আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ৯৫৬২
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فِي الْمُحَرَّمِ مِنْهَا كَثُرَتِ الْحُمِّيَّاتُ فِي بَغْدَادَ فَهَلَكَ خَلْقٌ كَثِيرٌ. وَلِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ - وَهُوَ الْعِشْرُونَ مِنْ تَمُّوزَ - وَقَعَ مَطَرٌ كَثِيرٌ بِبَرْقٍ وَرَعْدٍ، وَفِي رَجَبٍ غَلَتِ الْأَسْعَارُ جِدًّا بِبَغْدَادَ، وَوَرَدَ الْخَبَرُ فِيهِ بِأَنَّهُ وَقَعَ بِالْمَوْصِلِ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ سَقَطَ مِنْهَا عُمْرَانٌ كَثِيرٌ، وَمَاتَ مِنْ أَهْلِهَا أُمَّةٌ عَظِيمَةٌ. وَفِيهَا وَقَعَ بَيْنَ صَمْصَامِ الدَّوْلَةِ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَرَفِ الدَّوْلَةِ، فَاقْتَتَلَا، فَغَلَبَهُ شَرَفُ الدَّوْلَةِ، وَأَسَرَهُ وَدَخَلَ بَغْدَادَ فَتَلَقَّاهُ الْخَلِيفَةُ وَهَنَّأَهُ بِالسَّلَامَةِ، ثُمَّ اسْتَدْعَى شَرَفُ الدَّوْلَةِ بِفَرَّاشٍ لِيُكَحِّلَ صَمْصَامَ الدَّوْلَةِ فَاتَّفَقَ مَوْتُهُ، فَكُحِّلَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَذَا مِنْ غَرِيبِ مَا وَقَعَ. وَفِي ذِي الْحِجَّةِ قَبِلَ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ مَعْرُوفٍ شَهَادَةَ الْحَافِظِ أَبِي الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ، فَذُكِرَ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ نَدِمَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: كَانَ يُقْبَلُ قَوْلِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدِي، فَصَارَ لَا يُقْبَلُ قَوْلِي عَلَى نَقْلِي إِلَّا مَعَ غَيْرِي، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
পৃষ্ঠা - ৯৫৬৩
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي صَفَرٍ مِنْهَا عُقِدَ مَجْلِسٌ بِحَضْرَةِ الْخَلِيفَةِ، فِيهِ الْقُضَاةُ وَأَعْيَانُ الدَّوْلَةِ، وَجُدِّدَتِ الْبَيْعَةُ بَيْنَ الطَّائِعِ لِلَّهِ وَبَيْنَ شَرَفِ الدَّوْلَةِ بْنِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا. ثُمَّ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا رَكِبَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ مِنْ دَارِهِ فِي طَيَّارٍ إِلَى دَارِ الْخَلِيفَةِ، وَزُيِّنَتِ الْبَلَدُ، وَضُرِبَتِ الطُّبُولُ وَالدَّبَادِبُ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ وَطَوَّقَهُ وَسَوَّرَهُ، وَأَعْطَاهُ لِوَاءَيْنِ، وَعَقَدَ لَهُ عَلَى مَا وَرَاءَ دَارِهِ، وَاسْتَخْلَفَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ فِي جُمْلَةِ مَنْ قَدِمَ مَعَ شَرَفِ الدَّوْلَةِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْرُوفٍ، فَلَمَّا رَآهُ الْخَلِيفَةُ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَحِبَّةِ الْقَادِمِينَا ... أَوْحَشُونَا وَطَالَمَا آنَسُونَا فَقَبَّلَ الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيِ الْخَلِيفَةِ، وَلَمَّا قُضِيَتِ الْبَيْعَةُ، دَخَلَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ إِلَى عِنْدِ أُخْتِهِ امْرَأَةِ الْخَلِيفَةِ، فَمَكَثَ عِنْدَهَا إِلَى الْعَصْرِ، وَالنَّاسُ يَنْتَظِرُونَهُ، ثُمَّ خَرَجَ وَسَارَ إِلَى دَارِهِ لِلتَّهْنِئَةِ، وَجَاءَ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ يُهَنِّئُونَهُ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ اشْتَدَّ الْغَلَاءُ جِدًّا، ثُمَّ لَحِقَهُ فَنَاءٌ كَثِيرٌ.
