আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ৯৭৫৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ عِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا سَقَطَ بِنَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ مَطَرٌ شَدِيدٌ مَعَهُ بَرَدٌ كِبَارٌ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: حُزِرَتِ الْبَرَدَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْهُ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ رِطْلًا، وَغَاصَتْ فِي الْأَرْضِ نَحْوًا مِنْ ذِرَاعٍ. وَرَدَ كِتَابٌ مِنْ يَمِينِ الدَّوْلَةِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ أَنَّهُ أَحَلَّ بِطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ مِنَ الْبَاطِنِيَّةِ وَالرَّوَافِضِ قَتْلًا ذَرِيعًا، وَصَلْبًا شَنِيعًا، وَأَنَّهُ انْتَهَبَ أَمْوَالَ رَئِيسِهِمْ رُسْتُمَ بْنِ عَلِيٍّ الدَّيْلِمِيِّ، فَحَصَّلَ مَا يُقَارِبُ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَقَدْ كَانَ فِي حِبَالَتِهِ نَحْوٌ مَنْ خَمْسِينَ امْرَأَةً حُرَّةً، وَقَدْ وَلَدْنَ لَهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَلَدًا مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَكَانُوا يَرَوْنَ إِبَاحَةَ ذَلِكَ. وَفِي رَجَبٍ مِنْهَا انْقَضَتْ كَوَاكِبُ كَثِيرَةٌ شَدِيدَةُ الصَّوْتِ قَوِيَّةُ الضَّوْءِ. وَفِي شَعْبَانَ كَثُرَتِ الْعَمَلَاتُ، وَضَعُفَتْ رِجَالُ الْمَعُونَةِ عَنْ مُقَاوَمَةِ الْعَيَّارِينَ. وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ثَامِنَ عَشَرَ مِنْهُ غَارَ مَاءُ دِجْلَةَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيلُ، وَوَقَفَتِ الْأَرْحَاءُ، وَتَعَذَّرَ الطَّحْنُ.
পৃষ্ঠা - ৯৭৬০
وَفِي هَذَا الْيَوْمِ جُمِعَ الْقُضَاةُ وَالْعُلَمَاءُ فِي دَارِ الْخِلَافَةِ، وَقُرِئَ عَلَيْهِمْ كِتَابٌ جَمَعَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْقَادِرُ بِاللَّهِ فِيهِ مَوَاعِظُ وَتَفَاصِيلُ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالرَّدُّ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَفِي الْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ جُمِعُوا أَيْضًا، وَقُرِئَ عَلَيْهِمْ كِتَابٌ آخَرُ جَمَعَهُ الْخَلِيفَةُ أَيْضًا فِيهِ أَخْبَارٌ وَمَوَاعِظُ، وَالرَّدُّ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ، وَتَفْسِيقُ مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَصِفَةُ مَا وَقَعَ بَيْنَ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَتَّانِيِّ مِنَ الْمُنَاظَرَةِ، ثُمَّ خَتَمَ الْقَوْلَ بِالْوَعْظِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَخَذَ خُطُوطَ الْحَاضِرِينَ بِالْمُوَافَقَةِ لِمَا سَمِعُوهُ. وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ غُرَّةِ ذِي الْقَعْدَةِ جُمِعُوا أَيْضًا كُلُّهُمْ، وَقُرِئَ عَلَيْهِمْ كِتَابٌ آخَرُ طَوِيلٌ يَتَضَمَّنُ بَيَانَ السُّنَّةِ، وَالرَّدَّ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ، وَمُنَاظَرَةَ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَالْكَتَّانِيِّ، وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَفَضْلَ الصَّحَابَةِ، وَذِكْرَ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَلَمْ يَفْرَغُوا مِنْهُ إِلَّا بَعْدَ الْعَتَمَةِ، وَأُخِذَتْ خُطُوطُهُمْ بِمُوَافَقَةِ مَا سَمِعُوهُ، وَعُزِلَ خُطَبَاءُ الشِّيعَةِ، وَوَلِيَ خُطَبَاءُ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَجَرَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ بِمَسْجِدِ بَرَاثَا، وَضَرَبُوا الْخَطِيبَ السُّنِّيَّ بِالْآجُرِّ حَتَّى كَسَرُوا أَنْفَهُ وَخَلَعُوا كَتِفَهُ، فَانْتَصَرَ لَهُ الْخَلِيفَةُ وَأَهَانَ الشِّيعَةَ وَأَذَلَّهُمْ، حَتَّى جَاءُوا يَعْتَذِرُونَ مِمَّا صَنَعُوا، وَأَنَّهُ مَا تَعَاطَاهُ إِلَّا سُفَهَاؤُهُمْ وَسَقَطُهُمْ. وَلَمْ يَتَمَكَّنْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْحَجِّ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
পৃষ্ঠা - ৯৭৬১
الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْهُبَيْشِ، أَبُو عَلِيٍّ الزَّاهِدُ أَحَدُ الْعُبَّادِ وَالزُّهَّادِ وَأَصْحَابِ الْأَحْوَالِ، دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْوُزَرَاءِ فَقَبَّلَ يَدَهُ، فَعُوتِبَ الْوَزِيرُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: كَيْفَ لَا أُقَبِّلُ يَدًا مَا امْتَدَّتْ إِلَّا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؟! عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ الْفَرَجِ بْنِ صَالِحٍ، أَبُو الْحَسَنِ الرَّبَعِيُّ النَّحْوِيُّ أَخَذَ الْعَرَبِيَّةَ أَوَّلًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ السِّيرَافِيِّ، ثُمَّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ، وَلَازَمَهُ عِشْرِينَ سَنَةً حَتَّى كَانَ يَقُولُ: قُولُوا لَهُ: لَوْ سَارَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا أَنْحَى مِنْهُ. وَكَانَ يَوْمًا يَمْشِي عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ إِذْ نَظَرَ إِلَى الشَّرِيفَيْنِ الرَّضِيِّ وَالْمُرْتَضَى فِي سَفِينَةٍ، وَمَعَهُمَا عُثْمَانُ بْنُ جِنِّيٍّ، فَقَالَ لَهُمَا: مِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ أَنَّ عُثْمَانَ مَعَكُمَا، وَعَلِيٌّ بَعِيدٌ مِنْكُمَا يَمْشِي عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ ثِنْتَيْنِ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِبَابِ الدَّيْرِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَتْبَعْ جِنَازَتَهُ سِوَى ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ. أَسَدُ الدَّوْلَةِ، أَبُو عَلِيٍّ صَالِحُ بْنُ مِرْدَاسِ بْنِ إِدْرِيسَ الْكِلَابِيُّ أَوَّلُ مُلُوكِ بَنِي مِرْدَاسٍ بِحَلَبَ، انْتَزَعَهَا مِنْ يَدَيْ نَائِبِهَا الظَّاهِرِ بْنِ الْحَاكِمِ الْعُبَيْدِيِّ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، ثُمَّ جَاءَهُ جَيْشٌ كَثِيفٌ مِنْ مِصْرَ، فَاقْتَتَلُوا، فَقُتِلَ أَسَدُ الدَّوْلَةِ هَذَا فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَقَامَ حَفِيدُهُ نَصْرٌ.
