আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ৯২৭৫
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فِي الْمُحَرَّمِ مِنْهَا ظَهَرَ كَوْكَبٌ بِذَنَبٍ، رَأْسُهُ إِلَى الْغَرْبِ، وَذَنَبُهُ إِلَى الشَّرْقِ، وَكَانَ عَظِيمًا جِدًّا، وَذَنَبُهُ مُنْتَشِرٌ، وَبَقِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا إِلَى أَنِ اضْمَحَلَّ. قَالَ: وَفِي نِصْفِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بَلَغَ الْكُرُّ مِنَ الْحِنْطَةِ مِائَتَيْ دِينَارٍ وَعَشَرَةَ دَنَانِيرَ، وَمِنَ الشَّعِيرِ مِائَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا، ثُمَّ بَلَغَ كُرُّ الْحِنْطَةِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ دِينَارًا، وَأَكَلَ الضُّعَفَاءُ الْمَيْتَةَ، وَدَامَ الْغَلَاءُ وَكَثُرَ الْمَوْتُ، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، وَشُغِلَ النَّاسُ بِالْمَرَضِ وَالْفَقْرِ، وَتُرِكَ دَفْنُ الْمَوْتَى، وَشُغِلَ النَّاسُ عَنِ الْمَلَاهِي وَاللَّعِبِ. قَالَ: ثُمَّ جَاءَ مَطَرٌ كَأَفْوَاهِ الْقِرَبِ وَبَلَغَتْ زِيَادَةُ دِجْلَةَ عِشْرِينَ ذِرَاعًا وَثُلُثًا. وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " كَامِلِهِ " أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ رَائِقٍ - الَّذِي هُوَ أَمِيرُ الْأُمَرَاءِ بِبَغْدَادَ حِينَئِذٍ - وَقَعَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ الَّذِي بِوَاسِطٍ وَحْشَةٌ بِسَبَبِ مَنْعِ الْبَرِيدِيِّ الْخَرَاجَ الَّذِي عِنْدَهُ، فَرَكَّبَ إِلَيْهِ ابْنُ رَائِقٍ لِيَتَسَلَّمَ مَا عِنْدَهُ مِنَ
পৃষ্ঠা - ৯২৭৬
الْمَالِ، فَوَقَعَتْ مُصَالَحَةٌ، وَرَجَعَ ابْنُ رَائِقٍ فَطَالَبَهُ الْجُنْدُ بِأَرْزَاقِهِمْ، وَضَاقَ عَلَيْهِ حَالُهُ، وَتَحَيَّزَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَتْرَاكِ إِلَى الْبَرِيدِيِّ، فَضَعُفَ جَانِبُ ابْنِ رَائِقٍ فَكَاتَبَ الْبَرِيدِيَّ بِالْوِزَارَةِ بِبَغْدَادَ، ثُمَّ قَطَعَ اسْمَ الْوِزَارَةِ عَنْهُ، فَاشْتَدَّ حَنَقُ الْبَرِيدِيِّ، وَعَزَمَ عَلَى أَخْذِ بَغْدَادَ فَبَعَثَ أَخَاهُ أَبَا الْحُسَيْنِ فِي جَيْشٍ، فَتَحَصَّنَ ابْنُ رَائِقٍ مَعَ الْخَلِيفَةِ بِدَارِ الْخِلَافَةِ، وَنَصَبَ فِيهَا الْمَجَانِيقَ وَالْعَرَّادَاتِ، وَعَلَى دِجْلَةَ أَيْضًا، فَاضْطَرَبَتْ بَغْدَادُ وَنَهَبَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَجَاءَ أَبُو الْحُسَيْنِ أَخُو أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ بِمَنْ مَعَهُ، فَقَاتَلَهُمُ النَّاسُ فِي الْبَرِّ وَفِي دِجْلَةَ، وَتَفَاقَمَ الْحَالُ، وَاشْتَدَّ الْخَطْبُ جِدًّا، مَعَ الْغَلَاءِ وَالْوَبَاءِ وَالْفِنَاءِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. ثُمَّ إِنَّ الْخَلِيفَةَ وَابْنَ رَائِقٍ انْهَزَمَا فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ - وَمَعَ الْخَلِيفَةِ ابْنُهُ أَبُو مَنْصُورٍ - فِي عِشْرِينَ فَارِسًا، فَقَصَدُوا نَحْوَ الْمَوْصِلِ وَاسْتَحْوَذَ أَبُو الْحُسَيْنِ عَلَى دَارِ الْخِلَافَةِ، فَقَتَلَ أَصْحَابُ الْبَرِيدِيِّ مَنْ وَجَدُوا بِدَارِ الْخِلَافَةِ مِنَ الْحَاشِيَةِ، وَنَهَبُوهَا حَتَّى وَصَلَ النَّهْبُ إِلَى الْحَرِيمِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْقَاهِرِ، وَهُوَ إِذْ ذَاكَ أَعْمَى مَكْفُوفٌ، وَأَخْرَجُوا كُورْتَكِينَ مِنَ الْحَبْسِ، فَبَعَثَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ إِلَى أَخِيهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ، فَكَانَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ وَنَهَبُوا بَغْدَادَ جِهَارًا عَلَانِيَةً، وَنَزَلَ أَبُو الْحُسَيْنِ بِدَارِ مُؤْنِسٍ الَّتِي كَانَ يَسْكُنُهَا ابْنُ رَائِقٍ وَكَانُوا يَكْبِسُونَ الدُّورَ وَيَأْخُذُونَ مَا فِيهَا مِنَ الْأَمْوَالِ، فَكَثُرَ الْجَوْرُ، وَغَلَتِ الْأَسْعَارُ جِدًّا، وَضَرَبَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْمَكْسَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَذَاقَ أَهْلُ بَغْدَادَ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ. وَكَانَ مَعَ أَبِي الْحُسَيْنِ فِي الْجَيْشِ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْقَرَامِطَةِ، فَأَفْسَدُوا فِي الْبَلَدِ فَسَادًا عَظِيمًا، فَوَقَعَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَتْرَاكِ حُرُوبٌ طَوِيلَةٌ شَدِيدَةٌ، فَغَلَبَتْهُمُ
পৃষ্ঠা - ৯২৭৭
التُّرْكُ، وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ بَغْدَادَ وَوَقَعَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ الْعَامَّةِ وَالدَّيْلَمِ أَيْضًا. وَفِي شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ اشْتَدَّ الْحَالُ أَيْضًا، وَنُهِبَتِ الْمَسَاكِنُ، وَكُبِسَ أَهْلُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَخَرَجَتِ الْجُنْدُ مِنْ أَصْحَابِ الْبَرِيدِيِّ، فَنَهَبُوا الْغَلَّاتِ مِنَ الْقُرَى وَالْحَيَوَانَاتِ، وَجَرَى ظُلْمٌ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا ; لِيَعْلَمَ الظَّلَمَةُ أَنَّ أَخْبَارَهُمْ تُنْقَلُ وَتَبْقَى بَعْدَهُمْ عَلَى وَجْهِ الدَّهْرِ، فَرُبَّمَا تَرَكُوا الظُّلْمَ لِهَذَا إِنْ لَمْ يَتْرُكُوهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ كَانَ الْخَلِيفَةُ أَرْسَلَ وَهُوَ بِبَغْدَادَ إِلَى نَاصِرِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ نَائِبِ الْمَوْصِلِ وَالْجَزِيرَةِ يَسْتَمِدُّهُ، وَيَسْتَجِيشُ بِهِ عَلَى الْبَرِيدِيِّ، فَأَرْسَلَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ أَخَاهُ سَيْفَ الدَّوْلَةِ عَلِيًّا فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ، فَلَمَّا كَانَ بِتَكْرِيتَ إِذَا