আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১০৭৭৬
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَمَّ الْبَلَاءُ، وَعَظُمَ الْعَزَاءُ بِجِنْكِزْخَانَ الْمُسَمَّى بِتَمُوجِينَ، لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ التَّتَارِ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُمْ، وَامْتَدَّ إِفْسَادُهُمْ مِنْ أَقْصَى بِلَادِ الصِّينِ إِلَى أَنْ وَصَلُوا بِلَادَ الْعِرَاقِ وَمَا حَوْلَهَا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى إِرْبِلَ وَأَعْمَالِهَا، فَمَلَكُوا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ - وَهِيَ هَذِهِ السَّنَةُ - سَائِرَ الْمَمَالِكِ إِلَّا الْعِرَاقَ وَالْجَزِيرَةَ وَالشَّامَ وَمِصْرَ، وَقَهَرُوا جَمِيعَ الطَّوَائِفِ الَّتِي بِتِلْكَ النَّوَاحِي; الْخُوَارَزْمِيَّةِ وَالْقَفْجَاقِ وَالْكُرْجِ وَاللَّانِ وَالْخَزَرِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَتَلُوا فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ فِي بُلْدَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ كِبَارٍ وَصِغَارٍ مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوصَفُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَدْخُلُوا بَلَدًا إِلَّا قَتَلُوا جَمِيعَ مَنْ فِيهِ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ وَالرِّجَالِ، وَكَثِيرًا مِنَ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ، وَأَتْلَفُوا مَا فِيهِ بِالنَّهْبِ إِنِ احْتَاجُوا إِلَيْهِ، وَبِالْحَرِيقِ إِنْ لَمْ يَحْتَاجُوا إِلَيْهِ، حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ الْحَرِيرَ الْكَثِيرَ الَّذِي يَعْجِزُونَ عَنْ حَمْلِهِ فَيُطْلِقُونَ فِيهِ النَّارَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَيُخَرِّبُونَ الْمَنَازِلَ، وَمَا عَجَزُوا عَنْ تَخْرِيبِهِ أَحْرَقُوهُ، وَأَكْثَرُ مَا يُحْرِقُونَ الْمَسَاجِدَ وَالْجَوَامِعَ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَانُوا يَأْخُذُونَ الْأُسَارَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيُقَاتِلُونَ بِهِمْ، وَيُحَاصِرُونَ بِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَنْصَحُوا فِي الْقِتَالِ قَتَلُوهُمْ.
পৃষ্ঠা - ১০৭৭৭
وَقَدْ بَسَطَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي كَامِلِهِ خَبَرَهُمْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بَسْطًا حَسَنًا مُفَصَّلًا، وَقَدَّمَ عَلَى ذَلِكَ كَلَامًا هَائِلًا فِي تَعْظِيمِ هَذَا الْخَطْبِ الْعَجِيبِ. قَالَ: فَنَقُولُ هَذَا فَصْلٌ يَتَضَمَّنُ ذِكْرَ الْحَادِثَةِ الْعُظْمَى وَالْمُصِيبَةِ الْكُبْرَى الَّتِي عَقِمَتِ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي عَنْ مِثْلِهَا، عَمَّتِ الْخَلَائِقَ، وَخَصَّتِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ الْعَالَمَ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَإِلَى الْآنَ، لَمْ يُبْتَلَوْا بِمِثْلِهَا، لَكَانَ صَادِقًا; فَإِنَّ التَّوَارِيخَ لَمْ تَتَضَمَّنْ مَا يُقَارِبُهَا وَلَا مَا يُدَانِيهَا، وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَذْكُرُونَ مِنَ الْحَوَادِثِ مَا فَعَلَ بُخْتُنَصَّرُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْقَتْلِ وَتَخْرِيبِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، وَمَا الْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا خَرَّبَ هَؤُلَاءِ الْمَلَاعِينُ مِنَ الْبِلَادِ، الَّتِي كَلُّ مَدِينَةٍ مِنْهَا أَضْعَافُ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ؟ وَمَا بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ قُتِلُوا؟ فَإِنَّ أَهْلَ مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّنْ قُتِلُوا أَكْثَرُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَعَلَّ الْخَلَائِقَ لَا يَرَوْنَ مِثْلَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ إِلَى أَنْ يَنْقَرِضَ الْعَالَمُ وَتَفْنَى الدُّنْيَا إِلَّا يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَأَمَّا الدَّجَّالُ فَإِنَّهُ يُبْقِي عَلَى مَنِ اتَّبَعَهُ وَيُهْلِكُ مَنْ خَالَفَهُ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يُبْقُوا عَلَى أَحَدٍ، بَلْ قَتَلُوا الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ، وَشَقُّوا بُطُونَ الْحَوَامِلِ، وَقَتَلُوا الْأَجِنَّةَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، لِهَذِهِ الْحَادِثَةِ الَّتِي اسْتَطَارَ شَرَرُهَا وَعَمَّ ضَرَرُهَا، وَسَارَتْ فِي الْبِلَادِ كَالسَّحَابِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَإِنَّ قَوْمًا خَرَجُوا مِنْ أَطْرَافِ الصِّينِ، فَقَصَدُوا بِلَادَ تُرْكِسْتَانَ مِثْلَ كَاشْغَرَ وَبَلَاسَاغُونَ، ثُمَّ مِنْهَا إِلَى بِلَادِ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ مِثْلِ سَمَرْقَنْدَ وَبُخَارَى وَغَيْرِهِمَا، فَيَمْلِكُونَهَا وَيَفْعَلُونَ بِأَهْلِهَا مَا نَذْكُرُهُ، ثُمَّ تَعْبُرُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ إِلَى خُرَاسَانَ، فَيَفْرَغُونَ مِنْهَا مُلْكًا وَتَخْرِيبًا وَقَتْلًا وَنَهْبًا، ثُمَّ يُجَاوِزُونَهَا إِلَى الرَّيِّ وَهَمَذَانَ وَبَلَدِ الْجَبَلِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْبِلَادِ إِلَى
পৃষ্ঠা - ১০৭৭৮