পৃষ্ঠা - ৯৭৬২
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] لَمَّا كَانَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ، الْكَبِيرُ الْمُثَاغِرُ، الْمُرَابِطُ الْمُؤَيَّدُ، الْمَنْصُورُ الْمُجَاهِدُ، يَمِينُ الدَّوْلَةِ أَبُو الْقَاسِمِ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ، صَاحِبُ بِلَادِ غَزْنَةَ وَتِلْكَ الْمَمَالِكِ الْكِبَارِ، وَفَاتِحُ أَكْثَرِ بِلَادِ الْهِنْدِ قَهْرًا، وَكَاسِرُ بُدُودِهِمْ وَأَوْثَانِهِمْ كَسْرًا، وَقَاهِرُ هُنُودِهِمْ وَسُلْطَانِهِمُ الْأَعْظَمِ قَهْرًا، وَقَدْ تَمَرَّضَ نَحْوًا مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ يَضْطَجِعْ فِيهِمَا عَلَى فِرَاشٍ وَلَا تَوَسَّدَ وِسَادًا، بَلْ كَانَ يَنَامُ قَاعِدًا حَتَّى مَاتَ كَذَلِكَ، وَذَلِكَ لِشَهَامَتِهِ وَصَرَامَتِهِ وَقُوَّةِ عَزْمِهِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ سِتُّونَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ عَهِدَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ مُحَمَّدٍ، فَلَمْ يَتِمَّ أَمْرُهُ حَتَّى غَافَصَهُ أَخُوهُ مَسْعُودُ بْنُ مَحْمُودٍ، فَاسْتَحْوَذَ عَلَى مَمَالِكِ أَبِيهِ، مَعَ مَا كَانَ إِلَيْهِ مِمَّا يَلِيَهُ وَفَتَحَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ مِنْ بِلَادِ الْكُفَّارِ ; مِنَ الرَّسَاتِيقِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ، فَاسْتَقَرَّتْ لَهُ الْمَمَالِكُ شَرْقًا وَغَرْبًا فِي تِلْكَ النَّوَاحِي فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْعَامِ، وَجَاءَتْهُ الرُّسُلُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَمِنْ كُلِّ مَلِكٍ هُمَامٍ، بِالتَّحِيَّةِ وَالسَّلَامِ وَالْإِكْرَامِ، وَسَتَأْتِي تَرْجَمَةُ الْمَلِكِ مَحْمُودٍ فِي الْوَفِيَّاتِ. وَفِيهَا اسْتَحْوَذَتِ السَّرِيَّةُ الَّتِي كَانَ بَعَثَهَا الْمَلِكُ مَحْمُودٌ إِلَى بِلَادِ الْهِنْدِ عَلَى
পৃষ্ঠা - ৯৭৬৩
أَكْبَرِ مَدَائِنِهِمْ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ نَرْسَى، دَخَلُوهَا فِي نَحْوِ مِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، مَا بَيْنَ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ، فَنَهَبُوا سُوقَ الْعِطْرِ وَالْجَوَاهِرِ بِهَا نَهَارًا كَامِلًا، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُحَوِّلُوا مَا فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ وَالْمِسْكِ وَالْجَوَاهِرِ وَاللَّآلِئِ وَالْيَوَاقِيتِ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَدْرِ أَكْثَرُ أَهْلِهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِاتِّسَاعِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي غَايَةِ الْكِبَرِ، طُولُهَا مَسِيرَةُ مَنْزِلَةٍ مِنْ مَنَازِلِ الْهِنْدِ، وَعَرْضُهَا كَذَلِكَ، وَأُخِذَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالتُّحَفِ مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوصَفُ، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُمُ اقْتَسَمُوا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِالْكَيْلِ. وَلَمْ يَصِلْ جَيْشٌ مِنْ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ، لَا قَبْلَ هَذِهِ السَّنَةِ وَلَا بَعْدَهَا. وَفِيهَا عَمِلَتِ الرَّافِضَةُ بِدْعَتَهُمُ الشَّنْعَاءَ، وَحَادِثَتَهُمُ الصَّلْعَاءَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، مِنْ تَعْلِيقِ الْمُسُوحِ، وَتَغْلِيقِ الْأَسْوَاقِ، وَالنَّوْحِ وَالْبُكَاءِ، فِي الْأَزِقَّةِ وَالْأَرْجَاءِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي الْحَدِيدِ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ، وَجَرَتْ فِتَنٌ كَبِيرَةٌ، وَشُرُورٌ مُسْتَطِيرَةٌ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مَرِضَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْقَادِرُ بِاللَّهِ وَعَهِدَ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى وَلَدِهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الْقُضَاةِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْكُبَرَاءِ، وَخُطِبَ لَهُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَنَابِرِ، وَضُرِبَ اسْمُهُ عَلَى السِّكَّةِ الْمُتَعَامَلِ بِهَا فِي الْبَادِي وَالْحَاضِرِ. وَفِيهَا أَقْبَلَ مَلِكُ الرُّومِ مِنْ قُسْطَنْطِينِيَّةَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، فَسَارَ حَتَّى
পৃষ্ঠা - ৯৭৬৪
