আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ৯১৮৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ دَخَلَ الْحَجِيجُ بَغْدَادَ وَقَدْ خَرَجَ مُؤْنِسٌ الْخَادِمُ إِلَى الْحَجِّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ، خَوْفًا مِنَ الْقَرَامِطَةِ، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ، وَزُيِّنَتْ بَغْدَادُ يَوْمَئِذٍ، وَضُرِبَتِ الْخِيَامُ وَالْقِبَابُ لِمُؤْنِسٍ الْخَادِمِ، وَقَدْ بَلَغَ مُؤْنِسًا فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ أَنَّ الْقَرَامِطَةَ أَمَامَهُ، فَعَدَلَ بِالنَّاسِ عَنْ جَادَّةِ الطَّرِيقِ، فَأَخَذَ بِهِمْ فِي شِعَابٍ وَأَوْدِيَةٍ، فَتَاهُوا هُنَالِكَ أَيَّامًا، فَشَاهَدَ النَّاسُ هُنَالِكَ عَجَائِبَ وَغَرَائِبَ ; رَأَوْا عِظَامًا فِي غَايَةِ الضَّخَامَةِ، وَشَاهَدُوا نَاسًا قَدْ مُسِخُوا حِجَارَةً، وَرَأَى بَعْضُهُمُ امْرَأَةً وَاقِفَةً عَلَى تَنُّورٍ قَدْ مُسِخَتْ حَجَرًا وَالتَّنُّورَ قَدْ صَارَ حَجَرًا، وَحَمَلَ مُؤْنِسٌ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا إِلَى الْحَضْرَةِ لِيُصَدَّقَ مَا يُخْبِرُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " مُنْتَظَمِهِ ". فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ مِنْ قَوْمِ عَادٍ أَوْ مِنْ ثَمُودَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِيهَا عَزَلَ الْمُقْتَدِرُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ الْوَزِيرَ بَعْدَ سَنَةٍ وَشَهْرَيْنِ وَتِسْعَةِ أَيَّامٍ، وَاسْتَوْزَرَ مَكَانَهُ أَبَا الْقَاسِمِ عَبِيدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ الْكَلْوَذَانِيَّ، ثُمَّ عَزَلَهُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَاسْتَوْزَرَ الْحُسَيْنَ بْنَ الْقَاسِمِ، ثُمَّ عَزَلَهُ أَيْضًا.
পৃষ্ঠা - ৯১৯০
وَفِيهَا وَقَعَتْ وَحْشَةٌ بَيْنَ الْخَلِيفَةِ وَمُؤْنِسٍ الْخَادِمِ، بِسَبَبِ أَنَّ الْخَلِيفَةَ وَلَّى الْحِسْبَةَ لِرَجُلٍ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَاقُوتَ، وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى الشُّرْطَةِ أَيْضًا، فَقَالَ مُؤْنِسٌ: إِنَّ الْحِسْبَةَ لَا يَتَوَلَّاهَا إِلَّا الْقُضَاةُ وَالْعُدُولُ، وَهَذَا لَا يَصْلُحُ لَهَا، وَلَمْ يَزَلْ بِالْخَلِيفَةِ حَتَّى عَزَلَ مُحَمَّدَ بْنَ يَاقُوتَ عَنِ الْحِسْبَةِ وَالشُّرْطَةِ أَيْضًا، وَانْصَلَحَ الْحَالُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ تَجَدَّدَتِ الْوَحْشَةُ بَيْنَهُمَا فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَمَا زَالَتْ تَتَزَايَدُ حَتَّى آلَ الْحَالُ إِلَى قَتْلِ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَوْقَعَ ثَمِلٌ مُتَوَلِّي طَرَسُوسَ بِالرُّومِ وَقْعَةً عَظِيمَةً جِدًّا، قَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَأَسَرَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَغَنِمَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالدِّيبَاجِ شَيْئًا كَثِيرًا جِدًّا، ثُمَّ أَوْقَعَ بِهِمْ مَرَّةً ثَانِيَةً كَذَلِكَ. وَكَتَبَ ابْنُ الدَّيْرَانِيِّ الْأَرْمَنِيُّ إِلَى الرُّومِ يَحُضُّهُمْ عَلَى الدُّخُولِ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَوَعَدَهُمْ مِنْهُ النَّصْرَ وَالْإِعَانَةَ، فَدَخَلُوا فِي جَحَافِلَ كَثِيرَةٍ جِدًّا، وَانْضَافَ إِلَيْهِمُ الْأَرْمَنُ، فَرَكِبَ إِلَيْهِمْ مُفْلِحٌ، غُلَامُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي السَّاجِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ نَائِبُ أَذْرَبِيجَانَ وَاتَّبَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمُطَّوِّعَةِ، فَقَصَدَ أَوَّلًا بِلَادَ ابْنِ الدَّيْرَانِيِّ، فَقَتَلَ مِنَ الْأَرْمَنِ نَحْوًا مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ، وَأَسَرَ خَلْقًا كَثِيرًا، وَغَنِمَ أَمْوَالًا جَزِيلَةً جِدًّا، وَتَحَصَّنَ ابْنُ الدَّيْرَانِيِّ بِقَلْعَةٍ لَهُ هُنَالِكَ، وَجَاءَتِ الرُّومُ، فَوَصَلُوا إِلَى سُمَيْسَاطَ فَحَاصَرُوهَا، فَبَعَثَ أَهْلُهَا يَسْتَصْرِخُونَ بِسَعِيدِ بْنِ حَمْدَانَ نَائِبِ الْمَوْصِلِ فَسَارَ إِلَيْهِمْ مُسْرِعًا، فَوَجَدَ الرُّومَ قَدْ كَادُوا يَفْتَحُونَهَا، فَلَمَّا عَلِمُوا بِقُدُومِهِ أَجْلَوْا عَنْهَا وَاجْتَازُوا بِمَلَطْيَةَ فَنَهَبُوهَا، وَرَجَعُوا خَاسِئِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَمَعَهُمُ ابْنُ نَفِيسٍ الْمُتَنَصِّرُ، وَقَدْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ. وَرَكِبَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي آثَارِ الرُّومِ، فَدَخَلَ
পৃষ্ঠা - ৯১৯১
بِلَادَهُمْ، فَقَتَلَ خَلْقًا كَثِيرًا مِنْهُمْ، وَغَنِمَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي شَوَّالٍ جَاءَ سَيْلٌ عَظِيمٌ إِلَى تَكْرِيتَ ارْتَفَعَ فِي أَسْوَاقِهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ شِبْرًا، وَغَرِقَ بِسَبَبِهِ أَرْبَعُمِائَةِ دَارٍ، وَخَلْقٌ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ، حَتَّى كَانَ الْمُسْلِمُونَ وَالنَّصَارَى يُدْفَنُونَ جَمِيعًا، لَا يُعْرَفُ هَذَا مِنْ هَذَا. قَالَ: وَفِيهَا هَاجَتْ بِالْمَوْصِلِ رِيحٌ فِيهَا حُمْرَةٌ، ثُمَّ اسْوَدَّتْ حَتَّى كَانَ الْإِنْسَانُ لَا يُبْصِرُ صَاحِبَهُ، وَظَنَّ النَّاسُ أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، ثُمَّ انْجَلَى ذَلِكَ بِمَطَرٍ أَرْسَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الْحُسَيْنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْطَاكِيُّ قَاضِي ثُغُورِ الشَّامِ يُعْرَفُ بِابْنِ الصَّابُونِيِّ، وَكَانَ ثِقَةً نَبِيلًا، قَدِمَ بَغْدَادَ وَحَدَّثَ بِهَا. عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ حَرْبِ بْنِ عِيسَى، أَبُو عُبَيْدِ بْنِ حَرْبُوَيْهِ الْقَاضِي بِمِصْرَ، تَوَلَّى الْقَضَاءَ بِمِصْرَ مُدَّةً طَوِيلَةً جِدًّا، وَكَانَ ثِقَةً عَالِمًا جَلِيلًا، مِنْ خِيَارِ الْقُضَاةِ وَأَعْدَلِهِمْ، وَكَانَ يَتَفَقَّهُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي ثَوْرٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي
পৃষ্ঠা - ৯১৯২
" طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ " بِمَا فِيهِ مَقْنَعٌ وَكِفَايَةٌ، وَقَدِ اسْتَعْفَى عَنِ الْقَضَاءِ، فَعُزِلَ عَنْهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَرَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَاتَ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي صَفَرٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ، وَدُفِنَ بِدَارِهِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ فِي الصَّحِيحِ، وَلَعَلَّهُ مَاتَ قَبْلَهُ بِعِشْرِينَ سَنَةً، وَذَكَرَ مِنْ جَلَالَتِهِ وَفَضْلِهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ. مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيُّ الزَّاهِدُ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ مَكَثَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمْ يَخْطُ فِيهَا خُطْوَةً لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَا نَظَرَ فِي شَيْءٍ فَاسْتَحْسَنَهُ ; حَيَاءً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّهُ مَكَثَ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَمْ يُمْلِ عَلَى مَلَكَيْهِ قَبِيحًا. مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أَبُو الْحُسَيْنِ الْوَرَّاقُ صَاحِبُ أَبِي عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيِّ، وَكَانَ فَقِيهًا يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمُعَامَلَاتِ. وَمِنْ جَيِّدِ كَلَامِهِ قَوْلُهُ: مَنْ غَضَّ بَصَرَهُ عَنْ مُحَرَّمٍ، أَوْرَثَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ حِكْمَةً عَلَى لِسَانِهِ يَهْتَدِي بِهَا سَامِعُوهُ، وَمَنْ غَضَّ نَفْسَهُ عَنْ شُبْهَةٍ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ نُورًا يَهْتَدِي بِهِ إِلَى طَرِيقِ مَرْضَاةِ اللَّهِ. يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، أَبُو زَكَرِيَّا الْفَارِسِيُّ كَتَبَ بِمِصْرَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَكَانَ ثِقَةً صَدُوقًا حَسَنَ الصَّلَاةِ، عَدْلًا عِنْدَ الْحُكَّامِ.
পৃষ্ঠা - ৯১৯৩
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ عِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا كَانَ مَقْتَلُ الْخَلِيفَةِ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ مُؤْنِسًا الْخَادِمَ خَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ مُغَاضِبًا لِلْخَلِيفَةِ فِي مَمَالِيكِهِ وَحَشَمِهِ، مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الْمَوْصِلِ وَرَدَّ مِنْ أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ مَوْلَاهُ بُشْرَى إِلَى الْمُقْتَدِرِ لِيَسْتَعْلِمَ لَهُ، وَبَعَثَ مَعَهُ رِسَالَةً يُخَاطِبُ بِهَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا وَصَلَ أَمْرُهُ الْوَزِيرَ الْحُسَيْنَ بْنَ الْقَاسِمِ - وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ أَعْدَاءِ مُؤْنِسٍ - بِأَنْ يُؤَدِّيَهَا إِلَيْهِ، فَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا إِلَّا إِلَى الْخَلِيفَةِ، فَأَحْضَرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَهَا لِلْوَزِيرِ، فَامْتَنَعَ، وَقَالَ: مَا أَمَرَنِي صَاحِبِي بِهَذَا. فَشَتَمَهُ الْوَزِيرُ وَشَتَمَ صَاحِبَهُ، وَأَمَرَ بِضَرْبِهِ وَمُصَادَرَتِهِ بِثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَخَذَ خَطَّهُ بِهَا، وَأَمَرَ بِنَهْبِ دَارِهِ، ثُمَّ أَمَرَ الْوَزِيرُ بِالْقَبْضِ عَلَى أَقْطَاعِ مُؤْنِسٍ وَأَمْلَاكِهِ وَأَمْلَاكِ مَنْ مَعَهُ، فَحُصِّلَ مِنْ ذَلِكَ مَالٌ عَظِيمٌ، وَارْتَفَعَ أَمْرُ الْوَزِيرِ عِنْدَ الْمُقْتَدِرِ، وَلَقَّبَهُ عَمِيدَ الدَّوْلَةِ، وَضَرَبَ اسْمَهُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَتَمَكَّنَ مِنَ الْأُمُورِ جِدًّا، فَعَزَلَ وَوَلَّى، وَقَطَعَ وَوَصَلَ، وَفَرِحَ بِنَفْسِهِ حِينًا قَلِيلًا. وَأَرْسَلَ إِلَى هَارُونَ بْنِ غَرِيبٍ فِي الْحَالِ، وَإِلَى مُحَمَّدِ بْنِ يَاقُوتَ يَسْتَحْضِرُهُمَا إِلَى الْحَضْرَةِ، عِوَضًا عَنْ مُؤْنِسٍ، فَصَمَّمَ الْمُظَفَّرُ مُؤْنِسٌ فِي مَسِيرِهِ إِلَى الْمَوْصِلِ وَجَعَلَ يَقُولُ لِأُمَرَاءَ الْأَعْرَابِ: إِنَّ الْخَلِيفَةَ قَدْ وَلَّانِي الْمَوْصِلَ وَدِيَارَ رَبِيعَةَ. فَالْتَفَّ عَلَيْهِ خَلْقٌ
পৃষ্ঠা - ৯১৯৪
كَثِيرٌ، وَجَعَلَ يُنْفِقُ فِيهِمُ الْأَمْوَالَ الْجَزِيلَةَ، وَلَهُ إِلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ أَيَادٍ سَابِغَةٌ. وَقَدْ كَتَبَ الْوَزِيرُ إِلَى آلِ حَمْدَانَ - وَهُمْ وَلَاةُ الْمَوْصِلِ وَتِلْكَ النَّوَاحِي - يَأْمُرُهُمْ بِمُحَارَبَةِ مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ فَرَكِبُوا إِلَيْهِ فِي ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَوَاجَهَهُمْ مُؤْنِسٌ فِي ثَمَانِمِائَةٍ مِنْ مَمَالِيكِهِ وَخَدَمِهِ، فَهَزَمَهُمْ وَلَمْ يُقْتَلْ مِنْهُمْ سِوَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُقَالُ لَهُ: دَاوُدُ، كَانَ مِنْ أَشْجَعِهِمْ، وَقَدْ كَانَ مُؤْنِسٌ رَبَّاهُ وَهُوَ صَغِيرٌ. وَدَخَلَ مُؤْنِسٌ الْمَوْصِلَ فَقَصَدَتْهُ الْعَسَاكِرُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ يَدْخُلُونَ فِي طَاعَتِهِ ; لِإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ، مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَمِنَ الْأَعْرَابِ، حَتَّى صَارَ فِي جَحَافِلَ مِنَ الْجُنُودِ. وَأَمَّا الْوَزِيرُ الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ، فَإِنَّهُ ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ وَعَجْزُهُ، فَعَزَلَهُ الْمُقْتَدِرُ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَوَلَّى مَكَانَهُ الْفَضْلَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُرَاتِ، فَكَانَ آخِرَ وُزَرَاءِ الْمُقْتَدِرِ. وَأَقَامَ مُؤْنِسٌ بِالْمَوْصِلِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَكِبَ فِي الْجُيُوشِ فِي شَوَّالٍ قَاصِدًا بَغْدَادَ ; لِيُطَالِبَ الْمُقْتَدِرَ بِأَرْزَاقِ الْأَجْنَادِ وَإِنْصَافِهِمْ، فَسَارَ - وَقَدْ بَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ الطَّلَائِعَ - حَتَّى جَاءَ فَنَزَلَ بِبَابِ الشَّمَّاسِيَّةِ مِنْ بَغْدَادَ وَقَابَلَهُ عِنْدَهُ ابْنُ يَاقُوتَ وَهَارُونُ بْنُ غَرِيبٍ - عَنْ كُرْهٍ مِنْهُ - وَأُشِيرَ عَلَى الْخَلِيفَةِ بِأَنْ يَسْتَدِينَ مِنْ وَالِدَتِهِ مَا يُنْفِقُ فِي الْأَجْنَادِ، فَقَالَ: لَمْ يَبْقَ عِنْدَهَا شَيْءٌ، وَعَزَمَ الْخَلِيفَةُ عَلَى الْهَرَبِ إِلَى وَاسِطٍ وَأَنْ يَتْرُكَ بَغْدَادَ لِمُؤْنِسٍ حَتَّى يَتَرَاجَعَ أَمْرُ النَّاسِ، ثُمَّ يَعُودُ إِلَيْهَا. فَرَدَّهُ عَنْ ذَلِكَ ابْنُ يَاقُوتَ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِمُوَاجَهَةِ مُؤْنِسٍ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُمْ مَتَى مَا رَأَوْهُ كَرُّوا كُلُّهُمْ إِلَيْهِ، وَتَرَكُوا مُؤْنِسًا، فَرَكِبَ وَهُوَ كَارِهٌ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْفُقَهَاءُ، وَمَعَهُمُ
পৃষ্ঠা - ৯১৯৫
الْمَصَاحِفُ مُنَشَّرَةً، وَعَلَيْهِ الْبُرْدُ وَالنَّاسُ حَوْلَهُ، فَوَقَفَ عَلَى تَلٍّ عَالٍ بَعِيدٍ مِنَ الْمَعْرَكَةِ وَنُودِيَ فِي جَيْشِهِ: مَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ فَلَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ، وَمَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ فَلَهُ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ أُمَرَاؤُهُ يَعْزِمُونَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَدَّمَ، فَامْتَنَعَ مِنَ التَّقَدُّمِ إِلَى مَحَلَّةِ الْمَعْرَكَةِ، ثُمَّ أَلَحُّوا عَلَيْهِ، فَجَاءَ بَعْدَ تَمَنُّعٍ شَدِيدٍ، فَمَا وَصَلَ إِلَيْهِمْ حَتَّى انْهَزَمُوا وَفَرُّوا رَاجِعِينَ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ وَلَا عَطَفُوا عَلَيْهِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيَهُ مِنْ أُمَرَاءِ مُؤْنِسٍ عَلِيُّ بْنُ يَلْبَقَ، فَلَمَّا رَآهُ تَرَجَّلَ، وَقَبَّلَ الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَشَارَ عَلَيْكَ بِالْخُرُوجِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، ثُمَّ وَكَّلَ بِهِ قَوْمًا مِنَ الْمَغَارِبَةِ الْبَرْبَرِ، فَلَمَّا تَرَكَهُمْ وَإِيَّاهُ شَهَرُوا عَلَيْهِ السِّلَاحَ، فَقَالَ لَهُمْ: وَيْلَكُمْ! أَنَا الْخَلِيفَةُ. فَقَالُوا: قَدْ عَرَفْنَاكَ يَا سَفِلَةُ، إِنَّمَا أَنْتَ خَلِيفَةُ إِبْلِيسَ، تُنَادِي فِي جَيْشِكَ: مَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ فَلَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ، وَمَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ فَلَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ؟! وَضَرَبَهُ أَحَدُهُمْ بِسَيْفِهِ عَلَى عَاتِقِهِ، فَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ، وَذَبَحَهُ آخَرُ، وَتَرَكُوا جُثَّتَهُ، وَقَدْ سَلَبُوهُ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ عَلَيْهِ، حَتَّى سَرَاوِيلَهُ، وَبَقِيَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ مُجَدَّلًا عَلَى الْأَرْضِ، حَتَّى جَاءَ رَجُلٌ فَغَطَّى عَوْرَتَهُ بِحَشِيشٍ، ثُمَّ دَفَنَهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَعَفَّا أَثَرَهُ. وَأَخَذَتِ الْمَغَارِبَةُ رَأْسَ الْمُقْتَدِرِ عَلَى خَشَبَةٍ قَدْ رَفَعُوهَا وَهُمْ يَلْعَنُونَهُ، فَلَمَّا انْتَهَوْا بِهِ إِلَى مُؤْنِسٍ - وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا الْوَقْعَةَ - فَحِينَ نَظَرَ إِلَى رَأْسِ الْمُقْتَدِرِ لَطَمَ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ، وَقَالَ: وَيْلَكُمْ! لَمْ آمُرْكُمْ بِهَذَا، لَعَنَكُمُ اللَّهُ قَتَلْتُمُوهُ! وَاللَّهِ لَنُقْتَلَنَّ كُلَّنَا. ثُمَّ رَكِبَ وَوَقَفَ عِنْدَ دَارِ الْخِلَافَةِ حَتَّى لَا تُنْهَبَ، وَهَرَبَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ الْمُقْتَدِرِ وَهَارُونُ بْنُ غَرِيبٍ وَابْنَا رَائِقٍ إِلَى الْمَدَائِنِ، وَكَانَ صَنِيعُ مُؤْنِسٍ هَذَا سَبَبًا لِطَمَعِ أَصْحَابِ الْأَطْرَافِ فِي الْخُلَفَاءِ، وَضَعْفِ أَمْرِ الْخِلَافَةِ جِدًّا، مَعَ مَا كَانَ الْمُقْتَدِرُ يَعْتَمِدُهُ مِنَ التَّبْذِيرِ وَالتَّفْرِيطِ فِي الْأَمْوَالِ، وَطَاعَةِ النِّسَاءِ، وَعَزْلِ الْوُزَرَاءِ، حَتَّى
পৃষ্ঠা - ৯১৯৬
قِيلَ إِنَّ جُمْلَةَ مَا صَرَفَهُ فِي الْوُجُوهِ الْفَاسِدَةِ وَالتَّبْذِيرِ مَا يُقَارِبُ ثَمَانِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ. وَهَذِهِ تَرْجَمَةُ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ جَعْفَرٌ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُقْتَدِرُ بِاللَّهِ بْنُ الْمُعْتَضِدِ بِاللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ الْمُوَفَّقِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمُتَوَكِّلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُعْتَصِمِ بْنِ هَارُونَ الرَّشِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَهْدِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يُكَنَّى أَبَا الْفَضْلِ الْعَبَّاسِيَّ، مَوْلِدُهُ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ اسْمُهَا شَغَبُ، وَلُقِّبَتْ فِي خِلَافَةِ وَلَدِهَا بِالسَّيِّدَةِ، بُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ أَخِيهِ الْمُكْتَفِي يَوْمَ الْأَحَدِ لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةٍ وَشَهْرٍ وَأَيَّامٍ ; وَلِهَذَا أَرَادَ الْجُنْدُ خَلْعَهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَتِسْعِينَ مُحْتَجِّينَ بِصِغَرِهِ وَعَدَمِ بُلُوغِهِ، وَتَوْلِيَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُعْتَزِّ، فَلَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ، وَانْتَقَضَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمَا ذَكَرْنَا. ثُمَّ لَمَّا كَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ مِنْ سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، أَحْضَرَهُ مُؤْنِسٌ وَاجْتَمَعَ الْأُمَرَاءُ وَالْقُوَّادُ وَأَلْزَمُوهُ بِخَلْعِ نَفْسِهِ، وَأَحْضَرُوا أَخَاهُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُعْتَضِدِ، فَبَايَعُوهُ بِالْخِلَافَةِ وَلَقَّبُوهُ الْقَاهِرَ، فَلَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ سِوَى يَوْمَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ الْمُقْتَدِرُ إِلَى الْخِلَافَةِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ كَانَ الْمُقْتَدِرُ بِاللَّهِ رَبْعَةً مِنَ الرِّجَالِ، حَسَنَ