حَدِّ الْعِرَاقِ، ثُمَّ يَقْصِدُونَ بِلَادَ أَذْرَبِيجَانَ وَأَرَّانَ، وَيُخَرِّبُونَهَا وَيَقْتُلُونَ أَكْثَرَ أَهْلِهَا، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إِلَّا الشَّرِيدُ النَّادِرُ فِي أَقَلِّ مِنْ سَنَةٍ، هَذَا مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ. ثُمَّ سَارُوا إِلَى دَرْبَنْدَ شَرْوَانَ، فَمَلَكُوا مُدُنَهُ، وَلَمْ يَسْلَمْ غَيْرُ قَلْعَتِهِ الَّتِي بِهَا مَلِكُهُمْ، وَعَبَرُوا عِنْدَهَا إِلَى بَلَدِ اللَّانِ وَاللَّكْزِ، وَمَنْ فِي ذَلِكَ الصَّقْعِ مِنَ الْأُمَمِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَأَوْسَعُوهُمْ قَتْلًا وَنَهْبًا وَتَخْرِيبًا، ثُمَّ قَصَدُوا بِلَادَ قَفْجَاقَ، وَهُمْ مِنْ أَكْثَرِ التُّرْكِ عَدَدًا، فَقَتَلُوا كُلَّ مَنْ وَقَفَ لَهُمْ، وَهَرَبَ الْبَاقُونَ إِلَى الْغِيَاضِ، وَمَلَكُوا عَلَيْهِمْ بِلَادَهُمْ. وَسَارَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إِلَى غَزْنَةَ وَأَعْمَالِهَا وَمَا يُجَاوِرُهَا مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ وَسِجِسْتَانَ وَكَرْمَانَ، فَفَعَلُوا فِيهَا مِثْلَ أَفْعَالِ هَؤُلَاءِ وَأَشَدَّ. هَذَا مَا لَمْ يُطْرِقِ الْأَسْمَاعَ مِثْلُهُ، فَإِنَّ الْإِسْكَنْدَرَ الَّذِي اتَّفَقَ الْمُؤَرِّخُونَ عَلَى أَنَّهُ مَلَكَ الدُّنْيَا، لَمْ يَمْلِكْهَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، إِنَّمَا مَلَكَهَا فِي نَحْوِ عَشْرِ سِنِينَ، وَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا، بَلْ رَضِيَ مِنَ النَّاسِ بِالطَّاعَةِ، وَهَؤُلَاءِ قَدْ مَلَكُوا أَكْثَرَ الْمَعْمُورِ مِنَ الْأَرْضِ وَأَطْيَبَهُ وَأَحْسَنَهُ عِمَارَةً وَأَكْثَرَهُ أَهْلًا، وَأَعْدَلَهُمْ أَخْلَاقًا وَسِيرَةً فِي نَحْوِ سَنَةٍ، وَلَمْ يَتَّفِقْ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ الَّتِي لَمْ يَطْرُقُوهَا بَقَاءٌ إِلَّا وَهُوَ خَائِفٌ مُتَرَقِّبٌ وُصُولَهُمْ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ إِذَا طَلَعَتْ، وَلَا يُحَرِّمُونَ شَيْئًا، وَيَأْكُلُونَ مَا وَجَدُوهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَالْمَيْتَاتِ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ: وَإِنَّمَا اسْتَقَامَ لَهُمْ هَذَا الْأَمْرُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ; لِأَنَّ السُّلْطَانَ خُوَارَزْمَ شَاهْ مُحَمَّدًا كَانَ قَدْ قَتَلَ الْمُلُوكَ مِنْ سَائِرِ الْمَمَالِكِ، وَاسْتَقَلَّ بِالْأُمُورِ، فَلَمَّا انْهَزَمَ مِنْهُمْ
পৃষ্ঠা - ১০৭৭৯
فِي الْعَامِ الْمَاضِي، وَضَعُفَ عَنْهُمْ، وَسَاقُوا وَرَاءَهُ فَهَرَبَ، فَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ، وَهَلَكَ فِي بَعْضِ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، خَلَتِ الْبِلَادُ، وَلَمْ يَبْقَ لَهَا مَنْ يَحْمِيهَا {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال: 42] ، {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [الأنفال: 44] . ثُمَّ شَرَعَ فِي تَفْصِيلِ مَا ذَكَرَهُ مُجْمَلًا، فَذَكَرَ أَوَّلًا مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي الْعَامِ الْمَاضِي مِنْ بَعْثِ جِنْكِزْخَانَ أُولَئِكَ التُّجَّارَ بِمَالٍ لَهُ يَأْتُونَهُ بِثَمَنِهِ كُسْوَةً وَلِبَاسًا، وَأَخَذَ خُوَارَزْمُ شَاهْ تِلْكَ الْأَمْوَالَ، فَحَنِقَ عَلَيْهِ جِنْكِزْخَانُ، وَأَرْسَلَ يَتَهَدَّدُهُ، فَسَارَ إِلَيْهِ خُوَارَزْمُ شَاهْ بِنَفْسِهِ وَجُنُودِهِ، فَوَجَدَ التَّتَارَ مَشْغُولِينَ بِقِتَالِ كَشْلِي خَانَ، فَنَهَبَ أَثْقَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَطْفَالَهُمْ، فَرَجَعُوا وَقَدِ انْتَصَرُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ وَازْدَادُوا حَنَقًا وَغَيْظًا، فَتَوَاقَعُوا هُمْ وَإِيَّاهُ مَعَ ابْنِ جِنْكِزْخَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ تَحَاجَزُوا، وَرَجَعَ خُوَارَزْمُ شَاهْ إِلَى أَطْرَافِ بِلَادِهِ فَحَصَّنَهَا، ثُمَّ كَرَّ رَاجِعًا إِلَى مَقَرِّ مُلْكِهِ وَهِيَ مَدِينَةُ خُوَارَزْمَ، فَأَقْبَلَ جِنْكِزْخَانُ، فَحَصَرَ بُخَارَى كَمَا ذَكَرْنَا، فَافْتَتَحَهَا صُلْحًا، وَغَدَرَ بِأَهْلِهَا حَتَّى افْتَتَحَ قَلْعَتَهَا قَهْرًا، وَقَتَلَ الْجَمِيعَ، وَأَخَذَ الْأَمْوَالَ وَسَبَى النِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ، وَخَرَّبَ الدُّورَ وَالْمَحَالَّ، وَقَدْ كَانَ بِهَا عِشْرُونَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ شَيْئًا. ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إِلَى سَمَرْقَنْدَ فَحَاصَرَهَا فِي أَوَّلِ مُحَرَّمِ هَذِهِ السَّنَةِ، وَبِهَا خَمْسُونَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ مِنَ الْجُنْدِ فَنَكَلُوا، وَبَرَزَ إِلَيْهِمْ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْعَامَّةِ، فَقُتِلَ الْجَمِيعُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَلْقَى إِلَيْهِ الْخَمْسُونَ أَلْفًا السَّلَمَ، فَسَلَبَهُمْ سِلَاحَهُمْ، وَمَا يَمْتَنِعُونَ بِهِ، وَقَتَلَهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَاسْتَبَاحَ الْبَلَدَ، فَقَتَلَ الْجَمِيعَ، وَأَخَذَ الْأَمْوَالَ، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ، وَحَرَقَهُ وَتَرَكَهُ بِلَاقِعَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَأَقَامَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - هُنَالِكَ وَأَرْسَلَ السَّرَايَا إِلَى الْبُلْدَانِ، فَأَرْسَلَ سَرِيَّةً إِلَى بِلَادِ خُرَاسَانَ، وَتُسَمِّيهَا التَّتَارُ الْمُغَرِّبَةَ، وَأَرْسَلَ أُخْرَى وَرَاءَ خُوَارَزْمَ شَاهْ، وَكَانُوا عِشْرِينَ أَلْفًا، قَالَ: اطْلُبُوهُ فَأَدْرِكُوهُ وَلَوْ تَعَلَّقَ بِالسَّمَاءِ.
পৃষ্ঠা - ১০৭৮০
فَسَاقُوا فِي طَلَبِهِ، فَأَدْرَكُوهُ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ نَهْرُ جَيْحُونَ، وَهُوَ آمِنٌ بِسَبَبِهِ، فَلَمْ يَجِدُوا سُفُنًا، فَعَمِلُوا لَهُمْ أَحْوَاضًا يَحْمِلُونَ عَلَيْهَا الْأَسْلِحَةَ، وَيُرْسِلُ أَحَدُهُمْ فَرَسَهُ، وَيَأْخُذُ بِذَنَبِهَا، فَتَجُرُّهُ الْفَرَسُ بِالْمَاءِ، وَهُوَ يَجُرُّ الْحَوْضَ الَّذِي فِيهِ سِلَاحُهُ، حَتَّى صَارُوا كُلُّهُمْ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِمْ خُوَارَزْمُ شَاهْ إِلَّا وَقَدْ خَالَطُوهُ، فَهَرَبَ مِنْهُمْ إِلَى نَيْسَابُورَ، ثُمَّ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَهُمْ فِي أَثَرِهِ لَا يُمْهِلُونَهُ حَتَّى يَجْمَعَ لَهُمْ، فَصَارَ كُلَّمَا أَتَى بَلَدًا لِيَجْتَمِعَ فِيهِ عَسَاكِرُهُ يُدْرِكُونَهُ، فَيَهْرُبُ مِنْهُمْ، حَتَّى رَكِبَ فِي بَحْرِ طَبَرِسْتَانَ، وَسَارَ إِلَى قَلْعَةٍ فِي جَزِيرَةٍ فِيهِ، فَكَانَتْ فِيهَا وَفَاتُهُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ لَا يُعْرَفُ بَعْدَ رُكُوبِهِ فِي الْبَحْرِ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، بَلْ ذَهَبَ فَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ وَلَا كَيْفَ سَلَكَ، وَلَا إِلَى أَيِّ مَفَرٍّ هَرَبَ. وَمَلَكَتِ التَّتَارُ حَوَاصِلَهُ، فَوَجَدُوا فِي خِزَانَتِهِ عَشَرَةَ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَلْفَ حِمْلٍ مِنَ الْأَطْلَسِ، وَعِشْرِينَ أَلْفَ فَرَسٍ وَبَغْلٍ، وَمِنَ الْغِلْمَانِ وَالْجَوَارِي وَالْخِيَامِ شَيْئًا كَثِيرًا، وَكَانَ لَهُ عَشَرَةُ آلَافِ مَمْلُوكٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِثْلُ مَلِكٍ، فَتَمَزَّقَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ، وَقَدْ كَانَ خُوَارَزْمُ شَاهْ فَقِيهًا حَنَفِيًّا فَاضِلًا، لَهُ مُشَارَكَاتٌ فِي فُنُونٍ مِنَ الْعِلْمِ، يَفْهَمُ جَيِّدًا، وَمَلَكَ بِلَادًا مُتَّسِعَةً وَمَمَالِكَ مُتَعَدِّدَةً إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً وَشُهُورًا، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ مُلُوكِ بَنِي سَلْجُوقَ أَكْبَرُ حُرْمَةً وَلَا أَعْظَمُ مُلْكًا مِنْهُ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَتْ هِمَّتُهُ فِي الْمُلْكِ لَا فِي اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ، وَلِذَلِكَ قَهَرَ الْمُلُوكَ بِتِلْكَ الْأَرَاضِي، وَأَحَلَّ بِالْخِطَا بَأْسًا شَدِيدًا، حَتَّى لَمْ يَبْقَ بِبِلَادِ خُرَاسَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَكَذَلِكَ عِرَاقُ الْعَجَمِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَمَالِكِ سُلْطَانٌ سِوَاهُ، وَجَمِيعُ الْبِلَادِ تَحْتَ يَدِ نُوَّابِهِ. ثُمَّ سَارُوا إِلَى مَازَنْدَرَانَ، وَقِلَاعُهَا مِنْ أَمْنَعِ الْقِلَاعِ، بِحَيْثُ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ
পৃষ্ঠা - ১০৭৮১
يَفْتَتِحُوهَا إِلَّا فِي سَنَةِ تِسْعِينَ فِي أَيَّامِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَفَتَحَهَا هَؤُلَاءِ فِي أَيْسَرِ مُدَّةٍ، وَنَهَبُوا مَا فِيهَا، وَقَتَلُوا أَهَالِيَهَا، وَسَبَوْا وَأَحْرَقُوا، ثُمَّ تَرَحَّلُوا عَنْهَا نَحْوَ الرَّيِّ، فَوَجَدُوا فِي الطَّرِيقِ أُمَّ خُوَارَزْمَ شَاهْ، وَمَعَهَا أَمْوَالٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا، فَأَخَذُوهَا وَفِيهَا كُلُّ غَرِيبٍ وَنَفِيسٍ مِمَّا لَمْ يُشَاهَدْ مِثْلُهُ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ قَصَدُوا الرَّيَّ فَدَخَلُوهَا عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَتَلُوهُمْ وَنَهَبُوهُمْ وَسَبَوْهُمْ وَأَسَرُوهُمْ. ثُمَّ سَارُوا إِلَى هَمَذَانَ فَمَلَكُوهَا، ثُمَّ إِلَى زَنْجَانَ، فَقَتَلُوا وَسَبَوْا، ثُمَّ قَصَدُوا قَزْوِينَ فَنَهَبُوهَا، وَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِهَا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ تَيَمَّمُوا بِلَادَ أَذْرَبِيجَانَ، فَصَالَحَهُمْ مَلِكُهَا أُوزْبَكُ بْنُ الْبَهْلَوَانِ عَلَى مَالٍ حَمَلَهُ إِلَيْهِمْ; لِشُغْلِهِ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ السُّكْرِ وَارْتِكَابِ السَّيِّئَاتِ وَالِانْهِمَاكِ عَلَى الشَّهَوَاتِ، فَتَرَكُوهُ وَسَارُوا إِلَى مُوقَانَ، فَقَاتَلَهُمُ الْكُرْجُ فِي عَشَرَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ، فَلَمْ يَقِفُوا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى انْهَزَمَتِ الْكُرْجُ، وَقَتَلَتِ التَّتَارُ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ قَصَدُوا تَفْلِيسَ، وَهِيَ أَكْبَرُ مُدُنِ الْكُرْجِ، وَاجْتَمَعَتْ عِنْدَ ذَلِكَ الْكُرْجُ، فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِمْ بِحَدِّهِمْ وَحَدِيدِهِمْ، فَكَسَرَتْهُمُ التَّتَارُ مَرَّةً ثَانِيَةً أَقْبَحَ كَسْرَةٍ وَأَشْنَعَهَا. وَهَاهُنَا قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَلَقَدْ جَرَى لِهَؤُلَاءِ التَّتَرِ مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ; طَائِفَةٌ تَخْرُجُ مِنْ حُدُودِ الصِّينِ لَا تَنْقَضِي عَلَيْهِمْ سَنَةٌ حَتَّى يَصِلَ بَعْضُهُمْ إِلَى حُدُودِ بِلَادِ أَرْمِينِيَّةَ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ، وَيُجَاوِزُونَ الْعِرَاقَ مِنْ نَاحِيَةِ هَمَذَانَ، وَتَاللَّهِ لَا أَشُكُّ أَنَّ مَنْ يَجِيءُ بَعْدَنَا إِذَا بَعُدَ الْعَهْدُ، وَيَرَى هَذِهِ الْحَادِثَةَ مَسْطُورَةً يُنْكِرُهَا وَيَسْتَبْعِدُهَا، وَالْحَقُّ بِيَدِهِ، فَمَتَى اسْتَبْعَدَ ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْ أَنَّنَا سَطَرْنَا نَحْنُ وَكُلُّ مَنْ جَمَعَ التَّارِيخَ فِي أَزَمَانِنَا هَذِهِ
পৃষ্ঠা - ১০৭৮২
فِي وَقْتٍ كُلُّ مَنْ فِيهِ يَعْلَمُ هَذِهِ الْحَادِثَةَ، قَدِ اسْتَوَى فِي مَعْرِفَتِهَا الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ لِشُهْرَتِهَا، يَسَّرَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْإِسْلَامِ مَنْ يَحْفَظُهُمْ وَيَحُوطُهُمْ، فَلَقَدْ دُفِعُوا مِنَ الْعَدْوِ إِلَى عَظِيمٍ، وَمِنَ الْمُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَنْ لَا تَتَعَدَّى هِمَّتُهُ بَطْنَهُ وَفَرْجَهُ، وَقَدْ عُدِمَ سُلْطَانُ الْمُسْلِمِينَ خُوَارَزْمُ شَاهْ. قَالَ: وَانْقَضَتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَهُمْ فِي بِلَادِ الْكُرْجِ، فَلَمَّا رَأَوْا مِنْهُمْ مُمَانَعَةً وَمُقَاتَلَةً يَطُولُ عَلَيْهِمْ بِهَا الْمَطَالُ عَدَلُوا إِلَى غَيْرِهِمْ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ عَادَتُهُمْ، فَسَارُوا إِلَى تِبْرِيزَ فَصَالَحَهُمْ أَهْلُهَا بِمَالٍ. ثُمَّ سَارُوا إِلَى مَرَاغَةَ، فَحَصَرُوهَا وَنَصَبُوا عَلَيْهَا الْمَجَانِيقَ، وَتَتَرَّسُوا بِالْأُسَارَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى الْبَلَدِ امْرَأَةٌ، وَ «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» فَفَتَحُوا الْبَلَدَ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِهِ خَلْقًا لَا يَعْلَمُ عِدَّتَهُمْ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَغَنِمُوا مِنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا، وَسَبَوْا وَأَسَرُوا عَلَى عَادَتِهِمْ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ لَعْنَةً تُدْخِلُهُمْ نَارَ جَهَنَّمَ، وَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَخَافُونَ مِنْهُمْ خَوْفًا عَظِيمًا جِدًّا حَتَّى إِنَّهُ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَى دَرْبٍ مِنْ هَذِهِ الْبَلَدِ وَبِهِ مِائَةُ رَجُلٍ لَمْ يَسْتَطِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ، وَمَا زَالَ يَقْتُلُهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى قُتِلَ الْجَمِيعُ، وَلَمْ يَرْفَعْ مِنْهُمْ أَحَدٌ يَدَهُ إِلَيْهِ، وَنَهَبَ ذَلِكَ الدَّرْبَ وَحْدَهُ. وَدَخَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ فِي زِيِّ رَجُلٍ بَيْتًا، فَقَتَلَتْ كُلَّ مَنْ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ وَحْدَهَا، ثُمَّ اسْتَشْعَرَ أَسِيرٌ مَعَهَا أَنَّهَا امْرَأَةٌ، فَقَتَلَهَا، لَعَنَهَا اللَّهُ. ثُمَّ قَصَدُوا مَدِينَةَ إِرْبِلَ، فَضَاقَ الْمُسْلِمُونَ لِذَلِكَ ذَرْعًا، وَقَالَ أَهْلُ تِلْكَ النَّوَاحِي: هَذَا أَمْرٌ عَصِيبٌ. وَكَتَبَ الْخَلِيفَةُ إِلَى أَهْلِ الْمَوْصِلِ وَالْمَلِكِ الْأَشْرَفِ صَاحِبِ الْجَزِيرَةِ يَقُولُ: إِنِّي قَدْ جَهَّزْتُ عَسْكَرًا، فَكُونُوا مَعَهُ لِقِتَالِ هَؤُلَاءِ التَّتَرِ.