পৃষ্ঠা - ৯৫৬৪
وَفِيهَا تُوُفِّيَتْ أُمُّ شَرَفِ الدَّوْلَةِ، وَكَانَتْ تُرْكِيَّةً أُمَّ وَلَدٍ، فَجَاءَهُ الْخَلِيفَةُ فَعَزَّاهُ فِيهَا. وَفِيهَا وُلِدَ لِشَرَفِ الدَّوْلَةِ ابْنَانِ تَوْأَمَانِ، فَهُنِّئَ بِهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَيُعْرَفُ بِابْنِ الطَّبَرِيِّ، كَانَ حَافِظًا لِلْحَدِيثِ، مُجْتَهِدًا فِي الْعِبَادَةِ، مُتْقِنًا، بَصِيرًا بِالْأَثَرِ، مُتَفَنِّنًا، فَقِيهًا، حَنَفِيًّا، دَرَسَ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ، وَصَنَّفَ كُتُبًا فِي الْفِقْهِ وَالتَّارِيخِ، وَوَلِيَ قَضَاءَ الْقُضَاةِ بِخُرَاسَانَ، ثُمَّ دَخَلَ بَغْدَادَ وَقَدْ عَلَتْ سِنُّهُ، فَحَدَّثَ النَّاسَ، وَكَتَبَ النَّاسُ عَنْهُ بِانْتِخَابِ الدَّارَقُطْنِيِّ. إِسْحَاقُ بْنُ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ كَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ عَنْ سِتِّينَ سَنَةً، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ الْقَادِرُ بِاللَّهِ وَهُوَ إِذْ ذَاكَ أَمِيرٌ، وَدُفِنَ فِي تُرْبَةِ جَدَّتِهِ شَغَبَ أُمِّ الْمُقْتَدِرِ، وَحَضَرَ جِنَازَتَهُ الْأُمَرَاءُ وَالْحُجَّابُ وَالْأَعْيَانُ مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ، وَمِنْ جِهَةِ شَرَفِ الدَّوْلَةِ، وَأَرْسَلَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ مَنْ عَزَّى الْخَلِيفَةَ فِيهِ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْحُضُورِ لِوَجَعٍ حَصَلَ لَهُ. جَعْفَرُ بْنُ الْمُكْتَفِي بِاللَّهِ وَكَانَ فَاضِلًا، تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَيْضًا، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
পৃষ্ঠা - ৯৫৬৫
أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَبُو عَلِيٍّ النَّحْوِيُّ، صَاحِبُ الْمُصَنَّفَاتِ ; مِنْهَا " الْإِيضَاحُ وَالتَّكْمِلَةُ " وُلِدَ بِبَلَدِهِ، ثُمَّ دَخَلَ بَغْدَادَ وَخَدَمَ الْمُلُوكَ، وَحَظِيَ عِنْدَ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، بِحَيْثُ إِنَّ عَضُدَ الدَّوْلَةِ كَانَ يَقُولُ: أَنَا غُلَامُ أَبِي عَلِيٍّ فِي النَّحْوِ. وَحَصَّلَ لَهُ الْأَمْوَالَ، وَقَدِ اتَّهَمَهُ قَوْمٌ بِالِاعْتِزَالِ، وَفَضَّلَهُ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى الْمُبَرِّدِ وَمِمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو الْفَتْحِ عُثْمَانُ بْنُ جِنِّيٍّ وَغَيْرُهُ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ بِضْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. سُتَيْتَةُ بِنْتُ الْقَاضِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيِّ وَتُكَنَّى أَمَةَ الْوَاحِدِ، قَرَأَتِ الْقُرْآنَ، وَحَفِظَتِ الْفِقْهَ وَالْفَرَائِضَ وَالْحِسَابَ وَالدَّوْرَ وَالنَّحْوَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَكَانَتْ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ فِي وَقْتِهَا بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَكَانَتْ تُفْتِي بِهِ مَعَ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَانَتْ فَاضِلَةً فِي نَفْسِهَا، كَثِيرَةَ الصَّدَقَةِ مُسَارِعَةً إِلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ، وَقَدْ سَمِعَتِ الْحَدِيثَ وَحَدَّثَتْ أَيْضًا، وَكَانَتْ وَفَاتُهَا فِي رَمَضَانَ عَنْ بِضْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى.
পৃষ্ঠা - ৯৫৬৬
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي الْمُحَرَّمِ مِنْهَا، كَثُرَ الْغَلَاءُ وَالْفَنَاءُ بِبَغْدَادَ، وَفِي شَعْبَانَ كَثُرَتِ الرِّيَاحُ وَالْعَوَاصِفُ، بِحَيْثُ هَدَمَتْ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْأَبْنِيَةِ، وَغَرَّقَتْ سُفُنًا كَثِيرَةً، وَاحْتَمَلَتْ بَعْضَ الزَّوَارِقِ فَأَلْقَتْهُ بِالْأَرْضِ مِنْ نَاحِيَةِ جُوخَى، وَهَذَا أَمَرٌ هَائِلٌ وَخَطْبٌ شَامِلٌ. وَفِي هَذَا الْوَقْتِ لَحِقَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ حَرٌّ شَدِيدٌ، بِحَيْثُ سَقَطَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي الطُّرُقَاتِ، وَمَاتُوا مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِئُ الْحَافِظُ، وُلِدَ أَعْمَى، وَكَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسَ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ، فَيَحْفَظُ مَا يُمْلِيهِ كُلَّهُ، وَكَانَ ظَرِيفًا، حَسَنَ الزِّيِّ، وَقَدْ سَبَقَ الشَّاطِبِيَّ إِلَى قَصِيدَةٍ عَمِلَهَا فِي الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ، وَذَلِكَ فِي حَيَاةِ النَّقَّاشِ الْمُفَسِّرِ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ وَتُعْجِبُ شُيُوخَ زَمَانِهِ. الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَاضِي شَيْخُ الْحَنَفِيَّةِ فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ مُقَدَّمًا فِي الْفِقْهِ
পৃষ্ঠা - ৯৫৬৭
وَالْحَدِيثِ سَمِعَ ابْنَ خُزَيْمَةَ وَالْبَغَوِيَّ وَابْنَ صَاعِدٍ وَغَيْرَهُمْ، وَهَذَا سُمِّيَ النَّحْوِيَّ الْمُتَقَدِّمَ. زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْهَيْثَمِ، أَبُو الْعَبَّاسِ الْخَرْخَانِيُّ بِخَاءَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ نِسْبَةً إِلَى قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى قُومِسَ وَلَهُمُ الْجُرْجَانِيُّ بِجِيمَيْنِ، وَهُمْ جَمَاعَةٌ، وَلَهُمُ الُخَرْجَانِيُّ بِخَاءٍ ثُمَّ جِيمٍ، وَقَدْ حَرَّرَ هَذَا الْمَوْضِعَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " مُنْتَظَمِهِ "، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
পৃষ্ঠা - ৯৫৬৮
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ شَرَفِ الدَّوْلَةِ بْنِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ الدَّيْلَمِيِّ، وَكَانَ قَدِ انْتَقَلَ إِلَى قَصْرِ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ عَنْ إِشَارَةِ الْأَطِبَّاءِ لِصِحَّةِ الْهَوَاءِ ; وَذَلِكَ لِشِدَّةِ مَا كَانَ يَجِدُهُ مِنَ الدَّاءِ، فَلَمَّا كَانَ فِي جُمَادَى الْأُولَى تَزَايَدَ بِهِ، وَمَاتَ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَقَدْ عَهِدَ إِلَى ابْنِهِ أَبِي نَصْرٍ، وَجَاءَ الْخَلِيفَةُ فِي طَيَّارٍ لِتَعْزِيَةِ أَبِي نَصْرٍ فِي وَالِدِهِ شَرَفِ الدَّوْلَةِ، فَتَلَقَّاهُ أَبُو نَصْرٍ وَالتُّرْكُ وَالدَّيْلَمُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَبَّلَ الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيِ الْخَلِيفَةِ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْعَسْكَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الطِّيَارِ، وَهُمْ يُقَبِّلُونَ الْأَرْضَ إِلَى نَاحِيَتِهِ، وَجَاءَ الرَّئِيسُ أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ عِنْدِ الْخَلِيفَةِ إِلَى أَبِي نَصْرٍ، فَبَلَّغَهُ تَعْزِيَةَ الْخَلِيفَةِ لَهُ، فَقَبَّلَ الْأَرْضَ ثَانِيَةً، وَعَادَ الرَّسُولُ أَيْضًا إِلَى الْخَلِيفَةِ، فَبَلَّغَهُ شُكْرَ أَبِي نَصْرٍ، ثُمَّ عَادَ مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ لِتَوْدِيعِ أَبِي نَصْرٍ، فَقَبَّلَ الْأَرْضَ ثَالِثًا، وَرَجَعَ الْخَلِيفَةُ فِي طَيَّارِهِ إِلَى دَارِهِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ عَاشِرُ هَذَا الشَّهْرِ، رَكِبَ الْأَمِيرُ أَبُو نَصْرٍ إِلَى حَضْرَةِ الْخَلِيفَةِ الطَّائِعِ لِلَّهِ وَمَعَهُ الْأَشْرَافُ وَالْأَعْيَانُ وَالْقُضَاةُ وَالْأُمَرَاءُ، وَجَلَسَ الْخَلِيفَةُ فِي الرِّوَاقِ، فَلَمَّا وَصَلَ الْأَمِيرُ أَبُو نَصْرِ بْنُ شَرَفِ الدَّوْلَةِ بْنِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ بْنِ رُكْنِ
পৃষ্ঠা - ৯৫৬৯
الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ، خَلَعَ عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ سَبْعَ خِلَعٍ، أَعْلَاهُنَّ السَّوَادُ وَعِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، وَفِي عُنُقِهِ طَوْقٌ، وَفِي يَدِهِ سِوَارَانِ، وَمَشَى الْحُجَّابُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالسُّيُوفِ وَالْمَنَاطِقِ، فَلَمَّا حَصَلَ بَيْنَ يَدَيِ الْخَلِيفَةِ قَبَّلَ الْأَرْضَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بِالْجُلُوسِ، فَقَبَّلَ الْأَرْضَ ثَانِيَةً، وَوُضِعَ لَهُ كُرْسِيٌّ فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَقَرَأَ الرَّئِيسُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَهْدَهُ، وَقَدَّمَ إِلَى الطَّائِعِ لِوَاءَهُ، فَعَقَدَهُ بِيَدِهِ، وَلَقَّبَهُ بَهَاءَ الدَّوْلَةِ وَضِيَاءَ الْمِلَّةِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَالْعَسْكَرُ مَعَهُ حَتَّى عَادَ إِلَى دَارِ الْمَمْلَكَةِ، وَأَقَرَّ الْوَزِيرَ أَبَا مَنْصُورِ بْنَ صَالِحَانَ عَلَى الْوِزَارَةِ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بُنِيَ جَامِعُ الْقَطِيعَةِ - قَطِيعَةُ أُمِّ جَعْفَرٍ - بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ مِنْ بَغْدَادَ وَكَانَ أَصْلُ بِنَائِهِ مَسْجِدًا أَنَّ امْرَأَةً رَأَتْ فِي الْمَنَامِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ يُصَلِّي، وَوَضَعَ يَدَهُ فِي جِدَارٍ هُنَاكَ، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ، تَذَكَّرَتْ ذَلِكَ الْمَنَامَ، فَوَجَدُوا أَثَرَ الْكَفِّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَبُنِيَ مَسْجِدًا، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، ثُمَّ إِنَّ الشَّرِيفَ أَبَا أَحْمَدَ الْمُوسَوِيَّ جَدَّدَ هَذَا الْمَسْجِدَ، فَوَسَّعَهُ وَجَعَلَهُ جَامِعًا، وَاسْتَأْذَنَ الْخَلِيفَةَ الطَّائِعَ لِلَّهِ فِي عَقْدِ جُمُعَةٍ فِيهِ، فَأَذِنَ لَهُ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ فِيهِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: شَرَفُ الدَّوْلَةِ بْنُ عَضُدِ الدَّوْلَةِ بْنِ رُكْنِ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ الدَّيْلَمِيُّ تَمَلَّكَ بَغْدَادَ بَعْدَ أَبِيهِ، وَكَانَ يُحِبُّ الْخَيْرَ وَيَبْغَضُ الشَّرَّ، وَأَمَرَ بِتَرْكِ الْمُصَادَرَاتِ، وَكَانَ
পৃষ্ঠা - ৯৫৭০
مَرَضُهُ بِالِاسْتِسْقَاءِ، فَتَزَايَدَ بِهِ حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ الثَّانِي مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ عَنْ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَخَمْسَةِ أَشْهُرٍ، وَكَانَتْ مُدَّةُ مُلْكِهِ سَنَتَيْنِ وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَحُمِلَ تَابُوتُهُ إِلَى تُرْبَةِ أَبِيهِ بِمَشْهَدِ عَلَيٍّ، وَكُلُّهُمْ فِيهِ تَشَيُّعٌ. مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَبُو بَكْرٍ النَّجَّارُ وَيُلَقَّبُ غُنْدَرًا أَيْضًا، رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ وَطَبَقَتِهِ، وَكَانَ فَهِمًا يَحْفَظُ الْقُرْآنَ حِفْظًا حَسَنًا، وَمِنْ ثِقَاتِ النَّاسِ. مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ بُدَيْلٍ أَبُو الْفَضْلِ الْخُزَاعِيُّ الْجُرْجَانِيُّ قَدِمَ بَغْدَادَ وَحَدَّثَ بِهَا. قَالَ الْخَطِيبُ: كَانَتْ لَهُ عِنَايَةٌ بِالْقِرَاءَاتِ، وَصَنَّفَ أَسَانِيدَهَا، ثُمَّ ذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ يَخْلِطُ، وَلَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا عَلَى مَا يَرْوِيهِ، وَأَنَّهُ وَضَعَ كِتَابًا فِي الْحُرُوفِ، وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ، فَكَتَبَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ مَوْضُوعٌ لَا أَصْلَ لَهُ، فَافْتَضَحَ، وَخَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى الْجَبَلِ فَاشْتَهَرَ أَمْرُهُ هُنَاكَ، وَحَبِطَتْ مَنْزِلَتُهُ، وَكَانَ يُسَمِّي نَفْسَهُ أَوَّلًا كُمَيْلًا، ثُمَّ غَيَّرَهُ إِلَى مُحَمَّدٍ.
পৃষ্ঠা - ৯৫৭১
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ بْنِ مُوسَى بْنِ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ إِيَاسٍ، أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَزَّارُ الْحَافِظُ، وُلِدَ فِي مُحَرَّمٍ سَنَةَ ثَلَاثِمِائَةٍ وَرَحَلَ إِلَى بِلَادٍ شَتَّى، وَرَوَى عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ وَالْبَغَوِيِّ وَخَلْقٍ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ - مِنْهُمُ الدَّارَقُطْنِيُّ - شَيْئًا كَثِيرًا، وَكَانَ يُعَظِّمُهُ وَيُجِلُّهُ وَلَا يَسْتَنِدُ بِحَضْرَتِهِ، وَكَانَ ابْنُ الْمُظَفَّرِ ثِقَةً ثَبْتًا، وَكَانَ قَدِيمًا يَنْتَقِي عَلَى الْمَشَايِخِ، ثُمَّ كَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَدُفِنَ يَوْمَ السَّبْتَ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى أَوِ الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
পৃষ্ঠা - ৯৫৭২
[ثُمَّ اسْتَهَلَّتْ سَنَةُ ثَمَانِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا قُلِّدَ الشَّرِيفُ أَبُو أَحْمَدَ الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الْمُوسَوِيُّ نِقَابَةَ الْأَشْرَافِ الطَّالِبِيِّينَ، وَالنَّظَرَ فِي الْمَظَالِمِ، وَإِمْرَةَ الْحَاجِّ، وَكُتِبَ عَهْدُهُ بِذَلِكَ، وَاسْتُخْلِفَ وَلَدَاهُ الْمُرْتَضَى أَبُو الْقَاسِمِ، وَالرَّضِيُّ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى النِّقَابَةِ، وَخُلِعَ عَلَيْهِمَا مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ. وَفِيهَا تَفَاقَمَ أَمْرُ الْعَيَّارِينَ بِبَغْدَادَ، وَصَارَ النَّاسُ أَحْزَابًا، فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ أَمِيرٌ مُقَدَّمٌ، وَاقْتَتَلَ النَّاسُ، وَأُخِذَتِ الْأَمْوَالُ، وَاتَّصَلَتِ الْكَبَسَاتُ، وَأُحْرِقَتِ الدُّورُ الْكِبَارُ، وَوَقَعَ حَرِيقٌ بِالنَّهَارِ فِي نَهْرِ الدَّجَاجِ، فَاحْتَرَقَ بِسَبَبِهِ شَيْءٌ كَثِيرٌ لِلنَّاسِ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: يَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ، أَبُو الْفَرَجِ بْنُ كِلِّسٍ وَزِيرُ صَاحِبِ مِصْرَ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُعِزِّ الْفَاطِمِيِّ، وَكَانَ شَهْمًا فَهِمًا، ذَا هِمَّةٍ عَالِيَةٍ، وَتَدْبِيرٍ جَيِّدٍ، وَكَلِمَةٍ نَافِذَةٍ عِنْدَ مَخْدُومِهِ، وَقَدْ فَوَّضَ إِلَيْهِ أُمُورَهُ فِي سَائِرِ مَمْلَكَتِهِ، وَلَمَّا مَرِضَ عَادَهُ الْعَزِيزُ، وَوَصَّاهُ الْوَزِيرُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَمْلَكَتِهِ، وَلَمَّا مَاتَ دَفَنَهُ فِي قَصْرِهِ، وَتَوَلَّى دَفْنَهُ بِيَدِهِ، وَحَزِنَ عَلَيْهِ كَثِيرًا، وَأَغْلَقَ الدِّيوَانَ أَيَّامًا مِنْ شِدَّةِ حُزْنِهِ عَلَيْهِ.
