আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১১১৪১
[ثُمَّ دَخَلَتْ سُنَّةُ ثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] اسْتَهَلَّتْ وَالْخَلِيفَةُ الْحَاكِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ الْعَبَّاسِيُّ، وَسُلْطَانُ الْإِسْلَامِ الذَّابُّ عَنْ حَوْزَتِهِ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ رُكْنُ الدِّينِ بِيبَرْسُ الْبُنْدُقْدَارِيُّ - أَيَّدَهُ اللَّهُ وَشَدَّ عَضُدَهُ - وَنَائِبُ الشَّامِ الْأَمِيرُ جَمَالُ الدِّينِ آقُوشُ النَّجِيبِيُّ، وَقَاضِيهِ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ خَلِّكَانَ. وَفِيهَا فِي أَوَّلِهَا كَمَلَتِ الْمَدْرَسَةُ الظَّاهِرِيَّةُ الَّتِي بَيْنَ الْقَصْرَيْنِ، وَرُتِّبَ لِتَدْرِيسِ الشَّافِعِيَّةِ بِهَا الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ رَزِينٍ، وَلِتَدْرِيسِ الْحَنَفِيَّةِ مَجْدُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَمَالِ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ الْعَدِيمِ، وَلِمَشْيَخَةِ الْحَدِيثِ بِهَا الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ الْحَافِظُ الدِّمْيَاطِيُّ. وَفِيهَا عَمَّرُ الظَّاهِرُ بِالْقُدْسِ الشَّرِيفِ خَانًا، وَوَقَفَ عَلَيْهِ أَوْقَافًا لِلنَّازِلِينَ بِهِ مِنْ إِصْلَاحِ نِعَالِهِمْ وَأَكْلِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبَنَى بِهِ طَاحُونًا وَفُرْنًا. وَفِيهَا قَدِمَتْ رُسُلُ الْمَلِكِ بَرَكَةَ قَانَ إِلَى الْمَلِكِ الظَّاهِرِ، وَمَعَهُمُ الْأَشْرَفُ بْنُ شِهَابِ الدِّينِ غَازِي بْنِ الْعَادِلِ، وَمَعَهُمْ مِنَ الْكُتُبِ وَالْمُشَافِهَاتِ مَا فِيهِ سُرُورٌ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ مِمَّا حَلَّ بِهِولَاكُوَ وَأَهْلِهِ.
পৃষ্ঠা - ১১১৪২
وَفِي جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْهَا دَرَّسَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ بِدَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ، بَعْدَ وَفَاةِ الْقَاضِي عِمَادِ الدِّينِ بْنِ الْحَرَسْتَانِيِّ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ ابْنُ خَلِّكَانَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُضَلَاءِ وَالْأَعْيَانِ، وَذَكَرَ خُطْبَةَ كِتَابِهِ " الْمَبْعَثِ " وَأَوْرَدَ الْحَدِيثَ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَذَكَرَ فَوَائِدَ كَثِيرَةً مُسْتَحْسَنَةً، وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يُرَاجِعْ شَيْئًا حَتَّى أَوْرَدَ دَرْسَهُ، وَمِثْلُهُ لَا يُسْتَكْثَرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِيهَا قَدِمَ نَصِيرُ الدِّينِ الطُّوسِيُّ إِلَى بَغْدَادَ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ هُولَاكُو قَانَ، فَنَظَرَ فِي الْأَوْقَافِ وَأَحْوَالِ الْبَلَدِ، وَأَخَذَ كُتُبًا كَثِيرَةً مِنْ سَائِرِ الْمَدَارِسِ، وَحَوَّلَهَا إِلَى الرَّصْدِ الَّذِي بَنَاهُ بِمَرَاغَةَ، ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَى وَاسِطٍ وَالْبَصْرَةِ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا] وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ مُوسَى بْنِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمَلِكِ الْمُجَاهِدِ أَسَدِ الدِّينِ شِيرْكُوهِ بْنِ نَاصِرِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدِ الدِّينِ شِيرْكُوهُ الْكَبِيرِ كَانُوا مُلُوكَ حِمْصَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ إِلَى هَذَا الْحِينِ، وَقَدْ كَانَ مِنَ الْكُرَمَاءِ الْمَوْصُوفِينَ، وَالْكُبَرَاءِ الدَّمَاشِقَةِ الْمُتْرَفِينَ، وَيَعْتَنِي بِالْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ، وَالْمَلَابِسِ وَالْمَرَاكِبِ، وَقَضَاءِ الشَّهَوَاتِ وَالْمَآرِبِ، وَكَثْرَةِ التَّنَعُّمِ بِالْمَغَانِي وَالْحَبَائِبِ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ وُجِدَتْ لَهُ
পৃষ্ঠা - ১১১৪৩
حَوَاصِلُ مِنَ الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ وَالْأَمْوَالِ الْكَثِيرَةِ، وَعَادَ مُلْكُهُ إِلَى الدَّوْلَةِ الظَّاهِرِيَّةِ. وَتُوُفِّيَ مَعَهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْأَمِيرُ حُسَامُ الدِّينِ الْجُوكَنْدَارُ نَائِبُ حَلَبَ. وَفِيهَا كَانَتْ كَسْرَةُ التَّتَارِ عَلَى حِمْصَ، وَقُتِلَ مُقَدَّمُهُمْ بَيْدَرَةُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ الْحَسَنِ الْجَمِيلِ. وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ الرَّشِيدِ الْعَطَّارِ الْمُحَدِّثِ بِمِصْرَ، وَالَّذِي حَضَرَ مَسْخَرَةَ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ مُوسَى بْنِ الْعَادِلِ. وَالتَّاجِرِ الْمَشْهُورِ الْحَاجِّ نَصْرِ بْنِ تُرُوسَ، وَكَانَ مُلَازِمًا لِلصَّلَوَاتِ بِالْجَامِعِ، وَكَانَ مِنْ ذَوِي الْيَسَارِ وَالْخَيْرِ. الْخَطِيبُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ الْحَرَسْتَانِيِّ: عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالِ الدِّينِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَرَسْتَانِيِّ كَانَ خَطِيبًا بِدِمَشْقَ، وَنَابَ فِي الْحُكْمِ عَنْ أَبِيهِ فِي الدَّوْلَةِ الْأَشْرَفِيَّةِ بَعْدَ ابْنِ الصَّلَاحِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي دَارِ الْخَطَابَةِ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَدُفِنَ عِنْدَ أَبِيهِ بِقَاسِيُونَ، وَكَانَتْ جِنَازَتُهُ حَافِلَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ بِخَمْسِ سِنِينَ، وَقَدْ تَوَلَّى بَعْدَهُ الْخَطَابَةَ وَالْغَزَّالِيَّةَ وَلَدُهُ مُجِيرُ