الْخَلِيفَةُ وَابْنُ رَائِقٍ قَدْ هَرَبَا، فَرَجَعَ مَعَهُمَا سَيْفُ الدَّوْلَةِ إِلَى أَخِيهِ، وَقَدَّمَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ لِلْخَلِيفَةِ الْمُتَّقِي لِلَّهِ خِدْمَةً عَظِيمَةً فِي مَسِيرِهِ هَذَا، وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْمَوْصِلِ خَرَجَ عَنْهَا نَاصِرُ الدَّوْلَةِ، فَنَزَلَ شَرْقِيَّهَا، وَأَرْسَلَ التُّحَفَ وَالضِّيَافَاتِ، وَلَمْ يَجِئْ خَوْفًا مِنَ الْغَائِلَةِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ رَائِقٍ نَائِبِ الْعِرَاقِ وَصَاحِبِ الشَّامِ فَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ وَلَدَهُ أَبَا مَنْصُورٍ وَمَعَهُ ابْنُ رَائِقٍ لِلسَّلَامِ عَلَى نَاصِرِ الدَّوْلَةِ، فَأَمَرَ أَنْ يُنْثَرَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ عَلَى رَأْسِ وَلَدِ الْخَلِيفَةِ، وَجَلَسَا عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَا لِيَرْجِعَا، فَرَكِبَ ابْنُ الْخَلِيفَةِ، وَأَرَادَ ابْنُ رَائِقٍ أَنْ يَرْكَبَ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ: اجْلِسِ الْيَوْمَ عِنْدِي حَتَّى نُفَكِّرَ فِيمَا نَصْنَعُ
পৃষ্ঠা - ৯২৭৮
فِي أَمْرِنَا هَذَا. فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ بِابْنِ الْخَلِيفَةِ، وَاسْتَرَابَ الْأَمْرَ، فَقَبَضَ ابْنُ حَمْدَانَ بِكُمِّهِ، فَجَبَذَهُ ابْنُ رَائِقٍ مِنْهُ، فَانْقَطَعَ كُمُّهُ، وَرَكِبَ سَرِيعًا، فَسَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ، فَأَمَرَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ بِقَتْلِهِ فَقُتِلَ، وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. فَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ إِلَى ابْنِ حَمْدَانَ فَاسْتَحْضَرَهُ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَلَقَّبَهُ نَاصِرَ الدَّوْلَةِ يَوْمَئِذٍ، وَجَعَلَهُ أَمِيرَ الْأُمَرَاءِ، وَخَلَعَ عَلَى أَخِيهِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيٍّ، وَلَقَّبَهُ سَيْفَ الدَّوْلَةِ يَوْمَئِذٍ أَيْضًا، وَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ رَائِقٍ، وَبَلَغَ خَبَرُ قَتْلِهِ إِلَى صَاحِبِ مِصْرَ الْإِخْشِيدِ مُحَمَّدِ بْنِ طُغْجٍ، رَكِبَ إِلَى دِمَشْقَ فَتَسَلَّمَهَا مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزْدَادَ نَائِبِ ابْنِ رَائِقٍ وَلَمْ يَنْتَطِحْ فِيهَا عَنْزَانِ. وَلَمَّا بَلَغَ خَبَرُ مَقْتَلِهِ إِلَى بَغْدَادَ فَارَقَ أَكْثَرُ الْأَتْرَاكِ أَبَا الْحُسَيْنِ الْبَرِيدِيَّ لِسُوءِ سِيرَتِهِ، وَخُبْثِ سَرِيرَتِهِ، قَبَّحَهُ اللَّهُ، وَقَصَدُوا الْخَلِيفَةَ وَابْنَ حَمْدَانَ فِي الْمَوْصِلِ فَقَوِيَ بِهِمْ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ، وَرَكِبَ هُوَ وَالْخَلِيفَةُ الْمُتَّقِي لِلَّهِ إِلَى بَغْدَادَ فَلَمَّا اقْتَرَبُوا مِنْهَا، هَرَبَ عَنْهَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَرِيدِيُّ، وَدَخَلَ الْخَلِيفَةُ الْمُتَّقِي لِلَّهِ إِلَى بَغْدَادَ وَمَعَهُ بَنُو حَمْدَانَ فِي جُيُوشٍ كَثِيرَةٍ، وَذَلِكَ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَفَرِحَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَبَعَثَ إِلَى أَهْلِهِ - وَقَدْ كَانَ أَخْرَجَهُمْ إِلَى سَامَرَّاءَ - فَرَدَّهُمْ، وَتَرَاجَعَ أَعْيَانُ النَّاسِ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَمَا كَانُوا قَدْ رَحَلُوا عَنْهَا، وَرَدَّ الْخَلِيفَةُ أَبَا إِسْحَاقَ الْقَرَارِيطِيَّ إِلَى الْوِزَارَةِ وَوَلَّى تُوزُونَ شُرْطَةَ جَانِبَيْ بَغْدَادَ وَبَعَثَ نَاصِرُ
পৃষ্ঠা - ৯২৭৯
الدَّوْلَةِ أَخَاهُ سَيْفَ الدَّوْلَةِ فِي جَيْشٍ وَرَاءَ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَرِيدِيِّ، فَلَقِيَهُ عِنْدَ الْمَدَائِنِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ، ثُمَّ كَانَ آخِرَ الْأَمْرِ أَنِ انْهَزَمَ أَبُو الْحُسَيْنِ إِلَى أَخِيهِ بِوَاسِطٍ، وَقَدْ رَكِبَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ بِنَفْسِهِ، فَنَزَلَ الْمَدَائِنَ قُوَّةً لِأَخِيهِ. وَقَدِ انْهَزَمَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ مَرَّةً مِنْ أَبِي الْحُسَيْنِ فَرَدَّهُ أَخُوهُ، وَزَادَهُ جَيْشًا آخَرَ حَتَّى كَسَرَ الْبَرِيدِيَّ، وَأَسَرَ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِ أَصْحَابِهِ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَجَمٌّ غَفِيرٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ أَخَاهُ سَيْفَ الدَّوْلَةِ إِلَى وَاسِطٍ لِقِتَالِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ، فَانْهَزَمَ مِنْهُ الْبَرِيدِيُّ وَأَخُوهُ إِلَى الْبَصْرَةِ وَتَسَلَّمَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ وَاسِطًا، وَسَيَأْتِي مَا كَانَ مِنْ خَبَرِهِ مَعَ الْبَرِيدِيِّ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا نَاصِرُ الدَّوْلَةِ، فَإِنَّهُ عَادَ إِلَى بَغْدَادَ فَدَخَلَهَا فِي ثَالِثِ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْأَسَارَى عَلَى الْجِمَالِ، فَفَرِحَ النَّاسُ وَاطْمَأَنُّوا، وَنَظَرَ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَأَصْلَحَ مِعْيَارَ الدِّينَارِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ وَجَدَهُ قَدْ غُيِّرَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، فَضَرَبَ دَنَانِيرَ سَمَّاهَا الْإِبْرِيزِيَّةَ، فَكَانَتْ تُبَاعُ كُلُّ دِينَارٍ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا كَانَ يُبَاعُ الَّتِي قَبْلَهَا بِعَشْرَةٍ. وَعَزَلَ الْخَلِيفَةُ بَدْرًا الْخَرْشَنِيَّ عَنِ الْحِجَابَةِ، وَوَلَّاهَا سَلَامَةَ الطُّولُونِيَّ، وَجَعَلَ بَدْرًا عَلَى طَرِيقِ الْفُرَاتِ، فَسَارَ إِلَى الْإِخْشِيدِ فَأَكْرَمَهُ وَاسْتَنَابَهُ عَلَى دِمَشْقَ فَمَاتَ بِهَا. وَفِيهَا وَصَلَتِ الرُّومُ إِلَى قَرِيبِ حَلَبَ، فَقَتَلُوا خَلْقًا، وَأَسَرُوا نَحْوًا مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفِ إِنْسَانٍ. فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَفِيهَا دَخَلَ الثَّمِلِيُّ مِنْ طَرَسُوسَ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ، فَقَتَلَ وَسَبَى وَغَنِمَ وَسَلِمَ، وَأَسَرَ مِنْ بَطَارِقَتِهِمُ الْمَشْهُورِينَ فِيهِمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
