আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১১৪৪১
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ] [الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا] اسْتَهَلَّتْ وَالْحُكَّامُ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ ثَانِي صَفَرٍ مِنْهَا فُتِحْتَ جَزِيرَةُ أَرْوَادَ بِالْقُرْبِ مِنْ أَنْطَرْطُوسَ، وَكَانَتْ مِنْ أَضَرِّ الْأَمَاكِنِ عَلَى أَهْلِ السَّوَاحِلِ، فَجَاءَتْهَا مَرَاكِبُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي الْبَحْرِ، وَارِدٌ فِيهَا جُيُوشُ طَرَابُلُسَ، فَفُتِحَتْ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، وَقَتَلُوا مِنْ أَهَّلَهَا قَرِيبًا مِنْ أَلْفَيْنِ، وَأَسَرُوا قَرِيبًا مِنْ خَمْسِمِائَةٍ، وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ بِدِمَشْقَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ سُرُورًا وَفَرَحًا، وَكَانَ فَتْحُهَا مِنْ تَمَامِ فَتْحِ السَّوَاحِلِ، وَأَرَاحَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّ أَهْلِهَا. وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ سَابِعَ عَشَرَ صَفَرٍ وَصَلَ الْبَرِيدُ إِلَى دِمَشْقَ، فَأَخْبَرَ بِوَفَاةِ قَاضِي الْقُضَاةِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَمَعَهُ كِتَابُ السُّلْطَانِ إِلَى قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرِ الدِّينِ
পৃষ্ঠা - ১১৪৪২
بْنِ جَمَاعَةَ، فِيهِ تَعْظِيمٌ لَهُ، وَاحْتِرَامٌ وَإِكْرَامٌ، يَسْتَدْعِيهِ إِلَى قُرْبِهِ؛ لِيُبَاشِرَ وَظِيفَةَ الْقَضَاءِ بِمِصْرَ عَلَى عَادَتِهِ، فَتَهَيَّأَ لِذَلِكَ، وَلَمَّا عَزَمَ، خَرَجَ مَعَهُ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ الْأَفْرَمُ، وَأَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، وَأَعْيَانُ النَّاسِ لِيُوَدِّعُوهُ، وَسَتَأْتِي تَرْجَمَةُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْوَفَيَاتِ. وَلَمَّا وَصَلَ ابْنُ جَمَاعَةَ إِلَى مِصْرَ أَكْرَمَهُ السُّلْطَانُ إِكْرَامًا زَائِدًا، وَخَلَعَ عَلَيْهِ خِلْعَةَ صُوفٍ، وَبَغْلَةً تُسَاوِي ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَبَاشَرَ الْحُكْمَ بِمِصْرَ يَوْمَ السَّبْتِ رَابِعِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. وَوَصَلَتْ رُسُلُ التَّتَارِ فِي أَوَاخِرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ قَاصِدِينَ بِلَادَ مِصْرَ. وَبَاشَرَ شَرَفُ الدِّينِ الْفَزَارِيُّ مَشْيَخَةَ دَارِ الْحَدِيثِ الظَّاهِرِيَّةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ ثَامِنِ رَبِيعٍ الْآخِرِ عِوَضًا عَنْ شَرَفِ الدِّينِ النَّاسِخِ، وَهُوَ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَسَنِ بْنِ خَوَاجَا إِمَامُ الدِّينِ الْقَارِسِيُّ، تُوُفِّيَ بِهَا عَنْ سَبْعِينَ سَنَةً، وَكَانَ فِيهِ بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ، وَلَهُ أَخْلَاقٌ حَسَنَةٌ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَكَرَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ الْمَذْكُورُ دَرْسًا مُفِيدًا، وَحَضَرَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَعْيَانِ. وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ حَادِي عِشْرِينَ جُمَادَى الْأُولَى خُلِعَ عَلَى قَاضِي الْقُضَاةِ نَجْمِ الدِّينِ بْنِ صَصْرَى بِقَضَاءِ الشَّامِ عِوَضًا عَنِ ابْنِ جَمَاعَةَ، وَعَلَى الشَّيْخِ زَيْنِ الدِّينِ الْفَارِقِيِّ بِالْخَطَابَةِ، وَعَلَى الْأَمِيرِ رُكْنِ الدِّينِ بَيْبَرْسَ
পৃষ্ঠা - ১১৪৪৩
التِّلَاوِيِّ بِشَدِّ الدَّوَاوِينِ، وَهَنَّأَهُمُ النَّاسُ، وَحَضَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ وَالْأَعْيَانُ الْمَقْصُورَةَ لِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ، وَقُرِئَ تَقْلِيدُ ابْنِ صَصْرَى بَعْدَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ جَلَسَ فِي الشُّبَّاكِ الْكَمَالِيِّ، وَقُرِئَ تَقْلِيدُهُ مَرَّةً ثَانِيَةً. وَفِي جُمَادَى الْأُولَى وَقَعَ بِيَدِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ كِتَابٌ مُزَوَّرٌ، فِيهِ أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ، وَالْقَاضِي شَمْسَ الدِّينِ بْنَ الْحَرِيرِيِّ، وَجَمَاعَةً مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْخَوَاصِّ الَّذِينَ بِبَابِ السَّلْطَنَةِ، يُنَاصِحُونَ التَّتَرَ وَيُكَاتِبُوهُمْ، وَيُرِيدُونَ تَوْلِيَةَ قَبْجَقَ عَلَى الشَّامِ، وَأَنَّ الشَّيْخَ كَمَالَ الدِّينِ بْنَ الزَّمْلَكَانِيِّ يُعْلِمُهُمْ بِأَحْوَالِ الْأَمِيرِ جَمَالِ الدِّينِ آقُوشَ الْأَفَرَمِ، وَكَذَلِكَ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْعَطَّارِ، فِلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ عَرَفَ أَنَّ هَذَا مُفْتَعَلٌ، فَفَحَصَ عَنْ وَاضِعِهِ، فَإِذَا هُوَ فَقِيرٌ كَانَ مُجَاوِرًا بِالْبَيْتِ الَّذِي كَانَ إِلَى جَانِبِ مِحْرَابِ الصَّحَابَةِ، يُقَالُ لَهُ: الْيَعْفُورِيُّ، وَآخَرُ مَعَهُ يُقَالُ لَهُ: أَحْمَدُ الْفَنَارِيُّ، وَكَانَا مَعْرُوفَيْنِ بِالشَّرِّ وَالْفُضُولِ، وَوُجِدَ مَعَهُمَا مُسَوَّدَةُ هَذَا الْكِتَابِ، فَتَحَقَّقَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ ذَلِكَ، فَعُزِّرَا تَعْزِيرًا عَنِيفًا، ثُمَّ وُسِّطَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي مُسْتَهَلِّ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَقُطِعَتْ يَدُ الْكَاتِبِ الَّذِي كَتَبَ لَهُمَا هَذَا الْكِتَابَ، وَهُوَ التَّاجُ بْنُ الْمَنَادِيلِيِّ. وَفِي أَوَاخِرِ جُمَادَى الْأُولَى انْتَقَلَ الْأَمِيرُ سَيْفُ