পৃষ্ঠা - ১০৭৮৩
فَأَرْسَلَ الْأَشْرَفُ يَعْتَذِرُ إِلَى الْخَلِيفَةِ بِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ نَحْوَ أَخِيهِ الْكَامِلِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِسَبَبِ مَا قَدْ دَهَمَ الْمُسْلِمِينَ هُنَاكَ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَأَخْذِهِمْ دِمْيَاطَ الَّتِي قَدْ أَشْرَفُوا بِأَخْذِهِمْ لَهَا عَلَى أَخْذِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ قَاطِبَةً، وَكَانَ أَخُوهُ الْمُعَظَّمُ قَدْ قَدِمَ عَلَيْهِ إِلَى حَرَّانَ يَسْتَنْجِدُهُ لِأَخِيهِمَا الْكَامِلِ لِيَتَحَاجَزُوا الْفِرِنْجَ بِدِمْيَاطَ، وَهُوَ عَلَى أُهْبَةِ الْمَسِيرِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَكَتَبَ الْخَلِيفَةُ إِلَى مُظَفَّرِ الدِّينِ صَاحِبِ إِرْبِلَ لِيَكُونَ هُوَ الْمُقَدَّمَ عَلَى الْعَسَاكِرِ الَّتِي يَبْعَثُهَا الْخَلِيفَةُ، وَهِيَ عَشَرَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ، فَلَمْ يَقْدِمْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ غَيْرُ ثَمَانِمِائَةِ فَارِسٍ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعُوا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ بِأَنْ صَرَفَ هِمَّةَ التَّتَارِ إِلَى نَاحِيَةِ هَمَذَانَ، فَصَالَحَهُمْ أَهْلُهَا، وَتَرَكَ التَّتَرُ عِنْدَهُمْ شِحْنَةً، ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى شِحْنَتِهِمْ، فَرَجَعُوا إِلَيْهِمْ، فَحَاصَرُوهُمْ حَتَّى فَتَحُوهَا قَسْرًا، وَقَتَلُوا أَهْلَهَا عَنْ آخِرِهِمْ. ثُمَّ سَارُوا إِلَى أَذْرَبِيجَانَ فَفَتَحُوا أَرْدَبِيلَ ثُمَّ تِبْرِيزَ ثُمَّ إِلَى بَيْلَقَانَ، فَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِهَا خَلْقًا كَثِيرًا وَجَمًّا غَفِيرًا، وَحَرَّقُوهَا، وَكَانُوا يَفْجُرُونَ بِالنِّسَاءِ، ثُمَّ يَقْتُلُونَهُنَّ وَيَشُقُّونَ بُطُونَهُنَّ عَنِ الْأَجِنَّةِ. ثُمَّ عَادُوا إِلَى بِلَادِ الْكُرْجِ، وَقَدِ اسْتَعَدَّتْ لَهُمُ الْكُرْجُ، فَاقْتَتَلُوا مَعَهُمْ، فَكَسَرُوهُمْ أَيْضًا كَسْرَةً فَظِيعَةً، ثُمَّ فَتَحُوا بُلْدَانًا كَثِيرَةً يَقْتُلُونَ أَهْلَهَا، وَيَسْبُونَ نِسَاءَهَا، وَيَأْسِرُونَ مِنَ الرِّجَالِ مَا يُقَاتِلُونَ بِهِمُ الْحُصُونَ، يَجْعَلُونَهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ تُرْسًا يَتَّقُونَ بِهِمُ الرَّمْيَ وَغَيْرَهُ، وَمَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ. ثُمَّ سَارُوا إِلَى بِلَادِ اللَّانِ وَالْقَفْجَاقِ، فَاقْتَتَلُوا مَعَهُمْ قِتَالًا عَظِيمًا، فَكَسَرُوهُمْ وَقَصَدُوا
পৃষ্ঠা - ১০৭৮৪
أَكْبَرَ مَدَائِنِ الْقَفْجَاقِ، وَهِيَ مَدِينَةُ سُودَاقَ، وَفِيهَا مِنَ الْأَمْتِعَةِ وَالثِّيَابِ وَالتَّجَائِرِ مِنَ الْبُرْطَاسِيِّ وَالْقُنْدُزِ وَالسِّنْجَابِ شَيْءٌ كَثِيرٌ جِدًّا، وَلَجَأَتِ الْقَفْجَاقُ إِلَى بِلَادِ الرُّوسِ، وَكَانُوا نَصَارَى، فَاتَّفَقُوا مَعَهُمْ عَلَى قِتَالِ التَّتَارِ، فَالْتَقَوْا مَعَهُمْ، فَكَسَرَتْهُمُ التَّتَارُ كَسْرَةً فَظِيعَةً مُنْكَرَةً جِدًّا، ثُمَّ سَارُوا نَحْوَ بُلْغَارَ فِي حُدُودِ الْعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَفَرَغُوا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، ثُمَّ عَادُوا إِلَى نَحْوِ مَلِكِهِمْ جِنْكِزْخَانَ، لَعَنَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ. هَذَا مَا فَعَلَتْهُ هَذِهِ السَّرِيَّةُ الْمُغَرِّبَةُ. وَكَانَ جِنْكِزْخَانُ قَدْ أَرْسَلَ سَرَيَّةً فِي هَذِهِ السَّنَةِ إِلَى تِرْمِذَ فَأَخَذَتْهَا، وَأُخْرَى إِلَى فَرْغَانَةَ فَمَلَكُوهَا، وَجَهَّزَ جَيْشًا آخَرَ نَحْوَ خُرَاسَانَ، فَحَاصَرُوا بَلْخَ، فَصَالَحَهُمْ أَهْلُهَا، وَكَذَلِكَ صَالَحُوا مُدُنًا كَثِيرَةً أُخْرَى حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الطَّالَقَانِ، فَأَعْجَزَتْهُمْ قَلْعَتُهَا، وَكَانَتْ حَصِينَةً، فَحَاصَرُوهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ حَتَّى عَجَزُوا، فَكَتَبُوا إِلَى جِنْكِزْخَانَ، فَقَدِمَ بِنَفْسِهِ، فَحَاصَرَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أُخْرَى حَتَّى فَتَحَهَا قَهْرًا، ثُمَّ قَتَلَ كُلَّ مَنْ فِيهَا وَكُلَّ مَنْ فِي الْبَلَدِ بِكَمَالِهِ مِنَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ. ثُمَّ قَصَدُوا مَدِينَةَ مَرْوَ مَعَ جِنْكِزْخَانَ، وَقَدْ عَسْكَرَ بِظَاهِرِهَا نَحْوٌ مَنْ مِائَتَيْ أَلْفِ مُقَاتِلٍ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ، فَاقْتَتَلُوا مَعَهُ قِتَالًا عَظِيمًا حَتَّى انْكَسَرَ الْمُسْلِمُونَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ثُمَّ حَصَرُوا الْبَلَدَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَاسْتَنْزَلُوا نَائِبَهَا خَدِيعَةً، ثُمَّ غَدَرُوا بِهِ وَبِأَهْلِ الْبَلَدِ، فَقَتَلُوهُمْ وَغَنِمُوهُمْ