পৃষ্ঠা - ৯২৮০
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو يَعْقُوبَ النَّهْرَجُورِيُّ أَحَدُ مَشَايِخِ الصُّوفِيَّةِ، صَحِبَ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَغَيْرَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْقَوْمِ، وَجَاوَرَ بِمَكَّةَ حَتَّى مَاتَ بِهَا. وَمِنْ كَلَامِهِ الْحَسَنِ قَوْلُهُ: مَفَاوِزُ الدُّنْيَا تُقْطَعُ بِالْأَقْدَامِ، وَمَفَاوِزُ الْآخِرَةِ تُقْطَعُ بِالْقُلُوبِ. الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبَانٍ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الضَّبِّيُّ الْقَاضِي الْمَحَامِلِيُّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ الْمُحَدِّثُ، سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَأَدْرَكَ خَلْقًا مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا، وَرَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَعَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَخَلْقٌ، وَكَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ نَحْوٌ مِنْ عَشْرَةِ آلَافٍ، وَكَانَ صَدُوقًا دَيِّنًا فَقِيهًا مُحَدِّثًا، وَلِيَ قَضَاءَ الْكُوفَةِ سِتِّينَ سَنَةً، وَأُضِيفَ إِلَيْهِ قَضَاءُ فَارِسَ وَأَعْمَالُهَا، ثُمَّ اسْتَعْفَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَزِمَ مَنْزِلَهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَى إِسْمَاعِ الْحَدِيثِ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَدْ تَنَاظَرَ هُوَ وَبَعْضُ الشِّيعَةِ بِحَضْرَةِ بَعْضِ الْأَكَابِرِ، فَجَعَلَ الشِّيعِيُّ يَذْكُرُ مَوَاقِفَ عَلَيٍّ يَوْمَ بِدْرٍ وَأُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ وَخَيْبَرَ وَحُنَيْنٍ وَشَجَاعَتَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلْمَحَامِلِيِّ: أَتَعْرِفُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنْ أَتَعْرِفُ أَيْنَ كَانَ الصَّدِّيقُ يَوْمَ بِدْرٍ؟ كَانَ
পৃষ্ঠা - ৯২৮১
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرِيشِ بِمَنْزِلَةِ الرَّئِيسِ الَّذِي يُحَامَى عَنْهُ كَمَا يُحَامَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلِيٌّ فِي مَقَامِ الْمُبَارَزَةِ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ انْهَزَمَ أَوْ قُتِلَ، لَمْ يُهْزَمِ الْجَيْشُ بِسَبَبِهِ، فَأُفْحِمَ الشِّيعِيُّ. وَقَالَ لَهُ الْمَحَامِلِيُّ: وَقَدْ قَدَّمَهُ الَّذِينَ رَوَوْا لَنَا الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ لَا مَالَ لَهُ وَلَا عَبِيدَ وَلَا عَشِيرَةَ تَمْنَعُهُ وَتُحَاجِفُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا قَدَّمُوهُ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُ خَيْرُهُمْ، فَأُفْحِمَ أَيْضًا. عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ أَبُو الْحَسَنِ الصَّائِغُ أَحَدُ الْعُبَّادِ الزُّهَّادِ أَصْحَابِ الْكَرَامَاتِ. رُوِيَ عَنْ مُمْشَادَ الدِّينَوَرِيِّ أَنَّهُ شَاهَدَ أَبَا الْحَسَنِ الصَّائِغَ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، وَنَسْرٌ قَدْ نَشَرَ جَنَاحَيْهِ يُظِلُّهُ مِنَ الْحَرِّ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَفِيهَا تُوُفِّيَ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيُّ الْمُتَكَلِّمُ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ، وَكَانَ مُوَلِدُهُ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. قُلْتُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ: وَفِيهَا تُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ النَّضْرِ الْهَرَوِيُّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ،
পৃষ্ঠা - ৯২৮২
وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَأَخَذَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ صَاحِبِ الشَّافِعِيِّ. قُلْتُ: وَقَدْ تُوُفِّيَ فِيهَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، وَزَكَرِيَّا بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ، وَعَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ سَلَامَةَ الْحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَائِقٍ الْأَمِيرُ، وَالشَّيْخُ أَبُو صَالِحٍ مُفْلِحٌ الْحَنْبَلِيُّ، وَاقِفُ مَسْجِدِ أَبِي صَالِحٍ ظَاهِرَ بَابِ شَرْقِيٍّ مِنْ دِمَشْقَ وَكَانَتْ لَهُ كَرَامَاتٌ وَأَحْوَالٌ وَمَقَامَاتٌ. وَهَذِهِ تَرْجَمَةُ أَبِي صَالِحٍ الدِّمَشْقِيِّ الَّذِي يُنْسَبُ إِلَيْهِ الْمَسْجِدُ ظَاهِرَ بَابِ شَرْقِيٍّ بِدِمَشْقَ: مُفْلِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو صَالِحٍ الْمُتَعَبِّدُ، صَحِبَ الشَّيْخَ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ سَيِّدٍ حَمْدَوَيْهِ الدِّمَشْقِيَّ، وَتَأَدَّبَ بِهِ، وَرَوَى عَنْهُ الْمُوَحِّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْبُرِّيِّ، وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْقُجَّةِ قَيِّمُ الْمَسْجِدِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُدَ الدِّينَوَرِيُّ الدُّقِّيُّ.