পৃষ্ঠা - ১১১৪৪
الدِّينِ، وَبَاشَرَ مَشْيَخَةَ دَارِ الْحَدِيثِ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ. مُحْيِي الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سُرَاقَةَ الْحَافِظُ الْمُحَدِّثُ الْأَنْصَارِيُّ الشَّاطِبِيُّ، أَبُو بَكْرٍ الْمَغْرِبِيُّ عَالِمٌ فَاضِلٌ دَيِّنٌ، وَأَقَامَ بِحَلَبَ مُدَّةً، ثُمَّ اجْتَازَ بِدِمَشْقَ قَاصِدًا الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ. وَقَدْ وَلِيَ دَارَ الْحَدِيثِ الْكَامِلِيَّةَ بَعْدَ زَكِيِّ الدِّينِ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْمُنْذِرِيِّ، وَقَدْ كَانَ لَهُ سَمَاعٌ جَيِّدٌ بِبَغْدَادَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ، وَقَدْ جَاوَزَ السَّبْعِينَ. الشَّيْخُ الصَّالِحُ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ الْقَبَّارِيُّ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ ، كَانَ مُقِيمًا بِغَيْطٍ لَهُ يَقْتَاتُ مِنْهُ وَيَعْمَلُ فِيهِ وَيَبْدُرُهُ، وَيَتَوَرَّعُ جِدًّا، وَيُطْعِمُ النَّاسَ مِنْ ثِمَارِهِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي سَادِسِ شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَلَهُ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَكَانَ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَرْدَعُ الْوُلَاةَ عَنِ الظُّلْمِ فَيَسْمَعُونَ مِنْهُ وَيُطِيعُونَهُ، وَإِذَا جَاءَ النَّاسُ إِلَى زِيَارَتِهِ إِنَّمَا يُكَلِّمُهُمْ مِنْ طَاقَةِ الْمَنْزِلِ، وَهُمْ رَاضُونَ مِنْهُ بِذَلِكَ. وَمِنْ غَرِيبِ مَا حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ بَاعَ دَابَّةً لَهُ مِنْ رَجُلٍ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ جَاءَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا سَيِّدِي إِنَّ الدَّابَّةَ لَا تَأْكُلُ عِنْدِي شَيْئًا. فَنَظَرَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ فَقَالَ لَهُ: مَا تُعَانِي مِنَ الصَّنَائِعِ؟ فَقَالَ: إِنَّ
পৃষ্ঠা - ১১১৪৫
دَابَّتَنَا لَا تَأْكُلُ الْحَرَامَ. وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَأَعْطَاهُ دَرَاهِمَهُ وَمَعَهَا دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ قَدِ اخْتَلَطَتْ بِهَا فَلَا تُمَيَّزُ، فَاشْتَرَى النَّاسُ مِنَ الرَّقَّاصِ كُلَّ دِرْهَمٍ بِثَلَاثَةٍ لِأَجْلِ الْبَرَكَةِ، وَأَخَذَ دَابَّتَهُ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ تَرَكَ مِنَ الْأَثَاثِ مَا يُسَاوِي خَمْسِينَ دِرْهَمًا، فَأُبِيعُ بِمَبْلَغِ عِشْرِينَ أَلْفًا. قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَفِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ تُوُفِّيَ مُحْيِي الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفِيِّ الدِّينِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَرْزُوقٍ بِدَارِهِ بِدِمَشْقَ الْمُجَاوِرَةِ لِلْمَدْرَسَةِ النُّورِيَّةِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. قُلْتُ: دَارُهُ هَذِهِ هِيَ الَّتِي جُعِلَتْ مَدْرَسَةً لِلشَّافِعِيَّةِ، وَقَفَهَا الْأَمِيرُ جَمَالُ الدِّينِ آقُوشُ النَّجِيبِيُّ، الَّتِي يُقَالُ لَهَا: النَّجِيبِيَّةُ. تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ، وَبِهَا إِقَامَتُنَا، جَعَلَهَا اللَّهُ دَارًا تَعْقُبُهَا دَارُ الْقَرَارِ فِي الْفَوْزِ الْعَظِيمِ. وَقَدْ كَانَ أَبُوهُ صَفِيُّ الدِّينِ وَزِيرًا مُدَّةً لِلْمَلِكِ الْأَشْرَفِ، وَمَلَكَ مِنَ الذَّهَبِ سِتَّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ خَارِجًا عَنِ الْأَمْلَاكِ وَالْأَثَاثِ وَالْبَضَائِعِ، وَكَانَتْ وَفَاةُ أَبِيهِ بِمِصْرَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ، وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِ عِنْدَ جَبَلِ الْمُقَطَّمِ. رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَجَاءَ الْخَبَرُ مِنْ مِصْرَ بِوَفَاةِ الْفَخْرِ عُثْمَانَ الْمِصْرِيِّ الْمَعْرُوفِ بِعَيْنِ عَيْنٍ.
পৃষ্ঠা - ১১১৪৬
قَالَ: وَفِي ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ تُوُفِّيَ الشَّمْسُ الْوَتَّارُ الْمُوصِلِيُّ، وَكَانَ قَدْ حَصَّلَ شَيْئًا مِنْ عِلْمِ الْأَدَبِ، وَخَطَبَ بِجَامِعِ الْمِزَّةِ مُدَّةً. فَأَنْشَدَنِي لِنَفْسِهِ فِي الشَّيْبِ وَخِضَابِهِ: وَكُنْتُ وَإِيَّاهَا مُذِ اخْتَطَّ عَارِضِي ... كَرُوحَيْنِ فِي جِسْمٍ وَمَا نَقَضَتْ عَهْدَا فَلَمَّا أَتَانِي الشَّيْبُ يَقْطَعُ بَيْنَنَا ... تَوَهَّمْتُهُ سَيْفًا فَأَلْبَسْتُهُ غِمْدَا وَفِيهَا اسْتَحْضَرَ الْمَلِكُ هُولَاكُوقَانَ مَلِكُ التَّتَارِ الزَّيْنَ الْحَافِظِيَّ، وَهُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُؤَيَّدِ بْنِ عَامِرٍ الْعَقْرَبَانِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالزَّيْنِ الْحَافِظِيِّ، وَقَالَ لَهُ: قَدْ ثَبَتَ عِنْدِي خِيَانَتُكَ. وَقَدْ كَانَ هَذَا الْمُغْتَرُّ لَمَّا قَدِمَ التَّتَارُ مَعَ هُولَاكُو دِمَشْقَ وَغَيْرَهَا مَالَأَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَآذَاهُمْ، وَدَلَّ عَلَى عَوَرَاتِهِمْ، حَتَّى سَلَّطَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ وَالْمَثُلَاتِ {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا} [الأنعام: 129] . وَفِي الْجُمْلَةِ مَنْ أَعَانَ ظَالِمًا سُلِّطَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْتَقِمُ مِنَ الظَّالِمِ بِالظَّالِمِ، ثُمَّ يَنْتَقِمُ مِنَ الظَّالِمِينَ جَمِيعًا، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنَ انْتِقَامِهِ وَغَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ.
পৃষ্ঠা - ১১১৪৭
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا جَهَّزَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ عَسْكَرًا جَمًّا كَثِيفًا إِلَى نَاحِيَةِ الْفُرَاتِ لِطَرْدِ التَّتَارِ النَّازِلِينَ بِالْبِيرَةِ، فَلَمَّا سَمِعُوا بِالْعَسَاكِرِ الظَّاهِرِيَّةَ قَدْ أَقْبَلَتْ تَوَلَّوْا عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْهَزِمِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَطَابَتْ تِلْكَ النَّاحِيَةُ وَأَمِنَتْ تِلْكَ الْمُعَامَلَةُ، وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَا تَسْكُنُ مِنْ كَثْرَةِ الْفَسَادِ بِهَا وَالْخَوْفِ، فَعَمَرَتْ وَأَمِنَتْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَفِيهَا خَرَجَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ فِي عَسَاكِرَ أُخَرَ عَظِيمَةٍ، فَقَصَدَ بِلَادَ السَّاحِلِ لِحِصَارِ الْفِرِنْجِ، فَفَتَحَ قَيْسَارِيَّةَ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ ثَامِنِ جُمَادَى الْأُولَى وَهُوَ يَوْمُ نُزُولِهِ عَلَيْهَا، وَتَسَلَّمَ قَلْعَتَهَا فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الْآخَرِ خَامِسَ عَشَرَةَ فَهَدَمَهَا، وَانْتَقَلَ إِلَى غَيْرِهَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرُ بِأَنَّهُ فَتَحَ مَدِينَةَ أَرْسُوفَ، وَقَتَلَ مَنْ بِهَا مِنَ الْفِرِنْجِ، وَجَاءَتِ الْبَرِيدِيَّةُ بِذَلِكَ، فَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَفَرِحُوا بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا. وَفِيهَا وَرَدَ خَبَرٌ مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ بِأَنَّهُمُ انْتَصَرُوا عَلَى الْفِرِنْجِ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ وَأَسَرُوا عَشْرَةَ آلَافٍ، وَاسْتَرْجَعُوا مِنْهُمُ ثْنَتَيْنِ
পৃষ্ঠা - ১১১৪৮
وَثَلَاثِينَ بَلْدَةً مِنْهَا شَرِيشُ وَإِشْبِيلِيَّةُ وَقُرْطُبَةُ وَمُرْسِيَةُ، وَكَانَتِ النُّصْرَةُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ. وَفِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ شُرِعَ فِي تَبْلِيطِ بَابِ الْبَرِيدِ مِنْ بَابِ الْجَامِعِ إِلَى الْقَنَاةِ الَّتِي عِنْدَ الدَّرَجِ، وَعَمِلَ فِي الصَّفِّ الْقِبْلِيِّ مِنْهَا بَرَكَةُ وَشَاذِرْوَانُ. وَكَانَ فِي مَوْضِعِهَا قَنَاةٌ مِنَ الْقَنَوَاتِ يَنْتَفِعُ النَّاسُ بِهَا عِنْدَ انْقِطَاعِ نَهْرِ بَانِيَاسَ، فَغُيِّرَتْ وَعُمِلَ هَذَا الشَّاذِرْوَانُ. قُلْتُ: ثُمَّ غُيِّرَ ذَلِكَ وَعُمِلَ مَكَانَهُ دَكَاكِينُ. وَفِيهَا اسْتَدْعَى السُّلْطَانُ نَائِبَهُ عَلَى دِمَشْقَ الْأَمِيرَ جَمَالَ الدِّينِ آقُوشَ النَّجِيبِيَّ، فَسَارَ إِلَيْهِ سَمْعًا وَطَاعَةً، وَقَدْ نَابَ عَنْهُ الْأَمِيرُ عَلَمُ الدِّينِ الْحِصْنِيُّ حَتَّى عَادَ مُكَرَّمًا مُعَزَّزًا. وَفِيهَا وَلَّى السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ قُضَاةً فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مُسْتَقِلِّينَ، يُوَلُّونَ مِنْ جِهَتِهِمْ فِي الْبُلْدَانِ أَيْضًا كَمَا يُوَلِّي الشَّافِعِيُّ، فَكَانَ لِلشَّافِعِيَّةِ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الْوَهَّابِ ابْنُ بِنْتِ الْأَعَزِّ، وَتَوَلَّى قَضَاءَ الْحَنَفِيَّةِ شَمْسُ الدِّينِ سُلَيْمَانُ، وَقَضَاءَ الْمَالِكِيَّةِ شَمْسُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ، وَالْحَنَابِلَةَ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ الْمَقْدِسِيُّ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّانِيَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ بِدَارِ الْعَدْلِ،
পৃষ্ঠা - ১১১৪৯
وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ كَثْرَةُ تَوَقُّفِ الْقَاضِيَ تَاجِ الدِّينِ ابْنِ بِنْتِ الْأَعَزِّ فِي أُمُورٍ تُخَالِفُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ، وَتُوَافِقُ غَيْرَهُ مِنَ الْمَذَاهِبِ، فَأَشَارَ الْأَمِيرُ جَمَالُ الدِّينِ أَيْدُغْدِي الْعَزِيزِيُّ عَلَى السُّلْطَانِ بِأَنْ يُوَلِّيَ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ قَاضِيَ قُضَاةٍ، وَكَانَ يُحِبُّ رَأْيَهُ وَمَشُورَتَهُ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ فَفَعَلَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَبَعَثَ بِأَخْشَابٍ وَرَصَاصٍ وَآلَاتٍ كَثِيرَةٍ لِعِمَارَةِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرْسَلَ مِنْبَرًا فَنُصِبَ هُنَالِكَ. وَفِيهَا وَقَعَ حَرِيقٌ عَظِيمٌ بِبِلَادِ مِصْرَ، وَاتُّهِمَ النَّصَارَى، فَعَاقَبَهُمُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ عُقُوبَةً عَظِيمَةً. وَفِيهَا جَاءَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ سُلْطَانَ التَّتَارِ هُولَاكُو هَلَكَ إِلَى لَعْنَةِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ فِي سَابِعِ رَبِيعٍ الْآخِرِ بِمَرَضِ الصَّرَعِ بِمَدِينَةِ مَرَاغَةَ، وَدُفِنَ بِقَلْعَةِ تَلَا، وَبُنِيَتْ عَلَيْهِ قُبَّةٌ وَاجْتَمَعْتِ التَّتَارُ عَلَى وَلَدِهِ أَبْغَا، فَقَصَدَهُ الْمَلِكُ بَرَكَةُ خَانَ، فَكَسَرَهُ وَفَرَّقَ جُمُوعَهُ، فَفَرِحَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَعَزَمَ عَلَى جَمْعِ الْعَسَاكِرِ لِيَأْخُذَ بِلَادَ الْعِرَاقِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ لِتَفَرُّقِ الْعَسَاكِرِ فِي الْإِقْطَاعَاتِ. وَفِيهَا فِي ثَانِي عَشَرَ شَوَّالٍ سَلْطَنَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ وَلَدَهُ الْمَلِكَ السَّعِيدَ مُحَمَّدَ بَرَكَةَ قَانَ، وَأَخَذَ لَهُ الْبَيْعَةَ مِنَ الْأُمَرَاءِ، وَأَرْكَبَهُ وَمَشَى الْأُمَرَاءُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَحَمَلَ وَالِدُهُ الْغَاشِيَةَ بِنَفْسِهِ، وَالْأَمِيرُ بَدْرُ الدِّينِ بِيَسْرِي الشَّمْسِيُّ حَامِلٌ الْجِتَرَ،
পৃষ্ঠা - ১১১৫০
وَالْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ ابْنُ بِنْتِ الْأَعَزِّ وَالْوَزِيرُ بَهَاءُ الدِّينِ بْنُ حِنَّا رَاكِبَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَعْيَانُ الْأُمَرَاءِ رُكْبَانٌ وَبَقِيَّتُهُمْ مُشَاةٌ حَتَّى شَقُّوا الْقَاهِرَةَ وَهُمْ كَذَلِكَ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا. وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ خَتَنَ السُّلْطَانُ وَلَدَهُ الْمَلِكَ السَّعِيدَ الْمَذْكُورَ، وَخَتَنَ مَعَهُ جَمَاعَةً مِنْ أَوْلَادِ الْأُمَرَاءِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا: الزَّيْنُ خَالِدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ النَّابُلُسِيُّ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْحَافِظُ، شَيْخُ دَارِ الْحَدِيثِ النُّورِيَّةِ بِدِمَشْقَ، كَانَ عَالِمًا بِصِنَاعَةِ الْحَدِيثِ، حَافِظًا لِأَسْمَاءِ الرِّجَالِ، اشْتَغَلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَاوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَتَوَلَّى بَعْدَهُ مَشْيَخَةَ النُّورِيَّةِ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيُّ، وَكَانَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ حَسَنَ الْأَخْلَاقِ، فَكِهَ النَّفْسِ، كَثِيرَ الْمِزَاحِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَدِّثِينَ، وَكَانَ قَدْ رَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ، فَاشْتَغَلَ بِهَا، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَكَانَ فِيهِ خَيْرٌ وَصَلَاحٌ وَعِبَادَةٌ، وَكَانَتْ جِنَازَتُهُ حَافِلَةً، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ بَابِ الصَّغِيرِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ الْحُوَّارِيُّ هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْأُمَوِيُّ الشَّيْخُ الْمَشْهُورُ صَاحِبُ الزَّاوِيَةِ بِحُوَّارَى، تُوفِّيَ بِبَلَدِهِ،
পৃষ্ঠা - ১১১৫১
وَكَانَ خَيِّرًا صَالِحًا، لَهُ أَتْبَاعٌ وَأَصْحَابٌ يُحِبُّونَهُ، وَلَهُ مُرِيدُونَ كَثِيرٌ مِنْ قَرَايَا حَوْرَانَ فِي الْجُبَيْلِ وَالْبَثَنِيَّةِ، وَهُمْ حَنَابِلَةٌ لَا يَرَوْنَ الضَّرْبَ بِالدُّفِّ بَلْ بِالْكَفِّ، وَهُمْ أَمْثَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ. الْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ الْكُرْدِيُّ السِّنْجَارِيُّ الَّذِي بَاشَرَ الْقَضَاءَ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مِرَارًا وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِالْقَاهِرَةِ. قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَكَانَتْ سِيرَتُهُ مَعْرُوفَةً فِي أَخْذِ الرِّشَا مِنْ قُضَاةِ الْأَطْرَافِ وَالشُّهُودِ وَالْمُتَحَاكِمِينَ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ جَوَادًا كَرِيمًا صُودِرَ هُوَ وَأَهْلُهُ.
পৃষ্ঠা - ১১১৫২
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] اسْتَهَلَّتْ وَالْخَلِيفَةُ الْحَاكِمُ الْعَبَّاسِيُّ، وَسُلْطَانُ الْمُسْلِمِينَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ، وَقُضَاةُ مِصْرَ أَرْبَعَةٌ. وَفِيهَا اسْتُجِدَّ بِدِمَشْقَ أَرْبَعَةُ قُضَاةٍ، كَمَا فُعِلَ فِي الْعَامِ الْمَاضِي فِي دِيَارِ مِصْرَ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ، وَنَائِبُ الشَّامِ آقُوشُ النَّجِيبِيُّ، وَفِيهَا وَرَدَتِ الْوِلَايَاتُ لِقَضَاءِ الْقُضَاةِ مِنَ الْمَذَاهِبِ; فَصَارَ كُلُّ مَذْهَبٍ فِيهِ قَاضِي قُضَاةٍ، فَكَانَ فِي مَنْصِبِ الشَّافِعِيَّةِ شَمْسُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَلِّكَانَ الْبَرْمَكِيُّ، وَصَارَ عَلَى قَضَاءِ الْحَنَفِيَّةِ شَمْسُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَا، وَالْحَنَابِلَةِ شَمْسُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ قُدَامَةَ، وَلِلْمَالِكِيَّةِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ الزَّوَاوِيِّ، وَقَدِ امْتَنَعَ مِنَ الْوِلَايَةِ، فَأُلْزِمَ بِهَا حَتَّى قَبِلَ، ثُمَّ عَزَلَ نَفْسَهُ، ثُمَّ أُلْزِمَ بِهَا فَقَبِلَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُبَاشِرَ أَوْقَافًا، وَلَا يَأْخُذَ جَامَكِيَّةً عَلَى أَحْكَامِهِ، فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَاضِي الْحَنَابِلَةِ لَمْ يَأْخُذْ عَلَى أَحْكَامِهِ أَجْرًا وَقَالَ: نَحْنُ فِي كِفَايَةٍ. فَأُعْفِيَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا، رَحِمَهُمُ اللَّهُ. وَقَدْ كَانَ هَذَا الصَّنِيعُ الَّذِي لَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهِ قَدْ فُعِلَ فِي الْعَامِ الْمَاضِي بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَيْضًا، وَاسْتَقَرَّتِ الْأَحْوَالُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
পৃষ্ঠা - ১১১৫৩
وَفِيهَا كَمَلَ عِمَارَةُ الْحَوْضِ الَّذِي شَرْقِيَّ قَنَاةِ بَابِ الْبَرِيدِ، وَعُمِلَ لَهُ شَاذِرْوَانُ، وَفِيهِ أَنَابِيبُ يُجْرَى فِيهَا الْمَاءُ مِنَ الْقَنَاةِ الَّتِي هِيَ غَرْبِيُّهُ إِلَى جَانِبِ الدَّرَجِ الشَّمَالِيَّةِ. وَفِيهَا قَدِمَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ بِعَسَاكِرِهِ وَنَازَلَ مَدِينَةَ صَفَدَ، وَاسْتَدْعَى بِالْمَجَانِيقِ مِنْ دِمَشْقَ وَأَحَاطَ بِهَا وَلَمْ يَزَلْ حَتَّى افْتَتَحَهَا، وَنَزَلَ أَهْلُهَا عَلَى حُكْمِهِ، فَتَسَلَّمَ الْبَلَدَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثَامِنَ عَشَرَ شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ، وَقَدْ كَانَ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ افْتَتَحَهَا فِي شَوَّالٍ أَيْضًا فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، ثُمَّ اسْتَعَادُوهَا أَيْضًا فَانْتَزَعَهَا مِنْهُمْ قَسْرًا وَقَهْرًا الْمَلِكُ الظَّاهِرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَكَانَ السُّلْطَانُ فِي نَفْسِهِ مِنْهُمْ شَيْءُ كَثِيرٌ، فَلَمَّا تَوَجَّهَ إِلَى فَتْحِهَا طَلَبُوا الْأَمَانَ، فَأَجْلَسَ عَلَى سَرِيرِ مَمْلَكَتِهِ الْأَمِيرَ سَيْفَ الدِّينِ كَرْمُونَ التَّتَرِيَّ، وَجَاءَتْ رُسُلُهُمْ، فَحَلَّفُوهُ وَانْصَرَفُوا، وَلَا يَشْعُرُونَ أَنَّ الَّذِي أَعْطَاهُمُ الْعُهُودَ بِالْأَمَانِ إِنَّمَا هُوَ الْأَمِيرُ الَّذِي أَجْلَسَهُ عَلَى السَّرِيرِ، وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ، فَلَمَّا خَرَجَتِ الْإِسْبِتَارِيَّةُ وَالدَّاوِيَّةُ مِنَ الْقَلْعَةِ وَقَدْ فَعَلُوا بِالْمُسْلِمِينَ الْأَفَاعِيلَ، فَأَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُمْ، فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِضَرْبِ أَعْنَاقِهِمْ عَنْ آخِرِهِمْ، وَجَاءَتِ الْبَشَائِرُ إِلَى الْقِلَاعِ بِذَلِكَ، فَدُقَّتِ الْبَشَائِرُ وَزُيِّنَتِ الْبِلَادُ وَفَرِحَ الْعِبَادُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، ثُمَّ بُثَّتِ السَّرَايَا يَمِينًا وَشِمَالًا فِي بِلَادِ الْفِرِنْجِ، فَاسْتَوْلَى الْمُسْلِمُونَ عَلَى حُصُونٍ كَثِيرَةٍ تُقَارِبُ عِشْرِينَ حِصْنًا،
পৃষ্ঠা - ১১১৫৪
وَأَسَرُوا قَرِيبًا مِنْ أَلْفِ أَسِيرٍ مَا بَيْنَ امْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ، وَغَنِمُوا شَيْئًا كَثِيرًا، وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ فِي الْبُلْدَانِ، وَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ وَتَأْيِيدِهِ. وَفِيهَا قَدِمَ وَلَدُ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَعْصِمِ بْنِ الْمُسْتَنْصِرِ بْنِ الظَّاهِرِ بْنِ النَّاصِرِ الْعَبَّاسِيُّ - وَاسْمُهُ عَلِيٌّ - إِلَى دِمَشْقَ، فَأُكْرِمَ وَأُنْزِلَ بِالدَّارِ الْأَسَدِيَّةِ تُجَاهَ الْمَدْرَسَةِ الْعَزِيزِيَّةِ، وَقَدْ كَانَ أَسِيرًا فِي أَيْدِي التَّتَارِ، فَلَمَّا كَسَرَهُمْ بَرَكَةُ خَانَ تَخَلَّصَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَصَارَ إِلَى دِمَشْقَ، وَلَمَّا فَتَحَ السُّلْطَانُ صَفَدَ أَخْبَرَهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ بِهَا مَنْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ أَنَّ سَبَبَ أَسْرِهِمْ أَنَّ أَهْلَ قَرْيَةِ قَارَا كَانُوا يَأْخُذُونَهُمْ فَيَحْمِلُونَهُمْ إِلَى الْفِرِنْجِ، فَيَبِيعُونَهُمْ مِنْهُمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ رَكِبَ السُّلْطَانُ قَاصِدًا قَارَا، فَأَوْقَعَ بِهِمْ بَأْسًا شَدِيدًا وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَأَسَرَ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ أَخْذًا بِثَأْرِ الْمُسْلِمِينَ، جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا. ثُمَّ أَرْسَلَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ جَيْشًا هَائِلًا إِلَى بِلَادِ سِيسَ، فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَفَتَحُوا سِيسَ عَنْوَةً، وَأَسَرُوا ابْنَ مَلِكِهَا وَقَتَلُوا أَخَاهُ، وَنَهَبُوهَا وَقَتَلُوا أَهْلَهَا، وَأَخَذُوا بِثَأْرِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ مِنْهُمْ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَضَرَّ شَيْءٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ زَمَنَ التَّتَارِ، لَمَّا أَخَذُوا مَدِينَةَ حَلَبَ وَغَيْرَهَا أَسَرُوا مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَطْفَالِهِمْ خَلْقًا كَثِيرًا وَجَمًّا غَفِيرًا، ثُمَّ كَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ يُغِيرُونَ عَلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَنِ هُولَاكُو، فَكَبَتَهُ اللَّهُ وَأَهَانَهُ عَلَى يَدَيْ أَنْصَارِ الْإِسْلَامِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ كَثِيرًا دَائِمًا، وَكَانَتِ النُّصْرَةُ عَلَيْهِمْ فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ الْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَجَاءَتِ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ إِلَى الْبِلَادِ وَضُرَبَتِ الْبَشَائِرُ.
পৃষ্ঠা - ১১১৫৫
وَفِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ دَخَلَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ دِمَشْقَ الْمَحْرُوسَةَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ ابْنُ صَاحِبِ سِيسَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مُلُوكِ الْأَرْمَنِ أُسَارَى أَذِلَّاءَ صَغَرَةً وَالْعَسَاكِرُ صُحْبَتُهُ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا. ثُمَّ سَارَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا مَسْرُورًا مَحْبُورًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَطَلَبَ صَاحِبُ سِيسَ أَنْ يُفَادِيَ وَلَدَهُ مِنَ السُّلْطَانِ فَقَالَ: لَا نُفَادِيهِ إِلَّا بِأَسِيرٍ لَنَا عِنْدَ التَّتَارِ يُقَالُ لَهُ: سُنْقُرَ الْأَشْقَرَ. فَذَهَبً صَاحِبُ سِيسَ إِلَى مَلِكِ التَّتَرِ، فَتَذَلَّلَ وَتَخَضَّعَ لَهُ، حَتَّى أَطْلَقَ لَهُ سُنْقُرَ الْأَشْقَرَ فَأَطْلَقَ السُّلْطَانُ ابْنَ صَاحِبِ سِيسَ. وَفِيهَا عَمَّرَ الظَّاهِرُ الْجِسْرَ الْمَشْهُورَ بَيْنَ قَرَاوَا وَدَامِيَةَ، تَوَلَّى عِمَارَتَهُ الْأَمِيرُ جَمَالُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ نَهَارٍ وَبَدْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ رِحَالٍ وَالِي نَابُلُسَ وَالْأَغْوَارِ، وَلَمَّا تَمَّ بِنَاؤُهُ اضْطَرَبَ بَعْضُ أَرْكَانِهِ، فَقَلِقَ السُّلْطَانُ لِذَلِكَ، وَأَمَرَ بِتَأْكِيدِهِ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا مِنْ قُوَّةِ جَرْىِ الْمَاءِ حِينَئِذٍ، فَاتَّفَقَ بِإِذْنِ اللَّهِ أَنِ انْسَالَتْ عَلَى النَّهْرِ أَكَمَةٌ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، فَسَكَنَ الْمَاءُ بِمِقْدَارِ مَا أَصْلَحُوا مَا يُرِيدُونَ، ثُمَّ عَادَ الْمَاءُ كَمَا كَانَ، وَذَلِكَ بِتَيْسِيرِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ وَعِنَايَتِهِ الْعَظِيمَةِ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا: أَيْدُغْدِي بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، الْأَمِيرُ جَمَالُ الدِّينِ الْعَزِيزِيُّ كَانَ مِنْ
পৃষ্ঠা - ১১১৫৬
أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ وَأَحْظَاهُمْ عِنْدَ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ، لَا يَكَادُ يَخْرُجُ عَنْ رَأْيِهِ، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَيْهِ بِوِلَايَةِ الْقُضَاةِ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ، وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُتَوَاضِعًا لَا يَلْبَسُ مُحَرَّمًا كَرِيمًا وَقُورًا رَئِيسًا مُعَظَّمًا فِي الدَّوْلَةِ، أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ فِي حِصَارِ صَفَدَ فَلَمْ يَزَلْ مَرِيضًا مِنْهَا حَتَّى مَاتَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ، وَدُفِنَ بِالرِّبَاطِ النَّاصِرِيِّ بِسَفْحِ قَاسِيُونُ. هُولَاكُوقَانَ بْنُ تُولِي قَانَ بْنِ جِنْكِزْ خَانَ مَلِكُ التَّتَارِ بْنِ مَلَكِ التَّتَارِ بْنِ مَلَكِ التَّتَارِ، وَهُوَ وَالِدُ مُلُوكِهِمْ، وَالْعَامَّةُ يَقُولُونَ هُولَاوُونَ مِثْلَ قَلَاوُونَ، وَقَدْ كَانَ مَلِكًا جَبَّارًا عَنِيدًا، قَتَلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا مَالَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلَّا الَّذِي خَلَقَهُمْ، وَسَيُجَازِيهِ عَلَى ذَلِكَ شَرَّ الْجَزَاءِ، كَانَ لَعَنَهُ اللَّهُ، لَا يَتَقَيَّدُ بِدِينٍ مِنَ الْأَدْيَانِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ ظُفْرُ خَاتُونَ قَدْ تَنَصَّرَتْ، وَكَانَتْ تُفَضِّلُ النَّصَارَى، وَكَانَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - يَتَرَامَى عَلَى مَحَبَّةِ الْمَعْقُولَاتِ، وَلَا يَتَصَوَّرُ مِنْهَا شَيْئًا، وَكَانَ أَهْلُهَا مِنْ أَفْرَاخِ الْفَلَاسِفَةِ عِنْدَهُ لَهُمْ وَجَاهَةٌ وَمَكَانَةٌ، وَإِنَّمَا كَانَتْ هِمَّتُهُ فِي تَدْبِيرِ مَمْلَكَتِهِ وَتَمَلُّكِ الْبِلَادِ شَيْئًا فَشَيْئًا، حَتَّى أَبَادَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقِيلَ: فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَدُفِنَ فِي مَدِينَةِ تَلَا، لَا رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَامَ فِي الْمُلِكِ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدُهُ أَبْغَا فِي الْمَمْلَكَةِ، وَكَانَ أَبْغَا أَحَدَ إِخْوَةٍ عَشَرَةٍ ذُكُورٍ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، وَهُوَ حَسَبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
পৃষ্ঠা - ১১১৫৭
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِي يَوْمِ الْأَحَدِ ثَانِي الْمُحَرَّمِ تَوَجَّهَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَصَحِبَتْهُ الْعَسَاكِرُ الْمَنْصُورَةُ وَقَدِ اسْتَوْلَتِ الدَّوْلَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ عَلَى بِلَادِ سِيسَ بِكَمَالِهَا، وَعَلَى كَثِيرٍ مِنْ مَعَاقِلَ الْفِرِنْجِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَدْ أَرْسَلَ الْعَسَاكِرَ بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى غَزَّةَ، وَعَدَلَ هُوَ إِلَى نَاحِيَةِ الْكَرَكِ لِيَنْظُرَ فِي أَحْوَالِهَا، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ بِرْكَةِ زَيْزَى تَصَيَّدَ هُنَالِكَ، فَسَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ، فَانْكَسَرَتْ فَخْذُهُ فَأَقَامَ هُنَاكَ أَيَّامًا يَتَدَاوَى حَتَّى أَمْكَنَهُ أَنْ يَرْكَبَ فِي الْمِحَفَّةِ، وَسَارَ إِلَى مِصْرَ، فَبَرَأَتْ رِجْلُهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، فَأَمْكَنَهُ الرُّكُوبُ وَحْدَهُ عَلَى الْفَرَسِ. وَدَخَلَ الْقَاهِرَةَ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ وَتَجَمُّلٍ هَائِلٍ، وَقَدْ زُيِّنَتِ الْبَلَدُ وَاحْتَفَلَ النَّاسُ لَهُ احْتِفَالًا عَظِيمًا، وَفَرِحُوا بِقَدُومِهِ وَعَافِيَتِهِ فَرَحًا كَثِيرًا. ثُمَّ فِي رَجَبٍ مِنْهَا رَجَعَ مِنَ الْقَاهِرَةِ إِلَى صَفَدَ، وَحَفَرَ خَنْدَقًا حَوْلَ قَلْعَتِهَا وَعَمِلَ فِيهِ بِنَفْسِهِ وَأُمَرَائِهِ وَجَيْشِهِ، وَأَغَارَ عَلَى نَاحِيَةِ عَكًّا، فَقَتَلَ وَأَسَرَ وَغَنِمَ وَسَلِمَ، وَضُرِبَتْ لِذَلِكَ الْبَشَائِرُ بِدِمَشْقَ. وَفِي ثَانِي عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ صَلَّى الظَّاهِرُ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرُ الْجُمُعَةَ، وَلَمْ تَكُنْ تُقَامُ بِهِ الْجُمُعَةُ مِنْ زَمَنِ الْعُبَيْدِيِّينَ إِلَى هَذَا الْحِينِ، مَعَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَسْجِدٍ وُضِعَ بِالْقَاهِرَةِ، بِنَاهُ جَوْهَرٌ الْقَائِدُ وَأَقَامَ فِيهِ الْجُمُعَةَ، فَلَمَّا بَنَى الْحَاكِمُ جَامِعَهُ حَوَّلَ الْجُمُعَةَ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَتَرَكَ الْأَزْهَرَ لَا جُمُعَةَ فِيهِ، فَصَارَ فِي حُكْمِ بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ، وَشَعِثَ حَالُهُ، وَتَغَيَّرَتْ
পৃষ্ঠা - ১১১৫৮
أَحْوَالُهُ، فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِعِمَارَتِهِ وَبَيَاضِهِ وَإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ، وَأَمَرَ بِعِمَارَةِ جَامِعِ الْحُسَيْنِيَّةِ، فَكَمَلَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّينَ، كَمَا سَيَأْتِي، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِيهَا أَمَرَ الظَّاهِرُ أَنْ لَا يَبِيتَ أَحَدٌ مِنَ الْمُجَاوِرِينَ بِجَامِعِ دِمَشْقَ وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِ الْخَزَائِنِ مِنْهُ، وَالْمَقَاصِيرِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ، فَكَانَتْ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ خِزَانَةٍ وَمَقْصُورَةٍ، وَوَجَدُوا فِيهَا قَوَارِيرَ الْبَوْلِ وَالْفُرُشِ وَالسَّجَاجِيدِ الْكَثِيرَةِ، فَاسْتَرَاحَ النَّاسُ وَالْجَامِعُ مِنْ ذَلِكَ، وَاتَّسَعَ عَلَى الْمُصَلِّينَ. وَفِيهَا أَمَرَ السُّلْطَانُ بِعِمَارَةِ أَسْوَارِ صَفَدَ وَقَلْعَتِهَا، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22] . وَفِيهَا الْتَقَى أَبْغَا وَمَنْكُوتَمُرُ الَّذِي قَامَ مَقَامَ بَرَكَةَ خَانَ، فَكَسَرَهُ أَبْغَا وَغَنِمَ مِنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا. وَحَكَى ابْنُ خَلِّكَانَ فِيمَا نَقَلَ مِنْ خَطِّ الشَّيْخِ قُطْبِ الدِّينِ الْيُونِينِيِّ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا بِدَيْرِ أَبِي سَلَامَةَ مِنْ نَاحِيَةِ بُصْرَى كَانَ فِيهِ مُجُونٌ وَاسْتِهْتَارٌ، فَذُكِرَ عِنْدَهُ السِّوَاكُ وَمَا فِيهِ مِنَ الْفَضِيلَةِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَسْتَاكُ إِلَّا فِي الْمَخْرَجِ. يَعْنِي دُبُرَهُ، فَأَخَذَ سِوَاكًا فَوَضَعَهُ فِي مَخْرَجِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ، فَمَكَثَ بَعْدَهُ تِسْعَةَ
পৃষ্ঠা - ১১১৫৯
أَشْهُرٍ، فَوَضَعَ وَلَدًا عَلَى صِفَةِ الْجُرْذَانِ، لَهُ أَرْبَعَةُ قَوَائِمَ وَرَأْسُهُ كَرَأْسِ السَّمَكَةِ، وَلَهُ دُبُرٌ كَدُبُرِ الْأَرْنَبِ. وَلَمَّا وَضَعَهُ صَاحَ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ ثَلَاثَ صَيْحَاتٍ، فَقَامَتِ ابْنَةُ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَرَضَخَتْ رَأْسَهُ فَمَاتَ، وَعَاشَ ذَلِكَ الرَّجُلُ بَعْدَ وَضْعِهِ لَهُ يَوْمَيْنِ، وَمَاتَ فِي الثَّالِثِ، وَكَانَ يَقُولُ: هَذَا الْحَيَوَانُ قَتَلَنِي وَقَطَّعَ أَمْعَائِي. وَقَدْ شَاهَدَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَخُطَبَاءُ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى ذَلِكَ الْحَيَوَانَ حَيًّا قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: السُّلْطَانُ بَرَكَةُ خَانَ بْنُ تُولِي بْنِ جِنْكِزْ خَانَ بْنِ خَاقَانَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ هُولَاكُو،، وَقَدْ أَسْلَمَ بَرَكَةُ خَانَ هَذَا، وَكَانَ يُحِبُّ الْعُلَمَاءَ وَالصَّالِحِينَ، وَمِنْ أَكْبَرِ حَسَنَاتِهِ كَسْرُهُ لِهُولَاكُو وَتَفْرِيقُهُ جُنُودَهُ، وَكَانَ يُنَاصِحُ الْمَلِكَ الظَّاهِرَ وَيُعَظِّمُهُ وَيُكْرِمُ رُسُلَهُ إِلَيْهِ، وَيُطْلِقُ لَهُمْ شَيْئًا كَثِيرًا، وَقَدْ قَامَ فِي الْمُلْكِ بَعْدَهُ بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَنْكُوتَمُرُ بْنُ طُغَانَ بْنِ بَاتُو بْنِ تُولِي بْنِ جِنْكِزْ خَانَ، وَكَانَ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَمِنْوَالِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. قَاضِي الْقُضَاةِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ خَلَفِ بْنِ بَدْرِ ابْنِ بِنْتِ الْأَعَزِّ الشَّافِعِيُّ كَانَ دَيِّنًا عَفِيفًا نَزِهًا، لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَلَا يَقْبَلُ شَفَاعَةَ أَحَدٍ وَجُمِعَ لَهُ قَضَاءُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِكَمَالِهَا، وَالْخَطَابَةُ وَالْحِسْبَةُ،
পৃষ্ঠা - ১১১৬০
وَمَشْيَخَةُ الشُّيُوخِ وَنَظَرُ الْأَحْبَاسِ، وَتَدْرِيسُ قُبَّةِ الشَّافِعِيِّ وَالصَّالِحِيَّةِ وَإِمَامَةُ الْجَامِعِ، وَكَانَ بِيَدِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَظِيفَةً، وَبَاشَرَ الْوِزَارَةَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَكَانَ السُّلْطَانُ يُعَظِّمُهُ، وَالْوَزِيرُ ابْنُ الْحَنَّا يَخَافُ مِنْهُ كَثِيرًا، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَنْكُبَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَيَضَعَهُ فَلَا يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَأْتِيَ دَارَهُ وَلَوْ عَائِدًا، فَمَرِضَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، فَجَاءَهُ الْقَاضِي عَائِدًا، فَقَامَ لِتَلَقِّيهِ إِلَى وَسَطِ الدَّارِ فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي: إِنَّمَا جِئْنَا لِعِيَادَتِكَ، فَإِذَا أَنْتَ سَوِيٌّ صَحِيحٌ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. فَرَجَعَ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدَهُ. وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّمِائَةٍ، وَتَوَلَّى بَعْدَهُ الْقَضَاءَ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ رَزِينٍ. وَاقِفُ الْقَيْمُرِيَّةِ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ نَاصِرُ الدِّينِ أَبُو الْمَعَالِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَزِيزِ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ الْقُيَمْرِيُّ الْكُرْدِيُّ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْأُمَرَاءِ مَكَانَةً عِنْدَ الْمُلُوكِ، وَهُوَ الَّذِي سَلَّمَ الشَّامَ إِلَى الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَاحِبِ حَلَبَ حِينَ قُتِلَ تُورَانْ شَاهِ بْنُ الصَّالِحِ أَيُّوبَ بِمِصْرَ، وَهُوَ وَاقِفُ الْمَدْرَسَةِ الْقَيْمُرِيَّةِ عِنْدَ مِئْذَنَةِ فَيْرُوزَ، وَعَمِلَ عَلَى بَابِهَا السَّاعَاتِ الَّتِي لَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهَا، وَلَا عُمِلَ عَلَى شَكْلِهَا، يُقَالُ: إِنَّهُ غَرِمَ عَلَيْهَا أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
পৃষ্ঠা - ১১১৬১
عُثْمَانَ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْمَقْدِسِيُّ، الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الْحَافِظُ الْمُحَدِّثُ الْفَقِيهُ الْمُؤَرِّخُ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي شَامَةَ شَيْخُ دَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ وَمُدَرِّسُ الرُّكْنِيَّةِ، وَصَاحِبُ الْمُصَنَّفَاتِ الْعَدِيدَةِ الْمُفِيدَةِ، لَهُ " اخْتِصَارُ تَارِيخِ دِمَشْقَ " فِي مُجَلَّدَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَلَهُ " شَرْحُ الشَّاطِبِيَّةِ "، وَلَهُ " الرَّدُّ إِلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ "، وَلَهُ فِي الْبَعْثِ وَفِي الْإِسْرَاءِ، وَكِتَابُ " الرَّوْضَتَيْنِ فِي الدَّوْلَتَيْنِ النُّورِيَّةِ وَالصَّلَاحِيَّةِ "، وَلَهُ " الذَّيْلُ " عَلَى ذَلِكَ، وَلَهُ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ الْحِسَانِ وَالْفَرَائِدِ الَّتِي كَالْعِقْيَانِ. وُلِدَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَذَكَرَ لِنَفْسِهِ تَرْجَمَةً فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي " الذَّيْلِ "، وَذَكَرَ مُرَبَّاهُ وَمَنْشَأَهُ وَطَلَبَهُ الْعِلْمَ وَسَمَاعَهُ الْحَدِيثَ، وَتَفَقُّهَهُ عَلَى الْفَخْرِ بْنِ عَسَاكِرَ، وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالسَّيْفِ الْآمِدِيِّ، وَالشَّيْخِ مُوَفَّقِ الدِّينِ بْنِ قُدَامَةَ، وَمَا رُئِيَ لَهُ مِنَ الْمَنَامَاتِ الْحَسَنَةِ. وَكَانَ ذَا فُنُونٍ كَثِيرَةٍ، أَخْبَرَنِي عَلَمُ الدِّينِ الْبِرْزَالِيُّ الْحَافِظُ عَنِ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ الْفَزَارِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: بَلَغَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ، وَقَدْ كَانَ يَنْظِمُ أَشْعَارًا فِي أَوْقَاتٍ، مِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَحْلَى، وَمِنْهَا مَا لَا يُسْتَحْلَى. فَاللَّهُ يَغْفِرُ لَنَا وَلَهُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِهِ مِثْلُهُ فِي نَفْسِهِ وَدِيَانَتِهِ، وَعِفَّتِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِسَبَبِ جَمَاعَةٍ أَلَّبُوا عَلَيْهِ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ مَنِ اغْتَالَهُ، وَهُوَ بِمَنْزِلٍ لَهُ بِطَوَاحِينِ الْأُشْنَانِ، وَقَدْ كَانَ اتُّهِمَ بِأَمْرٍ الظَّاهِرُ بَرَاءَتُهُ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