পৃষ্ঠা - ১০৭৮৫
وَسَبَوْهُمْ، وَعَاقَبُوهُمْ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ، حَتَّى إِنَّهُمْ قَتَلُوا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ سَبْعَمِائَةِ أَلْفِ إِنْسَانٍ. ثُمَّ سَارُوا إِلَى نَيْسَابُورَ، فَفَعَلُوا فِيهَا قَرِيبًا مِمَّا فَعَلُوا بِأَهْلِ مَرْوَ، ثُمَّ إِلَى طُوسَ، فَقَتَلُوا وَخَرَّبُوا مَشْهَدَ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى وَالرَّشِيدِ، وَتَرَكُوهُ خَرَابًا، ثُمَّ سَارُوا إِلَى هَرَاةَ، فَقَتَلُوا خَلْقًا وَاسْتَنَابُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ سَارُوا إِلَى غَزْنَةَ، فَقَاتَلَهُمْ جَلَالُ الدِّينِ بْنُ خُوَارَزْمِ شَاهْ فَكَسَرَهُمْ، فَعَادُوا إِلَى هَرَاةَ، فَإِذَا أَهْلُهَا قَدْ نَقَضُوا، فَقَتَلُوهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، ثُمَّ عَادُوا إِلَى مَلِكِهِمْ جِنْكِزْخَانَ - لَعَنَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ -، وَأَرْسَلَ جِنْكِزْخَانُ طَائِفَةً أُخْرَى إِلَى مَدِينَةِ خُوَارَزْمَ، فَحَاصَرُوهَا حَتَّى فَتَحُوا الْبَلَدَ قَهْرًا، فَقَتَلُوا مَنْ فِيهَا قَتْلًا ذَرِيعًا، وَنَهَبُوهَا وَسَبَوْا أَهْلَهَا، وَأَرْسَلُوا الْجِسْرَ الَّذِي يَمْنَعُ مَاءَ جَيْحُونَ عَنْهَا، فَغَرِقَتْ دُورُهَا، وَهَلَكَ جَمِيعُ أَهْلِهَا. ثُمَّ عَادُوا إِلَى مَلِكِهِمْ جِنْكِزْخَانَ، وَهُوَ مُخَيِّمٌ عَلَى الطَّالَقَانِ فَجَهَّزَ مِنْهُمْ طَائِفَةً إِلَى غَزْنَةَ، فَاقْتَتَلَ مَعَهُمْ جَلَالُ الدِّينِ بْنُ خُوَارَزْمِ شَاهْ، فَكَسَرَهُمْ جَلَالُ الدِّينِ كَسْرَةً عَظِيمَةً، وَاسْتَنْقَذَ مِنْهُمْ خَلْقًا مِنْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى جِنْكِزْخَانَ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَبْرُزَ بِنَفْسِهِ لِقِتَالِهِ، فَقَصَدَهُ جِنْكِزْخَانُ فَتَوَاجَهَا، وَقَدْ تَفَرَّقَ عَلَى جَلَالِ الدِّينِ بَعْضُ جَيْشِهِ، وَلَمْ يَبْقَ بُدٌّ مِنَ الْقِتَالِ، فَاقْتَتَلُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهَا قَبْلَهَا مِنْ قِتَالِهِمْ، ثُمَّ ضَعُفَ أَصْحَابُ السُّلْطَانِ جَلَالِ الدِّينِ بْنِ خُوَارَزْمَ شَاهْ، فَذَهَبُوا فَرَكِبُوا فِي بَحْرِ الْهِنْدِ، فَسَارَتِ التَّتَارُ إِلَى غَزْنَةَ، فَأَخَذُوهَا بِلَا كُلْفَةٍ وَلَا مُمَانَعَةٍ، كُلُّ هَذَا أَوْ أَكْثَرُهُ وَقَعَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَيْضًا تَرَكَ الْأَشْرَفُ مُوسَى بْنُ الْعَادِلِ لِأَخِيهِ شِهَابِ الدِّينِ
পৃষ্ঠা - ১০৭৮৬
غَازِيٍّ مُلْكَ خِلَاطَ وَمَيَّافَارِقِينَ وَبِلَادَ أَرْمِينِيَّةَ وَحَانِي، وَاعْتَاضَ بِالرُّهَا وَسَرُوجَ، وَذَلِكَ لِاشْتِغَالِهِ عَنْ حِفْظِ تِلْكَ النَّوَاحِي بِمُسَاعَدَةِ أَخِيهِ الْكَامِلِ وَنُصْرَتِهِ عَلَى الْفِرِنْجِ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ. وَفِي الْمُحَرَّمِ مِنْهَا هَبَّتْ رِيَاحٌ بِبَغْدَادَ، وَجَاءَتْ بُرُوقٌ، وَسُمِعَتْ رُعُودٌ شَدِيدَةٌ، وَسَقَطَتْ صَاعِقَةٌ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ عَلَى الْمَنَارَةِ الْمُجَاوِرَةِ لِغَرْوِ مَعِينَ فَثَلَمَتْهَا، ثُمَّ أُصْلِحَتْ، وَغَارَتِ الصَّاعِقَةُ فِي الْأَرْضِ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ نُصِبَ مِحْرَابُ الْحَنَابِلَةِ بِالرِّوَاقِ الثَّالِثِ الْغَرْبِيِّ مِنْ جَامِعِ دِمَشْقَ بَعْدَ مُمَانَعَةٍ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ لَهُمْ، وَلَكِنْ سَاعَدَهُمْ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ فِي نَصْبِهِ لَهُمْ، وَهُوَ الْأَمِيرُ رُكْنُ الدِّينِ الْمُعَظَّمِيُّ، وَصَلَّى فِيهِ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ بْنُ قُدَامَةَ. قُلْتُ: ثُمَّ رُفِعَ فِي حُدُودِ سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَعُوِّضُوا عَنْهُ بِالْمِحْرَابِ الْغَرْبِيِّ عِنْدَ بَابِ الزِّيَارَةِ، كَمَا عُوِّضَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ مِحْرَابِهِمُ الَّذِي كَانَ فِي الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ مِنَ الْجَامِعِ بِالْمِحْرَابِ الْمُجَدَّدِ لَهُمْ شَرْقِيَّ بَابِ الزِّيَارَةِ، حِينَ جُدِّدَ الْحَائِطُ الَّذِي هُوَ فِيهِ فِي الْأَيَّامِ التُّنْكُزِيَّةِ، عَلَى يَدَيْ نَاظِرِ الْجَامِعِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ مَرَاجِلَ، أَثَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِيهَا قَتَلَ صَاحِبُ سِنْجَارَ أَخَاهُ، فَمَلَكَهَا مُسْتَقِلًّا بِهَا الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ بْنُ الْعَادِلِ. وَفِيهَا نَافَقَ الْأَمِيرُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ الْمَشْطُوبِ عَلَى الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ، وَكَانَ قَدْ
পৃষ্ঠা - ১০৭৮৭
آوَاهُ، وَحَفِظَهُ مِنْ أَذَى أَخِيهِ الْكَامِلِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُبَايِعَ لِلْفَائِزِ، ثُمَّ إِنَّهُ سَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا فِي بِلَادِ الْجَزِيرَةِ فَسَجَنَهُ الْأَشْرَفُ حَتَّى مَاتَ كَمَدًا وَذُلًّا وَعُرْيًا. وَفِيهَا أَوْقَعَ الْكَامِلُ بالْفِرِنْجِ الَّذِينَ عَلَى دِمْيَاطَ بَأْسًا شَدِيدًا، فَقَتَلَ مِنْهُمْ عَشَرَةَ آلَافٍ، وَأَخَذَ خُيُولَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَفِيهَا عَزَلَ الْمُعَظَّمُ الْمُعْتَمِدَ مُبَارِزَ الدِّينِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ وِلَايَةِ دِمَشْقَ وَوَلَّاهَا لِلْعَزِيزِ خَلِيلٍ، وَلَمَّا خَرَجَ الْحَاجُّ إِلَى مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى، كَانَ أَمِيرَهُمُ الْمُعْتَمِدَ، فَحَصَلَ بِهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَفَّ عَبِيدَ مَكَّةَ عَنْ نَهْبِ الْحُجَّاجِ بَعْدَ قَتْلِهِمْ أَمِيرَ حَاجِّ الْعِرَاقِيِّينَ آقْبَاشَ النَّاصِرِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ الْأُمَرَاءِ عِنْدَ الْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ، وَأَخَصِّهِمْ عِنْدَهُ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدِمَ مَعَهُ بِخِلَعٍ لِلْأَمِيرِ حُسَيْنِ بْنِ أَبِي عَزِيزٍ قَتَادَةَ بْنِ إِدْرِيسَ بْنِ مُطَاعِنِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْعَلَوِيِّ الْحَسَنِيِّ الزَّيْدِيِّ بِوِلَايَتِهِ لِإِمْرَةِ مَكَّةَ بَعْدَ أَبِيهِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَنَازَعَ فِي ذَلِكَ رَاجِحٌ، وَهُوَ أَكْبَرُ أَوْلَادِ قَتَادَةَ، وَقَالَ: لَا يَتَأَمَّرُ عَلَيْهَا غَيْرِي. فَوَقَعَتْ فِتْنَةٌ أَفْضَى الْحَالُ إِلَى قَتْلِ آقْبَاشَ غَلَطًا. وَقَدْ كَانَ قَتَادَةُ مِنْ أَكَابِرِ الْأَشْرَافِ الْحَسَنِيِّينَ الزَّيْدِيِّينَ، وَكَانَ عَادِلًا مُنْصِفًا مُنَعَّمًا، نِقْمَةً عَلَى عَبِيدِ مَكَّةَ وَالْمُفْسِدِينَ بِهَا، ثُمَّ عَكَسَ هَذَا السَّيْرَ، فَظَلَمَ وَجَدَّدَ الْمُكُوسَ، وَنَهَبَ الْحَاجَّ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَدَهُ حَسَنًا، فَقَتَلَهُ وَقَتَلَ عَمَّهُ وَأَخَاهُ أَيْضًا، فَلِهَذَا لَمْ يُمْهِلِ اللَّهُ حَسَنًا هَذَا، بَلْ سَلَبَهُ الْمُلْكَ، وَشَرَّدَهُ فِي الْبِلَادِ، وَقِيلَ: بَلْ قُتِلَ كَمَا ذَكَرْنَا. وَكَانَ قَتَادَةُ شَيْخًا
পৃষ্ঠা - ১০৭৮৮
طَوِيلًا مَهِيبًا لَا يَخَافُ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ وَالْمُلُوكِ، وَيَرَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَكَانَ الْخَلِيفَةُ يَوَدُّ لَوْ حَضَرَ عِنْدَهُ لِيُكْرِمَهُ، وَكَانَ يَأْبَى مِنْ ذَلِكَ وَيَمْتَنِعُ مِنْهُ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ، وَلَمْ يَفِدْ إِلَى أَحَدٍ قَطُّ، وَلَا ذَلَّ لْخَلِيفَةٍ وَلَا مَلِكٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ مَرَّةً يَسْتَدْعِيهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: وَلِي كَفُّ ضِرْغَامٍ أُذِلُّ بِبَطْشِهَا ... وَأَشْرِي بِهَا بَيْنَ الْوَرَى وَأَبِيعُ تَظَلُّ مُلُوكُ الْأَرْضِ تَلْثُمُ ظَهْرَهَا ... وَفِي وَسْطِهَا لِلْمُجْدِبِينَ رَبِيعُ أَأَجْعَلُهَا تَحْتَ الرَّحَى ثُمَّ أَبْتَغِى ... خَلَاصًا لَهَا إِنِّي إِذًا لَرَقِيعُ وَمَا أَنَا إِلَّا الْمِسْكُ فِي كُلِّ بُقْعَةٍ ... يَضُوعُ وَأَمَّا عِنْدَكُمْ فَيَضِيعُ وَقَدْ بَلَغَ مِنَ السِّنِّ سَبْعِينَ سَنَةً، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَفَاتَهُ فِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ: الْمَلِكُ الْفَائِزُ غِيَاثُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَادِلِ، كَانَ قَدِ انْتَظَمَ لَهُ الْأَمْرُ فِي الْمُلْكِ بَعْدَ أَبِيهِ، عَلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى يَدَيِ الْأَمِيرِ عِمَادِ الدِّينِ بْنِ الْمَشْطُوبِ، لَوْلَا أَنَّ الْكَامِلَ تَدَارَكَ ذَلِكَ سَرِيعًا، ثُمَّ أَرْسَلَهُ أَخُوهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ إِلَى أَخِيهِمَا الْأَشْرَفِ مُوسَى يَسْتَحِثُّهُ فِي سُرْعَةِ الْمَسِيرِ إِلَيْهِمْ بِسَبَبِ الْفِرِنْجِ، فَمَاتَ بَيْنَ سِنْجَارَ