পৃষ্ঠা - ১১৪৪৪
الدِّينِ بَلَبَانُ الْجُوكَنْدَارُ الْمَنْصُورِيُّ إِلَى نِيَابَةِ الْقَلْعَةِ عِوَضًا عَنْ أَرْجَوَاشَ. [عَجِيبَةٌ مِنْ عَجَائِبِ الْبَحْرِ] قَالَ الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ الْبِرْزَالِيُّ فِي " تَارِيخِهِ ": قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْوَارِدَةِ مِنَ الْقَاهِرَةِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِتَارِيخِ يَوْمِ الْخَمِيسِ رَابِعِ جُمَادَى الْآخِرَةِ، ظَهَرَتْ دَابَّةٌ مِنَ الْبَحْرِ عَجِيبَةُ الْخِلْقَةِ، مِنْ بَحْرِ النِّيلِ إِلَى أَرْضِ الْمُنُوفِيَّةِ، بَيْنَ بِلَادِ مِنْيَةِ مُسَوَّدٍ، وَإِصْطُبَارِيَّ، وَالرَّاهِبِ، وَهَذِهِ صِفَتُهَا: لَوْنُهَا لَوْنُ الْجَامُوسِ بِلَا شَعْرٍ، وَآذَانُهَا كَآذَانِ الْجَمَلِ، وَعَيْنَاهَا وَفَرْجُهَا مِثْلُ النَّاقَةِ، يُغَطِّي فَرْجَهَا ذَنَبٌ طُولُهُ شِبْرٌ وَنِصْفٌ، طَرَفُهُ كَذَنَبِ السَّمَكَةِ، وَرَقَبَتُهَا مِثْلُ غِلَظِ التِّلِّيسِ الْمَحْشُوِّ تِبْنًا، وَفَمُهَا وَشَفَتَاهَا مِثْلُ الْكِرْبَالِ، وَلَهَا أَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ، اثْنَانِ مِنْ فَوْقَ وَاثْنَانِ
পৃষ্ঠা - ১১৪৪৫
مِنْ أَسْفَلَ، طُولُ كُلِّ وَاحِدٍ دُونَ الشِّبْرِ فِي عَرْضِ أُصْبُعَيْنِ، وَفِي فَمِهَا ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ ضِرْسًا وَسِنًّا مِثْلَ بَيَادِقِ الشِّطْرَنْجِ، وَطُولُ يَدَيْهَا مِنْ بَاطِنِهَا إِلَى الْأَرْضِ شِبْرَانِ وَنِصْفٌ، وَمِنْ رُكْبَتِهَا إِلَى حَافِرِهَا مِثْلُ بَطْنِ الثُّعْبَانِ، أَصْفَرُ مُجَعَّدٌ، وَدَوْرُ حَافِرِهَا مِثْلُ السُّكُرُّجَةِ، بِأَرْبَعَةِ أَظَافِيرَ مِثْلِ أَظَافِيرِ الْجَمَلِ، وَعَرْضُ ظَهْرِهَا مِقْدَارُ ذِرَاعَيْنِ وَنِصْفٍ، وَطُولُهَا مِنْ فَمِهَا إِلَى ذَنَبِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ قَدَمًا، وَفِي بَطْنِهَا ثَلَاثَةُ كُرُوشٍ، وَلَحْمُهَا أَحْمَرُ، وَزُفْرَتُهُ مِثْلُ السَّمَكِ، وَطَعْمُهُ كَلَحْمِ الْجَمَلِ، وَغِلَظُ جِلْدِهَا أَرْبَعَةُ أَصَابِعَ، مَا تَعْمَلُ فِيهِ السُّيُوفُ، وَحُمِلَ جِلْدُهَا عَلَى خَمْسَةِ أَجْمَالٍ فِي مَدَارِ سَاعَةٍ مِنْ ثِقْلِهِ، عَلَى جَمَلٍ بَعْدَ جَمَلٍ، وَأَحْضَرُوهُ إِلَى بَيْنَ يَدَيِ السُّلْطَانِ بِالْقَلْعَةِ، وَحَشَوْهُ تِبْنًا، وَأَقَامُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَفِي شَهْرِ رَجَبٍ قَوِيَتِ الْأَخْبَارُ بِعَزْمِ التَّتَارِ عَلَى دُخُولِ بِلَادِ الشَّامِ، فَانْزَعَجَ النَّاسُ لِذَلِكَ، وَاشْتَدَّ خَوْفُهُمْ جِدًّا، وَقَنَتَ الْخَطِيبُ فِي الصَّلَوَاتِ، وَقُرِئَ " الْبُخَارِيُّ "، وَشَرَعَ النَّاسُ فِي الْجَفْلِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَالْكَرَكِ، وَالْحُصُونِ الْمَنِيعَةِ، وَتَأَخَّرَ مَجِيءُ الْعَسَاكِرِ الْمِصْرِيَّةِ عَنْ أَوَانِهَا، فَاشْتَدَّ لِذَلِكَ الْخَوْفُ. وَفِي شَهْرِ رَجَبٍ بَاشَرَ نَجْمُ الدِّينِ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ نَظَرَ الْخِزَانَةِ عِوَضًا عَنِ الصَّدْرِ أَمِينِ الدِّينِ بْنِ هِلَالٍ، تُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبَاشَرَ نَظَرَ الْجَامِعِ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ الصَّدْرِ سُلَيْمَانُ عِوَضًا عَنْ شَرَفِ الدِّينِ بْنِ الشَّيْرَجِيِّ.
পৃষ্ঠা - ১১৪৪৬
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ ثَالِثِ شَعْبَانَ بَاشَرَ مَشْيَخَةَ الشُّيُوخِ بَعْدَ ابْنِ جَمَاعَةَ الْقَاضِي نَاصِرُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَكَانَ جَمَالُ الدِّينِ الزُّرَعِيُّ يَسُدُّ الْوَظِيفَةَ إِلَى هَذَا التَّارِيخِ. وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ عَاشِرِ شَعْبَانَ ضُرِبَتِ الْبَشَائِرُ بِالْقَلْعَةِ وَالطَّبْلَخَانَاهْ عَلَى أَبْوَابِ الْأُمَرَاءِ بِخُرُوجِ السُّلْطَانِ بِالْعَسَاكِرِ مِنْ مِصْرَ لِمُنَاجَزَةِ التَّتَارِ الْمَخْذُولِينَ. وَفِي هَذَا الْيَوْمِ بِعَيْنِهِ كَانَتْ وَقْعَةُ عُرْضٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ الْتَقَى جَمَاعَةٌ مِنْ أُمَرَاءِ الْإِسْلَامِ فِيهِمْ أَسَنْدَمُرُ، وَبَهَادُرُ آصْ، وَكُجْكُنُ، وَغُرْلُو الْعَادِلِيُّ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ، فِي أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ - مَعَ التَّتَرِ، وَكَانَ التَّتَارُ فِي سَبْعَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ، فَاقْتَتَلُوا مَعَهُمْ، وَصَبَرَ الْمُسْلِمُونَ صَبْرًا جَيِّدًا، فَنَصَرَهُمُ اللَّهُ، وَخَذَلَ التَّتَرَ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا، وَأَسَرُوا آخَرِينَ، وَوَلَّوْا عِنْدَ ذَلِكَ مُدْبِرِينَ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ غَنَائِمَ، وَعَادُوا سَالِمِينَ لَمْ يُفْقَدْ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ مِمَّنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالشَّهَادَةِ، وَوَقَعَتِ الْبِطَاقَةُ بِذَلِكَ، ثُمَّ قَدِمَتِ الْأُسَارَى يَوْمَ الْخَمِيسِ مُنْتَصَفِ شَعْبَانَ، وَكَانَ يَوْمَ خَمِيسِ النَّصَارَى.
