخَذُوا مِنْهَا مِنَ الْجَوَاهِرِ وَالنَّفَائِسِ وَالدِّيبَاجِ وَالْأَثَاثِ وَالثِّيَابِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُوصَفُ. ثُمَّ اتَّفَقَ رَأْيُ الْبَسَاسِيرِيِّ وَقُرَيْشِ بْنِ بَدْرَانَ عَلَى تَسْيِيرِ الْخَلِيفَةِ مِنْ بَغْدَادَ وَتَسْلِيمِهِ إِلَى أَمِيرِ حَدِيثَةِ عَانَةَ - وَهُوَ مُهَارِشُ بْنُ مُجَلِّي الْبَدَوِيُّ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَمِّ قُرَيْشِ بْنِ بَدْرَانَ، وَكَانَ رَجُلًا
পৃষ্ঠা - ৯৮৯১
صَالِحًا - فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْخَلِيفَةَ دَخَلَ عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ بَغْدَادَ فَلَمْ يَفِدْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَسَيَّرَهُ مَعَ أَصْحَابِهِمَا فِي هَوْدَجٍ إِلَى حَدِيثَةِ عَانَةَ، فَكَانَ عِنْدَ مُهَارِشٍ أَمِيرِهَا حَوْلًا كَامِلًا، وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَحُكِيَ عَنِ الْخَلِيفَةِ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا كُنْتُ بِحَدِيثَةِ عَانَةَ قُمْتُ لَيْلَةً إِلَى الصَّلَاةِ، فَوَجَدْتُ فِي قَلْبِي حَلَاوَةَ الْمُنَاجَاةِ، ثُمَّ دَعَوْتُ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا سَنَحَ لِي، ثُمَّ قُلْتُ: اللَّهُمَّ أَعِدْنِي إِلَى وَطَنِي، وَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَهْلِي وَوَلَدِي، وَيَسِّرِ اجْتِمَاعَنَا، وَأَعِدْ رَوْضَ الْأُنْسِ زَاهِرًا، وَرَبْعَ الْقُرْبِ عَامِرًا، فَقَدْ قَلَّ الْعَزَاءُ، وَبَرِحَ الْخَفَاءُ، قَالَ: فَسَمِعْتُ قَائِلًا عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ يَقُولُ: نَعَمْ نَعَمْ. فَقُلْتُ: هَذَا رَجُلٌ يُخَاطِبُ آخَرُ، ثُمَّ أَخَذْتُ فِي السُّؤَالِ وَالِابْتِهَالِ، فَسَمِعْتُ ذَلِكَ الصَّائِحَ يَقُولُ: إِلَى الْحَوْلِ، إِلَى الْحَوْلِ. فَعَلِمْتُ أَنَّهُ هَاتِفٌ أَنْطَقَهُ اللَّهُ بِمَا جَرَى الْأَمْرُ عَلَيْهِ، وَكَانَ كَذَلِكَ، خَرَجَ مِنْ دَارِهِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَرَجَعَ إِلَيْهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنَ السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَقَدْ قَالَ الْخَلِيفَةُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ فِي مَقَامِهِ بِالْحَدِيثَةِ شِعْرًا يَذْكُرُ فِيهِ حَالَهُ، فَمِنْهُ: خَابَتْ ظُنُونِي فِيمَنْ كُنْتُ آمُلُهُ ... وَلَمْ يَجُلْ ذِكْرُ مَنْ وَالَيْتُ فِي خَلَدِي تَعَلَّمُوا مِنْ صُرُوفِ الدَّهْرِ كُلُّهُمُ ... فَمَا أَرَى أَحَدًا يَحْنُو عَلَى أَحَدِ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ: مَا لِي مِنَ الْأَيَّامِ إِلَّا مَوْعِدٌ ... فَمَتَى أَرَى ظُفْرًا بِذَاكَ الْمَوْعِدِ يَوْمِي يَمُرُّ وَكُلَّمَا قَضَّيْتُهُ ... عَلَّلْتُ نَفْسِي بِالْحَدِيثِ إِلَى غَدِ أَحْيَا بِنَفْسٍ تَسْتَرِيحُ إَلَى الْمُنَى ... وَعَلَى مَطَامِعِهَا تَرُوحُ وَتَغْتَدِي
পৃষ্ঠা - ৯৮৯২
وَأُمًّا الْبَسَاسِيرِيُّ وَمَا اعْتَمَدَهُ فِي بَغْدَادَ فَإِنَّهُ رَكِبَ يَوْمَ عِيدِ الْأَضْحَى، وَأَلْبَسَ الْخُطَبَاءَ وَالْمُؤْمِنِينَ الْبَيَاضَ، وَعَلَيْهِ هُوَ وَأَصْحَابِهِ كَذَلِكَ، وَعَلَى رَأْسِهِ الْأَلْوِيَةُ الْمُسْتَنْصِرِيَّةُ وَالْمَطَارِدُ الْمِصْرِيَّةُ، وَخَطَبَ لِلْمُسْتَنْصِرِ الْفَاطِمِيِّ صَاحِبِ مِصْرَ، وَالرَّوَافِضُ فِي غَايَةِ السُّرُورِ، وَالْأَذَانُ فِي سَائِرِ بِلَادِ الْعِرَاقِ بِحَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، وَانْتَقَمَ الْبَسَاسِيرِيُّ مِنْ أَعْيَانِ أَهْلِ بَغْدَادَ انْتِقَامًا عَظِيمًا، وَغَرَّقَ خَلْقًا مِمَّنْ كَانَ يُعَادِيهِ، وَبَسَطَ عَلَى آخَرِينَ الْأَرْزَاقَ وَالْعَطَايَا. وَمَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أُحْضِرَ إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ الْوَزِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ ابْنُ الْمُسْلِمَةِ الْمُلَقَّبُ بِرَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ، وَطُرْطُورٌ مِنْ لِبْدٍ أَحْمَرَ، وَفِي رَقَبَتِهِ مِخْنَقَةٌ مِنْ جُلُودٍ كَالتَّعَاوِيذِ، فَأُرْكِبَ جَمَلًا وَطِيفَ بِهِ فِي الْبَلَدِ، وَخَلْفَهُ مَنْ يَصْفَعُهُ بِقِطْعَةٍ مِنْ جِلْدٍ، وَحِينَ اجْتَازَ بِالْكَرْخِ نَثَرُوا عَلَيْهِ خُلْقَانَ الْمُدَاسَاتِ، وَبَصَقُوا فِي وَجْهِهِ، وَلَعَنُوهُ وَسَبُّوهُ، وَأُوقِفَ بِإِزَاءِ دَارِ الْخِلَافَةِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَتْلُو قَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءِ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26] ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنَ التَّطْوَافِ بِهِ فِي مَحَالِّ الْبَلَدِ، وَأُعِيدَ إِلَى الْمُعَسْكَرِ، فَأُلْبِسَ جِلْدَ ثَوْرٍ بِقَرْنَيْهِ، وَعُلِّقَ بِكَلُّوبٍ فِي شِدْقَيْهِ، وَرُفِعَ إِلَى الْخَشَبَةِ حَيًّا، فَجَعَلَ يَضْطَرِبُ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ، فَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَكَانَ آخِرُ كَلَامِهِ أَنْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانِي سَعِيدًا وَأَمَاتَنِي شَهِيدًا. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقَعَ بَرَدٌ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ أَهْلَكَ كَثِيرًا مِنَ الْغَلَّاتِ، وَقُتِلَ بَعْضُ الْفَلَّاحِينَ، وَزَادَتْ دِجْلَةُ زِيَادَةً عَظِيمَةً، وَزُلْزِلَتْ بَغْدَادُ فِي شَوَّالٍ قَبْلَ الْفِتْنَةِ بِشَهْرٍ
পৃষ্ঠা - ৯৮৯৩
زِلْزَالًا شَدِيدًا، فَتَهَدَّمَتْ دُورٌ كَثِيرَةٌ، وَوَرَدَتِ الْأَخْبَارُ أَنَّهَا اتَّصَلَتْ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى هَمَذَانَ وَوَاسِطٍ وَعَانَةَ وَتِكْرِيتَ، وَذُكِرَ أَنَّ الطَّوَاحِينَ وَقَفَتْ مِنْ شِدَّةِ الزَّلَازِلِ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَثُرَ النَّهْبُ بِبَغْدَادَ حَتَّى كَانَتِ الْعَمَائِمُ تُخْطَفُ عَنِ الرُّءُوسِ، حَتَّى إِنَّ الشَّيْخَ أَبَا نَصْرِ بْنَ الصَّبَّاغِ خُطِفَتْ عِمَامَتُهُ وَطَيْلَسَانُهُ، وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَفِي أَوَاخِرِ هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ السُّلْطَانُ طُغْرُلْبَكُ مِنْ هَمَذَانَ فَقَاتَلَ أَخَاهُ، وَانْتَصَرَ عَلَيْهِ، فَفَرِحَ النَّاسُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ فَتَبَاشَرَ النَّاسُ بِذَلِكَ، وَكَثُرَ سُرُورُهُمْ وَفَرَحُهُمْ، وَلَمْ يُظْهِرُوا ذَلِكَ خَوْفًا مِنَ الْبَسَاسِيرِيِّ، وَاسْتَنْجَدَ طُغْرُلْبَكُ بِأَوْلَادِ أَخِيهِ دَاوُدَ - وَكَانَ قَدْ مَاتَ - وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْجُنُودِ عَلَى أَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ يَنَّالَ، فَغَلَبُوهُ وَأَسَرُوهُ وَذَلِكَ فِي أَوَائِلِ سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى عَمِّهِمْ طُغْرُلْبَكَ فَسَارَ بِهِمْ نَحْوَ الْعِرَاقِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْوَنِّيُّ الْفَرَضِيُّ وَهُوَ شَيْخُ الْخَبْرِيِّ، وَكَانَ شَافِعِيُّ الْمَذْهَبِ، قُتِلَ بِبَغْدَادَ فِي فِتْنَةِ الْبَسَاسِيرِيِّ، وَدُفِنِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
পৃষ্ঠা - ৯৮৯৪
دَاوُدُ أَخُو طُغْرُلْبَكَ الْأَكْبَرُ كَانَ مُقِيمًا بِبَلْخَ بِإِزَاءِ أَوْلَادِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ، تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَامَ أَوْلَادُهُ مَقَامَهُ. طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرِ بْنِ عُمَرَ، أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ الْفَقِيهُ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، وُلِدَ بِآمُلَ طَبَرِسْتَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَسَمِعَ بِجُرْجَانَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيِّ، وَبِنَيْسَابُورَ مِنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَاسَرْجِسِيِّ، وَعَلَيْهِ دَرَسَ الْفِقْهَ، وَتَفَقَّهَ أَيْضًا عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الزَّجَّاجِيِّ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ كَجٍّ، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِبَغْدَادَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ، وَشَرَحَ " الْمُخْتَصَرَ " وَ " فُرُوعَ ابْنِ الْحَدَّادِ "، وَصَنَّفَ فِي الْأُصُولِ وَالْجَدَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُلُومِ الْكَثِيرَةِ النَّافِعَةِ، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ، وَوَلِيَ الْقَضَاءَ بِرَبْعِ الْكَرْخِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيِّ، وَكَانَ ثِقَةً دَيِّنًا وَرِعًا، عَالِمًا بِأُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ، وَلَهُ الْمُصَنَّفَاتُ الْبَاهِرَةُ فِي ذَلِكَ، سَلِيمَ الصَّدْرِ، مُوَاظِبًا عَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَقَدْ ذَكَرْتُ تَرْجَمَتَهُ فِي " الطَّبَقَاتِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ. وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ عَنْهُ - وَكَانَ شَيْخَهُ، وَقَدْ أَجْلَسَهُ بَعْدَهُ فِي الْحَلْقَةِ - أَنَّهُ أَسْلَمَ خُفًّا لَهُ عِنْدَ خَفَّافٍ ; لِيُصْلِحَهُ لَهُ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَكَانَ كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أَخَذَهُ فَغَمَسَهُ فِي الْمَاءِ، وَقَالَ: السَّاعَةَ السَّاعَةَ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: إِنَّمَا