পৃষ্ঠা - ৯২৮৩
رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ الدُّقِّيِّ، عَنِ الشَّيْخِ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: كُنْتُ أَطُوفُ بِجَبَلِ اللُّكَّامِ ; أَطْلُبُ الزُّهَّادَ، فَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى صَخْرَةٍ مُطْرِقًا، فَقُلْتُ لَهُ: مَا تَصْنَعُ هَاهُنَا؟ فَقَالَ: أَنْظُرُ وَأَرْعَى. فَقُلْتُ لَهُ: لَا أَرَى بَيْنَ يَدَيْكَ إِلَّا الْحِجَارَةَ. فَقَالَ: أَنْظُرُ خَوَاطِرَ قَلْبِي، وَأَرْعَى أَوَامِرَ رَبِّي، وَبِحَقِّ الَّذِي أَظْهَرَكَ عَلَيَّ إِلَّا جُزْتَ عَنِّي. فَقُلْتُ لَهُ: كَلِّمْنِي بِشَيْءٍ أَنْتَفِعُ بِهِ حَتَّى أَمْضِيَ. فَقَالَ لِي: مَنْ لَزِمَ الْبَابَ أُثْبِتَ فِي الْخَدَمِ، وَمَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ الذُّنُوبِ أَكْثَرَ النَّدَمَ، وَمَنِ اسْتَغْنَى بِاللَّهِ أَمِنَ الْعَدَمَ. ثُمَّ تَرَكَنِي وَمَضَى. وَعَنِ الشَّيْخِ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: مَكَثْتُ سِتَّةَ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَمْ آكُلْ وَلَمْ أَشْرَبْ، وَلَحِقَنِي عَطَشٌ عَظِيمٌ، فَجِئْتُ النَّهْرَ الَّذِي وَرَاءَ الْمَسْجِدِ، فَجَلَسْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ، فَتَذَكَّرْتُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] فَذَهَبَ عَنِّي الْعَطَشُ، فَمَكَثْتُ تَمَامَ الْعَشْرَةِ أَيَّامٍ. وَعَنْهُ قَالَ: مَكَثْتُ مَرَّةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَمْ أَشْرَبْ مَاءً، فَلَقِيَنِي الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَيِّدٍ حَمْدَوَيْهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَدْخَلَنِي مَنْزِلَهُ، وَجَاءَنِي بِمَاءٍ، وَقَالَ لِي: اشْرَبْ، فَشَرِبْتُ، فَأَخَذَ فَضْلَتِي وَذَهَبَ إِلَى امْرَأَتِهِ، وَقَالَ لَهَا: اشْرَبِي فَضْلَ رَجُلٍ قَدْ مَكَثَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَمْ يَشْرَبِ الْمَاءَ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ: وَلَمْ يَكُنِ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ مِنِّي أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
পৃষ্ঠা - ৯২৮৪
وَمِنْ كَلَامِ أَبِي صَالِحٍ: الدُّنْيَا حَرَامٌ عَلَى الْقُلُوبِ، حَلَالٌ عَلَى النُّفُوسِ ; لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ بِعَيْنِ رَأْسِكَ، فَيَحْرُمُ عَلَيْكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ بِعَيْنِ قَلْبِكَ. وَكَانَ يَقُولُ: الْبَدَنُ لِبَاسُ الْقَلْبِ، وَالْقَلْبُ لِبَاسُ الْفُؤَادِ، وَالْفُؤَادُ لِبَاسُ الضَّمِيرِ، وَالضَّمِيرُ لِبَاسُ السِّرِّ، وَالسِّرُّ لِبَاسُ الْمَعْرِفَةِ. وَلِأَبِي صَالِحٍ مَنَاقِبُ كَثِيرَةٌ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَدْ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
পৃষ্ঠা - ৯২৮৫
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي هَذِهِ السَّنَةِ دَخَلَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ إِلَى وَاسِطٍ وَقَدِ انْهَزَمَ عَنْهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيُّ وَأَخُوهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ التُّرْكُ عَلَى سَيْفِ الدَّوْلَةِ وَمَالُوا إِلَى تُوزُونَ وَهُمَّ بِالْقَبْضِ عَلَى سَيْفِ الدَّوْلَةِ، فَهَرَبَ مِنْهُمْ قَاصِدًا إِلَى بَغْدَادَ وَبَلَغَ أَخَاهُ نَاصِرَ الدَّوْلَةِ أَبَا مُحَمَّدٍ الْحَسَنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدَانَ الْمُلَقَّبَ بِأَمِيرِ الْأُمَرَاءِ بِبَغْدَادَ الْخَبَرُ، فَخَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى الْمَوْصِلِ فَنُهِبَتْ دَارُهُ بِبَغْدَادَ، وَكَانَتْ إِمَارَةُ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ عَلَى بَغْدَادَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَجَاءَ أَخُوهُ سَيْفُ الدَّوْلَةِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا، فَنَزَلَ بِبَابِ حَرْبٍ، وَطَلَبَ مِنَ الْخَلِيفَةِ الْمُتَّقِي لِلَّهِ أَنْ يَمُدَّهُ بِمَالٍ يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى حَرْبِ تُوزُونَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَفَرَّقَهَا فِي أَصْحَابِهِ. وَحِينَ سَمِعَ بِقُدُومِ تُوزُونَ خَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ وَدَخَلَهَا تُوزُونُ فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ، وَجَعَلَهُ أَمِيرَ الْأُمَرَاءِ، وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُ بِبَغْدَادَ، وَعِنْدَ ذَلِكَ رَجَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيُّ إِلَى وَاسِطٍ وَأَخْرَجَ مَنْ كَانَ بِهَا مِنْ أَصْحَابِ تُوزُونَ وَكَانَ فِي أَسْرِ تُوزُونَ غُلَامٌ لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ يُقَالُ لَهُ: ثِمَالٌ. فَأَرْسَلَهُ إِلَى مَوْلَاهُ، فَحَسُنَ مُوقِعُ ذَلِكَ عِنْدَ آلِ حَمْدَانَ.
পৃষ্ঠা - ৯২৮৬
وَفِيهَا كَانَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ بِبِلَادِ نَسَا سَقَطَ مِنْهَا عِمَارَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَهَلَكَ بِسَبَبِهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَكَانَ بِبَغْدَادَ فِي أَيْلُولَ وَتِشْرِينَ حَرٌّ شَدِيدٌ يَأْخُذُ بِالْأَنْفَاسِ، وَفِي صَفَرٍ وَرَدَ الْخَبَرُ بِوُرُودِ الرُّومِ إِلَى أَرْزَنَ وَمَيَّافَارِقِينَ، وَأَنَّهُمْ سَبَوْا وَأَحْرَقُوا. وَفِي رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عُقِدَ عَقْدُ أَبِي مَنْصُورٍ إِسْحَاقِ بْنِ الْخَلِيفَةِ الْمُتَّقِي لِلَّهِ عَلَى عُلْوِيَّةَ بِنْتِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ، عَلَى صَدَاقِ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ وَأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَوَلِيَ الْعَقْدَ عَلَى الْجَارِيَةِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُوسَى الْهَاشِمِيُّ، وَلَمْ يَحْضُرْ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ. وَضَرَبَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ سِكَّةً، زَادَ فِي الْكِتَابَةِ عَلَيْهَا: عَبْدُ آلِ مُحَمَّدٍ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَفِي آذَارَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ غَلَتِ الْأَسْعَارُ حَتَّى أَكَلَ النَّاسُ الْكِلَابَ، وَوَقَعَ الْوَبَاءُ فِي النَّاسِ، وَوَافَى مِنَ الْجَرَادِ شَيْءٌ كَثِيرٌ جِدًّا، حَتَّى بِيعَ مِنْهُ كُلُّ خَمْسِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ، فَارْتَفَقَ النَّاسُ بِهِ فِي الْغَلَاءِ. وَفِيهَا وَرَدَ كِتَابُ مَلِكِ الرُّومِ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَطْلُبُ فِيهِ مِنْدِيلًا بِكَنِيسَةِ الرُّهَا كَانَ الْمَسِيحُ قَدْ مَسَحَ وَجْهَهُ بِهِ، فَصَارَتْ صُورَةُ وَجْهِهِ فِيهِ، وَيَعِدُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ إِذَا أُرْسِلَ إِلَيْهِ يَبْعَثُ مِنْ أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ خَلْقًا كَثِيرًا، فَأَحْضَرَ الْخَلِيفَةُ الْعُلَمَاءَ فَاسْتَشَارَهُمْ فِي ذَلِكَ ; فَمِنْ قَائِلٍ: نَحْنُ أَحَقُّ بِعِيسَى مِنْهُمْ، وَفِي بَعْثِهِ إِلَيْهِمْ
পৃষ্ঠা - ৯২৮৭
غَضَاضَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَوَهْنٌ. فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْوَزِيرُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْقَاذُ أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ خَيْرٌ وَأَنْفَعُ لِلنَّاسِ مِنْ بَقَاءِ ذَلِكَ الْمِنْدِيلِ بِتِلْكَ الْكَنِيسَةِ، فَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِإِرْسَالِ ذَلِكَ الْمِنْدِيلِ إِلَيْهِمْ، وَتَخْلِيصِ الْأَسَارَى مِنْ أَيْدِيهِمْ. قَالَ الصُّولِيُّ: وَوَصَلَ الْخَبَرُ بِأَنَّ الْقِرْمِطِيَّ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ، فَأَهْدَى إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيُّ هَدَايَا عَظِيمَةً، مِنْهَا مَهْدٌ مِنْ ذَهَبٍ، مُرَصَّعٌ بِالْجَوْهَرِ. وَكَثُرَ الرَّفْضُ بِبَغْدَادَ، فَنُودِيَ بِهَا: مَنْ ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ بِسُوءٍ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ. وَبَعَثَ الْخَلِيفَةُ إِلَى عِمَادِ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ خِلَعًا، فَقَبِلَهَا وَلَبِسَهَا بِحَضْرَةِ الْقُضَاةِ وَالْأَعْيَانِ. وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ السَّعِيدِ نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ السَّامَانِيِّ صَاحِبِ خُرَاسَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَقَدْ مَرِضَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِالسِّلِّ سَنَةً وَشَهْرًا، وَاتَّخَذَ فِي دَارِهِ بَيْتًا سَمَّاهُ بَيْتَ الْعِبَادَةِ، فَكَانَ يَلْبَسُ ثِيَابًا نِظَافًا، وَيَمْشِي إِلَيْهِ حَافِيًا، وَيُصَلِّي فِيهِ، وَيَتَضَرَّعُ وَيُكْثِرُ الصَّلَاةَ، وَكَانَ يَجْتَنِبُ الْمُنْكِرَاتِ وَالْآثَامَ إِلَى أَنْ مَاتَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَامَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدُهُ نُوحُ بْنُ نَصْرٍ السَّامَانِيُّ وَلُقِّبَ بِالْأَمِيرِ الْحَمِيدِ، فَقَتَلَ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ النَّسَفِيَّ - وَكَانَ قَدْ طُعِنَ فِيهِ عِنْدَهُ - وَصَلَبَهُ.
পৃষ্ঠা - ৯২৮৮
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: سِنَانُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ قُرَّةَ الصَّابِئُ أَبُو سَعِيدٍ الْمُتَطَبِّبُ، أَسْلَمَ عَلَى يَدِ الْقَاهِرِ بِاللَّهِ، وَلَمْ يُسْلِمْ وَلَدُهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَقَدْ كَانَ مُقَدَّمًا فِي الطِّبِّ وَفِي عُلُومٍ كَثِيرَةٍ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بِعِلَّةِ الذَّرَبِ، فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُ صِنَاعَتُهُ شَيْئًا حِينَ جَاءَهُ الْمَوْتُ. وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي هَذَا الْمَعْنَى: قُلْ لِلَّذِي صَنَعَ الدَّوَاءَ بِكَفِّهِ ... أَتَرُدُّ مَقْدُورًا عَلَيْكَ قَدْ جَرَى مَاتَ الْمُدَاوَى وَالْمُدَاوِي وَالَّذِي ... صَنَعَ الدَّوَاءَ بِكَفِّهِ وَمَنِ اشْتَرَى أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمُنْتَظَمِ " وَفَاةَ الْأَشْعَرِيِّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ، وَحَطَّ عَلَيْهِ كَمَا جَرَتِ عَادَةُ الْحَنَابِلَةِ، يَتَكَلَّمُونَ فِي الْأَشْعَرِيَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. وَذَكَرَ أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَأَنَّهُ صَحِبَ الْجُبَّائِيَّ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ، وَدُفِنَ بِمَشْرَعَةِ الرَّوَايَا.
পৃষ্ঠা - ৯২৮৯
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ بْنِ الصَّلْتِ السَّدُوسَيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ سَمِعَ جَدَّهُ وَعَبَّاسًا الدُّورِيَّ وَغَيْرَهُمَا، وَعَنْهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَكَانَ ثِقَةً. وَرَوَى الْخَطِيبُ أَنَّ وَالِدَ مُحَمَّدٍ هَذَا حِينَ وُلِدَ أَخَذَ طَالَعَ مَوْلِدِهِ الْمُنَجِّمُونَ، فَحَسَبُوا عُمْرَهُ، وَقَالُوا: إِنَّهُ يَعِيشُ كَذَا وَكَذَا. فَأَرْصَدَ لَهُ أَبُوهُ حُبًّا، فِيهِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ عُمْرِهِ دِينَارٌ، ثُمَّ أَرْصَدَ لَهُ حُبًّا آخَرَ كَذَلِكَ، ثُمَّ آخَرَ كَذَلِكَ، فَكَانَ يَعْدِلُ كُلَّ يَوْمٍ بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ، وَمَعَ هَذَا مَا أَفَادَهُ شَيْئًا، بَلِ افْتَقَرَ حَتَّى صَارَ يَسْتَعْطِي مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسَ السَّمَاعِ عَلَيْهِ بِلَا إِزَارٍ، يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ أَهِلُ الْمَجْلِسِ بِشَيْءٍ يَقُومُ بِأَوَدِهِ. وَالسَّعِيدُ مَنْ أَسْعَدَهُ اللَّهُ. مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ حَفْصٍ أَبُو عُمَرَ الدُّورِيُّ الْعَطَّارُ كَانَ يَسْكُنُ الدُّورَ، وَهِيَ مَحَلَّةٌ بِطَرَفِ بَغْدَادَ سَمِعَ الْحَسَنَ بْنَ عَرَفَةَ وَالزُّبَيْرَ بْنَ بَكَّارٍ وَمُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ وَغَيْرَهُمْ، وَعَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ، وَكَانَ ثِقَةً، فَهِمًا، وَاسِعَ الرِّوَايَةِ، مَشْكُورَ الدِّيَانَةِ، مَشْهُورًا بِالْعِبَادَةِ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَدِ اسْتَكْمَلَ سَبْعًا وَتِسْعِينَ سَنَةً وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَأَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا.
পৃষ্ঠা - ৯২৯০
الْمَجْنُونُ الْبَغْدَادِيُّ رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الشَّبْلِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ مَجْنُونًا عِنْدَ جَامِعِ الرُّصَافَةِ وَهُوَ عُرْيَانٌ، وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا مَجْنُونُ اللَّهِ، أَنَا مَجْنُونُ اللَّهِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا لَكَ؟ أَلَا تَسْتَتِرُ وَتَدْخُلُ الْجَامِعَ وَتُصَلِّي؟ فَأَنْشَأَ يَقُولُ: يَقُولُونَ زُرْنَا وَاقْضِ وَاجِبَ حَقِّنَا ... وَقَدْ أَسْقَطَتْ حَالِي حُقُوقَهُمْ عَنِّي إِذَا هُمْ رَأَوْا حَالِي وَلَمْ يَأْنَفُوا لَهَا ... وَلَمْ يَأْنَفُوا مِنْهَا أَنِفْتُ لَهُمْ مِنِّي
পৃষ্ঠা - ৯২৯১
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا خَرَجَ الْمُتَّقِي لِلَّهِ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى الْمَوْصِلِ مُغَاضِبًا لِتُوزُونَ أَمِيرِ الْأُمَرَاءِ، وَكَانَ إِذْ ذَاكَ بِوَاسِطٍ، وَقَدْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ، وَصَارَا يَدًا وَاحِدَةً عَلَى الْخَلِيفَةِ، وَأَرْسَلَ ابْنُ شِيرَزَادَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ إِلَى بَغْدَادَ فَأَفْسَدَ فِيهَا وَقَطَعَ وَوَصَلَ، وَاسْتَقَلَّ بِالْأُمُورِ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ الْمُتَّقِي لِلَّهِ فَغَضِبَ الْمُتَّقِي، وَخَرَجَ مِنْهَا مُغَاضِبًا بِأَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ وَوَزِيرِهِ وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَأَعْيَانِ أَهْلِ بَغْدَادَ قَاصِدًا بَنِي حَمْدَانَ، فَتَلَقَّاهُ سَيْفُ الدَّوْلَةِ إِلَى تَكْرِيتَ ثُمَّ جَاءَهُ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ وَهُوَ بِتَكْرِيتَ أَيْضًا، وَحِينَ خَرَجَ الْمُتَّقِي مِنْ بَغْدَادَ أَكْثَرَ ابْنُ شِيرَزَادَ الْفَسَادَ، وَظَلَمَ أَهْلَهَا وَصَادَرَهُمْ، وَأَرْسَلَ يُعْلِمُ تُوزُونَ فَأَقْبَلَ مُسْرِعًا نَحْوَ تَكْرِيتَ فَتَوَاقَعَ هُوَ وَسَيْفُ الدَّوْلَةِ، فَهَزَمَ تُوزُونُ سَيْفَ الدَّوْلَةِ، وَأَخَذَ مُعَسْكَرَهُ وَمُعَسْكَرَ أَخِيهِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ، ثُمَّ كَرَّ إِلَيْهِ سَيْفُ الدَّوْلَةِ، فَهَزَمَهُ تُوزُونُ أَيْضًا، وَانْهَزَمَ الْخَلِيفَةُ الْمُتَّقِي وَنَاصِرُ الدَّوْلَةِ وَسَيْفُ الدَّوْلَةِ مِنَ الْمَوْصِلِ إِلَى نَصِيبِينَ وَجَاءَ تُوزُونُ، فَدَخَلَ الْمَوْصِلَ وَأَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَطْلُبُ رِضَاهُ، فَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ، يَقُولُ: لَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنْ تُصَالِحَ بَنِي حَمْدَانَ. فَاصْطَلَحُوا، وَضَمِنَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ بِلَادَ الْمَوْصِلِ بِثَلَاثَةِ آلَافِ أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةِ أَلْفٍ، وَرَجَعَ تُوزُونُ إِلَى بَغْدَادَ وَأَقَامَ الْخَلِيفَةُ عِنْدَ بَنِي حَمْدَانَ. وَفِي غَيْبَةِ تُوزُونَ عَنْ وَاسِطٍ أَقْبَلَ إِلَيْهَا مُعِزُّ الدَّوْلَةِ بْنُ بُوَيْهِ فِي خَلْقٍ مِنَ الدَّيْلَمِ
পৃষ্ঠা - ৯২৯২
كَثِيرِينَ، فَانْحَدَرَ تُوزُونُ مُسْرِعًا إِلَى وَاسِطٍ فَاقْتَتَلَ مَعَ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَكَانَ آخِرَ الْأَمْرِ أَنِ انْهَزَمَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ، وَنُهِبَتْ حَوَاصِلُهُ، وَقُتِلَ مِنْ جَيْشِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَأُسِرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَشْرَافِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ عَاوَدَ تُوزُونَ مَا كَانَ يَعْتَرِيهِ مِنْ مَرَضِ الصَّرَعِ، فَشُغِلَ بِنَفْسِهِ، فَرَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ. وَفِيهَا قَتَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيُّ أَخَاهُ أَبَا يُوسُفَ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَلَّ مَا فِي يَدِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ، فَكَانَ يَسْتَقْرِضُ مِنْ أَخِيهِ أَبِي يُوسُفَ، فَيُقْرِضُهُ الْقَلِيلَ ثُمَّ يُشَنِّعُ عَلَيْهِ وَيَذُمُّ تَصَرُّفَهُ، فَمَالَ الْجُنْدُ إِلَى أَبِي يُوسُفَ، وَأَعْرَضُوا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَخَشِيَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنْ يُبَايِعُوهُ وَيَتْرُكُوهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ طَائِفَةً مِنْ غِلْمَانِهِ فَقَتَلُوهُ غِيلَةً، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى دَارِهِ، وَأَخَذَ جَمِيعَ حَوَاصِلِهِ وَأَمْوَالِهِ فَكَانَ قِيمَةُ مَا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَمْوَالِ يُقَارِبُ ثَلَاثَةَ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَلَمْ يُمَتَّعْ بَعْدَهُ إِلَّا ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، مَرِضَ فِيهَا مَرَضًا شَدِيدًا بِالْحُمَّى الْحَادَّةِ، حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَقَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ أَخُوهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، قَبَّحَهُ اللَّهُ، فَأَسَاءَ السِّيرَةَ فِي أَصْحَابِهِ، فَثَارُوا بِهِ فَلَجَأَ إِلَى الْقَرَامِطَةِ، فَاسْتَجَارَ بِهِمْ، فَقَامَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيُّ فِي بِلَادِ وَاسِطٍ وَالْبَصْرَةِ وَتِلْكَ النَّوَاحِي مِنَ الْأَهْوَازِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا الْخَلِيفَةُ الْمُتَّقِي لِلَّهِ فَإِنَّهُ لَمَّا أَقَامَ عِنْدَ آلِ حَمْدَانَ بِالْمَوْصِلِ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُمْ تَضَجُّرٌ، وَأَنَّهُمْ يَرْغَبُونَ فِي مُفَارَقَتِهِ، فَكَتَبَ إِلَى تُوزُونَ فِي الصُّلْحِ فَاجْتَمَعَ تُوزُونُ مَعَ الْقُضَاةِ وَالْأَعْيَانِ بِبَغْدَادَ، وَقَرَأُوا كِتَابَ الْخَلِيفَةِ، وَقَابَلَهُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَحَلَفَ لَهُ وَوَضَعَ خَطَّهُ بِالْإِقْرَارِ لَهُ وَلِمَنْ مَعَهُ بِالْإِكْرَامِ وَالِاحْتِرَامِ
পৃষ্ঠা - ৯২৯৩
وَالْخُضُوعِ، فَكَانَ مِنَ الْخَلِيفَةِ وَدُخُولِهِ إِلَى بَغْدَادَ مَا سَيَأْتِي فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الرُّوسِ فِي الْبَحْرِ إِلَى نُوَاحِي أَذْرَبِيجَانَ فَقَصَدُوا بَرْدَعَةَ فَحَاصَرُوهَا، فَلَمَّا ظَفِرُوا بِأَهْلِهَا قَتَلُوهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، وَغَنِمُوا أَمْوَالَهُمْ، وَسَبَوْا مَنِ اسْتَحْسَنُوا مِنْ نِسَائِهِمْ، ثُمَّ مَالُوا إِلَى مَرَاغَةَ فَوَجَدُوا بِهَا ثِمَارًا كَثِيرَةً، فَأَكَلُوا مِنْهَا، فَأَصَابَهُمْ وَبَاءٌ شَدِيدٌ، فَمَاتَ أَكْثَرُهُمْ، فَكَانَ إِذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ دَفَنُوا مَعَهُ سِلَاحَهُ وَمَالَهُ، فَيَأْخُذُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَأَقْبَلَ إِلَيْهِمُ الْمَرْزُبَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فَقَاتَلَهُمْ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا أَيْضًا، مَعَ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْوَبَاءِ الشَّدِيدِ، وَطَهَّرَ اللَّهُ تِلْكَ الْبِلَادَ مِنْهُمْ. وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ جَاءَ الدُّمُسْتُقُ مَلِكُ الرُّومِ إِلَى رَأْسِ الْعَيْنِ فِي ثَمَانِينَ أَلْفًا، فَدَخَلَهَا