পৃষ্ঠা - ১১৪৪৭
[أَوَائِلُ وَقْعَةِ شَقْحَبٍ] [كَيْفِيَّةُ قِتَالِ التَّتَرِ] وَفِي ثَامِنَ عَشَرَهُ قَدِمَتْ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ جَيْشِ الْمِصْرِيِّينَ، فِيهِمُ الْأَمِيرُ رُكْنُ الدِّينِ بَيْبَرْسُ الْجَاشْنَكِيرُ، وَالْأَمِيرُ حُسَامُ الدِّينِ لَاجِينُ الْمَعْرُوفُ بِالْأُسْتَادَارِ الْمَنْصُورِيُّ، وَالْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ كَرَايُ الْمَنْصُورِيُّ، ثُمَّ قَدِمَتْ بَعْدَهُمْ طَائِفَةٌ أُخْرَى، فِيهِمْ بَدْرُ الدِّينِ أَمِيرُ سِلَاحٍ، وَأَيْبَكُ الْخَزِنْدَارُ، فَقَوِيَتِ الْقُلُوبُ، وَاطْمَأَنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّ النَّاسَ فِي جَفَلٍ عَظِيمٍ مِنْ بِلَادِ حَلَبَ، وَحَمَاةَ، وَحِمْصَ، وَتِلْكَ النَّوَاحِي، وَتَقَهْقَرَ الْجَيْشُ الْحَلَبِيُّ وَالْحَمَوِيُّ إِلَى حِمْصَ، ثُمَّ خَافُوا أَنْ يَدْهَمَهُمُ التَّتَرُ، فَجَاءُوا فَنَزَلُوا الْمَرْجَ يَوْمَ الْأَحَدِ خَامِسِ عِشْرِينَ شَعْبَانَ، وَوَصَلَ التَّتَرُ إِلَى حِمْصَ، وَبَعْلَبَكَّ، وَعَاثُوا فِي تِلْكَ الْأَرَاضِي فَسَادًا، وَقَلِقَ النَّاسُ قَلَقًا عَظِيمًا، وَخَافُوا خَوْفًا شَدِيدًا، وَاخْتَبَطَ الْبَلَدُ لِتَأَخُّرِ قُدُومِ السُّلْطَانِ بِبَقِيَّةِ الْجَيْشِ، وَقَالَ النَّاسُ: لَا طَاقَةَ لِجَيْشِ الشَّامِ مَعَ هَؤُلَاءِ الْمِصْرِيِّينَ بِلِقَاءِ التَّتَارِ لِكَثْرَتِهِمْ، وَإِنَّمَا سَبِيلُهُمْ
পৃষ্ঠা - ১১৪৪৮
أَنْ يَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ مَرْحَلَةً مَرْحَلَةً، وَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِالْأَرَاجِيفِ، فَاجْتَمَعَ الْأُمَرَاءُ يَوْمَ الْأَحَدِ الْمَذْكُورِ بِالْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ، وَتَحَالَفُوا عَلَى لِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَشَجَّعُوا أَنْفُسَهُمْ، وَنُودِيَ بِالْبَلَدِ أَنْ لَا يَرْحَلَ أَحَدٌ مِنْهُ، فَسَكَنَ النَّاسُ، وَجَلَسَ الْقُضَاةُ بِالْجَامِعِ، وَحَلَّفُوا جَمَاعَةً مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْعَامَّةِ عَلَى الْقِتَالِ، وَتَوَجَّهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إِلَى الْعَسْكَرِ الْوَاصِلِ مِنْ حَمَاةَ، فَاجْتَمَعَ بِهِمْ فِي الْقُطَيِّفَةِ، فَأَعْلَمَهُمْ بِمَا تَحَالَفَ عَلَيْهِ الْأُمَرَاءُ وَالنَّاسُ مِنْ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، فَأَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ، وَحَلَفُوا مَعَهُمْ، وَكَانَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ يَحْلِفُ لِلْأُمَرَاءِ وَالنَّاسِ: إِنَّكُمْ فِي هَذِهِ الْكَرَّةِ مَنْصُورُونَ عَلَى التَّتَارِ، فَيَقُولُ لَهُ الْأُمَرَاءُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَيَقُولُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَحْقِيقًا لَا تَعْلِيقًا، وَكَانَ يَتَأَوَّلُ فِي ذَلِكَ أَشْيَاءَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [الحج: 60] . وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي كَيْفِيَّةِ قِتَالِ هَؤُلَاءِ التَّتَرِ مِنْ أَيِّ قَبِيلٍ هُوَ، فَإِنَّهُمْ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ، وَلَيْسُوا بُغَاةً عَلَى الْإِمَامِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا فِي طَاعَتِهِ فِي وَقْتٍ ثُمَّ خَالَفُوهُ، فَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَؤُلَاءِ مِنْ جِنْسِ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، وَرَأَوْا أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ مِنْهُمَا، وَهَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِإِقَامَةِ الْحَقِّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعِيبُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا هُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِهِ مِنَ الْمَعَاصِي وَالظُّلْمِ،
পৃষ্ঠা - ১১৪৪৯
وَهُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ، فَتَفَطَّنَ الْعُلَمَاءُ وَالنَّاسُ لِذَلِكَ، وَكَانَ يَقُولُ لِلنَّاسِ: إِذَا رَأَيْتُمُونِي مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ وَعَلَى رَأْسِي مُصْحَفٌ، فَاقْتُلُونِي، فَتَشَجَّعَ النَّاسُ فِي قِتَالِ التَّتَارِ، وَقَوِيَتْ قُلُوبُهُمْ وَنِيَّاتُهُمْ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، خَرَجَتِ الْعَسَاكِرُ الشَّامِيَّةُ، فَخَيَّمَتْ عَلَى الْجُسُورَةِ مِنْ نَاحِيَةِ الْكُسْوَةِ، وَمَعَهُمُ الْقُضَاةُ، فَصَارَ النَّاسُ فِيهِمْ فَرِيقَيْنِ، فَرِيقٌ يَقُولُونَ: إِنَّمَا سَارُوا لِيَخْتَارُوا مَوْضِعًا لِلْقِتَالِ، فَإِنَّ الْمَرْجَ فِيهِ مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ مَعَهَا الْقِتَالَ، وَقَالَ فَرِيقٌ: إِنَّمَا سَارُوا إِلَى تِلْكَ الْجِهَةِ لِيَهْرُبُوا، وَلِيَلْحَقُوا بِالسُّلْطَانِ. فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْخَمِيسِ، سَارُوا إِلَى نَاحِيَةِ الْكُسْوَةِ، فَقَوِيَتْ ظُنُونُ النَّاسِ فِي هَرَبِهِمْ، وَقَدْ وَصَلَتِ التَّتَارُ إِلَى قَارَةَ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ وَصَلُوا إِلَى الْقُطَيِّفَةِ، فَانْزَعَجَ النَّاسُ لِذَلِكَ انْزِعَاجًا شَدِيدًا، وَلَمْ يَبْقَ حَوْلَ الْبَلَدِ مِنَ الْقُرَى وَالْحَوَاضِرِ أَحَدٌ، وَامْتَلَأَتِ الْقَلْعَةُ، وَازْدَحَمَتِ الْمَنَازِلُ وَالطُّرُقَاتُ، وَاضْطَرَبَ النَّاسُ، وَخَرَجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْخَمِيسِ مِنَ الشَّهْرِ الْمَذْكُورِ مِنْ بَابِ النَّصْرِ بِمَشَقَّةٍ كَبِيرَةٍ، وَصَحِبَتْهُ جَمَاعَةٌ لِيَشْهَدَ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ وَمَنْ مَعَهُ، فَظَنُّوا أَنَّهُ إِنَّمَا خَرَجَ هَارِبًا، فَحَصَلَ لَهُ لَوْمٌ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ، وَقَالُوا: أَنْتَ مَنَعْتَنَا مِنَ الْجَفْلِ، وَهَا أَنْتَ هَارِبٌ مِنَ الْبَلَدِ! فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ، وَبَقِيَ الْبَلَدُ لَيْسَ فِيهِ حَاكَمٌ، وَعَاثَتِ
পৃষ্ঠা - ১১৪৫০