পৃষ্ঠা - ৯১৯৭
الْوَجْهِ وَالْعَيْنَيْنِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، حَسَنَ الشَّعْرِ، مُدَوَّرَ الْوَجْهِ، مُشْرَبًا بِحُمْرَةٍ، حَسَنَ الْخُلُقِ، قَدْ شَابَ رَأْسُهُ وَعَارِضَاهُ، وَقَدْ كَانَ كَرِيمًا جَوَادًا مُمَدَّحًا، لَهُ عَقْلٌ جَيِّدٌ وَفَهْمٌ وَافِرٌ وَذِهْنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ كَانَ كَثِيرَ التَّحَجُّبِ وَالتَّوَسُّعِ فِي النَّفَقَاتِ، وَزَادَ فِي رُسُومِ الْخِلَافَةِ وَأُمُورِ الرِّيَاسَةِ، وَمَا زَادَ شَيْءٌ إِلَّا نَقَصَ. كَانَ فِي دَارِهِ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفِ خَادِمٍ خَصِيٍّ، غَيْرَ الصَّقَالِبَةِ وَالرُّومِ وَالسُّودَانِ، وَكَانَ لَهُ دَارٌ يُقَالُ لَهَا: دَارُ الشَّجَرَةِ، فِيهَا مِنَ الْأَثَاثِ وَالْأَمْتِعَةِ شَيْءٌ كَثِيرٌ جِدًّا، كَمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ حِينَ قَدِمَ رَسُولُ مَلِكِ الرُّومِ. وَقَدْ رَكِبَ الْمُقْتَدِرُ يَوْمًا فِي حَرَّاقَةٍ، وَجَعَلَ يَسْتَعْجِلُ الطَّعَامَ فَأَبْطَئُوا بِهِ، فَقَالَ لِمَلَّاحِ حَرَّاقَتِهِ: وَيْلَكَ! أَعِنْدَكَ شَيْءٌ نَأْكُلُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَتَاهُ بِشَيْءٍ مِنْ لَحْمِ الْجَدْيِ وَخُبْزٍ حَسَنٍ وَمُلُوحَاتٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَعْجَبَهُ، ثُمَّ اسْتَدْعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ مِنَ الْحَلْوَاءِ ; فَإِنِّي لَا أُحِسُّ بِالشِّبَعِ حَتَّى آكُلَ شَيْئًا مِنَ الْحَلْوَاءِ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا حَلَاوَتُنَا التَّمْرُ وَالْكَسْبُ. فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ لَا أُطِيقُهُ. ثُمَّ جِيءَ بِطَعَامِهِ، فَأَكَلَ مِنْهُ وَأُتِيَ بِالْحَلْوَاءِ، فَأَكَلَ وَأَطْعَمَ الْمَلَّاحِينَ، وَأَمَرَ بِتَرْتِيبِ حَلَاوَةٍ تُعْمَلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَكُونُ فِي الْحَرَّاقَةِ بِنَحْوِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، إِذَا اتَّفَقَ رُكُوبُهُ فِيهَا يَأْكُلُ مِنْهَا، فَكَانَ الْمَلَّاحُ يَأْخُذُ ذَلِكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُدَّةَ سِنِينَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَلَمْ يَتَّفِقْ رُكُوبُ الْمُقْتَدِرِ فِيهَا مَرَّةً أُخْرَى. وَقَدْ أَرَادَ بَعْضُ خَوَاصِّهِ أَنْ يُطَهِّرَ وَلَدَهُ، فَعَمِلَ أَشْيَاءَ هَائِلَةً، ثُمَّ طَلَبَ مِنْ أُمِّ
পৃষ্ঠা - ৯১৯৮
الْخَلِيفَةِ أَنْ يُعَارَ الْقَرْيَةَ الَّتِي عُمِلَتْ فِي طُهُورِ الْمُقْتَدِرِ مِنْ فِضَّةٍ ; لِيَرَاهَا النَّاسُ فِي هَذَا الْمُهِمِّ، فَتَلَطَّفَتْ أُمُّ الْمُقْتَدِرِ عِنْدَهُ حَتَّى أَطْلَقَهَا لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَكَانَتْ صِفَةَ قَرْيَةٍ مِنَ الْقُرَى كُلُّهَا مِنْ فِضَّةٍ، بُيُوتُهَا، وَأَهَالِيهَا، وَأَبْقَارُهَا، وَأَغْنَامُهَا، وَجِمَالُهَا، وَخُيُولُهَا، وَزُرُوعُهَا، وَثِمَارُهَا، وَأَنْهَارُهَا، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ فِي الْقُرَى، الْجَمِيعُ مِنْ فِضَّةٍ مُصَوَّرٌ، وَأَمَرَ بِنَقْلِ سِمَاطِهِ إِلَى دَارِ هَذَا الرَّجُلِ، وَأَنْ لَا يُكَلَّفَ شَيْئًا مِنَ الْمَطَاعِمِ سِوَى سَمَكٍ طَرِيٍّ فَاشْتَرَى الرَّجُلُ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ سَمَكًا، وَكَانَ جُمْلَةُ مَا أُنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى سِمَاطِ الْمُقْتَدِرِ يَوْمَئِذٍ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ. وَكَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَةِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَأَرْبَابِ الْوَظَائِفِ، وَكَانَ كَثِيرَ التَّنَفُّلِ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْعِبَادَةِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُؤْثِرًا لِشَهَوَاتِهِ، مُطِيعًا لِحَظِيَّاتِهِ، كَثِيرَ التَّلَوُّنِ وَالْوِلَايَةِ وَالْعَزْلِ، وَمَا زَالَ ذَلِكَ دَأْبَهُ حَتَّى كَانَ هَلَاكُهُ عَلَى يَدَيْ مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَقُتِلَ عِنْدَ بَابِ الشَّمَّاسِيَّةِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي سَنَةَ عِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ - وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ ثَمَانٍ وَثَلَاثُونَ سَنَةً وَشَهْرٌ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ، وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَكَانَ أَكْثَرَ مُدَّةً مِمَّنْ تَقَدَّمَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ. خِلَافَةُ الْقَاهِرِ لَمَّا قُتِلَ الْمُقْتَدِرُ بِاللَّهِ كَمَا ذَكَرْنَا عَزْمَ مُؤْنِسٌ الْخَادِمُ عَلَى تَوْلِيَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ
পৃষ্ঠা - ৯১৯৯