وَنَهَبَ مَا فِيهَا، وَقَتَلَ أَهْلَهَا وَسَبَى مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَقَصَدَتْهُ الْأَعْرَابُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَقَاتَلُوهُ قِتَالًا عَظِيمًا حَتَّى انْجَلَى عَنْهَا. وَفِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْهَا غَلَتِ الْأَسْعَارُ بِبَغْدَادَ جِدًّا، وَكَثُرَتِ الْأَمْطَارُ جِدًّا حَتَّى تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَمَاتَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ تَحْتَ الْهَدْمِ، وَتَعَطَّلَتْ كَثِيرٌ مِنَ الْحَمَّامَاتِ وَالْمَسَاجِدِ مِنْ قِلَّةِ النَّاسِ، وَنَقَصَتْ قِيمَةُ الْعَقَارِ حَتَّى كَانَ يُبَاعُ بِالدِّرْهَمِ مَا كَانَ يُسَاوِي الدِّينَارَ، وَخَلَتْ أَكْثَرُ الدُّورِ، فَكَانَ الْمُلَّاكُ يُعْطُونَ مَنْ يَسْكُنُهَا أُجْرَةً لِيَحْفَظَهَا عَلَيْهِمْ مِنَ الدَّاخِلِينَ إِلَيْهَا لِتَخْرِيبِهَا. وَكَثُرَتِ الْكَبَسَاتُ مِنَ اللُّصُوصِ بِاللَّيْلِ، حَتَّى كَانَ النَّاسُ يَتَحَارَسُونَ بِالْبُوقَاتِ وَالطُّبُولِ، وَكَثُرَتِ الْفِتَنُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا.
পৃষ্ঠা - ৯২৯৪
وَفِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ وَفَاةُ أَبِي طَاهِرٍ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْحَسَنِ الْجَنَّابِيِّ الْهَجَرِيِّ الْقِرْمِطِيِّ رَئِيسِ الْقَرَامِطَةِ، لَعَنَهُ اللَّهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَتَلَ الْحَجِيجَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَفِيهَا، وَسَلَبَهَا سُتُورَهَا وَبَابَهَا وَحِلْيَتَهَا، وَاقْتَلَعَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ مِنْ رُكْنِهَا، وَحَمَلَهُ إِلَى بَلَدِهِ هَجَرَ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ كُلِّهَا عِنْدَهُ مِنْ سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَمْ يَرُدَّهُ إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ كَمَا سَيَأْتِي. وَلَمَّا مَاتَ أَبُو طَاهِرٍ هَذَا قَامَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ فِي الْقَرَامِطَةِ إِخْوَتُهُ الثَّلَاثَةُ ; وَهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ الْفَضْلُ، وَأَبُو الْقَاسِمِ سَعِيدٌ، وَأَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ، بَنُو أَبِي سَعِيدٍ الْجَنَّابِيِّ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ، وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ ضَعِيفَ الْبَدَنِ، مُقْبِلًا عَلَى قِرَاءَةِ الْكُتُبِ، وَكَانَ أَبُو يَعْقُوبَ مُقْبِلًا عَلَى اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ، وَمَعَ هَذَا كَلِمَةُ الثَّلَاثَةِ وَاحِدَةٌ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي شَيْءٍ، وَكَانَ لَهُمْ سَبْعَةٌ مِنَ الْوُزَرَاءِ مُتَّفِقُونَ أَيْضًا، قَبَّحَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ. وَفِي شَوَّالٍ مِنْهَا تُوُفِّيَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيُّ كَمَا ذَكَرْنَا، فَاسْتَرَاحَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ هَذَا وَهَذَا. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ الْحَافِظُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَبُو الْعَبَّاسِ الْكُوفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُقْدَةَ، لُقِّبَ أَبُوهُ بِذَلِكَ مِنْ أَجْلِ تَعْقِيدِهِ فِي التَّصْرِيفِ وَالنَّحْوِ، وَكَانَ عُقْدَةُ وَرِعًا نَاسِكًا، وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ مِنَ الْحُفَّاظِ الْكِبَارِ، سَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَرَحَلَ فَسَمِعَ مِنْ خَلَائِقَ مِنَ الْمَشَايِخِ،
পৃষ্ঠা - ৯২৯৫
وَسَمِعَ مِنْهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ الْجِعَابِيِّ وَابْنُ عَدِيٍّ وَابْنُ الْمُظَفَّرِ وَابْنُ شَاهِينَ. قَالَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْكُوفَةِ أَنَّهُ لَمْ يُرَ مِنْ زَمَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ إِلَى زَمَانِ ابْنِ عُقْدَةَ أَحْفَظُ مِنْهُ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ نَحْوًا مِنْ سِتِّمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ، مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ فِي فَضَائِلِ أَهْلِ الْبَيْتِ، بِمَا فِيهَا مِنَ الصِّحَاحِ وَالضِّعَافِ، وَكَانَتْ كُتُبُهُ سِتَّمِائَةِ حِمْلِ جَمَلٍ، وَكَانَ يُنْسَبُ مَعَ هَذَا كُلِّهِ إِلَى التَّشَيُّعِ. قَالَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ رَجُلَ سُوءٍ. وَنَسَبَهُ ابْنُ عَدِيٍّ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يُسَوِّي النَّسْخَ لِأَشْيَاخٍ، وَيَأْمُرُهُمْ بِرِوَايَتِهَا. وَقَالَ الْخَطِيبُ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ يُوسُفَ، سَمِعْتُ أَبَا عُمَرَ بْنَ حَيُّوَيْهِ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ عُقْدَةَ يَجْلِسُ فِي جَامِعِ بَرَاثَا يُمْلِي مَثَالِبَ الصَّحَابَةِ - أَوْ قَالَ: الشَّيْخَيْنِ - فَتَرَكْتُ حَدِيثَهُ لَا أُحَدِّثُ عَنْهُ بِشَيْءٍ. قُلْتُ: وَقَدْ حَرَّرْتُ الْكَلَامَ فِيهِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ فِي كِتَابِي " التَّكْمِيلِ " وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْهَا.