আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১০৮৫৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] فِيهَا كَانَتْ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ بَيْنَ جَلَالِ الدِّينِ وَالتَّتَارِ، كَسَرُوهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ كَسَرَهُمْ كَسْرَةً عَظِيمَةً، وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا وَأُمَمًا لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، وَكَانَ هَؤُلَاءِ التَّتَارُ قَدِ انْفَرَدُوا وَعَصَوْا عَلَى جِنْكِزْخَانَ، فَكَتَبَ ابْنُ جِنْكِزْخَانَ إِلَى جَلَالِ الدِّينِ يَقُولُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنَّا وَنَحْنُ أَبْعَدْنَاهُمْ، وَلَكِنْ سَتَرَى مِنَّا مَا لَا قِبَلَ لَكَ بِهِ. وَفِيهَا قَدِمَتْ طَائِفَةٌ كَبِيرَةٌ مِنَ الْفِرِنْجِ مِنْ نَاحِيَةِ صِقِلِّيَّةَ، فَنَزَلُوا عَكَّا وَصُورَ، وَحَمَلُوا عَلَى مَدِينَةِ صَيْدَا، فَانْتَزَعُوهَا مِنْ أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، وَغَزَوْهَا وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُمْ، وَجَاءَ الْأَنْبِرُورُ مَلِكُ جَزِيرَةِ قُبْرُسَ، ثُمَّ سَارَ فَنَزَلَ عَكَّا فَخَافَ الْمُسْلِمُونَ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ. وَرَكِبَ الْمَلِكُ الْكَامِلُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَادِلِ صَاحِبُ مِصْرَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَدَخَلَهُ، ثُمَّ سَارَ إِلَى نَابُلُسَ، فَخَافَ النَّاصِرُ دَاوُدُ بْنُ الْمُعَظَّمِ مِنْ عَمِّهِ الْكَامِلِ، فَكَتَبَ إِلَى عَمِّهِ الْأَشْرَفِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ جَرِيدَةً، وَكَتَبَ إِلَى أَخِيهِ الْكَامِلِ يَسْتَعْطِفُهُ، وَيَكُفُّهُ عَنِ ابْنِ أَخِيهِ، فَأَجَابَهُ الْكَامِلُ بِأَنِّي إِنَّمَا جِئْتُ لِحِفْظِ بَيْتِ
পৃষ্ঠা - ১০৮৬০
الْمَقْدِسِ وَصَوْنِهِ عَنِ الْفِرِنْجِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَخْذَهُ، وَحَاشَى لِلَّهِ أَنْ أُحَاصِرَ أَخِي أَوِ ابْنَ أَخِي، وَبَعْدَ أَنْ جِئْتَ أَنْتَ إِلَى الشَّامِ، فَأَنْتَ تَحْفَظُهَا، وَأَنَا رَاجِعٌ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ. فَخَشِيَ الْأَشْرَفُ وَأَهْلُ الشَّامِ إِنْ رَجَعَ الْكَامِلُ أَنْ تَمْتَدَّ أَطْمَاعُ الْفِرِنْجِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَرَكِبَ الْأَشْرَفُ إِلَى أَخِيهِ الْكَامِلِ، فَثَبَّطَهُ عَنِ الرُّجُوعِ. وَأَقَامَا جَمِيعًا هُنَالِكَ، جَزَاهُمَا اللَّهُ خَيْرًا، يَحْفَظَانِ جَنَابَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَنِ الْفِرِنْجِ لَعَنَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَاجْتَمَعَ إِلَى الْمَلِكِ جَمَاعَةٌ مِنْ مُلُوكِهِمْ، كَأَخِيهِ الْأَشْرَفِ وَأَخِيهِمَا الشِّهَابِ غَازِيِّ بْنِ الْعَادِلِ، وَأَخِيهِمُ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَادِلِ، وَصَاحِبِ حِمْصَ أَسَدِ الدِّينِ شِيرْكُوهْ بْنِ نَاصِرِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ شِيرْكُوهْ، وَغَيْرِهِمْ. وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى نَزْعِ النَّاصِرِ دَاوُدَ عَنْ مُلْكِ دِمَشْقَ وَتَسْلِيمِهَا إِلَى الْأَشْرَفِ مُوسَى; لِأَجْلِ حِفْظِ الشَّامِ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَسَيَأْتِي تَنْفِيذُ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الْمُسْتَقْبِلَةِ، إِنَّ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِيهَا عُزِلَ الصَّدْرُ الْبَكْرِيُّ عَنْ حِسْبَةِ دِمَشْقَ وَمَشْيَخَةِ الشُّيُوخِ، وَوَلِيَ فِيهِمَا اثْنَانِ غَيْرُهُ. قَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ: وَفِي أَوَائِلِ رَجَبٍ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الصَّالِحُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمَرَّاكُشِيُّ الْمُقِيمُ بِالْمَدْرَسَةِ الْمَالِكِيَّةِ، وَدُفِنَ بِالْمَقْبَرَةِ الَّتِي وَقَفَهَا الرَّئِيسُ خَلِيلُ بْنُ زُوَيْزَانَ قِبْلِيَّ مَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دُفِنَ بِهَا.