الْمُقْتَدِرِ بَعْدَ أَبِيهِ ; لِيُطَيِّبَ قَلْبَ أُمِّ الْمُقْتَدِرِ، فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ جُمْهُورُ مَنْ حَضَرَ مِنَ الْأُمَرَاءِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النُّوبَخْتِيُّ: بَعْدَ التَّعَبِ وَالْكَدِّ نُبَايِعُ لِخَلِيفَةٍ لَهُ أَمٌّ وَخَالَاتٌ يُطِيعُهُنَّ وَيُشَاوِرُهُنَّ؟! ثُمَّ أَحْضَرَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُعْتَضِدِ - وَهُوَ أَخُو الْمُقْتَدِرِ - فَبَايَعَهُ الْقُضَاةُ وَالْأُمَرَاءُ وَالْوُزَرَاءُ، وَلَقَّبُوهُ الْقَاهِرَ بِاللَّهِ، وَذَلِكَ فِي سَحَرِ يَوْمِ الْخَمِيسِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، سَنَةَ عِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَاسْتُوزِرَ لَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ مُقْلَةَ، ثُمَّ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثُمَّ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْخَصِيبُ وَشَرَعَ الْقَاهِرُ فِي مُصَادَرَةِ أَصْحَابِ الْمُقْتَدِرِ وَتَتَبُّعِ أَوْلَادِهِ، وَاسْتَدْعَى بِأُمِّ الْمُقْتَدِرِ وَهِيَ مَرِيضَةٌ بِالِاسْتِسْقَاءِ، وَقَدْ تَزَايَدَ بِهَا الْوَجَعُ مِنْ شِدَّةِ جَزَعِهَا عَلَى وَلَدِهَا حِينَ بَلَغَهَا قَتْلُهُ، وَكَيْفَ بَقِيَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ، فَبَقِيَتْ أَيَّامًا لَا تَأْكُلُ شَيْئًا، ثُمَّ وَعَظَهَا النِّسَاءُ حَتَّى أَكَلَتْ شَيْئًا يَسِيرًا مِنَ الْخُبْزِ وَالْمِلْحِ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ اسْتَدْعَى بِهَا الْقَاهِرُ، فَقَرَّرَهَا عَلَى أَمْوَالِهَا، فَذَكَرَتْ لَهُ مَا يَكُونُ لِلنِّسَاءِ مِنَ الْحُلِيِّ وَالْمَصَاغِ وَالثِّيَابِ، وَلَمْ تُقِرَّ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْجَوَاهِرِ، وَقَالَتْ لَهُ: لَوْ كَانَ عِنْدِي مِنْ هَذَا شَيْءٌ مَا سَلَّمْتُ وَلَدِي. فَأَمَرَ بِضَرْبِهَا وَعُلِّقَتْ بِرِجْلَيْهَا وَمَسَّهَا بِعَذَابٍ شَدِيدٍ مِنَ الْعُقُوبَةِ، وَأَشْهَدَتْ عَلَى نَفْسِهَا بِبَيْعِ أَمْلَاكِهَا، فَأَخَذَهُ الْجُنْدُ مِمَّا يُحَاسِبُونَ بِهِ مِنْ أَرْزَاقِهِمْ، وَأَرَادَهَا عَلَى بَيْعِ أَوْقَافِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ، وَأَبَتْ أَشَدَّ الْإِبَاءِ، وَاسْتَدْعَى الْقَاهِرُ بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَوْلَادِ الْمُقْتَدِرِ، مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ الرَّاضِي، وَهَارُونُ، وَالْعَبَّاسُ، وَعَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ، وَإِبْرَاهِيمُ، فَأَمَرَ بِمُصَادَرَتِهِمْ وَحَبْسِهِمْ وَسَلَّمَهُمْ إِلَى حَاجِبِهِ عَلِيِّ بْنِ يَلْبَقَ، وَتَمَكَّنَ الْوَزِيرُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ مُقْلَةَ، فَعَزَلَ وَوَلَّى، وَأَخَذَ وَأَعْطَى أَيَّامًا، وَمَنَعَ
পৃষ্ঠা - ৯২০০
بَنِي الْبَرِيدِيِّ مِنْ أَعْمَالِهِمْ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: أَحْمَدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ جَوْصَاءَ، أَبُو الْحَسَنِ الدِّمَشْقِيُّ أَحَدُ الْمُحَدِّثِينَ الْحُفَّاظِ، وَالرُّوَاةِ الْأَيْقَاظِ. إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَطْحَاءَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُقْلَةَ، أَبُو إِسْحَاقَ التَّمِيمِيُّ الْمُحْتَسِبُ بِبَغْدَادَ، رَوَى عَنْ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِمَا، وَكَانَ ثِقَةً فَاضِلًا، مَرَّ يَوْمًا عَلَى بَابِ الْقَاضِي أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ وَالْخُصُومُ عُكُوفٌ عَلَى بَابِهِ، وَالشَّمْسُ قَدِ ارْتَفَعَتْ عَلَيْهِمْ، فَبَعَثَ حَاجِبَهُ إِلَيْهِ يَقُولُ لَهُ: إِمَّا أَنْ تَخْرُجَ فَتَفْصِلَ بَيْنَهُمْ، وَإِمَّا أَنْ تَبْعَثَ فَتَعْتَذِرَ إِلَيْهِمْ إِنْ كَانَ لَكَ عُذْرٌ، حَتَّى يَعُودُوا إِلَيْكَ بَعْدَ هَذَا الْوَقْتِ. أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ، أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ، هُوَ الْحُسَيْنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ خَيْرَانَ أَبُو عَلِيٍّ، الْفَقِيهُ الْكَبِيرُ الْوَرِعُ الْبَارِعُ، عُرِضَ عَلَيْهِ مَنْصِبُ
পৃষ্ঠা - ৯২০১
الْقَضَاءِ فَلَمْ يَقْبَلْ، فَخَتَمَ الْوَزِيرُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى عَلَى بَابِهِ، فَبَقِيَ كَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَمْ يَجِدْ أَهْلُهُ مَاءً إِلَّا مِنْ بُيُوتِ الْجِيرَانِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ يَتَمَنَّعُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَلِ لَهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ الْوَزِيرُ: إِنَّمَا أَرَدْنَا أَنْ نُعَلِّمَ النَّاسَ أَنَّ بِبَلَدِنَا وَفِي مَمْلَكَتِنَا مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْقُضَاةِ شَرْقًا وَغَرْبًا فَلَمْ يَقْبَلْ. وَقَدْ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَرْجَمَتَهُ فِي " طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، رَحِمَهُ اللَّهُ. عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَدِيٍّ، الْفَقِيهُ الْإِسْتِرَابَاذِيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحُفَّاظِ الْمُحَدِّثِينَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا فِي " طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ ". الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْمَالِكِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَبُو عُمَرَ الْقَاضِي بِبَغْدَادَ وَمُعَامَلَاتِهَا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ، كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ عِلْمًا وَمَعْرِفَةً وَفَصَاحَةً وَبَلَاغَةً وَعَقْلًا وَرِيَاسَةً، بِحَيْثُ كَانَ يُضْرَبُ بِعَقْلِهِ وَحِلْمِهِ الْمَثَلُ، وَقَدْ رَوَى الْكَثِيرَ عَنِ الْمَشَايِخِ، وَحَدَّثَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ، وَحَمَلَ النَّاسُ عَنْهُ عِلْمًا كَثِيرًا مِنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ، وَقَدْ جُمِعَ لَهُ قَضَاءُ الْقُضَاةِ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَجَمَعَ مُسْنَدًا حَافِلًا، وَكَانَ إِذَا جَلَسَ لِلْحَدِيثِ، جَلَسَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ عَنْ يَمِينِهِ، وَهُوَ
পৃষ্ঠা - ৯২০২
قَرِيبٌ مِنْ سِنِّ أَبِيهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ ابْنُ صَاعِدٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ، وَسَائِرُ الْحُفَّاظِ حَوْلَ سَرِيرِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. قَالُوا: وَلَمْ يُنْتَقَدْ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهِ أَخْطَأَ فِيهِ. قُلْتُ: وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ صَوَابِ أَحْكَامِهِ قَتْلُهُ الْحُسَيْنَ بْنَ مَنْصُورٍ الْحَلَّاجَ، قَبَّحَهُ اللَّهُ وَأَخْزَاهُ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ كَانَ جَمِيلَ الْأَخْلَاقِ، حَسَنَ الْمُعَاشَرَةِ، اجْتَمَعَ يَوْمًا عِنْدَ أَصْحَابِهِ، فَجِيءَ بِثَوْبٍ فَاخِرٍ لِيَشْتَرِيَهُ بِنَحْوٍ مَنْ خَمْسِينَ دِينَارًا، فَاسْتَحْسَنَهُ الْحَاضِرُونَ، فَاسْتَدْعَى بِالْقَلَانِسِيِّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْطَعَ ذَلِكَ الثَّوْبَ قَلَانِسَ بِعَدَدِ الْحَاضِرِينَ. وَلَهُ مَنَاقِبُ وَمَحَاسِنُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَقَدْ رَآهُ بَعْضُهُمْ فِي الْمَنَامِ، فَقَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِدَعْوَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
পৃষ্ঠা - ৯২০৩
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي صَفَرٍ مِنْهَا أَحْضَرَ الْخَلِيفَةُ رَجُلًا كَانَ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ بِدِجْلَةَ، فَضُرِبَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَلْفَ سَوْطٍ، ثُمَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَقُطِعَتْ أَيْدِيَ أَصْحَابِهِ وَأَرْجُلُهُمْ. وَفِيهَا أَمَرَ الْقَاهِرُ بِاللَّهِ بِإِبْطَالِ الْخَمْرِ وَالْمَغَانِي وَالْقِيَانِ، وَأَمَرَ بِبَيْعِ الْجَوَارِي الْمُغَنِّيَاتِ فِي سُوقِ النَّخْسِ عَلَى أَنَّهُنَّ سَوَاذِجُ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَإِنَّمَا فَعَلَ الْقَاهِرُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ كَانَ مُحِبًّا لِلْغِنَاءِ، فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْجَوَارِيَ الْمُغَنِّيَاتِ بِأَرْخَصِ الْأَثْمَانِ، نُعَوذُ بِاللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ. وَفِيهَا أَشَاعَتِ الْعَامَّةُ بَيْنَهُمْ بِأَنَّ الْحَاجِبَ عَلِيَّ بْنِ يَلْبَقَ يُرِيدُ أَنْ يَلْعَنَ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمَنَابِرِ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْحَاجِبَ بَعَثَ إِلَى رَئِيسِ الْحَنَابِلَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْبَرْبَهَارِيِّ الْوَاعِظِ لِيُقَابِلَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَهَرَبَ وَاخْتَفَى، فَأَمَرَ بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَحُدِرُوا إِلَى الْبَصْرَةِ. وَفِيهَا عَظَّمَ الْخَلِيفَةُ وَزِيرَهُ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مُقْلَةَ وَخَاطَبَهُ بِالِاحْتِرَامِ وَالْإِكْرَامِ، ثُمَّ إِنَّ الْوَزِيرَ وَمُؤْنِسًا الْخَادِمَ وَعْلَيَّ بْنَ يَلْبَقَ وَجَمَاعَةً مِنَ الْأُمَرَاءِ اشْتَوَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى خَلْعِ الْقَاهِرِ بِاللَّهِ وَتَوْلِيَةِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ الْمُكْتَفِي، وَبَايَعُوهُ فِيمَا
পৃষ্ঠা - ৯২০৪
بَيْنَهُمْ سِرًّا، وَضَيَّقُوا عَلَى الْقَاهِرِ بِاللَّهِ فِي رِزْقِهِ وَمَنْ يَجْتَمِعُ بِهِ، وَأَرَادُوا الْقَبْضَ عَلَيْهِ سَرِيعًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْخَلِيفَةَ عَلَى يَدَيْ طَرِيفٍ السُّبْكَرِيِّ، فَسَعَى فِي الْقَبْضِ عَلَيْهِمْ، فَوَقَعَ فِي مَخَالِيبِهِ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ الْمُظَفَّرُ مُؤْنِسٌ الْخَادِمُ وَأَمَرَ بِحَبْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، وَالِاحْتِيَاطِ عَلَى دُورِهِ وَأَمْلَاكِهِ، وَكَانَتْ فِيهِ عَجَلَةٌ وَجُرْأَةٌ وَهَوَجٌ وَخَرَقٌ شَدِيدٌ، وَجَعَلَ فِي مَنْزِلَتِهِ - إِمْرَةِ الْأُمَرَاءِ وَرِيَاسَةِ الْجَيْشِ - طَرِيفًا السُّبْكَرِيَّ، وَقَدْ كَانَ أَحَدَ الْأُمَرَاءِ عِنْدَ مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَبَضَ عَلَى يَلْبَقَ، وَاخْتَفَى وَلَدُهُ عَلِيُّ بْنُ يَلْبَقَ، وَكَذَا هَرَبَ الْوَزِيرُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ مُقْلَةَ، فَاسْتَوْزَرَ بَدَلَهُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي مُسْتَهَلِّ شَعْبَانَ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ بِتَحْرِيقِ دَارِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ مُقْلَةَ، وَوَقَعَ النَّهْبُ بِبَغْدَادَ، وَهَاجَتِ الْفِتْنَةُ، وَأَمَرَ الْقَاهِرُ بِأَنْ يُجْعَلَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ الْمُكْتَفِي بَيْنَ حَائِطَيْنِ، وَيُسَدَّ عَلَيْهِ بِالْآجُرِّ وَالْكِلْسِ وَهُوَ حَيٌّ، فَمَاتَ، وَأُرْسِلَ إِلَى الْمُخْتَفِينَ فَنَادَى: إِنَّ مَنْ أَخْفَاهُمْ خُرِّبَتْ دَارُهُ. فَوَقَعَ بِعَلِيِّ بْنِ يَلْبَقَ فَقَتَلَهُ، ذُبِحَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ، فَأُخِذَ رَأْسُهُ فِي طَسْتٍ، وَدَخَلَ الْقَاهِرُ بِنَفْسِهِ عَلَى أَبِيهِ يَلْبَقَ، فَوَضَعَ الرَّأْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ بَكَى، وَأَخَذَ يُقَبِّلُهُ وَيَتَرَشَّفُهُ، فَأَمَرَ بِذَبْحِهِ أَيْضًا فَذُبِحَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّأْسَيْنِ فِي طَسْتَيْنِ، فَدَخَلَ بِهِمَا عَلَى مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ فَلَمَّا رَآهُمَا تَشَهَّدَ وَلَعَنَ قَاتِلَهُمَا، فَقَالَ الْقَاهِرُ عِنْدَ ذَلِكَ: جُرُّوا بِرِجْلِ الْكَلْبِ. فَأُخِذَ فَذُبِحَ أَيْضًا، وَأُخِذَ رَأْسُهُ فَوُضِعَ فِي طَسْتٍ، وَطِيفَ بِالرُّءُوسِ فِي بَغْدَادَ وَنُودِيَ عَلَيْهِمْ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ يَخُونُ الْإِمَامَ، وَيَسْعَى فِي الدَّوْلَةِ فَسَادًا. ثُمَّ أُعِيدَتِ الرُّءُوسُ إِلَى خَزَائِنِ السِّلَاحِ.
পৃষ্ঠা - ৯২০৫
وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبَضَ الْقَاهِرُ عَلَى الْوَزِيرِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَسَجَنَهُ، وَكَانَ مَرِيضًا بِالْقُولَنْجِ، فَبَقِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَمَاتَ، فَكَانَتْ وِزَارَتُهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا، وَاسْتَوْزَرَ مَكَانَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْخَصِيبِيَّ، ثُمَّ قَبَضَ عَلَى طَرِيفٍ السَّبْكَرِيِّ وَسَجَنَهُ، فَلَمْ يَزَلِ السَّبْكَرِيُّ فِيهِ حَتَّى خُلِعَ الْقَاهِرُ. وَفِيهَا جَاءَ الْخَبَرُ بِمَوْتِ تِكِينِ الْخَاصَّةِ بِدِيَارِ مِصْرَ، وَأَنَّ ابْنَهُ مُحَمَّدًا قَدْ قَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ فِيهَا، وَسَارَتِ الْخِلَعُ إِلَيْهِ مِنَ الْقَاهِرِ بِاللَّهِ تَنْفِيذًا لِوِلَايَتِهِ وَاسْتِقْرَارِهَا. ذِكْرُ ابْتِدَاءِ أَمْرِ بَنِي بُوَيْهِ وَظُهُورِ دَوْلَتِهِمْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهُمْ ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ ; عِمَادُ الدَّوْلَةِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيٌّ، وَرُكْنُ الدَّوْلَةِ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ، وَمُعِزُّ الدَّوْلَةِ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ، أَوْلَادُ أَبِي شُجَاعٍ بُوَيْهِ بْنِ فَنَّاخُسْرُو بْنِ تَمَّامِ بْنِ كُوهَى بْنِ شِيرِزِيلَ الْأَصْغَرِ بْنِ شِيرِكِنْدَةَ بْنِ شِيرِزِيلَ الْأَكْبَرِ بْنِ شِيرَانَ شَاهِ بْنِ شِيرَفَنَّهِ بْنِ سَسْتَانَ شَاهَ بْنِ سِيسَ بْنِ فَيْرُوزَ بْنِ
পৃষ্ঠা - ৯২০৬
شَرْوَزِيلَ بْنِ سَسْنَاذَرَ بْنِ بَهْرَامَ جُورَ الْمَلِكِ بْنِ يَزْدَجِرْدَ الْمَلِكِ بْنِ سَابُورَ الْمَلِكِ بْنِ سَابُورَ ذِي الْأَكْتَافِ الْفَارِسِيِّ. كَذَا نَسَبَهُمُ الْأَمِيرُ أَبُو نَصْرِ بْنُ مَاكُولَا فِي " كِتَابِهِ ". وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُمُ: الدَّيَالِمَةُ ; لِأَنَّهُمْ جَاوَرُوا الدَّيْلَمَ، وَكَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مُدَّةً، وَقَدْ كَانَ أَبُوهُمْ أَبُو شُجَاعٍ بُوَيْهِ فَقِيرًا مُدْقِعًا، يَصْطَادُ السَّمَكَ وَيَحْتَطِبُ بَنُوهُ الْحَطَبَ عَلَى رُءُوسِهِمْ، فَمَاتَتِ امْرَأَتُهُ، وَخَلَّفَتْ لَهُ هَؤُلَاءِ الْأَوْلَادَ الثَّلَاثَةَ، فَحَزِنَ عَلَيْهَا، فَبَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ شَهْرِيَارُ بْنُ رُسْتُمَ الدَّيْلَمِيُّ، إِذْ مَرَّ مُنَجِّمٌ فَاسْتَدْعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي رَأَيْتُ مَنَامًا غَرِيبًا ; رَأَيْتُ كَأَنِّي أَبُولُ فَخَرَجَ مِنْ ذَكَرِي نَارٌ عَظِيمَةٌ حَتَّى كَادَتْ تَبْلُغُ عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ انْفَرَقَتْ ثَلَاثَ شُعَبٍ، ثُمَّ انْتَشَرَتْ كُلُّ شُعْبَةٍ إِلَى شُعَبٍ كَثِيرَةٍ، فَأَضَاءَتِ الدُّنْيَا بِتِلْكَ النَّارِ، وَرَأَيْتُ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ قَدْ خَضَعَتْ لِهَذِهِ النَّارِ. فَقَالَ لَهُ الْمُنَجِّمُ: هَذَا مَنَامٌ عَظِيمٌ لَا أُفَسِّرُهُ لَكَ إِلَّا بِمَالٍ جَزِيلٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا شَيْءَ عِنْدِي أُعْطِيكَ، وَلَا أَمْلِكُ غَيْرَ فَرَسِي هَذِهِ. فَقَالَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ مِنْ صُلْبِكَ ثَلَاثَةُ مُلُوكٍ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ سُلَالَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُلُوكٌ عِدَّةٌ. فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ! أَتَسْخَرُ بِي؟ وَأَمَرَ بَنِيهِ فَصَفَعُوهُ، ثُمَّ أَعْطَاهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَقَالَ لَهُمُ الْمُنَجِّمُ: اذْكُرُوا هَذَا إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ مُلُوكٌ. وَخَرَجَ وَتَرَكَهُمْ. وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْإِخْوَةَ الثَّلَاثَةَ كَانُوا عِنْدَ مَلِكٍ يُقَالُ لَهُ: مَاكَانُ بْنُ كَالِي. فِي بِلَادِ
পৃষ্ঠা - ৯২০৭
طَبَرِسْتَانَ فَتَسَلَّطَ عَلَيْهِ مَرْدَاوِيجُ، فَضَعُفَ أَمْرُ مَاكَانَ، فَشَاوَرُوهُ فِي مُفَارَقَتِهِ حَتَّى يَكُونَ مِنْ أَمْرِهِ خَيْرٌ، فَخَرَجُوا عَنْهُ وَمَعَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ، فَصَارُوا إِلَى مَرْدَاوِيجَ، فَأَكْرَمَهُمْ وَاسْتَعْمَلَهُمْ عَلَى الْأَعْمَالِ فِي الْبُلْدَانِ، فَأَعْطَى عِمَادَ الدَّوْلَةِ عَلِيَّ بْنَ بُوَيْهِ نِيَابَةَ الْكَرَجِ، فَأَحْسَنَ فِيهَا السِّيرَةَ، وَالْتَفَّ عَلَيْهِ النَّاسُ وَأَحَبُّوهُ، فَحَسَدَهُ مَرْدَاوِيجُ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ يَعْزِلُهُ عَنْهَا، وَيَسْتَدْعِيهِ إِلَيْهِ، فَامْتَنَعَ مِنَ الْقُدُومِ عَلَيْهِ، وَصَارَ إِلَى أَصْبَهَانَ فَحَارَبَهُ نَائِبُهَا، فَقَهَرَهُ عِمَادُ الدَّوْلَةِ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا كَانَ مَعَهُ تِسْعُمِائَةِ فَارِسٍ، فَرَدَّ بِهَا عَشْرَةَ آلَافٍ، وَعَظُمَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ مَرْدَاوِيجَ قَلِقَ مِنْهُ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ جَيْشًا، فَأَخْرَجُوهُ مِنْ أَصْبَهَانَ وَقَصَدَ أَرَّجَانَ فَأَخَذَهَا مِنْ نَائِبِهَا، وَحُصِّلَ لَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ شَيْءٌ كَثِيرٌ جِدًّا، ثُمَّ أَخَذَ بُلْدَانًا كَثِيرَةً، وَاشْتُهِرَ أَمْرُهُ وَبَعُدَ صِيتُهُ وَحَسُنَتْ سِيرَتُهُ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنَ الْجُنْدِ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَجَمٌّ غَفِيرٌ، وَقَدْ آلَ بِهِمُ الْحَالُ إِلَى أَنْ مَلَكُوا بَغْدَادَ مِنْ أَيْدِي الْخُلَفَاءِ الْعَبَّاسِيِّينَ، لَهُمُ الْقَطْعُ وَالْوَصْلُ، وَالْوِلَايَةُ وَالْعَزْلُ، وَإِلَيْهِمْ تُجْبَى الْأَمْوَالُ، وَيُرْجَعُ إِلَيْهِمْ فِي سَائِرِ الْأُمُورِ وَالْأَحْوَالِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَالْمَحْمُودُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ: الطَّحَاوِيُّ، أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، أَبُو جَعْفَرٍ
পৃষ্ঠা - ৯২০৮
الطَّحَاوِيُّ نِسْبَةً إِلَى طَحَا وَهِيَ قَرْيَةٌ بِصَعِيدِ مِصْرَ، الْفَقِيهُ الْحَنَفِيُّ، صَاحِبُ الْمُصَنَّفَاتِ الْمُفِيدَةِ وَالْفَوَائِدِ، وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، وَالْحُفَّاظِ الْجَهَابِذَةِ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ الْمُزَنِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي مُسْتَهَلِّ ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ سَنَةً. وَذَكَرَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ أَنَّهُ وُلِدَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ جَاوَزَ التِّسْعِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ ابْنُ خَلِّكَانَ فِي " الْوَفَيَاتِ " أَنَّ سَبَبَ انْتِقَالِهِ إِلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَرُجُوعِهِ عَنْ مَذْهَبِ خَالِهِ الْمُزَنِيِّ، أَنَّ خَالَهُ قَالَ لَهُ يَوْمًا: وَاللَّهِ لَا يَجِيءُ مِنْكَ شَيْءٌ. فَغَضِبَ وَاشْتَغَلَ عَلَى أَبِي جَعْفَرِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ الْحَنَفِيِّ، حَتَّى بَرَعَ وَفَاقَ أَهْلَ زَمَانِهِ، وَصَنَّفَ كُتُبًا كَثِيرَةً مِنْهَا " أَحْكَامُ الْقُرْآنِ " وَ " اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ " وَ " مَعَانِي الْآثَارِ " وَ " التَّارِيخُ الْكَبِيرُ " وَلَهُ فِي الشُّرُوطِ كِتَابٌ، وَكَانَ بَارِعًا فِيهَا. وَقَدْ كَتَبَ لِلْقَاضِي أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَةَ، وَعَدَّلَهُ الْقَاضِي أَبُو عُبَيْدِ بْنُ حَرْبَوَيْهِ. وَكَانَ يَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُزَنِيَّ، لَوْ كَانَ حَيًّا لَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي مُسْتَهَلِّ ذِي الْقَعْدَةِ، وَدُفِنَ بِالْقَرَافَةِ، وَقَبْرُهُ مَشْهُورٌ بِهَا، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَتَرْجَمَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَدِمَ دِمَشْقَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ
পৃষ্ঠা - ৯২০৯
وَمِائَتَيْنِ، وَأَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ قَاضِيهَا أَبِي خَازِمٍ. رَحِمَهُ اللَّهُ. أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ النَّضْرِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ زَرْبِيٍّ، أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي حَامِدٍ صَاحِبُ بَيْتِ الْمَالِ، سَمِعَ عَبَّاسًا الدُّورِيَّ وَخَلْقًا، وَعَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ، وَكَانَ ثِقَةً صَدُوقًا جَوَادًا مُمَدَّحًا، اتَّفَقَ فِي أَيَّامِهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يُحِبُّهَا حُبًّا شَدِيدًا، فَرَكِبَتْهُ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ اقْتَضَى الْحَالُ أَنْ بَاعَ تِلْكَ الْجَارِيَةَ فِي الدَّيْنِ، فَلَمَّا قَبَضَ ثَمَنَهَا نَدِمَ نَدَامَةً عَظِيمَةً جِدًّا، وَبَقِيَ مُتَحَيِّرًا فِي أَمْرِهِ، فَبَاعَهَا الَّذِي كَانَتْ عِنْدَهُ، فَبَلَغَ سَيِّدَهَا أَنَّ الْجَارِيَةَ قَدِ اشْتَرَاهَا ابْنُ أَبِي حَامِدٍ صَاحِبُ بَيْتِ الْمَالِ، فَتَشَفَّعَ إِلَيْهِ بِبَعْضِ أَصْحَابِهِ فِي أَنْ يَرُدَّهَا إِلَيْهِ بِثَمَنِهَا، فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شُعُورٌ بِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ امْرَأَتَهُ كَانَتِ اشْتَرَتْهَا لَهُ، وَلَمْ تُعْلِمْهُ بَعْدُ بِأَمْرِهَا حَتَّى تَحِلَّ مِنَ اسْتِبْرَائِهَا، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ آخِرَهُ، فَلَبَّسُوهَا الْحُلِيَّ وَالْمَصَاغَ، وَصَنَعُوهَا لَهُ، وَحِينَ شُفِعَ عِنْدَهُ فِي أَمْرِهَا بُهِتَ ; لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهَا، ثُمَّ دَخَلَ يَسْتَكْشِفُ خَبَرَهَا مِنْ مَنْزِلِهِ، فَإِذَا بِهَا قَدْ هُيِّئَتْ لَهُ وَزُخْرِفَتْ، فَفَرِحَ فَرَحًا شَدِيدًا إِذْ وَجَدَهَا، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَأَخْرَجَهَا مَعَهُ وَهُوَ يُظْهِرُ السُّرُورَ، فَقَالَ لِسَيِّدِهَا: هَذِهِ جَارِيَتُكَ؟ فَلَمَّا رَآهَا اضْطَرَبَ كَلَامُهُ، وَاخْتَلَطَ فِي عَقْلِهِ مِمَّا رَأَى مِنْ حُسْنِ مَنْظَرِهَا وَهَيْئَتِهَا، وَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: خُذْهَا، بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا. فَفَرِحَ الْفَتَى فَرَحًا شَدِيدًا، وَقَالَ: يَا سَيِّدِي، تَأْمُرُ مَنْ يَحْمِلُ مَعِي الْمَالَ؟ فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِهِ، وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْهُ، فَإِنِّي