اللُّصُوصُ وَالْحَرَافِيشُ فِيهِ وَفِي بَسَاتِينِ النَّاسِ يُخَرِّبُونَ وَيَنْهَبُونَ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ، وَيَقْطَعُونَ الْمِشْمِشَ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَكَذَلِكَ الْبَاقِلَّاءُ، وَالْقَمْحُ، وَالشَّعِيرُ، وَسَائِرُ الْخُضْرَاوَاتِ، وَحِيلَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ خَبَرِ الْجَيْشِ، وَانْقَطَعَتِ الطُّرُقُ إِلَى الْكُسْوَةِ، وَظَهَرَتِ الْوَحْشَةُ عَلَى الْبَلَدِ وَالْحَوَاضِرِ، وَلَيْسَ لِلنَّاسِ شُغُلٌ غَيْرُ الصُّعُودِ إِلَى الْمَآذِنِ يَنْظُرُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا وَإِلَى نَاحِيَةِ الْكُسْوَةِ، فَتَارَةً يَقُولُونَ: رَأَيْنَا غَبَرَةً. فَيَخَافُونَ أَنْ تَكُونَ مِنَ التَّتَرِ، وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ خَبَرِ الْجَيْشِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ، وَجَوْدَةِ عُدَّتِهِمْ أَيْنَ ذَهَبُوا! وَلَا يَدْرُونَ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ، فَانْقَطَعَتِ الْآمَالُ، وَأَلَحَّ النَّاسُ فِي الدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ، وَفِي الصَّلَوَاتِ، وَفِي كُلِّ حَالٍ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْخَمِيسِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، وَكَانَ النَّاسُ فِي خَوْفٍ وَرُعْبٍ لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ، لَكِنْ كَانَ الْفَرَجُ مِنْ ذَلِكَ قَرِيبًا، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ: «عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ، وَقُرْبِ غِيَرِهِ، يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ أَزِلِينَ قَنِطِينَ، فَيَظَلُّ يَضْحَكُ، يَعْلَمُ أَنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ» . فَلَمَّا كَانَ آخِرُ هَذَا الْيَوْمِ وَصَلَ الْأَمِيرُ فَخْرُ الدِّينِ أَيَاسٌ الْمَرْقَبِيُّ أَحَدُ أُمَرَاءِ دِمَشْقَ، فَبَشَّرَ النَّاسَ بِخَيْرٍ، وَهُوَ أَنَّ السُّلْطَانَ قَدْ وَصَلَ وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْعَسَاكِرُ الْمِصْرِيَّةُ وَالشَّامِيَّةُ، وَقَدْ أَرْسَلَنِي أَكْشِفُ هَلْ طَرَقَ الْبَلَدَ أَحَدٌ مِنَ التَّتَرِ؟ فَوَجَدَ الْأَمْرَ كَمَا يُحِبُّ،
পৃষ্ঠা - ১১৪৫১
لَمْ يَطْرُقْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ التَّتَارَ عَرَجُوا عَنْ دِمَشْقَ إِلَى نَاحِيَةِ الْعَسَاكِرِ الْمِصْرِيَّةِ، وَلَمْ يَشْتَغِلُوا بِالْبَلَدِ، بَلْ قَالُوا: إِنْ غَلَبْنَا فَالْبَلَدُ لَنَا، وَإِنْ غَلَبْنَا فَلَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ. وَنُودِيَ فِي الْبَلَدِ بِتَطْيِيبِ الْخَوَاطِرِ، وَأَنَّ السُّلْطَانَ قَدْ وَصَلَ، فَاطْمَأَنَّ النَّاسُ، وَسَكَنَتْ قُلُوبُهُمْ، وَثَبَتَ الشَّهْرُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْقَاضِي تَقِيِّ الدِّينِ الْحَنْبَلِيِّ، فَإِنَّ السَّمَاءَ كَانَتْ مُغَيِّمَةً، فَعُلِّقَتِ الْقَنَادِيلُ، وَصُلِّيَتِ التَّرَاوِيحُ، وَاسْتَبْشَرَ النَّاسُ بِشَهْرِ رَمَضَانَ وَبَرَكَتِهِ، وَأَصْبَحَ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي هَمٍّ شَدِيدٍ، وَخَوْفٍ أَكِيدٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَا خَبَرُ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ غُرْلُو الْعَادِلِيُّ، فَاجْتَمَعَ بِنَائِبِ الْقَلْعَةِ، ثُمَّ عَادَ سَرِيعًا وَلَمْ يَدْرِ أَحَدٌ مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَوَقَعَ النَّاسُ فِي الْأَرَاجِيفِ وَالْخَوْضِ. [وَقْعَةُ شَقْحَبٍ] أَصْبَحَ النَّاسُ يَوْمَ السَّبْتِ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَالِ، وَضِيِقِ الْأَمْرِ، فَرَأَوْا مِنَ الْمَآذِنِ سَوَادًا وَغَبَرَةً مِنْ نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ وَالْعَدُوِّ، فَغَلَبَ عَلَى الظُّنُونِ أَنَّ الْوَقْعَةَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَابْتَهَلُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالدُّعَاءِ فِي الْجَامِعِ وَالْبَلَدِ، وَطَلَعَ النِّسَاءُ وَالصِّغَارُ عَلَى الْأَسْطِحَةِ، وَكَشَفُوا رُءُوسَهُمْ، وَضَجَّ الْبَلَدُ ضَجَّةً عَظِيمَةً، وَوَقَعَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَطَرٌ عَظِيمٌ غَزِيرٌ، ثُمَّ سَكَنَ النَّاسُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ الظُّهْرِ، قُرِئَتْ بِطَاقَةٌ بِالْجَامِعِ تَتَضَمَّنُ: أَنَّ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ نَهَارِ السَّبْتِ هَذَا اجْتَمَعَتِ الْجُيُوشُ الشَّامِيَّةُ وَالْمِصْرِيَّةُ مَعَ السُّلْطَانِ فِي مَرْجِ الصُّفَّرِ، وَفِيهَا طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنَ النَّاسِ، وَالْأَمْرُ بِحِفْظِ الْقَلْعَةِ، وَالتَّحَرُّزِ عَلَى الْأَسْوَارِ، فَدَعَا النَّاسُ فِي الْمَآذِنِ
পৃষ্ঠা - ১১৪৫২
وَالْبَلَدِ، وَانْقَضَى النَّهَارُ، وَكَانَ يَوْمًا مُزْعِجًا هَائِلًا. وَأَصْبَحَ النَّاسُ يَوْمَ الْأَحَدِ يَتَحَدَّثُونَ بِكَسْرِ التَّتَرِ، وَخَرَجَ نَاسٌ إِلَى نَاحِيَةِ الْكُسْوَةِ، فَرَجَعُوا وَمَعَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْمَكَاسِبِ، وَرُءُوسِ التَّتَرِ، وَصَارَتْ أَدِلَّةُ كَسْرَةِ التَّتَرِ تَقْوَى وَتَتَزَايَدُ قَلِيلًا، حَتَّى اتَّضَحَتْ جُمْلَةً، وَلَكِنَّ النَّاسَ لِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَكَثْرَةِ التَّتَرِ لَا يُصَدِّقُونَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ الظُّهْرِ، قُرِئَ كِتَابُ السُّلْطَانِ إِلَى مُتَوَلِّي الْقَلْعَةِ يُخْبِرُ فِيهِ بِاجْتِمَاعِ الْجَيْشِ ظُهْرَ يَوْمِ السَّبْتِ بِشَقْحَبٍ وَبِالْكُسْوَةِ، ثُمَّ جَاءَتْ بِطَاقَةٌ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ نَائِبِ السُّلْطَانِ جَمَالِ الدِّينِ آقُوشَ الْأَفْرَمِ إِلَى نَائِبِ الْقَلْعَةِ، مَضْمُونُهَا أَنَّ الْوَقْعَةَ كَانَتْ مِنَ الْعَصْرِ يَوْمَ السَّبْتِ إِلَى السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ يَوْمِ الْأَحَدِ، وَأَنَّ السَّيْفَ كَانَ يَعْمَلُ فِي رِقَابِ التَّتَرِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَأَنَّهُمْ هَرَبُوا وَفَرُّوا، وَاعْتَصَمُوا بِالْجِبَالِ وَالتِّلَالِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ، فَأَمْسَى النَّاسُ وَقَدِ اسْتَقَرَّتْ خَوَاطِرُهُمْ، وَتَبَاشَرُوا بِهَذَا الْفَتْحِ الْعَظِيمِ وَالنَّصْرِ الْمُبَارَكِ، وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ بِالْقَلْعَةِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ الْمَذْكُورِ، وَنُودِيَ بَعْدَ الظُّهْرِ بِإِخْرَاجِ الْجُفَّالِ مِنَ الْقَلْعَةِ لِأَجْلِ نُزُولِ السُّلْطَانِ، فَشَرَعُوا فِي الْخُرُوجِ. وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ رَابِعِ الشَّهْرِ رَجَعَ النَّاسُ مِنَ الْكُسْوَةِ إِلَى دِمَشْقَ فَبَشَّرُوا النَّاسَ بِالنَّصْرِ. وَفِيهِ دَخَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْبَلَدَ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، مِنَ الْجِهَادِ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِهِ، وَدَعَوْا لَهُ، وَهَنَّئُوهُ بِمَا يَسَّرَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ نَدَبَهُ الْعَسْكَرُ الشَّامِيُّ أَنْ يَسِيرَ إِلَى السُّلْطَانِ يَسْتَحِثُّهُ عَلَى السَّيْرِ إِلَى دِمَشْقَ، فَسَارَ إِلَيْهِ، فَحَثَّهُ عَلَى الْمَجِيءِ إِلَى دِمَشْقَ بَعْدَ أَنْ كَادَ يَرْجِعُ إِلَى مِصْرَ، فَجَاءَ هُوَ وَإِيَّاهُ جَمِيعًا، فَسَأَلَهُ السُّلْطَانُ أَنْ يَقِفَ مَعَهُ فِي مَعْرَكَةِ الْقِتَالِ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ الرَّجُلُ تَحْتَ رَايَةِ قَوْمِهِ، وَنَحْنُ مِنْ جَيْشِ الشَّامِ لَا نَقِفُ إِلَّا مَعَهُمْ، وَحَرَّضَ السُّلْطَانَ عَلَى الْقِتَالِ، وَبَشَّرَهُ بِالنَّصْرِ، وَجَعَلَ يَحْلِفُ لَهُ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ:
পৃষ্ঠা - ১১৪৫৩
إِنَّكُمْ مَنْصُورُونَ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ، فَيَقُولُ لَهُ الْأُمَرَاءُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَيَقُولُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَحْقِيقًا لَا تَعْلِيقًا، وَأَفْتَى النَّاسَ بِالْفِطْرِ مُدَّةَ قِتَالِهِمْ، وَأَفْطَرَ هُوَ أَيْضًا، وَكَانَ يَدُورُ عَلَى الْأَطْلَابِ وَالْأُمَرَاءِ فَيَأْكُلُ مِنْ شَيْءٍ مَعَهُ فِي يَدِهِ، لِيُعْلِمَهُمْ أَنَّ إِفْطَارَهُمْ لِيَتَقَوَّوْا عَلَى الْقِتَالِ أَفْضَلُ، فَيَأْكُلُ النَّاسُ، وَكَانَ يَتَأَوَّلُ فِي الشَّامِيِّينَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّكُمْ مُلَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا، وَالْفِطَرُ أَقْوَى لَكُمْ» فَعَزَمَ عَلَيْهِمْ فِي الْفِطْرِ عَامَ الْفَتْحِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَكَانَ الْخَلِيفَةُ أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ فِي صُحْبَةِ السُّلْطَانِ، وَلَمَّا اصْطَفَّتِ الْعَسَاكِرُ، وَالْتَحَمَ الْقِتَالُ ثَبَتَ السُّلْطَانُ ثَبَاتًا عَظِيمًا، وَأَمَرَ بِجَوَادِهِ فَقُيِّدَ حَتَّى لَا يَهْرَبَ، وَبَايَعَ اللَّهَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ، وَجَرَتْ خُطُوبٌ عَظِيمَةٌ، وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ سَادَاتِ الْأُمَرَاءِ يَوْمَئِذٍ، مِنْهُمُ الْأَمِيرُ حُسَامُ الدِّينِ لَاجِنُ الرُّومِيُّ أُسْتَادَارُ السُّلْطَانِ، وَثَمَانِيَةٌ مِنَ الْمُقَدَّمِينَ مَعَهُ، وَصَلَاحُ الدِّينِ بْنُ الْمَلِكِ الْكَامِلِ بْنِ السَّعِيدِ بْنِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، وَخَلْقٌ مِنْ كِبَارِ الْأُمَرَاءِ، ثُمَّ نَزَلَ النَّصْرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَرِيبَ الْعَصْرِ يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَظْهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. فَلَمَّا جَاءَ اللَّيْلُ لَجَأَ التَّتَرُ إِلَى اقْتِحَامِ التُّلُولِ وَالْجِبَالِ وَالْآكَامِ، فَأَحَاطَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ يَحْرُسُونَهُمْ مِنَ الْهَرَبِ، وَيَرْمُونَهُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى وَقْتِ الْفَجْرِ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَا لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَجَعَلُوا يَجِيئُونَ بِهِمْ فِي الْحِبَالِ، فَتُضْرَبُ أَعْنَاقُهُمْ، ثُمَّ اقْتَحَمَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ الْهَزِيمَةَ، فَنَجَا مِنْهُمْ قَلِيلٌ، ثُمَّ
পৃষ্ঠা - ১১৪৫৪
كَانُوا يَتَسَاقَطُونَ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالْمَهَالِكِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ غَرِقَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ فِي الْفُرَاتِ بِسَبَبِ الظَّلَامِ، وَكَشَفَ اللَّهُ بِذَلِكَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ غُمَّةً عَظِيمَةً شَدِيدَةً، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَدَخَلَ السُّلْطَانُ إِلَى دِمَشْقَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ خَامِسِ رَمَضَانَ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْخَلِيفَةُ، وَزُيِّنَتِ الْبَلَدُ، وَفَرِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَالْأَحَدِ، فَنَزَلَ السُّلْطَانُ فِي الْقَصْرِ الْأَبْلَقِ وَالْمَيْدَانِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَحَوَّلَ إِلَى الْقَلْعَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَصَلَّى بِهَا الْجُمُعَةَ، وَخَلَعَ عَلَى نُوَّابِ الْبِلَادِ، وَأَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَاسْتَقَرَّتِ الْخَوَاطِرُ، وَذَهَبَ الْيَأْسُ، وَطَابَتْ قُلُوبُ النَّاسِ، وَعَزَلَ السُّلْطَانُ ابْنَ النَّحَّاسِ عَنْ وِلَايَةِ الْمَدِينَةِ، وَجَعَلَ مَكَانَهُ الْأَمِيرَ عَلَاءَ الدِّينِ أَيْدُغْدِي أَمِيرَ عَلَمٍ، وَعَزَلَ صَارِمَ الدِّينِ إِبْرَاهِيمَ وَالِي الْخَاصِّ عَنْ وِلَايَةِ الْبَرِّ، وَجَعَلَ مَكَانَهُ الْأَمِيرَ حُسَامَ الدِّينِ لَاجِينَ الصَّغِيرَ، ثُمَّ عَادَ السُّلْطَانُ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ثَالِثِ شَوَّالٍ بَعْدَ أَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَعَيَّدَ بِدِمَشْقَ. وَطَلَبَ الصُّوفِيَّةُ مِنْ نَائِبِ دِمَشْقَ الْأِفْرَمِ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَيْهِمْ مَشْيَخَةَ الشُّيُوخِ لِلشَّيْخِ صَفِيِّ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ، فَأَذِنَ لَهُ فِي الْمُبَاشَرَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَادِسِ شَوَّالٍ عِوَضًا عَنْ نَاصِرِ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَدَخَلَ السُّلْطَانُ الْقَاهِرَةَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ثَالِثِ عِشْرِينَ شَوَّالٍ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَزُيِّنَتِ الْقَاهِرَةُ. وَفِيهَا جَاءَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ يَوْمَ الْخَمِيسِ بُكْرَةَ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ جُمْهُورُهَا بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، تَلَاطَمَتْ بِسَبَبِهَا الْبِحَارُ، فَكُسِرَتِ الْمَرَاكِبُ، وَتَهَدَّمَتِ الدُّورُ، وَمَاتَ خَلْقٌ كَثِيرٌ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَشَقَّقَتِ الْحِيطَانُ، وَلَمْ يُرَ مِثْلُهَا فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ، وَكَانَ مِنْهَا بِالشَّامِ طَائِفَةٌ، لَكِنْ كَانَ ذَلِكَ أَخَفَّ مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ غَيْرِهَا. وَفِي ذِي الْحِجَّةِ بَاشَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ الْحَاجِّ الْإِشْبِيلِيُّ الْمَالِكِيُّ إِمَامَةَ مِحْرَابِ الْمَالِكِيَّةِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ بَعْدَ وَفَاةِ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ الصِّنْهَاجِيِّ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، الشَّيْخُ الْإِمَامُ، الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ، الْحَافِظُ، قَاضِي الْقُضَاةِ: تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ الْقُشَيْرِيُّ الْمِصْرِيُّ، وُلِدَ يَوْمَ السَّبْتِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ بِسَاحِلِ مَدِينَةِ يَنْبُعَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، سَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَرَحَلَ، وَخَرَّجَ، وَصَنَّفَ فِيهِ - إِسْنَادًا وَمَتْنًا - مُصَنَّفَاتٍ عَدِيدَةً فَرِيدَةً مُفِيدَةً، وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ الْعِلْمِ فِي زَمَانِهِ، وَفَاقَ أَقْرَانَهَ، وَرَحَلَ إِلَيْهِ الطَّلَبَةُ، وَدَرَّسَ فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَمَشْيَخَةَ دَارِ الْحَدِيثِ الْكَامِلِيَّةِ، وَكَانَ وَقُورًا قَلِيلَ
পৃষ্ঠা - ১১৪৫৫
الْكَلَامِ، غَزِيرَ الْفَوَائِدِ، كَثِيرَ الْعُلُومِ فِي دِيَانَةٍ وَنَزَاهَةٍ، وَلَهُ شِعْرٌ رَائِقٌ، تُوُفِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَادِيَ عَشَرَ شَهْرِ صَفَرٍ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْمَذْكُورِ بِسُوقِ الْخَيْلِ، وَحَضَرَ جِنَازَتَهُ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ وَالْأُمَرَاءُ، وَدُفِنَ بِالْقَرَافَةِ الصُّغْرَى رَحِمَهُ اللَّهُ. الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ السَّكَنْدَرِيُّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فَلَاحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، سَمِعَ الْحَدِيثَ، وَتَفَقَّهَ، وَدَرَّسَ بِالْقُوصِيَّةِ، وَأَعَادَ وَأَفْتَى، وَنَابَ فِي الْخَطَابَةِ مُدَّةً، وَفِي الْحُكْمِ عَنِ ابْنِ جَمَاعَةَ، وَكَانَ دَيِّنًا فَاضِلًا، وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ - عَنْ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. وَبَعْدَ شَهْرٍ سَوِيٍّ، كَانَتْ وَفَاةُ الصَّدْرِ كَمَالِ الدِّينِ بْنِ الْعَطَّارِ - كَاتِبِ الدَّرْجِ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً - أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ مَحْمُودِ بْنِ أَبِي الْوَحْشِ أَسَدِ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ فِتْيَانَ الشَّيْبَانِيُّ، كَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ
পৃষ্ঠা - ১১৪৫৬
وَأَحْسَنِهِمْ تَقِيَّةً، وَدُفِنَ بِتُرْبَةٍ لَهُمْ تَحْتَ الْكَهْفِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، وَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَيْهِ لِإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، رَحِمَهُ اللَّهُ. الْمَلِكُ الْعَادِلُ زَيْنُ الدِّينِ كَتْبُغَا، تُوُفِّيَ بِحَمَاةَ نَائِبًا عَلَيْهَا بَعْدَ صَرْخَدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عِيدِ الْأَضْحَى، وَنُقِلَ إِلَى تُرْبَتِهٍ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ غَرْبِيَّ الرِّبَاطِ النَّاصِرِيِّ، يُقَالُ لَهَا: الْعَادِلِيَّةُ، وَهِيَ تُرْبَةٌ مَلِيحَةٌ ذَاتُ شَبَابِيكَ، وَبَوَّابَةٍ، وَمِئْذَنَةٍ، وَلَهُ عَلَيْهَا أَوْقَافٌ دَارَّةٌ عَلَى وَظَائِفَ، مِنْ قِرَاءَةٍ، وَأَذَانٍ، وَإِمَامَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْأُمَرَاءِ الْمَنْصُورِيَّةِ، وَقَدْ مَلَكَ الْبِلَادَ بَعْدَ مَقْتَلِ الْأَشْرَفِ خَلِيلِ بْنِ الْمَنْصُورِ، ثُمَّ انْتَزَعَ الْمُلْكَ لَاجِينُ، وَجَلَسَ فِي قَلْعَةِ دِمَشْقَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى صَرْخَدَ، فَكَانَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ لَاجِينُ، وَأَخَذَ الْمُلْكَ النَّاصِرُ بْنُ قَلَاوُونَ فَاسْتَنَابَهُ بِحَمَاةَ حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُلُوكِ، وَأَعْدَلِهِمْ، وَأَكْثَرِهِمْ بِرًّا، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْأُمَرَاءِ وَالنُّوَّابِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. [ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسَبْعِمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا] ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسَبْعِمِائَةٍ اسْتَهَلَّتْ وَالْحُكَّامُ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَفِي صَفَرٍ تَوَلَّى الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الشَّرِيشِيِّ نَظَرَ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ، وَبَاشَرَهُ مُبَاشَرَةً مَشْكُورَةً، وَسَاوَى بَيْنَ النَّاسِ، وَعَزَلَ نَفْسَهُ فِي رَجَبٍ مِنْهَا. وَفِي شَهْرِ صَفَرٍ تَوَلَّى الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ الذَّهَبِيُّ خَطَابَةَ كَفْرِ بَطْنَا، وَأَقَامَ بِهَا. وَلَمَّا تُوُفِّيَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْفَارِقِيُّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، كَانَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ فِي نَوَاحِي الْبَلْقَاءِ يَكْشِفُ بَعْضَ الْأُمُورِ، فَلَمَّا