بَلَغَ بِلَادَ حَلَبَ وَعَلَيْهَا شِبْلُ الدَّوْلَةِ نَصْرُ بْنُ صَالِحِ بْنِ مِرْدَاسٍ، فَنَزَلُوا عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ مِنْهَا، وَمِنْ عَزْمِ مَلِكِ الرُّومِ - قَبَّحَهُ اللَّهُ - أَنْ يَسْتَحْوِذَ عَلَى بِلَادِ الشَّامِ بِكَمَالِهَا، وَأَنْ يَسْتَرِدَّهَا إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي أَيْدِيهِمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ» وَقَيْصَرُ هُوَ مَنْ مَلَكَ الشَّامَ مَعَ بِلَادِ الرُّومِ، فَلَا سَبِيلَ لِمَلِكِ الرُّومِ إِلَى هَذَا الرَّوْمِ الَّذِي أَرَادَهُ هَذَا الْمَذْمُومُ، فَلَمَّا نَزَلَ بِجَيْشِهِ قَرِيبًا مِنْ حَلَبَ كَمَا ذَكَرْنَا، أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَطَشًا شَدِيدًا، وَخَالَفَ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ الدُّمُسْتُقُ، فَعَامَلَ طَائِفَةً مِنَ الْجَيْشِ عَلَى قَتْلِهِ لِيَسْتَقِلَّ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ، فَفَهِمَ ذَلِكَ مَلِكُ الرُّومِ، فَكَرَّ مِنْ فَوْرِهِ رَاجِعًا {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25] وَلَمَّا كَرُّوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ، اتَّبَعَهُمُ الْأَعْرَابُ يَنْهَبُونَهُمْ لَيْلًا وَنَهَارًا وَصَبَاحًا وَمَسَاءً، وَهَلَكَ أَكْثَرُ الرُّومِ جُوعًا وَعَطَشًا، وَنَهْبَهُمُ الْأَعْرَابُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَفِيهَا مَلَكَ جَلَالُ الدَّوْلَةِ وَاسِطًا وَاسْتَنَابَ وَلَدَهُ عَلَيْهَا، وَبَعَثَ وَزِيرَهُ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مَاكُولَا إِلَى الْبَطَائِحِ وَالْبَصْرَةِ، فَفَتَحَ الْبَطَائِحَ وَسَارَ فِي الْمَاءِ إِلَى الْبَصْرَةِ وَعَلَيْهَا نَائِبٌ لِأَبِي كَالِيجَارَ، فَهَزَمَهُمُ الْبَصْرِيُّونَ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ جَلَالُ الدَّوْلَةِ بِنَفْسِهِ، فَدَخَلَهَا فِي شَعْبَانِ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُقَّتِ الْبَشَائِرُ فَرَحًا بِبَغْدَادَ ; فَرَحًا بِنَصْرِهِ. وَفِيهَا جَاءَ سَيْلٌ عَظِيمٌ بِغَزْنَةَ، فَأَهْلَكَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الزُّرُوعِ وَالْأَشْجَارِ. وَفِي رَمَضَانَ مِنْهَا تَصَدَّقَ مَسْعُودُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ بِأَلْفِ أَلْفِ
পৃষ্ঠা - ৯৭৬৫
دِرْهَمٍ وَأَجْرَى أَرْزَاقًا لِلْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ بِبِلَادِهِ، عَلَى عَادَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَفَتَحَ بُلْدَانًا كَثِيرَةً، وَاتَّسَعَتْ مَمَالِكُهُ جِدًّا، وَعَظُمَ شَأْنُهُ وَقَوِيَتْ أَرْكَانُهُ، وَكَثُرَتْ جُنُودُهُ وَأَعْوَانُهُ. وَفِيهَا دَخَلَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْأَكْرَادِ إِلَى بَغْدَادَ يَسْرِقُونَ خَيْلَ الْأَتْرَاكِ لَيْلًا، فَتَحَصَّنَ النَّاسُ مِنْهُمْ، وَحَصَّنُوا خُيُولَهُمْ حَتَّى خَيْلَ السُّلْطَانِ. وَفِيهَا سَقَطَ جِسْرٌ بِبَغْدَادَ، وَهُوَ الَّذِي عِنْدَ الزَّيَّاتِينَ عَلَى نَهْرِ عِيسَى. وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بَيْنَ الْأَتْرَاكِ النَّازِلِينَ بِبَابِ الْبَصْرَةِ وَبَيْنَ الْهَاشِمِيِّينَ، فَرَفَعُوا الْمَصَاحِفَ، وَرَمَتْهُمُ الْأَتْرَاكُ بِالنُّشَّابِ، وَجَرَتْ خَبْطَةٌ عَظِيمَةٌ، ثُمَّ اصْطَلَحَتِ الْحَالُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ. وَفِيهَا كَثُرَتِ الْعَمَلَاتُ بِبَغْدَادَ، وَأُخِذَتِ الدُّورُ جَهْرَةً، وَكَثُرَ الْعَيَّارُونَ وَلُصُوصُ الْأَكْرَادِ. وَفِيهَا تَعَطَّلَ الْحَجُّ أَيْضًا مِنْ بِلَادِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ لِفَسَادِ الْبِلَادِ، وَلَمْ يَحُجَّ أَحَدٌ سِوَى سَرِيَّةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ ; رَكِبُوا مِنْ جِمَالِ الْبَادِيَةِ مَعَ الْأَعْرَابِ مُخَاطَرَةً، فَفَازُوا بِالْحَجِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ، أَبُو الْحَسَنِ الْوَاعِظُ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الرَّانِ
পৃষ্ঠা - ৯৭৬৬
صَاحِبُ كَرَامَاتٍ وَمُعَامَلَاتٍ، كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ فَسَكَنَ دِمَشْقَ وَكَانَ يَعِظُ النَّاسَ بِالزِّيَادَةِ الْقِبَلِيَّةِ حَيْثُ كَانَ يَجْلِسُ الْقُصَّاصُ. قَالَ ذَاكَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ. قَالَ: وَصَنَّفَ كُتُبًا فِي الْوَعْظِ، وَحَكَى حِكَايَاتٍ كَثِيرَةً، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ بْنَ السَّمَرْقَنْدِيِّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا طَاهِرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي صَقْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الرَّانِ الْوَاعِظَ يُنْشِدُ أَبْيَاتًا: أَنَا مَا أَصْنَعُ بِاللَّذَّ ... اتِ شُغْلِي بِالذُّنُوبِ إِنَّمَا الْعِيدُ لِمَنْ فَا ... زَ بِوَصْلٍ مِنْ حَبِيبِ أَصْبَحَ النَّاسُ عَلَى رَوْ ... حٍ وَرَيْحَانٍ وَطِيبِ ثُمَّ أَصْبَحْتُ عَلَى نَوْ ... حٍ وَحُزْنٍ وَنَحِيبَ فَرِحُوا حِينَ أَهَلُّوا ... شَهْرَهُمْ بَعْدَ الْمَغِيبِ وَهِلَالِي مُتَوَارٍ ... مِنْ وَرَا حُجْبِ الْغُيُوبِ فَلِهَذَا يَا خَلِيلِي ... قُلْتُ لِلذَّاتِ غِيبِي وَجَعَلْتُ الْهَمَّ وَالْحُزْ ... نَ مِنَ الدُّنْيَا نَصِيبِي يَا حَيَاتِي وَمَمَاتِي ... وَشَقَائِي وَطَبِيبِي جُدْ لِصَبٍّ يَتَلَظَّى ... مِنْكَ بِالرَّحْبِ الرَّحِيبِ ثُمَّ أَرَّخَ وَفَاتَهُ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُفِنَ بِمَسْجِدِ الْقِدَمِ.