পৃষ্ঠা - ৯৫৭৩
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا كَانَ الْقَبْضُ عَلَى الْخَلِيفَةِ الطَّائِعِ لِلَّهِ وَخِلَافَةُ الْقَادِرِ بِاللَّهِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ الْأَمِيرِ إِسْحَاقَ بْنِ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ السَّبْتِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَلَسَ الْخَلِيفَةُ عَلَى عَادَتِهِ فِي الرِّوَاقِ، وَقَعَدَ الْمَلِكُ بِهَاءُ الدَّوْلَةِ عَلَى السَّرِيرِ، ثُمَّ أَرْسَلَ مَنِ اجْتَذَبَ الْخَلِيفَةَ بِحَمَائِلِ سَيْفِهِ عَنِ السَّرِيرِ، وَلَفُّوهُ فِي كِسَاءٍ، وَحَمَلُوهُ إِلَى الْخِزَانَةِ بِدَارِ الْمَمْلَكَةِ، وَتَشَاغَلَ النَّاسُ بِالنَّهْبِ، وَلَمْ يَدْرِ أَكْثَرُ النَّاسِ مَا الْخَطْبُ وَلَا مَا الْخَبَرُ، حَتَّى إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَظُنُّ أَنَّ الْمَلِكَ بَهَاءَ الدَّوْلَةِ هُوَ الَّذِي مُسِكَ، فَنُهِبَتِ الْخَزَائِنُ وَالْحَوَاصِلُ وَشَيْءٌ كَثِيرٌ مِنْ أَثَاثِ دَارِ الْخِلَافَةِ، حَتَّى أُخِذَتْ ثِيَابُ الْأَعْيَانِ وَالْقُضَاةِ وَالشُّهُودِ، وَجَرَتْ كَائِنَةٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا، وَرَجَعَ بِهَاءُ الدَّوْلَةِ إِلَى دَارِهِ، وَكَتَبَ عَلَى الطَّائِعِ كِتَابًا بِالْخَلْعِ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ الْأَشْرَافُ وَالْقُضَاةُ أَنَّهُ قَدْ خَلَعَ نَفْسَهُ عَنِ الْخِلَافَةِ وَسَلَّمَهَا إِلَى الْقَادِرِ بِاللَّهِ وَنُودِيَ بِذَلِكَ فِي الْأَسْوَاقِ، وَتَشَغَّبَتِ الدَّيْلَمُ وَالْأَتْرَاكُ، وَطَالَبُوا بِرَسْمِ الْبَيْعَةِ، وَرَاسَلُوا بَهَاءَ الدَّوْلَةِ فِي ذَلِكَ، وَتَطَاوَلَ الْأَمَرُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَلَمْ يُمَكَّنُوا
পৃষ্ঠা - ৯৫৭৪
مِنَ الدُّعَاءِ لَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ بِصَرِيحِ اسْمِهِ، بَلْ قِيلَ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ عَبْدَكَ وَخَلِيفَتَكَ الْقَادِرَ بِاللَّهِ. وَلَمْ يُسَمَّ، ثُمَّ أَرْضَى وُجُوهَهُمْ وَأَكَابِرَهُمْ، وَأُخِذَتِ الْبَيْعَةُ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَاتَّفَقَتِ الْكَلِمَةُ، وَأَمَرَ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ بِتَحْوِيلِ جَمِيعِ مَا فِي دَارِ الْخِلَافَةِ مِنَ الْأَوَانِي وَالْفُرُشِ وَالْأَثَاثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إِلَى دَارِهِ، وَأُبِيحَتْ لِلْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، فَقَلَعُوا أَبْوَابَهَا وَشَبَابِيكَهَا وَشَعَّثُوا أَبْنِيَتَهَا، ثُمَّ مُنِعُوا بَعْدَ ذَلِكَ. هَذَا كُلُّهُ وَالْخَلِيفَةُ الْقَادِرُ قَدْ هَرَبَ إِلَى أَرْضِ الْبَطِيحَةِ مِنَ الطَّائِعِ حِينَ كَانَ يَطْلُبُهُ، وَلَمَّا رَكِبَ إِلَى بَغْدَادَ مَنَعَتْهُ الدَّيْلَمُ مِنَ الدُّخُولِ إِلَيْهَا حَتَّى يُعْطِيَهُمْ رَسْمَ الْبَيْعَةِ، وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ خُطُوبٌ طَوِيلَةٌ، ثُمَّ رَضُوا عَنْهُ، وَدَخَلَ بَغْدَادَ وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَكَانَتْ مُدَّةُ هَرَبِهِ بِأَرْضِ الْبَطِيحَةِ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَجَلَسَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ مَقْدِمِهِ جُلُوسًا عَامًّا لِلتَّهْنِئَةِ وَسَمَاعِ الْمَدَائِحِ وَالْقَصَائِدِ فِيهِ، وَذَلِكَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَوَّالٍ اجْتَمَعَ النَّاسُ لِبَيْعَةِ بَهَاءِ الدِّينِ وَتَفْوِيضِ الْخَلِيفَةِ إِلَيْهِ مَا وَرَاءَ بَابِهِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا. وَقَدْ كَانَ الْخَلِيفَةُ الْقَادِرُ بِاللَّهِ مِنْ خِيَارِ الْخُلَفَاءِ وَسَادَاتِ الْعُلَمَاءِ فِي أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَقْرَانِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَةِ، حَسَنَ الِاعْتِقَادِ، وَصَنَّفَ عَقِيدَةً فِيهَا فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَكَانَتْ تُقْرَأُ فِي حِلَقِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ كُلَّ جُمُعَةٍ فِي جَامِعِ الْمَهْدِيِّ، وَتَجْتَمِعُ النَّاسُ لِسَمَاعِهَا مُدَّةَ خِلَافَتِهِ، وَكَانَ يُنْشِدُ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ يَتَرَنَّمُ بِهَا، وَهِيَ لِسَابِقٍ الْبَرْبَرِيِّ: سَبَقَ الْقَضَاءُ بِكُلِّ مَا هُوَ كَائِنُ ... وَاللَّهُ يَا هَذَا لِرِزْقِكَ ضَامِنُ
পৃষ্ঠা - ৯৫৭৫
تُعْنَى بِمَا تُكْفَى وَتَتْرُكُ مَا بِهِ ... تَغْنَى كَأَنَّكَ لِلْحَوَادِثِ آمِنُ أَوَ مَا تَرَى الدُّنْيَا وَمَصْرَعَ أَهْلِهَا ... فَاعْمَلْ لِيَوْمِ فِرَاقِهَا يَا خَائِنُ وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ لَا أَبًا لَكَ فِي الَّذِي ... أَصْبَحْتَ تَجْمَعُهُ لِغَيْرِكَ خَازِنُ يَا عَامِرَ الدُّنْيَا أَتَعْمُرُ مَنْزِلًا ... لَمْ يَبْقَ فِيهِ مَعَ الْمَنِيَّةِ سَاكِنُ الْمَوْتُ شَيْءٌ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ ... حُقٌّ وَأَنْتَ بِذِكْرِهِ مُتَهَاوِنُ إِنَّ الْمَنِيَّةَ لَا تُؤَامِرُ مَنْ أَتَتْ ... فِي نَفْسِهِ يَوْمًا وَلَا تَسْتَأْذِنُ وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ - وَهُوَ يَوْمُ غَدِيرِ خُمٍّ - جَرَتْ فِتْنَةٌ بَيْنَ الرَّوَافِضِ وَالسُّنَّةِ، وَاقْتَتَلُوا، فَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَاسْتَظْهَرَ أَهْلُ بَابِ الْبَصْرَةِ، وَخَرَّقُوا أَعْلَامَ السُّلْطَانِ، فَقُتِلَ جَمَاعَةٌ اتُّهِمُوا بِفِعْلِ ذَلِكَ، وَصُلِبُوا عَلَى الْقَنْطَرَةِ لِيَرْتَدِعَ أَمْثَالُهُمْ. وَفِيهَا ظَهَرَ أَبُو الْفُتُوحِ الْحَسَنُ بْنُ جَعْفَرٍ الْعُلْوِيُّ أَمِيرُ مَكَّةَ وَادَّعَى أَنَّهُ خَلِيفَةٌ، وَسَمَّى نَفْسَهُ الرَّاشِدَ بِاللَّهِ، فَمَالَأَهُ أَهْلُ مَكَّةَ وَحَصَلَ لَهُ أَمْوَالٌ مِنْ رَجُلٍ أَوْصَى لَهُ بِهَا، فَانْتَظَمَ أَمْرُهُ بِسَبَبِهَا، وَتَقَلَّدَ سَيْفًا وَزَعَمَ أَنَّهُ ذُو الْفَقَارِ، وَأَخَذَ فِي يَدِهِ قَضِيبًا زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَصَدَ بِلَادَ الرَّمْلَةِ لِيَسْتَعِينَ بِعَرَبِ الشَّامِ فَتَلَقَّوْهُ بِالرَّحْبِ وَقَبَّلُوا لَهُ الْأَرْضَ، وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَظْهَرَ الْأَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ. ثُمَّ إِنَّ الْحَاكِمَ صَاحِبَ مِصْرَ - وَكَانَ قَدْ قَامَ
পৃষ্ঠা - ৯৫৭৬
بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِ أَبِيهِ الْعَزِيزِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ - كَتَبَ إِلَى عَرَبِ الشَّامِ مُلَطَّفَاتٍ، وَوَعَدَهُمْ مِنَ الذَّهَبِ بِأُلُوفٍ وَمِئَاتٍ، وَكَذَلِكَ إِلَى عَرَبِ الْحِجَازِ، وَاسْتَنَابَ عَلَى مَكَّةَ أَمِيرًا، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِجَارِيَةٍ وَخَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَانْتَظَمَ أَمْرُ الْحَاكِمِ، وَتَمَزَّقَ أَمْرُ الرَّاشِدِ، وَتَسَحَّبَ إِلَى بِلَادِهِ كَمَا بَدَأَ مِنْهَا، وَعَادَ إِلَيْهَا، وَكَانَ عَوْدُهُ إِلَيْهَا كَمَا رَحَلَ عَنْهَا، وَاضْمَحَلَّ حَالُهُ، وَانْتَقَضَتْ حِبَالُهُ، وَتَفَرَّقَ عَنْهُ رِجَالُهُ، وَاللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مِهْرَانَ، أَبُو بَكْرٍ الْمَقْرِئُ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي شَوَّالٍ مِنْهَا عَنْ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَاتَّفَقَ لَهُ أَنَّهُ مَاتَ فِي يَوْمِ وَفَاتِهِ أَبُو الْحَسَنِ الْعَامِرِيُّ الْفَيْلَسُوفُ، فَرَأَى بَعْضُ الصَّالِحِينَ أَحْمَدَ بْنَ الْحُسَيْنِ هَذَا فِي الْمَنَامِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أُسْتَاذُ، أَيُّ شَيْءٍ فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ: أَقَامَ أَبَا الْحَسَنِ الْعَامِرِيَّ إِلَى جَانِبِي، وَقَالَ: هَذَا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ. عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْرُوفٍ، أَبُو مُحَمَّدٍ قَاضِي الْقُضَاةِ
পৃষ্ঠা - ৯৫৭৭
بِ بَغْدَادَ رَوَى عَنِ ابْنِ صَاعِدٍ وَعَنْهُ الْخَّلَالُ وَالْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَكَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الثِّقَاتِ الْأَلِبَّاءِ الْعُقَلَاءِ الْفُطَنَاءِ، حَسَنَ الشَّكْلِ، جَمِيلَ الْمَلْبَسِ عَفِيفًا عَنِ الْأَمْوَالِ، وَكَانَ عُمُرُهُ يَوْمَ تُوُفِّيَ عَنْ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبُو أَحْمَدَ الْمُوسَوِيُّ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ خَمْسًا، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ بِجَامِعِ الْمَنْصُورِ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، ثُمَّ دُفِنَ فِي دَارِهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. جَوْهَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَائِدُ بَانِي الْقَاهِرَةِ الْمُعِزِّيَةِ، أَصْلُهُ رُومِيٌّ، وَيُعْرَفُ بِالْكَاتِبِ، أَرْسَلَهُ مَوْلَاهُ الْمُعِزُّ بْنُ الْمَنْصُورِ بْنِ الْقَائِمِ بْنِ الْمَهْدِيِّ الْمُدَّعِي أَنَّهُ فَاطِمِيٌّ مِنْ إِفْرِيقِيَةَ لِأَخْذِ مِصْرَ عِنْدَ اضْطِرَابِ جَيْشِهَا بَعْدَ مَوْتِ كَافُورٍ الْإِخْشِيدِيِّ فَأَقَامُوا عَلَيْهِمْ أَحْمَدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْإِخْشِيدِ، فَلَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْمُعِزِّ يَسْتَنْجِدُ بِهِ، فَأَرْسَلَ مَوْلَاهُ جَوْهَرًا هَذَا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، فَوَصَلَ إِلَى الْقَاهِرَةِ فِي شَعْبَانَ مِنْهَا فِي مِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، وَمَعَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ أَلْفٌ وَمِائَتَا صُنْدُوقٍ لِيُنْفِقَهُ فِي ذَلِكَ، فَانْزَعَجَ النَّاسُ وَأَرْسَلُوا يَطْلُبُونَ مِنْهُ الْأَمَانَ فَأَمَّنَهُمْ، فَلَمْ يَرْضَ الْجَيْشُ بِذَلِكَ، وَبَرَزُوا لِقِتَالِهِ فَكَسَرَهُمْ، وَجَدَّدَ الْأَمَانَ لِأَهْلِهَا، وَدَخَلَهَا يَوْمَ الثُّلَاثَاءَ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَعْبَانَ، فَشَقَّ مِصْرَ، وَنَزَلَ فِي مَكَانِ الْقَاهِرَةِ الْيَوْمَ، وَأَسَّسَ مِنْ لَيْلَتِهِ الْقَصْرَيْنِ، وَخَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْآتِيَةِ، فَقَطَعَ خُطْبَةَ بَنِي الْعَبَّاسِ وَعَوَّضَ بِمَوْلَاهُ، وَذَكَرَ الْأَئِمَّةَ الْاثْنَيْ عَشَرَ، وَأُذِّنَ بِحَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، وَكَانَ يُظْهِرُ الْإِحْسَانَ إِلَى النَّاسِ، وَيَجْلِسُ كُلَّ يَوْمِ سَبْتٍ مَعَ الْوَزِيرِ جَعْفَرِ بْنِ الْفُرَاتِ وَالْقَاضِي، وَاجْتَهَدَ فِي تَكْمِيلِ الْقَاهِرَةِ وَفَرَغَ مِنْ
পৃষ্ঠা - ৯৫৭৮
جَامِعِهَا سَرِيعًا، وَخَطَبَ بِهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: جَامِعُ الْأَزْهَرِ، ثُمَّ أَرْسَلَ جَعْفَرَ بْنَ فَلَاحٍ إِلَى الشَّامِ فَأَخَذَهَا لِلْمُعِزِّ، وَقَدِمَ مَوْلَاهُ الْمُعِزُّ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ، فَنَزَلَ بِالْقَصْرَيْنِ، وَلَمْ تَزَلْ مَنْزِلَتُهُ عَالِيَةً عِنْدَهُ، ثُمَّ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَامَ فِي مَنْصِبِهِ وَعَظَمَتِهِ ابْنُهُ الْحُسَيْنُ الَّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ: قَائِدُ الْقُوَّادِ، وَهُوَ أَكْبَرُ أُمَرَاءِ الْحَاكِمِ بْنِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُعِزِّ، ثُمَّ كَانَ قَتْلُهُ عَلَى يَدَيْهِ فِي سِنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَقُتِلَ مَعَهُ صِهْرُهُ زَوْجُ أُخْتِهِ الْقَاضِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ النُّعْمَانِ، وَأَظُنُّ هَذَا الْقَاضِيَ هُوَ مُصَنِّفُ كِتَابِ " الْبَلَاغِ الْأَكْبَرِ وَالنَّامُوسِ الْأَعْظَمِ " الَّذِي فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ مَا لَمْ يَصِلْ إِبْلِيسُ إِلَى مِثْلِهِ، وَقَدْ رَدَّ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
পৃষ্ঠা - ৯৫৭৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي عَاشِرِ الْمُحَرَّمِ مِنْهَا رَسَمَ الْوَزِيرُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَوْكَبِيُّ - وَيُعْرَفُ بِابْنِ الْمُعَلِّمِ، وَكَانَ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَى السُّلْطَانِ - لِأَهْلِ الْكَرْخِ وَبَابِ الطَّاقِ مِنَ الرَّافِضَةِ بِأَنْ لَا يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْبِدَعِ الَّتِي كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهَا فِي عَاشُورَاءَ ; مِنْ تَعْلِيقِ الْمُسُوحِ وَتَغْلِيقِ الْأَسْوَاقِ وَالنِّيَاحَةِ عَلَى الْحُسَيْنِ، فَلَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَقَدْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ طَمَّاعًا ; رَسَمَ بِأَنْ لَا يُقْبَلَ أَحَدٌ مِنَ الشُّهُودِ مِمَّنِ اسْتَحْدَثَ عَدَالَتَهُ بَعْدَ ابْنِ مَعْرُوفٍ وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ قَدْ بَذَلَ أَمْوَالًا جَزِيلَةً فِي ذَلِكَ، فَاحْتَاجُوا إِلَى أَنْ جَمَعُوا لَهُ شَيْئًا، فَوَقَعَ لَهُمْ بِالِاسْتِمْرَارِ. وَلَمَّا كَانَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَعَتِ الدَّيْلَمُ وَالتُّرْكُ عَلَى ابْنِ الْمُعَلِّمِ هَذَا، وَخَرَجُوا بِخِيَامِهِمْ إِلَى بَابِ الشَّمَّاسِيَّةِ، وَرَاسَلُوا بَهَاءَ الدَّوْلَةِ لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ، لِسُوءِ مُعَامَلَتِهِ إِيَّاهُمْ، فَدَافَعَ عَنْهُ مُدَافَعَةً عَظِيمَةً فِي مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَلَمْ يَزَالُوا يُرَاسِلُونَهُ فِي أَمْرِهِ حَتَّى خَنَقَ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ الْمُعَلِّمِ فِي حَبْلٍ، وَمَاتَ وَدُفِنَ بِالْمُخَرِّمِ. وَفِي رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ سَلَّمَ الْخَلِيفَةُ الطَّائِعُ لِلَّهِ الَّذِي خُلِعَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ خَلِيفَةِ الْوَقْتِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْقَادِرِ بِاللَّهِ فَأَمَرَ بِوَضْعِهِ فِي حُجْرَةٍ مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ،
পৃষ্ঠা - ৯৫৮০
وَأَمَرَ أَنْ تُجْرَى عَلَيْهِ الْأَرْزَاقُ وَالتُّحَفُ وَالْأَلْطَافُ، مِمَّا يَسْتَعْمِلُهُ الْخَلِيفَةُ الْقَادِرُ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَلْبَسٍ وَطِيبٍ، وَوَكَّلَ بِهِ مَنْ يَحْفَظُهُ وَيَخْدِمُهُ، وَكَانَ يَتَعَنَّتُ وَيَتَعَتَّبُ عَلَى الْقَادِرِ فِي تَقَلُّلِهِ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَلْبَسِ، فَرَتَّبَ مَنْ يَخْدِمُهُ يُحْضِرُ لَهُ مَا يَشْتَهِيهِ مِنْ سَائِرِ الْأَنْوَاعِ، وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَ وَهُوَ فِي السِّجْنِ. وَفِي شَوَّالٍ مِنْهَا وُلِدَ لِلْخَلِيفَةِ الْقَادِرِ وَلَدٌ ذَكَرٌ، وَهُوَ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَادِرِ بِاللَّهِ، وَقَدْ وَلَّاهُ الْعَهْدَ مِنْ بَعْدِهِ، وَسَمَّاهُ الْغَالِبَ بِاللَّهِ، فَلَمْ يَتِمَّ لَهُ الْأَمْرُ. وَفِي هَذَا الْوَقْتِ غَلَتِ الْأَسْعَارُ بِبَغْدَادَ حَتَّى بِيعَ رَطْلُ الْخُبْزِ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَالْحَوْزَةُ بِدِرْهَمٍ. وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ قَدِمَ صَاحِبٌ الْأُصَيْفِرُ الْأَعْرَابِيُّ، وَالْتَزَمَ بِحِرَاسَةِ الْحُجَّاجِ فِي ذَهَابِهِمْ وَإِيَابِهِمْ، وَبِشَرْطِ أَنْ يُخْطَبَ لِلْقَادِرِ مِنَ الْيَمَامَةِ وَالْبَحْرَيْنِ إِلَى الْكُوفَةِ فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ، وَأُطْلِقَتْ لَهُ الْخِلَعُ وَالْأَمْوَالُ وَالْأَلْوِيَةُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ، أَبُو عُمَرَ الْخَزَّازُ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ حَيُّوَيْهِ، سَمِعَ الْبَغَوِيَّ وَالْبَاغَنْدِيَّ وَابْنَ صَاعِدٍ وَخَلْقًا
পৃষ্ঠা - ৯৫৮১
كَثِيرًا، وَانْتَقَى عَلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيُّ وَسَمِعَ مِنْهُ الْأَعْيَانُ، وَكَانَ ثِقَةً دَيِّنًا مُتَيَقِّظًا، ذَا مُرُوءَةٍ، وَكَتَبَ مِنَ الْكُتُبِ الْكِبَارِ كَثِيرًا بِيَدِهِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ مِنْهَا، وَقَدْ قَارَبَ التِّسْعِينَ، رَحِمَهُ اللَّهُ. الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ فِي اللُّغَةِ وَالْأَدَبِ وَالنَّحْوِ وَالنَّوَادِرِ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ تَصَانِيفُ مُفِيدَةٌ، مِنْهَا " التَّصْحِيفُ " وَغَيْرُهُ، وَكَانَ الصَّاحِبُ بْنُ عَبَّادٍ يَوَدُّ الِاجْتِمَاعَ بِهِ، فَسَافَرَ إِلَى عَسْكَرِ مُكْرَمٍ حَتَّى اجْتَمَعَ بِهِ، فَأَكْرَمَهُ وَرَاسَلَهُ بِالْأَشْعَارِ، تُوُفِّيَ فِيهَا وَلَهُ تِسْعُونَ سَنَةً. كَذَا أَرَّخَهُ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَنْ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ، كَمَا سَيَأْتِي، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
পৃষ্ঠা - ৯৫৮২
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا أَمَرَ الْقَادِرُ بِاللَّهِ بِعِمَارَةِ مَسْجِدِ الْحَرْبِيَّةِ وَكِسْوَتِهِ، وَأَنْ يُجْرَى مَجْرَى الْجَوَامِعِ فِي الْخُطَبِ وَغَيْرِهَا، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنِ اسْتَفْتَى الْعُلَمَاءَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَفْتَوْهُ بِهِ فَعَلَهُ، وَأَمَرَ بِهِ. قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ: أَدْرَكْتُ الْجُمُعَةَ تُقَامُ بِبَغْدَادَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَمَسْجِدِ الرَّصَافَةِ، وَمَسْجِدِ دَارِ الْخِلَافَةِ، وَمَسْجِدِ بَرَاثَا، وَمَسْجِدِ قَطِيعَةَ أُمِّ جَعْفَرٍ، وَمَسْجِدِ الْحَرْبِيَّةِ، قَالَ: وَلَمْ يَزَلِ الْأَمَرُ عَلَى هَذَا إِلَى سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَتَعَطَّلَتْ فِي مَسْجِدِ بَرَاثَا. وَفِي جُمَادَى الْأُولَى فُرِغَ مِنَ الْجِسْرِ الَّذِي بَنَاهُ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ فِي مَشْرَعَةِ الْقَطَّانِينَ، وَاجْتَازَ عَلَيْهِ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ زُيِّنَ الْمَكَانُ وَاحْتُفِلَ بِهِ. وَفِي جُمَادَى الْآخِرَةِ شَغَبَتِ الدَّيَالِمُ وَالْأَتْرَاكُ لِتَأَخُّرِ الْعَطَاءِ عَنْهُمْ، وَغَلَاءِ الْأَسْعَارِ وَرَاسَلُوا بَهَاءَ الدَّوْلَةِ، فَأُزِيحَتْ أَعْذَارُهُمْ وَعِلَلُهُمْ. وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الثَّانِي مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ تَزَوَّجَ الْخَلِيفَةُ سُكَيْنَةَ بِنْتَ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ، عَلَى صَدَاقٍ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَكَانَ وَكِيلَ أَبِيهَا الشَّرِيفُ