قَدِمَ تَكَلَّمُوا مَعَهُ فِي وَظَائِفِ الْفَارِقِيِّ، فَعَيَّنَ الْخَطَابَةَ لِشَرَفِ الدِّينِ الْفَزَارِيِّ، وَعَيَّنَ الشَّامِيَّةَ الْبَرَّانِيَّةَ وَدَارَ الْحَدِيثِ لِلشَّيْخِ كَمَالِ الدِّينِ بْنِ الشَّرِيشِيِّ، وَذَلِكَ بِإِشَارَةِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَأَخَذَ مِنْهُ النَّاصِرِيَّةَ لِلشَّيْخِ كَمَالِ الدِّينِ بْنِ الزَّمْلَكَانِيِّ، وَرَسَمَ بِكِتَابَةِ التَّوَاقِيعِ بِذَلِكَ، وَبَاشَرَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ الْإِمَامَةَ وَالْخَطَابَةَ، وَفَرِحَ النَّاسُ بِهِ لِحُسْنِ قِرَاءَتِهِ، وَطِيبِ صَوْتِهِ، وَجَوْدَةِ سِيرَتِهِ، فَلَمَّا كَانَ بُكْرَةُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ثَانِي عِشْرِينَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَصَلَ الْبَرِيدُ مِنْ مِصْرَ صُحْبَةَ الشَّيْخِ صَدْرِ الدِّينِ بْنِ الْوَكِيلِ، وَقَدْ سَبَقَهُ مَرْسُومُ السُّلْطَانِ لَهُ بِجَمِيعِ جِهَاتِ الْفَارِقِيِّ مُضَافًا إِلَى مَا بِيَدِهِ مِنَ التَّدْرِيسَيْنِ، فَاجْتَمَعَ بِنَائِبِ السَّلْطَنَةِ بِالْقَصْرِ، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ إِلَى الْجَامِعِ، فَفُتِحَ لَهُ بَابُ دَارِ الْخَطَابَةِ فَنَزَلَهَا،
পৃষ্ঠা - ১১৪৫৭
وَجَاءَهُ النَّاسُ يُهَنِّئُونَهُ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْقُرَّاءُ وَالْمُؤَذِّنُونَ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ الْعَصْرَ، وَبَاشَرَ الْإِمَامَةَ يَوْمَيْنِ، فَأَظْهَرَ النَّاسُ التَّأَلُّمَ مِنْ صَلَاتِهِ وَخَطَابَتِهِ، وَسَعَوْا فِيهِ إِلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ، فَمَنَعَهُ مِنَ الْخَطَابَةِ، وَأَقَرَّهُ عَلَى التَّدَارِيسِ وَدَارِ الْحَدِيثِ، وَجَاءَ تَوْقِيعٌ سُلْطَانِيٌّ لِلشَّيْخِ شَرَفِ الدِّينِ الْفَزَارِيِّ بِالْخَطَابَةِ، فَخَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَابِعَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى، وَخُلِعَ عَلَيْهِ بِطَرْحَةٍ، وَفَرِحَ النَّاسُ بِهِ، وَأَخَذَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ تَدْرِيسَ الشَّامِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ مِنْ يَدِ ابْنِ الْوَكِيلِ، وَبَاشَرَهَا فِي مُسْتَهَلِّ جُمَادَى الْأُولَى، وَاسْتَقَرَّتْ دَارُ الْحَدِيثِ بِيَدِ ابْنِ الْوَكِيلِ مَعَ مَدْرَسَتَيْهِ الْأُولَيَيْنِ، وَأَظُنُّهُمَا الْعَذْرَاوِيَّةَ، وَالشَّامِيَّةَ الْجَوَّانِيَّةَ. وَوَصَلَ الْبَرِيدُ فِي ثَانِيَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى بِإِعَادَةِ السِّنْجِرِيِّ إِلَى نِيَابَةِ الْقَلْعَةِ، وَتَوْلِيَةِ نَائِبِهَا الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ الْجُوكَنْدَارِ نِيَابَةَ حِمْصَ عِوَضًا عَنْ عِزِّ الدِّينِ الْحَمَوِيِّ، تُوُفِّيَ. وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ ثَانِيَ عَشَرَ رَمَضَانَ قَدِمَتْ ثَلَاثَةُ آلَافِ فَارِسٍ مِنْ مِصْرَ، وَأُضِيفَ إِلَيْهَا أَلْفَانِ مِنْ دِمَشْقَ، وَسَارُوا، فَأَخَذُوا مَعَهُمْ نَائِبَ حِمْصَ الْجُوكَنْدَارَ، وَوَصَلُوا إِلَى حَمَاةَ، فَصَحِبَهُمْ نَائِبُهَا الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ قَبْجَقُ، وَجَاءَ إِلَيْهِمْ أَسَنْدَمُرُ نَائِبُ طَرَابُلُسَ، وَانْضَافَ إِلَيْهِمْ قَرَاسُنْقُرُ نَائِبُ حَلَبَ، وَانْفَصَلُوا كُلُّهُمْ عَنْهَا فَانْفَرَقُوا فِرْقَتَيْنِ، سَارَتْ طَائِفَةٌ صُحْبَةَ قَبْجَقَ إِلَى نَاحِيَةِ مَلَطْيَةَ وَقَلْعَةِ
পৃষ্ঠা - ১১৪৫৮
الرُّومِ، وَالْفِرْقَةُ الْأُخْرَى صُحْبَةَ قَرَاسُنْقُرَ حَتَّى دَخَلُوا الدَّرْبَنْدَاتِ، وَحَاصَرُوا تَلَّ حَمْدُونَ، فَتَسَلَّمُوهُ عَنْوَةً فِي ثَالِثَ عَشَرَ ذِي الْقَعْدَةِ بَعْدَ حِصَارٍ طَوِيلٍ، فَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ بِدِمَشْقَ لِذَلِكَ، وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ مَعَ صَاحِبِ سِيسَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ نَهْرِ جَيْهَانَ إِلَى حَلَبَ، وَبِلَادِ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ إِلَى نَاحِيَتِهِمْ لَهُمْ، وَأَنْ يُعَجِّلُوا حَمْلَ سَنَتَيْنِ، وَوَقَعَتِ الْهُدْنَةُ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ مَا قُتِلَ خَلْقٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْأَرْمَنِ وَرُؤَسَائِهِمْ، وَعَادَتِ الْعَسَاكِرُ إِلَى دِمَشْقَ مُؤَيَّدِينَ مَنْصُورِينَ، ثُمَّ تَوَجَّهَتِ الْعَسَاكِرُ الْمِصْرِيَّةُ صُحْبَةَ مُقَدَّمِهِمْ أَمِيرِ سِلَاحٍ إِلَى مِصْرَ. وَفِي أَوَاخِرِ السَّنَةِ كَانَ مَوْتُ قَازَانَ وَتَوْلِيَةُ أَخِيهِ خَرْبَنْدَا، وَهُوَ مَلِكُ التَّتَرِ قَازَانُ، وَاسْمُهُ مَحْمُودُ بْنُ أَرْغُوَنَ بْنِ أَبْغَا، فِي رَابِعِهِ، أَوْ حَادِيَ عَشَرَهُ، بِالْقُرْبِ مِنْ هَمَذَانَ، وَنُقِلَ إِلَى تُرْبَتِهِ بِتِبْرِيزَ بِمَكَانٍ يُسَمَّى الشَّامَ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ مَاتَ مَسْمُومًا، وَقَامَ فِي الْمُلْكِ بَعْدَهُ أَخُوهُ خَرْبَنْدَا مُحَمَّدُ بْنُ أَرْغُوَنَ، وَلَقَّبُوهُ الْمَلِكَ غِيَاثَ الدِّينِ، وَخُطِبَ لَهُ عَلَى مَنَابِرِ الْعِرَاقِ، وَخُرَاسَانَ، وَتِلْكَ النَّوَاحِي وَالْبِلَادِ. وَحَجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ سَلَّارُ نَائِبُ مِصْرَ، وَفِي صُحْبَتِهِ
পৃষ্ঠা - ১১৪৫৯