পৃষ্ঠা - ৯৭৬৭
الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَالِعُ الشَّاعِرُ، لَهُ دِيوَانُ شِعْرٍ حَسَنٌ مَلِيحٌ، عَمَّرَ طَوِيلًا، وَوَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ سِنٍّ عَالِيَةٍ. الْمَلِكُ الْكَبِيرُ الْعَادِلُ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ، أَبُو الْقَاسِمِ، الْمُلَقَّبُ بِيَمِينِ الدَّوْلَةِ وَأَمِينِ الْمِلَّةِ صَاحِبُ بِلَادِ غَزْنَةَ وَمَا وَالَاهَا، وَجَيْشُهُ يُقَالُ لَهُمْ: السَّامَانِيَّةُ. وَكَانَ أَبُوهُ قَدْ تَمَلَّكَ عَلَيْهِمْ، وَتُوَفِّي سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ وَلَدُهُ هَذَا، فَسَارَ فِيهِمْ وَفِي سَائِرِ الرَّعَايَا سِيرَةً عَادِلَةً، وَقَامَ بِأَعْبَاءِ الْإِسْلَامِ قِيَامًا تَامًّا، وَفَتَحَ فُتُوحَاتٍ كَثِيرَةً فِي بِلَادِ الْهِنْدِ وَغَيْرِهَا وَعَظُمَ شَأْنُهُ فِي الْعَالَمِينَ، وَاتَّسَعَتْ مَمْلَكَتُهُ وَامْتَدَّتْ رَعَايَاهُ وَطَالَتْ أَيَّامُهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَكَانَ يَخْطُبُ فِي سَائِرِ مَمَالِكِهِ لِلْخَلِيفَةِ الْعَبَّاسِيِّ الْقَادِرِ بِاللَّهِ وَكَانَتْ رُسُلُ الْفَاطِمِيِّينَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ تَفِدُ إِلَيْهِ بِالْكُتُبِ وَالْهَدَايَا وَالتُّحَفِ، فَيُحْرِقُ بِهِمْ، وَيُقَطِّعُ كُتُبَهُمْ، وَيُخَرِّقُ حِلَلَهُمْ. وَقَدِ اتَّفَقَ لَهُ فِي بِلَادِ الْهِنْدِ فُتُوحَاتٌ لَمْ تَتَّفِقْ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمُلُوكِ، لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، وَغَنِمَ مَغَانِمَ كَثِيرَةً لَا تَنْحَصِرُ وَلَا تَنْضَبِطُ كَثْرَةً، مِنَ الذَّهَبِ وَاللَّآلِئِ وَالسَّبْيِ، وَكَسَّرَ مِنْ أَصْنَامِهِمْ وَأَبْدَادِهِمْ
পৃষ্ঠা - ৯৭৬৮
وَأَوْثَانِهِمْ شَيْئًا كَثِيرًا جِدًّا، بَيَّضَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِيمَا سَلَفَ مُفَرَّقًا فِي السِّنِينَ، كَانَ فِي جُمْلَةِ مَا كَسَرَ مِنْ أَصْنَامِهِمْ بُدٌّ عَظِيمٌ لِلْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ: سُومَنَاتُ. بَلَغَ مَا تَحَصَّلَ مِنْهُ مِنَ الذَّهَبِ عِشْرِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَكَسَرَ مَلِكَ الْهِنْدِ الْكَبِيرَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: جِيبَالُ. وَقَهَرَ مَلِكَ التُّرْكِ الْأَعْظَمَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: إِيلَكُ خَانَ. وَأَبَادَ مُلْكَ السَّامَانِيَّةِ، وَقَدْ مَلَكُوا بِخُرَاسَانَ مِائَةَ سَنَةٍ بِلَادَ سَمَرْقَنْدَ وَمَا حَوْلَهَا، ثُمَّ هَلَكُوا، وَبَنَى عَلَى جَيْحُونَ جِسْرًا غَرِمَ عَلَيْهِ أَلْفَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يَتَّفِقْ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمُلُوكِ، وَكَانَ مَعَهُ فِي جَيْشِهِ أَرْبَعُمِائَةِ فِيلٍ تُقَاتِلُ، وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ هَائِلَةٌ وَمَرْتَبَةٌ طَائِلَةٌ، وَجَرَتْ لَهُ فُصُولٌ ذِكْرُ تَفْصِيلِهَا يَطُولُ. وَكَانَ فِي غَايَةِ الدِّيَانَةِ وَالصِّيَانَةِ يُحِبُّ الْعُلَمَاءَ وَالْمُحَدِّثِينَ، وَيُكْرِمُهُمْ، وَيُجَالِسُهُمْ، وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ، وَكَانَ حَنَفِيَّ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ صَارَ شَافِعِيًّا عَلَى يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ الصَّغِيرِ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ، وَكَانَ كَرَّامِيًّا عَلَى اعْتِقَادِهِمْ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ يُجَالِسُهُ مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْضَمِ، وَتَنَاظَرَ هُوَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكَ بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَرْشِ مُنَاظَرَةً طَوِيلَةً، ذَكَرَهَا ابْنُ الْهَيْضَمِ فِي مُصَنَّفٍ لَهُ، فَمَالَ السُّلْطَانُ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ إِلَى قَوْلِ ابْنِ الْهَيْضَمِ، وَنَقَمَ عَلَى ابْنِ فُورَكَ كَلَامَهُ، وَأَمَرَ بِطَرْدِهِ وَإِخْرَاجِهِ ; لِمُوَافَقَتِهِ لِرَأْيِ الْجَهْمِيَّةِ. وَكَانَتْ مَعْدِلَتُهُ جَيِّدَةً ; اشْتَكَى إِلَيْهِ رَجُلٌ أَنَّ ابْنَ أُخْتِ الْمَلِكِ يَهْجِمُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَيُخْرِجُهُ مِنَ الْبَيْتِ وَيَخْتَلِي بِامْرَأَتِهِ، وَقَدْ حَارَ فِي أَمْرِهِ، وَكُلَّمَا اشْتَكَاهُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ لَا يَتَجَاسَرُ عَلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ; يَهَابُونَ الْمَلِكَ. فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَيْحَكَ! مَتَى جَاءَكَ فَائْتِنِي فَأَعْلِمْنِي، وَلَا تَسْمَعْنَ مِنْ أَحَدٍ مَنَعَكَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيَّ، وَلَوْ كَانَ فِي اللَّيْلِ. وَتَقَدَّمَ إِلَى الْحَجَبَةِ
পৃষ্ঠা - ৯৭৬৯
أَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُهُ أَحَدٌ مَتَى جَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ. فَذَهَبَ الرَّجُلُ مَسْرُورًا، فَمَا كَانَ إِلَّا لَيْلَةٌ أَوْ لَيْلَتَانِ حَتَّى هَجَمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّابُّ فَأَخْرَجَهُ وَاخْتَلَى بِأَهْلِهِ، فَذَهَبَ بَاكِيًا إِلَى دَارِ الْمَلِكِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ الْمَلِكَ نَائِمٌ. فَقَالَ: قَدْ تَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ بِمَا سَمِعْتُمْ، فَأَنْبَهُوا الْمَلِكَ، فَخَرَجَ مَعَهُ بِنَفْسِهِ وَحْدَهُ، وَجَاءَ مَنْزِلَ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَنَظَرَ إِلَى الْغُلَامِ وَهُوَ نَائِمٌ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي فِرَاشِ الرَّجُلِ، وَعِنْدَهُمَا شَمْعَةٌ تَقِدُ، فَتَقَدَّمَ الْمَلِكُ فَأَطْفَأَ الضَّوْءَ، ثُمَّ جَاءَ فَاحْتَزَّ رَأْسَ الْغُلَامِ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ: وَيْحَكَ! أَلْحَقَنِي بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَسَقَاهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ لِيَذْهَبَ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ لِمَ أَطْفَأْتَ الشَّمْعَةَ؟ فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنَّهُ ابْنُ أُخْتِي، وَكَرِهْتُ أَنْ أُشَاهِدَهُ حَالَ الذَّبْحِ. قَالَ: وَلِمَ طَلَبْتَ الْمَاءَ سَرِيعًا؟ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ آلَيْتُ مُنْذُ أَخْبَرْتَنِي أَنْ لَا أَطْعَمَ طَعَامًا وَلَا أَشْرَبَ شَرَابًا حَتَّى أَقُومَ بِحَقِّكَ، فَكُنْتُ عَطْشَانَ هَذِهِ الْأَيَّامَ، حَتَّى كَانَ مَا رَأَيْتُ. فَدَعَا لَهُ، وَانْصَرَفَ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَكَانَ مَرَضُهُ سُوءَ مِزَاجٍ اعْتَرَاهُ وَانْطِلَاقَ الْبَطْنِ سَنَتَيْنِ، فَكَانَ فِيهِمَا لَا يَضْطَجِعُ عَلَى فِرَاشٍ، وَلَا يَتَّكِئُ عَلَى شَيْءٍ لِقُوَّةِ بَأْسِهِ، بَلْ كَانَ يَسْتَنِدُ إِلَى مَخَادَّ تُوضَعُ لَهُ، وَيَحْضُرُ مَجْلِسَ مُلْكِهِ، وَيَفْصِلُ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى عَادَتِهِ، حَتَّى مَاتَ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، عَنْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، مَلَكَ مِنْهَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَخَلَّفَ مِنَ الْأَمْوَالِ شَيْئًا كَثِيرًا، مِنْ ذَلِكَ سَبْعُونَ رَطْلًا مِنْ جَوْهَرٍ، سَامَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَامَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدُهُ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ صَارَ الْمُلْكُ إِلَى ابْنِهِ الْآخَرِ مَسْعُودِ بْنِ مَحْمُودٍ، فَأَشْبَهَ أَبَاهُ، وَقَدْ صَنَّفَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مُجَلَّدًا فِي سِيرَتِهِ وَأَيَّامِهِ وَفُتُوحَاتِهِ وَمَمَالِكِهِ، فَأَفَادَ.
পৃষ্ঠা - ৯৭৭০
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ الْقَادِرِ بِاللَّهِ وَخِلَافَةُ ابْنِهِ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَبَيَانُهُ. وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالرَّوَافِضِ، وَقَوِيَتْ عَلَيْهِمُ السُّنَّةُ، وَقَتَلُوا خَلْقًا مِنْهُمْ، وَنَهَبُوا الْكَرْخَ وَدَارَ الشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى وَنَهَبَتِ الْعَامَّةُ دُورَ الْيَهُودِ ; لِأَنَّهُمْ نُسِبُوا إِلَى مُعَاوَنَةِ أَهْلِ الْكَرْخِ مِنَ الرَّوَافِضِ، وَتَعَدَّى النَّهْبُ إِلَى دُورٍ كَثِيرَةٍ وَانْتَشَرَتِ الْفِتْنَةُ جِدًّا، ثُمَّ سَكَنَتْ بَعْدَ ذَلِكَ. وَفِيهَا كَثُرَتِ الْعَمَلَاتُ وَانْتَشَرَتِ الْمِحْنَةُ بِأَمْرِ الْعَيَّارِينَ فِي أَرْجَاءِ الْبَلَدِ، وَتَجَاسَرُوا عَلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَنَهَبُوا دُورًا وَأَمَاكِنَ سِرًّا وَجَهْرًا، لَيْلًا وَنَهَارًا، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. خِلَافَةُ الْقَائِمِ بِاللَّهِ أَبِي جَعْفَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَادِرِ بِاللَّهِ، بُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ لَمَّا تُوَفِّيَ أَبُوهُ الْقَادِرُ بِاللَّهِ
পৃষ্ঠা - ৯৭৭১
أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ بْنِ الْمُعْتَضِدِ بْنِ الْأَمِيرِ أَبِي أَحْمَدَ الْمُوَفَّقِ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ بْنِ الْمُعْتَصِمِ بْنِ الرَّشِيدِ بْنِ الْمَهْدِيِّ بْنِ الْمَنْصُورِ، فِي لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ الْحَادِي عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَأَحَدٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَلَمْ يُعَمَّرْ أَحَدٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ قَبْلَهُ هَذَا الْعُمُرَ وَلَا بَعْدَهُ، مِنْ ذَلِكَ فِي الْخِلَافَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ سَنَةً وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَهَذَا أَيْضًا شَيْءٌ لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ إِلَيْهِ، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ اسْمُهَا تَمَنِّي، مَوْلَاةُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْمُقْتَدِرِ، وَقَدْ كَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ مُحِبًّا لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالصَّلَاحِ، يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَكَانَ عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ فِي الِاعْتِقَادِ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفَاتٌ كَانَتْ تُقْرَأُ عَلَى النَّاسِ، وَكَانَ أَبْيَضَ، حَسَنَ الْجِسْمِ، طَوِيلَ اللِّحْيَةِ عَرِيضَهَا يَخْضِبُهَا، وَكَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ، كَثِيرَ الصَّدَقَةِ، مُحِبًّا لِلسُّنَّةِ وَأَهْلِهَا، يَبْغَضُ الْبِدْعَةَ وَالْقَائِمَيْنِ بِهَا، وَكَانَ يُكْثِرُ الصَّوْمَ، وَيَبَرُّ الْفُقَرَاءَ مِنْ أَقْطَاعِهِ، يَبْعَثُ مِنْهُ إِلَى الْمُجَاوِرِينَ بِجَامِعِ الْمَنْصُورِ وَجَامِعِ الرُّصَافَةِ، وَكَانَ يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ فِي زِيِّ الْعَامَّةِ، فَيَزُورُ قُبُورَ الصَّالِحِينَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا طَرَفًا صَالِحًا مَنْ سِيرَتِهِ عِنْدَ ذِكْرِ وِلَايَتِهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَجَلَسُوا فِي عَزَائِهِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لِعِظَمِ الْمُصِيبَةِ بِهِ، وَلِتَوْطِيدِ الْبَيْعَةِ لِوَلَدِهِ الْقَائِمِ بِاللَّهِ أَبِي جَعْفَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَادِرِ، وَأُمُّهُ قَطْرُ النَّدَى أَرْمَنِيَّةٌ، أَدْرَكَتْ خِلَافَتَهُ. وَكَانَ مَوْلِدُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَكَانَتْ بَيْعَتُهُ بِحَضْرَةِ الْقُضَاةِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْكُبَرَاءِ وَالْأَعْيَانِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ الشَّرِيفُ الْمُرْتَضَى وَأَنْشَدَهُ أَبْيَاتًا:
পৃষ্ঠা - ৯৭৭২
فَإِمَّا مَضَى جَبَلٌ وَانْقَضَى ... فَمِنْكَ لَنَا جَبَلٌ قَدْ رَسَا وَإِمَّا فُجِعْنَا بِبَدْرِ التَّمَامِ ... فَقَدْ بَقِيَتْ مِنْهُ شَمْسُ الضُّحَى لَنَا حَزَنٌ فِي مَحَلِّ السُّرُورِ ... فَكَمْ ضَحِكٌ فِي خِلَالِ الْبُكَا فَيَا صَارِمًا أَغْمَدَتْهُ يَدٌ ... لَنَا بَعْدَكَ الصَّارِمُ الْمُنْتَضَى وَلَمَّا حَضَرْنَاكَ عَقْدَ الْبِيَاعِ ... عَرَفْنَا بِهَدْيِكَ طُرْقَ الْهُدَى فَقَابَلْتَنَا بِوَقَارِ الْمَشِيبِ ... كَمَالًا وَسِنُّكَ سِنُّ الْفَتَى طَالَبَتْهُ الْأَتْرَاكُ بِرَسْمِ الْبَيْعَةِ، فَلَمْ يَكُنْ مَعَ الْخَلِيفَةِ شَيْءٌ ; لِأَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا، فَكَادَتِ الْفِتْنَةُ تَقَعُ بَيْنَ النَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، حَتَّى دَفَعَ عَنْهُ الْمَلِكُ جَلَالُ الدَّوْلَةِ مَالًا جَزِيلًا، نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَاسْتَوْزَرَ الْخَلِيفَةُ أَبَا طَالِبٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَيُّوبَ، وَاسْتَقْضَى ابْنَ مَاكُولَا. وَلَمْ يَحُجَّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ سِوَى شِرْذِمَةٍ خَرَجُوا مِنَ الْكُوفَةِ مَعَ الْعَرَبِ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْكُبَرَاءِ غَيْرِ الْخَلِيفَةِ، رَحِمَهُ اللَّهُ: الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، أَبُو عَلِيِّ بْنُ مَاكُولَا الْوَزِيرُ لِجَلَالِ الدَّوْلَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ بُعِثَ إِلَى الْبَطِيحَةِ فَفَتَحَهَا، وَرَامَ أَخْذَ الْبَصْرَةِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ، وَقَاتَلُوهُ دُونَهَا فَأَسَرُوهُ، فَسَأَلَ أَنْ يُذْهَبَ بِهِ إِلَى الْمَلِكِ أَبِي كَالِيجَارَ، فَعَفَا عَنْهُ وَأَطْلَقَهُ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الْأَهْوَازِ تَعَامَلَ عَلَيْهِ غُلَامٌ لَهُ وَجَارِيَةٌ، فَقَتَلَاهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ سِتٍّ وَخَمْسِينَ سَنَةً.
পৃষ্ঠা - ৯৭৭৩
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ هَارُونَ بْنِ مَالِكِ بْنِ طَوْقٍ صَاحِبُ الرَّحْبَةِ، التَّغْلِبِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ وَمُصَنِّفِيهِمْ، لَهُ كِتَابُ " التَّلْقِينِ " يَحْفَظُهُ الطَّلَبَةُ، وَلَهُ غَيْرُهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ، وَقَدْ أَقَامَ بِبَغْدَادَ دَهْرًا، وَوَلِيَ قَضَاءَ بَادَرَايَا وَبَاكُسَايَا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ لِضِيقِ حَالِهِ، فَدَخَلَ مِصْرَ، فَأَكْرَمَهُ الْمَغَارِبَةُ، وَأَعْطَوْهُ ذَهَبًا كَثِيرًا، فَتَمَوَّلَ جَدًّا، فَأَنْشَأَ يَقُولُ مُتَشَوِّقًا إِلَى بَغْدَادَ: سَلَامٌ عَلَى بَغْدَادَ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ ... وَحُقَّ لَهَا مِنِّي السَّلَامُ مُضَاعَفُ فَوَاللَّهِ مَا فَارَقْتُهَا عَنْ قِلًى لَهَا ... وَإِنِّي بِشَطَّيْ جَانِبَيْهَا لَعَارِفُ وَلَكِنَّهَا ضَاقَتْ عَلَيَّ بِأَسْرِهَا ... وَلَمْ تَكُنِ الْأَرْزَاقُ فِيهَا تُسَاعِفُ فَكَانَتْ كَخِلٍّ كُنْتُ أَهْوَى دُنُوَّهُ ... وَأَخْلَاقُهُ تَنْأَى بِهِ وَتُخَالِفُ قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ: سَمِعَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ مِنِ ابْنِ السَّمَّاكِ وَكَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ ثِقَةً، وَلَمْ تَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَحَدًا أَفْقَهَ مِنْهُ. قَالَ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ فِي " الْوَفِيَاتِ " عَنْهُ: وَعِنْدَمَا وَصَلَ إِلَى الدِّيَارِ
পৃষ্ঠা - ৯৭৭৪
الْمِصْرِيَّةِ، وَحَصَلَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَالِ، وَحَسُنَ حَالُهُ، مَرِضَ مِنْ أَكْلَةٍ اشْتَهَاهَا، فَذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَقَلَّبُ وَيَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، عِنْدَمَا عِشْنَا مِتْنَا. قَالَ: وَلَهُ أَشْعَارٌ رَائِقَةٌ طَرِيفَةٌ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَنَائِمَةٍ قَبَّلْتُهَا. فَتَنَبَّهَتْ ... فَقَالَتْ تَعَالَوْا وَاطْلُبُوا اللِّصَّ بِالْحَدِّ فَقُلْتُ لَهَا إِنِّي فَدَيْتُكِ غَاصِبٌ ... وَمَا حَكَمُوا فِي غَاصِبٍ بِسِوَى الرَّدِّ خُذِيهَا وَكُفِّي عَنْ أَثِيمٍ ظُلَامَةً ... وَإِنْ أَنْتِ لَمْ تَرْضِي فَأَلْفًا عَلَى الْعَدِّ فَقَالَتْ قِصَاصٌ يَشْهَدُ الْعَقْلُ أَنَّهُ ... عَلَى كَبِدِ الْجَانِي أَلَذُّ مِنَ الشَّهْدِ فَبَاتَتْ يَمِينِي وَهْيَ هِمْيَانُ خِصْرِهَا ... وَبَاتَتْ يَسَارِي وَهْيَ وَاسِطَةُ الْعِقْدِ فَقَالَتْ أَلَمْ أُخْبَرْ بِأَنَّكَ زَاهِدٌ ... فَقُلْتُ بَلَى مَا زِلْتُ أَزْهَدُ فِي الزُّهْدِ وَمِمَّا أَنْشَدَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ: بَغْدَادُ دَارٌ لِأَهْلِ الْمَالِ طَيِّبَةٌ ... وَلِلْمَفَالِيسِ دَارُ الضَّنْكِ وَالضِّيقِ ظَلَلْتُ حَيْرَانَ أَمْشِي فِي أَزِقَّتِهَا ... كَأَنَّنِي مُصْحَفٌ فِي بَيْتِ زِنْدِيقِ
পৃষ্ঠা - ৯৭৭৫
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي سَادِسِ الْمُحَرَّمِ اسْتَسْقَى أَهْلُ بَغْدَادَ لِتَأَخُّرِ الْمَطَرِ عَنْ أَوَانِهِ، فَلَمْ يُسْقَوْا، وَكَثُرَ الْمَوْتُ فِي النَّاسِ. وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ عَمِلَتِ الرَّوَافِضُ الْبِدْعَةَ الشَّنْعَاءَ، وَكَثُرَ النَّوْحُ وَالْبُكَاءُ، وَامْتَلَأَتْ بِذَلِكَ الطُّرُقَاتُ وَالْأَسْوَاقُ وَالْأَرْجَاءُ. وَفِي صَفَرٍ أُمِرَ النَّاسُ بِالْخُرُوجِ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ لِقُحُوطِ الْأَمْطَارِ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ بِاتِّسَاعِهَا مِائَةُ إِنْسَانٍ فِي الْجَوَامِعِ كُلِّهَا. وَفِيهَا وَقَعَ بَيْنَ الْجَيْشِ وَبَيْنَ جَلَالِ الدَّوْلَةِ، فَاتَّفَقَ الْحَالُ عَلَى خُرُوجِهِ إِلَى الْبَصْرَةِ، فَرَدَّ كَثِيرًا مِنْ جَوَارِيهِ إِلَى أُسْتَاذِهِنَّ قَبْلَهُ، وَاسْتَبْقَى بَعْضَهُنَّ مَعَهُ، وَخَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ سَادِسِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا، وَكَتَبَ الْغِلْمَانُ الْأَسْفَهْسِلَارِيَّةُ إِلَى الْمَلِكِ أَبِي كَالِيجَارَ ; لِيُقْدِمَ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ تَمَهَّدَتِ الْبِلَادُ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِنَادِ وَالْإِلْحَادِ، وَنَهَبُوا دَارَ جَلَالِ الدَّوْلَةِ وَغَيْرَهَا، وَتَأَخَّرَ مَجِيءُ أَبِي كَالِيجَارَ، وَذَلِكَ أَنَّ وَزِيرَهُ الْعَادِلَ بْنَ مَافَنَّةَ أَشَارَ عَلَيْهِ بِعَدَمِ الْقُدُومِ إِلَى بَغْدَادَ
পৃষ্ঠা - ৯৭৭৬
فَكَثُرَ الْعَيَّارُونَ بِبَغْدَادَ، وَتَفَاقَمَ الْحَالُ بِهِمْ، وَفَسَدَ الْبَلَدُ، وَافْتَقَرَ جَلَالُ الدَّوْلَةِ بِحَيْثُ إِنَّهُ احْتَاجَ إِلَى أَنْ بَاعَ بَعْضَ ثِيَابِهِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَجَعَلَ أَبُو كَالِيجَارَ يَتَوَهَّمُ مِنَ الْأَتْرَاكِ، وَيَطْلُبُ مِنْهُمْ رَهَائِنَ، فَلَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ، وَطَالَ الْفَصْلُ، فَرَجَعُوا إِلَى مُكَاتَبَةِ جَلَالِ الدَّوْلَةِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى بَلَدِهِ، وَشَرَعُوا فِي الِاعْتِذَارِ إِلَيْهِ، وَخَطَبُوا لَهُ فِي الْبَلَدِ عَلَى عَادَتِهِ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً إِلَى بَغْدَادَ، وَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ الرُّسُلَ إِلَى الْمَلِكِ أَبِي كَالِيجَارَ، وَمِمَّنْ بَعَثَ إِلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ، يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَيَسْتَوْحِشُ مِنْهُ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، وَقَدْ تَحَمَّلَ أَمْرًا عَظِيمًا، فَسَأَلَ أَنْ يُلَقَّبَ بِالسُّلْطَانِ الْمُعَظَّمِ مَالِكِ الْأُمَمِ، فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا لَا يُمْكِنُ ; لِأَنَّ السُّلْطَانَ الْمُعَظَّمَ الْخَلِيفَةُ، وَكَذَلِكَ مَالِكُ الْأُمَمِ. ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى تَلْقِيبِهِ بِمَلِكِ الدَّوْلَةِ، فَأَرْسَلَ مَعَ الْمَاوَرْدِيِّ تُحَفًا عَظِيمَةً ; مِنْهَا أَلْفُ أَلْفِ دِينَارٍ سَابُورِيَّةٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الدَّرَاهِمِ آلَافٌ، وَتُحَفٌ وَأَلْطَافٌ. وَاجْتَمَعَ الْجُنْدُ عَلَى طَلَبِ أَرْزَاقِهِمْ مِنَ الْخَلِيفَةِ، فَتَعَذَّرَ ذَلِكَ، فَرَامُوا أَنْ يَقْطَعُوا خُطْبَتَهُ، فَلَمْ تُصَلَّ الْجُمُعَةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ، ثُمَّ خُطِبَ لَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ الْقَابِلَةِ، وَتَخَبَّطَ الْبَلَدُ جِدًّا وَكَثُرَ الْعَيَّارُونَ. ثُمَّ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ حَلَفَ الْخَلِيفَةُ لِجَلَالِ الدَّوْلَةِ بِخُلُوصِ النِّيَّةِ وَصَفَائِهَا، وَأَنَّهُ عَلَى مَا يُحِبُّ مِنَ الصِّدْقِ وَصَلَاحِ النِّيَّةِ وَالسَّرِيرَةِ، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ لَعِبِ جَلَالِ الدَّوْلَةِ وَشُرْبِهِ النَّبِيذَ وَتَهَتُّكِهِ بِهِ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَى الْخَلِيفَةِ وَاصْطَلَحَا عَلَى فَسَادٍ. وَفِي رَجَبٍ غَلَتِ الْأَسْعَارُ جِدًّا بِبَغْدَادَ وَغَيْرِهَا مِنْ أَرَاضِي الْعِرَاقِ، وَلَمْ يَحُجَّ
পৃষ্ঠা - ৯৭৭৭
أَحَدٌ مِنْهَا. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقَعَ مُوتَانٌ عَظِيمٌ بِبِلَادِ الْهِنْدِ وَغَزْنَةَ وَخُرَاسَانَ وَجُرْجَانَ وَالرَّيِّ وَأَصْبَهَانَ، خَرَجَ مِنْهَا فِي أَدْنَى مُدَّةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ جِنَازَةٍ، وَفِي نَوَاحِي الْجَبَلِ وَالْمَوْصِلِ وَبَغْدَادَ طَرَفٌ قَوِيٌّ مِنْ ذَلِكَ بِالْجُدَرِيِّ، بِحَيْثُ لَمَّ تَخْلُ دَارٌ مِنْ مُصَابٍ بِهِ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ فِي حَزِيرَانَ وَتَمُّوزَ وَآبَ وَأَيْلُولَ وَتِشْرِينَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَكَانَ فِي الصَّيْفِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْخَرِيفِ. قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمُنْتَظَمِ ". وَقَدْ رَأَى رَجُلٌ فِي مَنَامِهِ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مُنَادِيًا يُنَادِي بِصَوْتٍ جَهْوَرِيٍّ: يَا أَهْلَ أَصْبَهَانَ سَكَتَ، نَطَقَ، سَكَتَ، نَطَقَ. فَانْتَبَهَ الرَّجُلُ مَذْعُورًا، فَلَمْ يَدْرِ أَحَدٌ تَأْوِيلَهَا، حَتَّى قِيلَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ لَبِيبٍ، فَقَالَ: احْذَرُوا يَا أَهْلَ أَصْبَهَانَ فَإِنِّي قَرَأْتُ فِي شِعْرِ أَبِي الْعَتَاهِيَةِ قَوْلَهُ: سَكَتَ الدَّهْرُ زَمَانًا عَنْهُمُ ... ثُمَّ أَبْكَاهُمُ دَمًا حِينَ نَطَقْ فَمَا كَانَ غَيْرَ قَلِيلٍ حَتَّى جَاءَ الْمَلِكُ مَسْعُودُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، حَتَّى قَتَلَ النَّاسَ فِي الْجَوَامِعِ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ ظَفَرَ الْمَلِكُ أَبُو كَالِيجَارَ بِالْخَادِمِ صَنْدَلٍ، فَقَتَلَهُ، وَكَانَ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَى مَمْلَكَتِهِ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ سِوَى الِاسْمِ، فَاسْتَرَاحَ مِنْهُ. وَفِيهَا مَاتَ مَلِكُ التُّرْكِ الْكَبِيرُ صَاحِبُ بِلَادِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَاسْمُهُ قَدْرَخَانُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
পৃষ্ঠা - ৯৭৭৮
رَوْحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِّيُّ قَالَ الْخَطِيبُ: سَمِعَ جَمَاعَةً، وَقِدَمَ عَلَيْنَا حَاجًّا فَكَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ صَدُوقًا فَهِمَا أَدِيبًا، يَتَفَقَّهُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَوَلِيِ قَضَاءَ أَصْبَهَانَ. قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ مَاتَ بِالْكَرْخِ سَنَةَ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ. عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نُعَيْمٍ، أَبُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالنُّعَيْمِيِّ، الْحَافِظُ الشَّاعِرُ الْمُّتَكَلِّمُ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ. قَالَ الْبَرْقَانِيُّ: هُوَ كَامِلٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَوْلَا بَأْوٌ فِيهِ، وَقَدْ سَمِعَ عَلَى جَمَاعَةٍ. وَمِنْ شَعْرِهِ قَوْلُهُ: إِذَا أَظْمَأَتْكَ أَكُفُّ اللِّئَامِ ... كَفَتْكَ الْقَنَاعَةُ شِبْعًا وَرِيَّا فَكُنْ رَجُلًا رِجْلُهُ فِي الثَّرَى ... وَهَامَةُ هِمَّتِهِ فِي الثُّرَيَّا أَبِيًّا لِنَائِلِ ذِي ثَرْوَةٍ ... تَرَاهُ بِمَا فِي يَدَيْهِ أَبِيَّا فَإِنَّ إِرَاقَةَ مَاءِ الْحَيَا ... ةِ دُونَ إِرَاقَةِ مَاءِ الْمُحَيَّا
পৃষ্ঠা - ৯৭৭৯
مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّبِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مُوسَى، أَبُو بَكْرٍ الصَّبَّاغُ حَدَّثَ عَنِ النَّجَّادِ وَأَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيِّ، وَكَانَ صَدُوقًا، وَقَدْ حَكَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّهُ تَزَوَّجَ تِسْعَمِائَةِ امْرَأَةٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ عَنْ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. عَلِيُّ بْنُ هِلَالٍ الْكَاتِبُ الْمَشْهُورُ، ذَكَرَ ابْنُ خَلِّكَانَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقِيلَ: فِي سَنَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ. كَمَا قَدَّمْنَا.