পৃষ্ঠা - ১০৮৬১
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَمُلُوكُ بَنِي أَيُّوبَ مُفْتَرِقُونَ مُخْتَلِفُونَ، قَدْ صَارُوا أَحْزَابًا وَفِرَقًا، وَقَدِ اجْتَمَعَ مُلُوكُهُمْ إِلَى الْكَامِلِ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ مِصْرَ، وَهُوَ مُقِيمٌ بِنَوَاحِي الْقُدْسِ الشَّرِيفِ، فَقَوِيَتْ نُفُوسُ الْفِرِنْجِ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - بِكَثْرَتِهِمْ بِمَنْ وَفَدَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْبَحْرِ، وَبِمَوْتِ الْمُعَظَّمِ وَاخْتِلَافِ مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْمُلُوكِ، فَطَلَبُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرُدُّوا إِلَيْهِمْ مَا كَانَ النَّاصِرُ صَلَاحُ الدِّينِ أَخَذَهُ مِنْهُمْ، فَوَقَعَتِ الْمُصَالَحَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُلُوكِ أَنْ يَرُدُّوا لَهُمْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَحْدَهُ، وَتَبْقَى بِأَيْدِيهِمْ بَقِيَّةٌ، فَتَسَلَّمُوا الْقُدْسَ الشَّرِيفَ، وَكَانَ الْمُعَظَّمُ قَدْ هَدَمَ أَسْوَارَهُ فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جِدًّا، وَحَصَلَ وَهْنٌ شَدِيدٌ وَإِرْجَافٌ عَظِيمٌ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. ثُمَّ قَدِمَ الْمَلِكُ الْكَامِلُ، فَحَاصَرَ دِمَشْقَ، وَضَيَّقَ عَلَى أَهْلِهَا، فَقَطَعَ الْأَنْهَارَ، وَنُهِبَتِ الْحَوَاضِرُ، وَغَلَتِ الْأَسْعَارُ، وَلَمْ يَزَلِ الْجُنُودُ حَوْلَهَا حَتَّى أَخْرَجَ مِنْهَا ابْنَ أَخِيهِ صَلَاحِ الدِّينِ الْمَلِكَ النَّاصِرَ دَاوُدَ بْنَ الْمُعَظَّمِ، عَلَى أَنْ يُقِيمَ مَلِكًا بِمَدِينَةِ الْكَرَكِ وَالشَّوْبَكِ وَنَابُلُسَ وَقَرَايَا مِنَ الْغَوْرِ وَالْبَلْقَاءِ، وَيَكُونُ الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ أَيْبَكُ أُسْتَاذُ دَارِ الْمُعَظَّمِ صَاحِبَ صَرْخَدَ، ثُمَّ تَقَايَضَ الْأَشْرَفُ وَأَخُوهُ الْكَامِلُ، فَأَخَذَ الْأَشْرَفُ دِمَشْقَ وَأَعْطَى أَخَاهُ حَرَّانَ وَالرُّهَا وَرَأْسَ الْعَيْنِ وَالرَّقَّةَ
পৃষ্ঠা - ১০৮৬২
وَسَرُوجَ، ثُمَّ سَارَ الْكَامِلُ فَحَاصَرَ حَمَاةَ، وَكَانَ صَاحِبُهَا الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ بْنُ تَقِيِّ الدِّينِ عَمَرَ قَدْ تُوُفِّيَ، وَعَهِدَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى أَكْبَرِ وَلَدِهِ الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ زَوْجُ بِنْتِ الْكَامِلِ، فَاسْتَحْوَذَ عَلَى حَمَاةَ أَخُوهُ صَلَاحُ الدِّينِ قِلِيجُ أَرْسَلَانَ، فَحَاصَرَهُ الْكَامِلُ حَتَّى أَنْزَلَهُ مِنْ قَلْعَتِهَا، وَسَلَّمَهَا إِلَى أَخِيهِ الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ سَارَ فَتَسَلَّمَ الْبِلَادَ الَّتِي قَايَضَ بِهَا عَنْ دِمَشْقَ مِنْ أَخِيهِ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَكَانَ النَّاسُ بِدِمَشْقَ قَدِ اشْتَغَلُوا بِعِلْمِ الْأَوَائِلِ فِي أَيَّامِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ دَاوُدَ، وَكَانَ يُعَانِي ذَلِكَ، وَرُبَّمَا نَسَبَهُ بَعْضُهُمْ إِلَى نَوْعٍ مِنَ الِانْحِلَالِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَنَادَى الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ بِالْبُلْدَانِ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ النَّاسُ بِذَلِكَ، وَأَنْ يَشْتَغِلُوا بِعِلْمِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، وَكَانَ سَيْفُ الدِّينِ الْآمِدِيُّ مُدَرِّسًا بِالْعَزِيزِيَّةِ، فَعَزَلَهُ عَنْهَا، وَبَقِيَ مُلَازِمًا مَنْزِلَهُ حَتَّى مَاتَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ كَمَا سَيَأْتِي. وَفِيهَا كَانَ النَّاصِرُ دَاوُدُ قَدْ أَضَافَ إِلَى قَاضِي الْقُضَاةِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ الْخُوَيِّيِّ الْقَاضِيَ مُحْيِي الدِّينِ أَبَا الْفَضَائِلِ يَحْيَى بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الزَّكِيِّ، فَحَكَمَ أَيَّامًا بِالشُّبَّاكِ، شَرْقِيَّ بَابِ الْكَلَّاسَةِ، ثُمَّ صَارَ يَحْكُمُ بِدَارِهِ، مُشَارِكًا لِابْنِ الْخُوَيِّيِّ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
পৃষ্ঠা - ১০৮৬৩
أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ صَابِرٍ الْحَرَّانِيُّ ثُمَّ الْبَغْدَادِيُّ الْمَنْجَنِيقِيُّ، كَانَ فَاضِلًا فِي فَنِّهِ، وَشَاعِرًا مُطَبِّقًا، لَطِيفَ الشِّعْرِ، حَسَنَ الْمَعَانِي، قَدْ أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ السَّاعِي قِطْعَةً صَالِحَةً، وَمِنْ أَحْسَنِ مَا أَوْرَدَ لَهُ قَصِيدَةٌ فِيهَا تَعْزِيَةٌ عَظِيمَةٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: هَلْ لِمَنْ يَرْتَجِي الْبَقَاءَ خُلُودُ ... وَسِوَى اللَّهِ كُلُّ شَيْءٍ يَبِيدُ وَالَّذِي كَانَ مِنْ تُرَابٍ وَإِنْ عَا ... شَ طَوِيلًا لِلتُّرَابِ يَعُودُ فَمَصِيرُ الْأَنَامِ طُرًّا إِلَى مَا ... صَارَ فِيهِ آبَاؤُهُمْ وَالْجُدُودُ أَيْنَ حَوَّاءُ أَيْنَ آدَمُ إِذْ فَا ... تَهُمُ الْخُلْدُ وَالثَّوَى وَالْخُلُودُ أَيْنَ هَابِيلُ أَيْنَ قَابِيلُ إِذْ هَ ذَا لِهَذَا مُعَانِدٌ وَحَسُودُ ... أَيْنَ نُوحٌ وَمَنْ نَجَا مَعَهُ بِالْ فُلْكِ وَالْعَالَمُونَ طُرًّا فَقِيدُ ... أَسْلَمَتْهُ الْأَيَّامُ كَالطِّفْلِ لِلْمَوْ تِ وَلَمْ يُغْنِ عُمْرُهُ الْمَمْدُودُ ... أَيْنَ عَادٌ بَلْ أَيْنَ جَنَّةُ عَادٍ أَمْ تُرَى أَيْنَ صَالِحٌ وَثَمُودُ أَيْنَ إِبْرَاهِيمُ الَّذِي شَادَ بَيْتَ اللَّهِ فَهْوُ الْمُعَظَّمُ الْمَقْصُودُ ... حَسَدُوا يُوسُفًا أَخَاهُمْ فَكَادُو هُ وَمَاتَ الْحَسُودُ وَالْمَحْسُودُ ... وَسُلَيْمَانُ فِي النُّبُوَّةِ وَالْمُلْ كِ قَضَى مِثْلَ مَا قَضَى دَاوُدُ ... فَغَدَوْا بَعْدَ مَا أُطِيعَ لِذَا الْخَلْ قُ وَهَذَا لَهُ أُلِينَ الْحَدِيدُ ... وَابْنُ عِمْرَانَ بَعْدَ آيَاتِهِ التِّسْ عِ وَشَقِّ الْخِضَمِّ فَهْوُ صَعِيدُ
পৃষ্ঠা - ১০৮৬৪
وَالْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَهْوَ رُوحُ اللَّهِ ... كَادَتْ تَقْضِي عَلَيْهِ الْيَهُودُ وَقَضَى سَيِّدُ النَّبِيِّينَ وَالْهَا دِي إِلَى الْحَقِّ أَحْمَدُ الْمَحْمُودُ ... وَبَنُوهُ وَآلُهُ الطَّاهِرُونَ الزُّ هْرُ صَلَّى عَلَيْهِمُ الْمَعْبُودُ ... وَنُجُومُ السَّمَاءِ مُنْتَثِرَاتٌ بَعْدَ حِينٍ وَلِلْهَوَاءِ رُكُودُ ... وَلِنَارِ الدُّنْيَا الَّتِي تُوقِدُ الصَّخْ رَ خُمُودٌ وَلِلْمِيَاهِ جُمُودُ ... وَكَذَا لِلثَّرَى غَدَاةَ يَؤُمُّ النَّ اسَ مِنْهَا تَزَلْزُلٌ وَهُمُودُ ... هَذِهِ الْأُمَّهَاتُ نَارٌ وَتُرْبٌ وَهَوَاءٌ رَطْبٌ وَمَاءٌ بَرُودُ ... سَوْفَ يَفْنَى كَمَا فَنَيْنَا فَلَا يَبْ قَى مِنَ الْخَلْقِ وَالِدٌ وَوَلِيدُ ... لَا الشَّقِيُّ الْغَوِيُّ مِنْ نُوَبِ الْأَيَّ امِ يَنْجُو وَلَا السَّعِيدُ الرَّشِيدُ ... وَمَتَى سَلَّتِ الْمَنَايَا سُيُوفًا فَالْمَوَالِي حَصِيدُهَا وَالْعَبِيدُ الْمَلِكُ الْمَسْعُودُ أَقْسِيسُ بْنُ الْكَامِلِ، صَاحِبُ الْيَمَنِ، وَقَدْ مَلَكَ مَكَّةَ مِنْ سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ، فَأَحْسَنَ بِهَا الْمَعْدَلَةَ، وَنَفَى الزَّيْدِيَّةَ مِنْهَا، وَأَمِنَتِ الطُّرُقَاتُ وَالْحُجَّاجُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُسْرِفًا عَلَى نَفْسِهِ، فِيهِ عَسْفٌ وَظُلْمٌ أَيْضًا. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِمَكَّةَ، وَدُفِنَ بِبَابِ الْمُعَلَّى. مُحَمَّدٌ السَّبْتِيُّ النَّجَّارُ كَانَ يَعُدُّهُ بَعْضُهُمْ مِنَ الْأَبْدَالِ، قَالَ أَبُو شَامَةَ:
পৃষ্ঠা - ১০৮৬৫
وَهُوَ الَّذِي بَنَى الْمَسْجِدَ غَرْبِيَّ دَارِ الْوَكَالَةِ عَنْ يَسَارِ الْمَارِّ فِي الشَّارِعِ، مِنْ مَالِهِ، وَدُفِنَ بِالْجَبَلِ. وَكَانَتْ جَنَازَتُهُ مَشْهُودَةً - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. الْعَبَّادِيُّ الشَّاعِرُ، أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ سَالِمِ بْنِ يَزْبِكَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَلَّدٍ، الْعَبَّادِيُّ الشَّاعِرُ، مِنَ الْحَدِيثَةِ، قَدِمَ بَغْدَادَ مِرَارًا، وَامْتَدَحَ الْمُسْتَنْصِرَ وَغَيْرَهُ، وَكَانَ فَاضِلًا كَثِيرَ التَّغَزُّلِ. أَبُو الْفُتُوحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ، الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ، وَيُلَقَّبُ بِثَعْلَبٍ، اشْتَغَلَ فِي الْمَذْهَبِ وَالْخِلَافِ، وَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: جِسْمِي مَعِي غَيْرَ أَنَّ الرُّوحَ عِنْدَكُمُ ... فَالْجِسْمُ فِي غُرْبَةٍ وَالرُّوحُ فِي وَطَنِ فَلْيَعْجَبِ النَّاسُ مِنِّي أَنَّ لِي بَدَنًا ... لَا رُوحَ فِيهِ وَلِي رُوحٌ بِلَا بَدَنِ أَبُو الْفَضْلِ جِبْرِيلُ بْنُ مَنْصُورِ، بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ جِبْرِيلَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ غَالِبِ بْنِ يَحْيَى بْنِ مُوسَى بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ بْنِ غَالِبِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ زُطِينَا الْبَغْدَادِيُّ، كَاتِبُ الدِّيوَانِ بِهَا، أَسْلَمَ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَكَانَ مِنْ أَفْصَحِ النَّاسِ وَأَبْلَغِهِمْ مَوْعِظَةً، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: خَيْرُ أَوْقَاتِكَ سَاعَةٌ صَفَتْ لِلَّهِ، وَخَلَصَتْ مِنَ الْفِكْرَةِ لِغَيْرِهِ وَالرَّجَاءِ لِسِوَاهُ، وَمَا دُمْتَ فِي خِدْمَةِ السُّلْطَانِ، فَلَا تَغْتَرَّ بِالزَّمَانِ، اكْفُفْ كَفَّكَ، وَاصْرِفْ طَرْفَكَ، وَأَكْثِرْ صَوْمَكَ، وَأَقْلِلْ نَوْمَكَ،
পৃষ্ঠা - ১০৮৬৬