أَرْبَعُونَ أَمِيرًا، وَجَمِيعُ أَوْلَادِ الْأُمَرَاءِ، وَحَجَّ مَعَهُمْ وَزِيرُ مِصْرَ الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ الْبَغْدَادِيُّ، وَتَوَلَّى مَكَانَهُ بِالْبِرْكَةِ الْأَمِيرُ نَاصِرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ الشَّيْخِيُّ، وَخَرَجَ سَلَّارُ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ جِدًّا، وَأَمِيرُ رَكْبِ الْمِصْرِيِّينَ الْحَاجُّ أَنَاقُ الْحُسَامِيُّ. وَتَرَكَ الشَّيْخُ صَفِيُّ الدِّينِ مَشْيَخَةَ الشُّيُوخِ، فَوَلِيَهَا الْقَاضِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ الزَّكِيِّ، وَحَضَرَ الْخَانَقَاهْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَادِي عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ ابْنُ صَصْرَى، وَعِزُّ الدِّينِ بْنُ الْقَلَانِسِيِّ، وَالصَّاحِبُ ابْنُ مُيَسَّرٍ، وَالْمُحْتَسِبُ، وَجَمَاعَةٌ. وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ وَصَلَ مِنَ التَّتَرِ مَقْدِمٌ كَبِيرٌ قَدْ هَرَبَ مِنْهُمْ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الْأَمِيرُ بَدْرُ الدِّينِ جَنْكَلِي بْنُ الْبَابَا، وَفِي صُحْبَتِهِ نَحْوٌ مَنْ عَشَرَةٍ، فَحَضَرُوا الْجُمُعَةَ فِي الْجَامِعِ، وَتَوَجَّهُوا إِلَى مِصْرَ، فَأُكْرِمَ، وَأُعْطِيَ إِمْرَةَ أَلْفٍ، وَكَانَ مُقَامُهُ بِبِلَادِ آمِدَ، وَكَانَ يُنَاصِحُ السُّلْطَانَ، وَيُكَاتِبُهُ، وَيُطْلِعُهُ عَلَى عَوْرَاتِ التَّتَرِ، فَلِهَذَا عَظُمَ شَأْنُهُ فِي الدَّوْلَةِ النَّاصِرِيَّةِ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: مَلِكُ التَّتَرِ قَازَانُ بْنُ أَرْغُوَنَ بْنِ أَبْغَا، تَقَدَّمَ. الشَّيْخُ الْقُدْوَةُ الْعَابِدُ الزَّاهِدُ الْوَرِعُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعَالِي بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الرَّقِّيُّ الْحَنْبَلِيُّ، كَانَ أَصْلُهُ مِنْ بِلَادِ الشَّرْقِ، وَمَوْلِدُهُ بِالرَّقَّةِ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَاشْتَغَلَ، وَحَصَّلَ، وَسَمِعَ شَيْئًا مِنَ الْحَدِيثِ، وَقَدِمَ دِمَشْقَ، فَسَكَنَ بِالْمِئْذَنَةِ الشَّرْقِيَّةِ فِي أَسْفَلِهَا بِأَهْلِهِ إِلَى جَانِبِ الطَّهَارَةِ بِالْجَامِعِ، وَكَانَ مُعَظَّمًا عِنْدَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، فَصِيحَ الْعِبَارَةِ، كَثِيرَ الْعِبَادَةِ، خَشِنَ الْعَيْشِ، حَسَنَ الْمُجَالَسَةِ، لِطَيْفَ الْمُفَاكَهَةِ، كَثِيرَ التِّلَاوَةِ، قَوِيَّ التَّوَجُّهِ، مِنْ أَفْرَادِ الْعَالَمِ، عَارِفًا بِالتَّفْسِيرِ، وَالْحَدِيثِ، وَالْفِقْهِ، وَالْأَصْلَيْنِ، وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ وَخُطَبٌ، وَلَهُ شِعْرٌ حَسَنٌ، تُوُفِّيَ بِمَنْزِلِهِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ خَامِسَ عَشَرَ الْمُحَرَّمِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ عُقَيْبَ الْجُمُعَةِ، وَنُقِلَ إِلَى تُرْبَةِ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ بِالسَّفْحِ وَكَانَتْ جِنَازَتُهُ حَافِلَةً رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ. وَفِي هَذَا الشَّهْرِ تُوُفِّيَ الْأَمِيرُ زَيْنُ الدِّينِ قَرَاجَا أُسْتَدَارُ الْأَفْرَمِ، وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِ بِمَيْدَانِ الْحَصَا عِنْدَ النَّهْرِ.
পৃষ্ঠা - ১১৪৬০
وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، عُرِفَ بِابْنِ الْحُبُلِيِّ، كَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، يَتَرَدَّدُ إِلَى عَكَّا أَيَّامَ كَانَتِ الْفِرَنْجُ فِي فِكَاكِ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ، جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، وَعَتَقَهُ مِنَ النَّارِ، وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ. الْخَطِيبُ ضِيَاءُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْخَطِيبِ جَمَالِ الدِّينِ أَبِي الْفَرَجِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَقِيلٍ السُّلَمِيُّ، خَطِيبُ بَعْلَبَكَّ نَحْوًا مِنْ سِتِّينَ سَنَةً بَعْدَ وَالِدِهِ، وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ، وَتَفَرَّدَ عَنِ الْقَزْوِينِيِّ، وَكَانَ رَجُلًا جَيِّدًا، حَسَنَ الْقِرَاءَةِ، مِنْ كِبَارِ الْعُدُولِ، تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ ثَالِثِ صَفَرٍ، وَدُفِنَ بِبَابِ سَطْحَا. الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْفَارِقِيُّ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَرْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فِهْرِ بْنِ الْحَسَنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الْفَارِقِيُّ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَاشْتَغَلَ وَدَرَّسَ فِي عِدَّةِ مَدَارِسَ، وَأَفْتَى مُدَّةً طَوِيلَةً، وَكَانَتْ لَهُ هِمَّةٌ، وَشَهَامَةٌ، وَصَرَامَةٌ، وَكَانَ يُبَاشِرُ الْأَوْقَافَ جَيِّدًا، وَهُوَ الَّذِي عَمَّرَ دَارَ الْحَدِيثِ بَعْدَ خَرَابِهَا زَمَنَ قَازَانَ، وَقَدْ بَاشَرَهَا سَبْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْ بَعْدِ
পৃষ্ঠা - ১১৪৬১
النَّوَوِيِّ إِلَى حِينِ وَفَاتِهِ، وَكَانَتْ مَعَهُ الشَّامِيَّةُ الْبَرَّانِيَّةُ، وَخَطَابَةُ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، بَاشَرَ بِهِ الْخَطَابَةَ قَبْلَ وَفَاتِهِ، وَقَدِ انْتَقَلَ إِلَى دَارِ الْخَطَابَةِ، وَتُوُفِّيَ بِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ ضَحْوَةَ السَّبْتِ ابْنُ صَصْرَى عِنْدَ بَابِ الْخَطَابَةِ، وَبِسُوقِ الْخَيْلِ قَاضِي الْحَنَفِيَّةِ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْحَرِيرِيِّ، وَعِنْدَ جَامِعِ الصَّالِحِيَّةِ قَاضِي الْحَنَابِلَةِ تَقِيُّ الدِّينِ سُلَيْمَانُ، وَدُفِنَ بِتُرْبَةِ أَهْلِهِ شَمَالِيَّ تُرْبَةِ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَبَاشَرَ بَعْدَهُ الْخَطَابَةَ شَرَفُ الدِّينِ الْفَزَارِيُّ، وَمَشْيَخَةَ دَارِ الْحَدِيثِ ابْنُ الْوَكِيلِ، وَالشَّامِيَّةَ الْبَرَّانِيَّةَ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ عِزُّ الدِّينِ أَيْبَكَ الْحَمَوِيُّ، نَابَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً، ثُمَّ عُزِلَ عَنْهَا إِلَى صَرْخَدَ، ثُمَّ نُقِلَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ إِلَى نِيَابَةِ حِمْصَ، وَتُوُفِّيَ بِهَا يَوْمَ الْأَحَدِ الْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَنُقِلَ إِلَى تُرْبَتِهِ بِالسَّفْحِ غَرْبِيَّ زَاوِيَةِ ابْنِ قَوَامٍ، وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ الْحَمَّامُ بِمَسْجِدِ الْقَصَبِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: حَمَّامُ الْحَمَوِيِّ، عَمَرَهُ فِي أَيَّامِ نِيَابَتِهِ. الْوَزِيرُ فَتْحُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرِ بْنِ صَغِيرٍ الْقُرَشِيُّ الْمَخْزُومِيُّ، ابْنُ الْقَيْسَرَانِيِّ، كَانَ شَيْخًا جَلِيلًا، أَدِيبًا شَاعِرًا مُجِيدًا، مِنْ بَيْتِ الرِّيَاسَةِ وَالْوِزَارَةِ، وَقَدْ وَلِيَ وِزَارَةِ دِمَشْقَ مُدَّةً، ثُمَّ أَقَامَ بِمِصْرَ مُوَقِّعًا مُدَّةً، وَكَانَ لَهُ اعْتِنَاءٌ بِعُلُومِ الْحَدِيثِ وَسَمَاعِهِ