وَاشْكُرْ رَبَّكَ، يُحْمَدْ أَمْرُكَ. وَقَالَ: زَادُ الْمُسَافِرِ مُقَدَّمٌ عَلَى رَحِيلِهِ، فَأَعِدَّ الزَّادَ تَبْلُغُ الْمُرَادَ. وَقَالَ: إِلَى مَتَى تَتَمَادَى فِي الْغَفْلَةِ؟ كَأَنَّكَ قَدْ أَمِنْتَ عَوَاقِبَ الْمُهْلَةِ، عُمْرُ اللَّهْوِ مَضَى، وَعُمْرُ الشَّبِيبَةِ انْقَضَى، وَمَا حَصَلْتَ مِنْ رَبِّكَ عَلَى ثِقَةٍ بِالرِّضَا، وَقَدِ انْتَهَى بِكَ الْأَمْرُ إِلَى سِنِّ التَّخَاذُلِ، وَزَمَنِ التَّكَاسُلِ، وَمَا حَظِيتَ بِطَائِلٍ. وَقَالَ: رُوحُكَ تَخْضَعُ، وَعَيْنُكَ لَا تَدْمَعُ، وَقَلْبُكَ لَا يَخْشَعُ، وَنَفْسُكَ لَا تَشْبَعُ، وَتَظْلِمُ نَفْسَكَ وَأَنْتَ لَهَا تَتَوَجَّعُ، وَتُظْهِرُ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْمَالِ تَطْمَعُ، وَتَطْلُبُ مَا لَيْسَ لَكَ بِحَقٍّ وَمَا وَجَبَ عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ لَا تَدْفَعُ، وَتَرُومُ فَضْلَ رَبِّكَ وَلِلْمَاعُونِ تَمْنَعُ، وَتَعِيبُ نَفْسَكَ الْأَمَّارَةَ وَهِيَ عَنِ اللَّهْوِ لَا تَرْجِعُ، وَتُوقِظُ الْغَافِلِينَ بِإِنْذَارِكَ وَتَتَنَاوَمُ عَنْ سَهْمِكَ وَتَهْجَعُ، وَتَخُصُّ غَيْرَكَ بِخَيْرِكَ وَنَفْسَكَ الْفَقِيرَةَ لَا تَنْفَعُ، وَتَحُومُ عَلَى الْحَقِّ وَأَنْتَ بِالْبَاطِلِ مُولَعٌ، وَتَتَعَثَّرُ فِي الْمَضَايِقِ وَطَرِيقُ النَّجَاةِ مَهْيَعٌ، وَتَتَهَجَّمُ عَلَى الذُّنُوبِ وَفِي الْمُجْرِمِينَ تَشْفَعُ، وَتَرْكَنُ إِلَى دَارِ السَّلَامَةِ وَأَنْتَ بِالْعَطْبِ مُرَوَّعٌ، وَتَحْرِصُ عَلَى زِيَادَةِ الِاكْتِسَابِ وَحِسَابُكَ فِي كِفْلِ غَيْرِكَ يُوضَعُ، وَتُظْهِرُ الْقَنَاعَةَ بِالْقَلِيلِ وَبِالْكَثِيرِ لَا تَشْبَعُ، وَتُعَمِّرُ الدَّارَ الْفَانِيَةَ وَدَارُكَ الْبَاقِيَةُ خَرَابٌ بِلَقْعٌ، وَتَسْتَوْطِنُ فِي مَنْزِلِ رَحِيلٍ كَأَنَّكَ إِلَى رَبِّكَ لَا تَرْجِعُ، وَتَظُنُّ أَنَّكَ بِلَا رَقِيبٍ وَأَعْمَالُكَ إِلَى الْمُرَاقِبِ تُرْفَعُ، وَتُقْدِمُ عَلَى الْكَبَائِرِ وَعَنِ الصَّغَائِرِ تَتَوَرَّعُ، وَتُؤَمِّلُ الْغُفْرَانَ وَأَنْتَ عَنِ الذُّنُوبِ لَا تُقْلِعُ، وَتَرَى
পৃষ্ঠা - ১০৮৬৭
الْأَهْوَالَ مُحِيطَةً بِكَ وَأَنْتَ فِي مَيْدَانِ اللَّهْوِ تَرْتَعُ، وَتَسْتَقْبِحُ أَفْعَالَ الْجُهَّالِ وَبَابَ الْجَهْلِ تَقْرَعُ، وَقَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَأْنَفَ مِنَ التَّعَسُّفِ، وَعَنِ الدَّنَايَا تَتَرَفَّعُ، وَقَدْ سَارَ الْمُخِفُّونَ وَتَخَلَّفْتَ فَمَاذَا تَتَوَقَّعُ؟ وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ السَّاعِي لَهُ شِعْرًا حَسَنًا فَمِنْهُ: إِنْ سَهِرَتْ عَيْنُكَ فِي طَاعَةٍ ... فَذَاكَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ نَوْمِ أَمْسُكَ قَدْ فَاتَ بِعِلَّاتِهِ ... فَاسْتَدْرِكِ الْفَائِتَ فِي الْيَوْمِ وَلَهُ: إِنَّ رَبًّا هَدَاكَ بَعْدَ ضَلَالٍ ... سُبُلَ الرُّشْدِ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِبَادَهْ فَتَعَبَّدْ لَهُ تَجِدْ مِنْهُ عِتْقًا ... وَاسْتَدِمْ فَضْلَهُ بِطُولِ الزَّهَادَهْ وَلَهُ: إِذَا تَعَفَّفَتَ عَنْ حَرَامٍ ... عُوِّضْتَ بِالطَّيِّبِ الْحَلَالِ فَاقْنَعْ تَجِدْ فِي الْحَرَامِ حِلًّا ... فَضْلًا مِنَ اللَّهِ ذِي الْجَلَالِ
পৃষ্ঠা - ১০৮৬৮
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا كَانَتْ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الْأَشْرَفِ مُوسَى بْنِ الْعَادِلِ وَبَيْنَ جَلَالِ الدِّينِ بْنِ خُوَارَزْمَ شَاهِ الْخُوَارَزْمِيِّ، وَكَانَ سَبَبُهَا أَنَّ جَلَالَ الدِّينِ كَانَ قَدْ أَخَذَ مَدِينَةَ خِلَاطَ فِي الْعَامِ الْمَاضِي، وَخَرَّبَهَا وَشَرَّدَ أَهْلَهَا، وَحَارَبَهُ عَلَاءُ الدِّينِ كَيْقُبَاذُ مَلِكُ الرُّومِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْأَشْرَفِ يَسْتَحِثُّهُ عَلَى الْقُدُومِ عَلَيْهِ وَلَوْ جَرِيدَةً وَحْدَهُ، فَقَدِمَ الْأَشْرَفُ فِي طَائِفَةٍ كَبِيرَةٍ مِنْ عَسْكَرِ دِمَشْقَ، وَانْضَافَ إِلَيْهِمْ عَسْكَرُ بِلَادِ الْجَزِيرَةِ، وَمَنْ بَقِيَ مِنْ عَسْكَرِ خِلَاطَ، فَكَانُوا خَمْسَةَ آلَافِ مُقَاتِلٍ صَلِيبَةً، مَعَهُمُ الْعُدَّةُ الْكَامِلَةُ وَالْخُيُولُ الْهَائِلَةُ، فَالْتَقَوْا مَعَ جَلَالِ الدِّينِ بِأَذْرَبِيجَانَ، وَهُوَ فِي عِشْرِينَ
পৃষ্ঠা - ১০৮৬৯
أَلْفَ مُقَاتِلٍ، فَلَمْ يَقُمْ لَهُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً، وَلَا صَبَرَ، بَلْ تَقَهْقَرَ وَانْهَزَمَ وَاتَّبَعُوهُمْ عَلَى الْأَثَرِ، وَلَمْ يَزَالُوا فِي أَثَرِهِمْ إِلَى مَدِينَةِ خُوَيٍّ. وَعَادَ الْأَشْرَفُ إِلَى مَدِينَةِ خِلَاطَ، فَوَجَدَهَا خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا، فَمَهَّدَهَا وَأَطَّدَهَا، ثُمَّ تَصَالَحَ هُوَ وَجَلَالُ الدِّينِ، وَعَادَ إِلَى مُسْتَقَرِّ مُلْكِهِ بِدِمَشْقَ، - حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاهُ - وَفِيهَا تَسَلَّمَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ قَلْعَةَ بَعْلَبَكَّ مِنَ الْمَلِكِ الْأَمْجَدِ بَهْرَامَ شَاهْ بَعْدَ حِصَارٍ طَوِيلٍ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ عَلَى دِمَشْقَ أَخَاهُ الصَّالِحَ إِسْمَاعِيلَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى الشَّرْقِ بِسَبَبِ أَنَّ جَلَالَ الدِّينِ الْخُوَارَزْمِيَّ اسْتَحْوَذَ عَلَى بِلَادِ خِلَاطَ وَقَتَلَ مِنْ أَهْلِهَا خَلْقًا كَثِيرًا، وَنَهَبَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً، فَالْتَقَى مَعَهُ الْأَشْرَفُ رَأْسًا هَائِلًا، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا عَظِيمًا، فَهَزَمَهُ الْأَشْرَفُ هَزِيمَةً مُنْكَرَةً، وَهَلَكَ مِنَ الْخُوَارَزْمِيَّةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ فِي الْبِلَادِ فَرَحًا بِنُصْرَةِ الْأَشْرَفِ عَلَى الْخُوَارَزْمِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَفْتَحُونَ بَلَدًا إِلَّا قَتَلُوا مَنْ فِيهِ وَنَهَبُوا أَمْوَالَهُمْ، فَكَسَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ كَانَ الْأَشْرَفُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ قَبْلَ الْوَقْعَةِ، وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: يَا مُوسَى أَنْتَ مَنْصُورٌ عَلَيْهِمْ. وَلَمَّا فَرَغَ مَنْ كَسْرِهِمْ عَادَ إِلَى بِلَادِ خِلَاطَ فَرَمَّمَ شَعَثَهَا، وَأَصْلَحَ مَا كَانَ فَسَدَ مِنْهَا. وَلَمْ يَحُجَّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَكَذَا فِيمَا قَبْلَهَا، أَيْضًا فَهَذِهِ ثَلَاثُ سِنِينَ لَمْ يَسِرْ مِنَ الشَّامِ حَاجٌّ إِلَى الْحِجَازِ. وَفِيهَا أَخَذَتِ الْفِرِنْجُ جَزِيرَةَ مَيُورْقَةَ وَقَتَلُوا بِهَا خَلْقًا، وَأَسَرُوا آخَرِينَ، فَقَدِمُوا
পৃষ্ঠা - ১০৮৭০
بِهِمْ إِلَى السَّاحِلِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَأَخْبَرُوا بِمَا جَرَى عَلَيْهِمْ مِنَ الْفِرِنْجِ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تَوَفَّى فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: زَيْنُ الْأُمَنَاءِ الشَّيْخُ الصَّالِحُ، أَبُو الْبَرَكَاتِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ، زَيْنُ الْأُمَنَاءَ، ابْنُ عَسَاكِرَ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ، سَمِعَ عَلَى عَمَّيْهِ الْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ وَالصَّائِنِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ، وَعُمِّرَ وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ، وَجَاوَزَ الثَّمَانِينَ بِنَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَأُقْعِدَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، فَكَانَ يُحْمَلُ فِي مِحَفَّةٍ إِلَى الْجَامِعِ وَإِلَى دَارِ الْحَدِيثِ النُّورِيَّةِ لِإِسْمَاعِ الْحَدِيثِ، وَانْتَفَعَ بِهِ النَّاسُ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَلَمَّا تُوُفِّيَ حَضَرَ النَّاسُ جَنَازَتَهُ، وَدُفِنَ عِنْدَ أَخِيهِ الشَّيْخِ فَخْرِ الدِّينِ بْنِ عَسَاكِرَ بِمَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -. الشَّيْخُ بَيْرَمُ الْمَارِدِينِيُّ كَانَ صَالِحًا مُنْقَطِعًا مُحِبًّا لِلْعُزْلَةِ عَنِ النَّاسِ، وَكَانَ مُقِيمًا بِالزَّاوِيَةِ الْغَرْبِيَّةِ مِنَ الْجَامِعِ، وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ: لَهَا الْغَزَّالِيَّةُ. وَتُعْرَفُ بِزَاوِيَةِ الدَّوْلَعِيِّ، وَبِزَاوِيَةِ الْقُطْبِ النَّيْسَابُورِيِّ وَبِزَاوِيَةِ الشَّيْخِ نَصْرٍ الْمَقْدِسِيِّ. قَالَهُ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ. وَكَانَ يَوْمُ جَنَازَتِهِ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَدُفِنَ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
পৃষ্ঠা - ১০৮৭১
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَالْمَلِكُ الْأَشْرَفُ مُوسَى بْنُ الْعَادِلِ بِبِلَادِ الْجَزِيرَةِ مَشْغُولٌ فِيهَا بِإِصْلَاحِ مَا كَانَ جَلَالُ الدِّينِ الْخُوَارَزْمِيُّ قَدْ أَفْسَدَهُ مِنْ بِلَادِهِ. وَقَدْ قَدِمَتِ التَّتَارُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ إِلَى الْجَزِيرَةِ وَدِيَارِ بِكْرٍ، فَعَاثُوا بِالْفَسَادِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَتَلُوا وَنَهَبُوا وَسَبَوْا عَلَى عَادَتِهِمْ - خَذَلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَفِيهَا رُتِّبَ إِمَامٌ بِمَشْهَدِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ جَامِعِ دِمَشْقَ، وَصُلِّيَتْ فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَفِيهَا دَرَّسَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ الصَّلَاحِ الشَّهْرَزُورِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَدْرَسَةِ الْجَوَّانِيَّةِ جِوَارَ الْمَارَسْتَانِ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْهَا. وَفِيهَا دَرَّسَ النَّاصِرُ ابْنُ الْحَنْبَلِيِّ بِالصَّاحِبَةِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ الَّتِي أَنَشَأَتْهَا
পৃষ্ঠা - ১০৮৭২
الْخَاتُونُ رَبِيعَةُ بِنْتُ أَيُّوبَ أُخْتُ سِتِّ الشَّامِ. وَفِيهَا حَبَسَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ الشَّيْخَ عَلِيًّا الْحَرِيرِيَّ بِقَلْعَةِ عَزَّتَا. وَفِيهَا كَانَ غَلَاءٌ شَدِيدٌ بِدِيَارِ مِصْرَ وَبِلَادِ الشَّامِ وَحَلَبَ وَالْجَزِيرَةِ بِسَبَبِ قِلَّةِ الْمِيَاهِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ، فَكَانَتْ هَذِهِ السَّنَةُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 155] [الْبَقَرَةِ: 155، 156] . وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ كَلَامًا طَوِيلًا مَضْمُونُهُ خُرُوجُ طَائِفَةٍ مِنَ التَّتَارِ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ بِلَادِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَكَانَ سَبَبُ قُدُومِهِمْ هَذِهِ السَّنَةَ أَنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّةَ كَتَبُوا إِلَيْهِمْ يُخْبِرُونَهُمْ بِضَعْفِ أَمْرِ جَلَالِ الدِّينِ بْنِ خُوَارَزْمِ شَاهْ، وَأَنَّهُ قَدْ عَادَى جَمِيعَ الْمُلُوكِ حَوْلَهُ حَتَّى الْخَلِيفَةَ، وَأَنَّهُ قَدْ كَسَرَهُ الْأَشْرَفُ بْنُ الْعَادِلِ مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ جَلَالُ الدِّينِ قَدْ ظَهَرَتْ مِنْهُ أَفْعَالٌ نَاقِصَةٌ تَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ عَقْلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ لَهُ غُلَامٌ خَصِيٌّ يُقَالُ لَهُ: قِلْجٌ. وَكَانَ يُحِبُّهُ، فَوَجَدَ عَلَيْهِ وَجَدًّا عَظِيمًا بِحَيْثُ إِنَّهُ أَمَرَ الْأُمَرَاءَ أَنْ يَمْشُوا فِي جَنَازَتِهِ، فَمَشَوْا فَرَاسِخَ إِلَى تُرْبَتِهِ، وَأَمَرَ أَهْلَ الْبَلَدِ أَنْ يَخْرُجُوا بِحُزْنٍ وَتَعْدَادٍ عَلَيْهِ، فَتَوَانَى بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ، فَهَمَّ بِقَتْلِهِمْ حَتَّى تَشَفَّعَ فِيهِمْ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ، ثُمَّ لَمْ يَسْمَحْ بِدَفْنِ قِلْجٍ، فَكَانَ يُحْمَلُ مَعَهُ فِي مِحَفَّةٍ، وَكُلَّمَا أُحْضِرَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَعَامٌ يَقُولُ: احْمِلُوا هَذَا إِلَى قِلْجٍ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَدْ مَاتَ قِلْجٌ. فَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ فَقُتِلَ، فَكَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُونَ: قَبِلَهُ وَهُوَ يُقَبِّلُ
পৃষ্ঠা - ১০৮৭৩
الْأَرْضَ وَيَقُولُ: هُوَ الْآنَ أَصْلَحُ مِمَّا كَانَ. يَعْنِي أَنَّهُ مَرِيضٌ وَلَيْسَ بِمَيِّتٍ، فَيَجِدُ الْمَلِكُ رَاحَةً بِذَلِكَ; مِنْ قِلَّةِ عَقْلِهِ وَدِينِهِ، قَبَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى. فَلَمَّا جَاءَتِ التَّتَارُ اشْتَغَلَ بِهِمْ، وَأَمَرَ بِدَفْنِ قِلْجٍ، وَهَرَبَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، وَامْتَلَأَ قَلْبُهُ خَوْفًا مِنْهُمْ، وَجَعَلَ كُلَّمَا سَارَ إِلَى قُطْرٍ لَحِقُوهُ إِلَيْهِ، وَخَرَّبُوا مَا اجْتَازُوا بِهِ مِنَ الْأَقَالِيمِ وَالْبُلْدَانِ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْجَزِيرَةِ، وَجَاوَزُوهَا إِلَى سِنْجَارَ وَمَارِدِينَ وَآمِدَ، يُفْسِدُونَ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ قَتْلًا وَأَسْرًا وَنَهْبًا. وَتَمَزَّقَ شَمْلُ جَلَالِ الدِّينِ، وَتَفَرَّقَ عَنْهُ جَيْشُهُ، فَصَارُوا شَذَرَ مَذَرَ، وَبُدِّلُوا بِالْأَمْنِ خَوْفًا، وَبِالْعِزِّ ذُلًّا، وَبِالِاجْتِمَاعِ تَفْرِيقًا، فَسُبْحَانَ مَنْ بِيَدِهِ الْمَلَكُوتُ! وَانْقَطَعَ خَبَرُ جَلَالِ الدِّينِ فَلَا يُدْرَى أَيْنَ سَلَكَ وَلَا أَيْنَ ذَهَبَ. وَتَمَكَّنَتِ التَّتَارُ مِنَ النَّاسِ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ لَا يَجِدُونَ مَنْ يَمْنَعُهُمْ وَلَا مَنْ يَرْدَعُهُمْ، وَأَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى الْوَهْنَ وَالضَّعْفَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ مِنْهُمْ، كَانُوا كَثِيرًا مَا يَقْتُلُونَ النَّاسَ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُ: لَا بِاللَّهِ، لَا بِاللَّهِ. فَكَانُوا يَلْعَبُونَ عَلَى الْخَيْلِ، وَيُغَنُّونَ وَيُحَاكُونَ النَّاسَ: لَا بِاللَّهِ لَا بِاللَّهِ. وَهَذِهِ طَامَّةٌ عُظْمَى وَدَاهِيَةٌ كُبْرَى، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَحَجَّ النَّاسُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الشَّامِ، وَكَانَ فِيمَنْ خَرَجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ، ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ النَّاسُ بَعْدَ هَذِهِ السَّنَةِ أَيْضًا لِكَثْرَةِ الْحُرُوبِ وَالْخَوْفِ مِنَ التَّتَرِ وَالْفِرِنْجِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَفِيهَا تَكَامَلَ بِنَاءُ الْمَدْرَسَةِ الَّتِي بِسُوقِ الْعَجَمِ مِنْ بَغْدَادَ، الْمَنْسُوبَةُ إِلَى إِقْبَالٍ الشَّرَابِيِّ، وَحَضَرَ الدَّرْسَ بِهَا، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَاجْتَمَعَ فِيهِ جَمِيعُ الْمُدَرِّسِينَ
পৃষ্ঠা - ১০৮৭৪
وَالْمُفْتِينَ بِبَغْدَادَ، وَعَمِلَ بِصَحْنِهَا قِبَابَ الْحَلْوَى، فَحُمِلَ مِنْهَا إِلَى جَمِيعِ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ، وَرَتَّبَ فِيهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَقِيهًا لَهُمُ الْجَوَامِكُ الدَّارَّةُ فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَالطَّعَامُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَالْحَلَوَاتُ فِي أَوْقَاتِ الْمَوَاسِمِ، وَالْفَوَاكِهُ فِي زَمَانِهَا، وَخَلَعَ عَلَى الْمُدَرِّسِ وَالْمُعِيدِينَ وَالْفُقَهَاءِ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ وَقْتًا حَسَنًا، تَقَبَّلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ. وَفِيهَا سَارَ الْأَشْرَفُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاضِي الْفَاضِلِ فِي الرَّسْلِيَّةِ عَنِ الْكَامِلِ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ مِصْرَ إِلَى الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَنْصِرِ بِاللَّهِ بِبَغْدَادَ، فَأُكْرِمَ وَأُعِيدَ مُعَظَّمًا. وَفِيهَا دَخَلَ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ أَبُو سَعِيدٍ كُوكُبُرِي بْنُ زَيْنِ الدِّينِ صَاحِبُ إِرْبِلَ إِلَى بَغْدَادَ، وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَهَا قَطُّ، فَتَلَقَّاهُ الْمَوْكِبُ، وَشَافَهَهُ الْخَلِيفَةُ بِالسَّلَامِ مَرَّتَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ، وَكَانَ ذَلِكَ شَرَفًا لَهُ، غَبَطَهُ بِهِ سَائِرُ مُلُوكِ الْآفَاقِ، وَسَأَلُوا أَنْ يُهَاجِرُوا لِيَحْصُلَ لَهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ، فَلَمْ يُمَكَّنُوا لِحِفْظِ الثُّغُورِ، وَرَجَعَ إِلَى مَمْلَكَتِهِ مُعَظَّمًا مُكَرَّمًا. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: ابْنُ مُعْطِي النَّحْوِيُّ، يَحْيَى بْنُ مُعْطِي بْنُ عَبْدِ النُّورِ النَّحْوِيُّ، صَاحِبُ
পৃষ্ঠা - ১০৮৭৫
الْأَلْفِيَّةِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ النَّحْوِيَّةِ الْمُفِيدَةِ، وَيُلَقَّبُ بِزَيْنِ الدِّينِ، أَخَذَ عَنِ الْكِنْدِيِّ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ سَافَرَ إِلَى مِصْرَ، فَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِالْقَاهِرَةِ فِي مُسْتَهَلِّ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَشَهِدَ جَنَازَتَهُ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ، وَكَانَ قَدْ رَحَلَ إِلَى مِصْرَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَحُكِيَ أَنَّ الْمَلِكَ الْكَامِلَ شَهِدَ جَنَازَتَهُ أَيْضًا، وَأَنَّهُ دُفِنَ قَرِيبًا مِنْ قَبْرِ الْمُزَنِيِّ بِالْقَرَافَةِ، فِي طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ عَنْ يَسْرَةِ الْمَارِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الدَّخْوَارُ الطَّبِيبُ وَاقِفُ الدَّخْوَارِيَّةِ مُهَذَّبُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَامِدٍ، الْمَعْرُوفُ بِالدَّخْوَارِ، شَيْخُ الْأَطِبَّاءِ بِدِمَشْقَ، وَقَدْ وَقَفَ دَارَهُ بِدَرْبِ الْعَمِيدِ - بِالْقُرْبِ مِنَ الصَّاغَةِ الْعَتِيقَةِ - عَلَى الْأَطِبَّاءِ بِدِمَشْقَ مَدْرَسَةً لَهُمْ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُفِنَ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، وَعَلَى قَبْرِهِ قُبَّةٌ عَلَى أَعْمِدَةٍ فِي أَصْلِ الْجَبَلِ شَرْقِيَّ الرُّكْنِيَّةِ، وَقَدِ ابْتُلِيَ بِسِتَّةِ أَمْرَاضٍ مُتَعَاكِسَةٍ، مِنْهَا
পৃষ্ঠা - ১০৮৭৬
رِيحُ اللَّقْوَةِ. وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَ عُمْرُهُ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَفِيهَا تُوُفِّيَ: الْقَاضِي أَبُو غَانِمِ بْنُ الْعَدِيمِ، الشَّيْخُ الصَّالِحُ، وَكَانَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ وَالرِّيَاضَةِ، وَالْعَامِلِينَ بِعِلْمِهِمْ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ أَعْبَدُ مِنْهُ لَكَانَ صَادِقًا، فَرَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، فَإِنَّهُ مِنْ جَمَاعَةِ شُيُوخِنَا، سَمِعْنَا عَلَيْهِ الْحَدِيثَ، وَانْتَفَعْنَا بِرُؤْيَتِهِ وَكَلَامِهِ. قَالَ: وَفِيهَا أَيْضًا فِي الثَّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ تُوُفِّيَ صَدِيقُنَا: أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ الْعَجَمِيِّ الْحَلَبِيُّ وَهُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ مُقَدَّمُو السُّنَّةِ بِحَلَبَ، وَكَانَ رَجُلًا ذَا مُرُوءَةٍ غَزِيرَةٍ، وَخُلُقٍ حَسَنٍ، وَحِلْمٍ وَافِرٍ وَرِيَاسَةٍ كَثِيرَةٍ، يُحِبُّ إِطْعَامَ الطَّعَامِ، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْهِ مَنْ أَكَلَ طَعَامَهُ، وَيُقَبِّلُ يَدَهُ، وَكَانَ يَلْقَى أَضْيَافَهُ بِوَجْهٍ مُنْبَسِطٍ، وَلَا يَقْعُدُ عَنْ إِيصَالِ رَاحَةٍ وَقَضَاءِ حَاجَةٍ، فَرَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَحْمَةً وَاسِعَةً. قُلْتُ: وَهَذَا آخِرُ مَا وُجِدَ مِنَ " الْكَامِلِ فِي التَّارِيخِ " لِلْحَافِظِ عِزِّ الدِّينِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَثِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، بْنِ أَبِي السِّعَادَاتِ بْنِ كَرَمٍ الْمَوْصِلِيُّ،
পৃষ্ঠা - ১০৮৭৭
أَحَدُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيِّينَ، شَرَحَ قِطْعَةً كَبِيرَةً مِنَ الْقُدُورِيِّ، وَكَتَبَ الْإِنْشَاءَ لِصَاحِبِهَا بَدْرِ الدِّينِ لُؤْلُؤٍ، ثُمَّ اسْتَقَالَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ فَاضِلًا شَاعِرًا، وَمِنْ شِعْرِهِ: دَعُوهُ كَمَا شَاءَ الْغَرَامُ يَكُونُ ... فَلَسْتُ وَإِنْ خَانَ الْعُهُودَ أَخُونُ وَلِينُوا لَهُ فِي قَوْلِكُمْ مَا اسْتَطَعْتُمُ ... عَسَى قَلْبُهُ الْقَاسِي عَلَيَّ يَلِينُ وَبُثُّوا صَبَابَاتِي إِلَيْهِ وَكَرِّرُوا ... حَدِيثِي عَلَيْهِ فَالْحَدِيثُ شُجُونُ بِنَفْسِي الْأُلَى بَانُوا عَنِ الْعَيْنِ خُفْيَةً ... وَحُبُّهُمُ فِي الْقَلْبِ لَيْسَ يَبِينُ وَسَلُّوا عَلَى الْعُشَّاقِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا ... سُيُوفًا لَهَا وُطْفُ الْجُفُونِ جُفُونُ الْمَجْدُ الْبَهْنَسِيُّ وَزِيرُ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ، ثُمَّ عَزَلَهُ وَصَادَرَهُ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ دُفِنَ بِتُرْبَتِهِ الَّتِي أَنْشَأَهَا بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، وَجَعَلَ كُتُبَهُ بِهَا وَقْفًا، وَأَجْرَى عَلَيْهَا أَوْقَافًا جَيِّدَةً دَارَّةً. جَمَالُ الدَّوْلَةِ، خَلِيلُ بْنُ زُوَيْزَانَ، رَئِيسُ قَصْرِ حَجَّاجٍ، كَانَ كَيِّسًا ذَا مُرُوءَةٍ، لَهُ صَدَقَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَلَهُ زِيَارَةٌ فِي مَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ، وَدُفِنَ
পৃষ্ঠা - ১০৮৭৮
بِتُرْبَتِهِ عِنْدَ مَسْجِدِ فُلُوسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. الْمَلِكُ الْأَمْجَدُ وَاقِفُ الْمَدْرَسَةِ الْأَمْجَدِيَّةِ بِالشَّرَفِ. وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ الْأَمْجَدِ بَهْرَامَ شَاهْ بْنِ فَرُّخْشَاهْ بْنِ شَاهِنْشَاهْ بْنِ أَيُّوبَ، صَاحِبِ بَعْلَبَكَّ بَعْدَهُ لَمْ يَزَلْ حَتَّى قَدِمَ الْأَشْرَفُ مُوسَى بْنُ الْعَادِلِ إِلَى دِمَشْقَ، فَمَلَكَهَا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ، فَانْتَزَعَ مِنْ يَدِهِ بَعْلَبَكَّ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَأَسْكَنَهُ عِنْدَهُ بِدِمَشْقَ فِي دَارِ أَبِيهِ، فَلَمَّا كَانَ فِي شَهْرِ شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَدَا عَلَيْهِ مَمْلُوكٌ مِنْ مَمَالِيكِهِ تُرْكِيٌّ، فَقَتَلَهُ لَيْلًا، وَكَانَ قَدِ اتَّهَمَهُ بِحِيَاصَةٍ لَهُ وَحَبَسَهُ، فَتَغَلَّبَ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي فَقَتَلَهُ، وَقُتِلَ الْمَمْلُوكُ بَعْدَهُ. وَدُفِنَ الْأَمْجَدُ فِي تُرْبَتِهِ الَّتِي إِلَى جَانِبِ تُرْبَةِ أَبِيهِ فِي الشَّرَفِ الشَّمَالِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَدْ كَانَ شَاعِرًا فَاضِلًا، لَهُ دِيوَانُ شِعْرٍ، وَقَدْ أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ السَّاعِي قِطْعَةً جَيِّدَةً مِنْ شِعْرِهِ الرَّائِقِ الْفَائِقِ. وَتَرْجَمَتُهُ فِي " طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ "، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو شَامَةَ فِي " الذَّيْلِ "، وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْهُ. وَمِمَّا أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ السَّاعِي فِي شَابٍّ رَآهُ يَقْطَعُ قُضْبَانَ بَانٍ، فَأَنْشَأَ عَلَى الْبَدِيهَةِ يَقُولُ: مَنْ لِي بِأَهْيَفَ قَالَ حِينَ عَتَبْتُهُ ... فِي قَطْعِ كُلِّ قَضِيبِ بَانٍ رَائِقِ
পৃষ্ঠা - ১০৮৭৯
تَحْكِي شَمَائِلُهُ الرَّشَاءُ إِذَا انْثَنَى ... رَيَّانَ بَيْنَ جَدَاوِلٍ وَحَدَائِقِ سَرَقَتْ غُصُونُ الْبَانِ لِينَ شَمَائِلِي ... فَقَطَعْتُهَا وَالْقَطْعُ حَدُّ السَّارِقِ وَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: يُؤَرِّقُنِي حَنِينٌ وَادِّكَارُ ... وَقَدْ خَلَتِ الْمَرَابِعُ وَالدِّيَارُ تَنَاءَى الظَّاعِنُونَ وَلِي فُؤَادٌ ... يَسِيرُ مَعَ الْهَوَادِجِ حَيْثُ سَارُوا حَنِينٌ مِثْلَمَا شَاءَ التَّنَائِي ... وَشَوْقٌ كُلَّمَا بَعُدَ الْمَزَارُ وَلَيْلِي بَعْدَ بَيْنِهِمُ طَوِيلٌ ... فَأَيْنَ مَضَتْ لَيَالِيَّ الْقِصَارُ وَقَدْ حَكَمَ السُّهَادُ عَلَى جُفُونِي ... تَسَاوَى اللَّيْلُ عِنْدِي وَالنَّهَارُ سُهَادِي بَعْدَ نَأْيِهِمُ كَثِيرٌ ... وَنَوْمِي بَعْدَ مَا رَحَلُوا غِرَارُ فَمَنْ ذَا يَسْتَعِيرُ لَنَا عُيُونًا ... تَنَامُ وَهَلْ تَرَى عَيْنًا تُعَارُ فَلَا لَيْلِي لَهُ صُبْحٌ مُنِيرٌ ... وَلَا وَجْدِي يُقَالُ لَهُ عِثَارُ وَكَمْ مِنْ قَائِلٍ وَالْحَيُّ غَادٍ ... يُحَجَّبُ ظُعْنَهُ النَّقْعُ الْمُثَارُ وُقُوفُكَ فِي الدِّيَارِ وَأَنْتَ حَيٌّ ... وَقَدْ رَحَلَ الْخَلِيطُ عَلَيْكَ عَارُ وَلَهُ: كَمْ يَذْهَبُ هَذَا الْعُمْرُ فِي الْخُسْرَانِ ... مَا أَغْفَلَنِي فِيهِ وَمَا أَنْسَانِي