পৃষ্ঠা - ১০৭৮৯
وَالْمَوْصِلِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ سُمَّ، فَرُدَّ إِلَى سِنْجَارَ، فَدُفِنَ بِهَا، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. شَيْخُ الشُّيُوخِ صَدْرُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ شَيْخِ الشُّيُوخِ عِمَادِ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ حَمُّوَيْهِ الْجُوَيْنِيُّ، مِنْ بَيْتِ رِيَاسَةٍ وَإِمْرَةٍ عِنْدَ بَنِي أَيُّوبَ، وَقَدْ كَانَ صَدْرُ الدِّينِ هَذَا فَقِيهًا فَاضِلًا، دَرَسَ بِالشَّافِعِيِّ وَبِمَشْهَدِ الْحُسَيْنِ، وَوَلِيَ مَشْيَخَةَ سَعِيدِ السُّعَدَاءِ وَالنَّظَرَ فِيهَا، وَكَانَتْ لَهُ حُرْمَةٌ وَافِرَةٌ عِنْدَ الْمُلُوكِ، أَرْسَلَهُ الْكَامِلُ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَسْتَنْصِرُهُ عَلَى الْفِرِنْجِ، فَمَاتَ بِالْمَوْصِلِ بِالْإِسْهَالِ، وَدُفِنَ بِهَا عِنْدَ قَضِيبِ الْبَانِ عَنْ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً. صَاحِبُ حَمَاةَ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ تَقِيِّ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ شَاهِنْشَاهْ بْنِ أَيُّوبَ، وَكَانَ فَاضِلًا لَهُ تَارِيخٌ فِي عَشْرِ مُجَلَّدَاتٍ سَمَّاهُ الْمِضْمَارَ، وَكَانَ شُجَاعًا فَارِسًا، فَقَامَ بِالْمُلْكِ بَعْدَهُ وَالِدُهُ النَّاصِرُ قِلِيجُ أَرْسَلَانَ، ثُمَّ عَزَلَهُ عَنْهَا الْكَامِلُ، وَحَبَسَهُ حَتَّى مَاتَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَوَلَّى أَخَاهُ الْمُظَفَّرَ بْنَ الْمَنْصُورِ. صَاحِبُ آمِدَ الْمَلِكُ الصَّالِحُ نَاصِرُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَرَا أَرْسَلَانَ بْنِ أُرْتُقَ، وَكَانَ شُجَاعًا مُحِبًّا لِلْعُلَمَاءِ، وَكَانَ مُصَاحِبًا لِلْأَشْرَفِ
পৃষ্ঠা - ১০৭৯০
مُوسَى بْنِ الْعَادِلِ يَجِيءُ إِلَى خِدْمَتِهِ مِرَارًا، وَمَلَكَ بَعْدَهُ وَلَدُهُ الْمَلِكُ الْمَسْعُودُ، وَكَانَ بَخِيلًا فَاسِقًا، فَأَخَذَ الْكَامِلُ آمِدَ، وَحَبَسَهُ بِمِصْرَ ثُمَّ أَطْلَقَهُ، فَأَخَذَ أَمْوَالَهُ، وَسَارَ إِلَى التَّتَارِ فَأُخِذَتْ مِنْهُ. الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْيُونِينِيُّ الْمُلَقَّبُ أَسَدَ الشَّامِ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ، مِنْ قَرْيَةٍ بِبَعْلَبَكَّ، يُقَالُ لَهَا: يُونِينُ. وَكَانَتْ لَهُ زَاوِيَةٌ يُقْصَدُ فِيهَا لِلزِّيَارَةِ، وَكَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ الْكِبَارِ الْمَشْهُورِينَ بِالْعِبَادَةِ وَالرِّيَاضَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ. لَهُ هِمَّةٌ عَالِيَةٌ فِي الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ كَانَ لَا يَقْتَنِي شَيْئًا، وَلَا يَمْلِكُ مَالًا وَلَا ثِيَابًا، بَلْ يَلْبَسُ عَارِيَةً، وَلَا يَتَجَاوَزُ قَمِيصًا فِي الصَّيْفِ، وَفَرْوَةً فَوْقَهُ فِي الشِّتَاءِ، وَعَلَى رَأْسِهِ قُبَّعًا مِنْ جُلُودِ الْمَعْزِ، شَعْرُهُ إِلَى ظَاهِرٍ، وَكَانَ لَا يَنْقَطِعُ عَنْ غَزَاةٍ مِنَ الْغَزَوَاتِ، وَيَرْمِي عَنْ قَوْسٍ زِنَتُهُ ثَمَانُونَ رَطْلًا، وَكَانَ يُجَاوِرُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ بِجَبَلِ لُبْنَانَ، وَيَأْتِي فِي الشِّتَاءِ إِلَى عُيُونِ الْفَاسِرْيَا فِي سَفْحِ الْجَبَلِ الْمُطِلِّ عَلَى قَرْيَةِ دُومَةَ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، لِأَجْلِ سُخُونَةِ الْمَاءِ، فَيَقْصِدُهُ النَّاسُ لِلزِّيَارَةِ هُنَاكَ، وَيَجِيءُ تَارَةً إِلَى دِمَشْقَ، فَيَنْزِلُ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ عِنْدَ الْمَقَادِسَةِ، وَكَانَتْ لَهُ أَحْوَالٌ
পৃষ্ঠা - ১০৭৯১
وَمُكَاشَفَاتٌ صَالِحَةٌ. وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: أَسَدُ الشَّامِ. حَكَى الشَّيْخُ أَبُو الْمُظَفَّرِ سِبْطُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ عَنِ الْقَاضِي جَمَالِ الدِّينِ يَعْقُوبَ الْحَاكِمِ بِكَرَكِ الْبِقَاعِ، أَنَّهُ شَاهَدَ مَرَّةً الشَّيْخَ عَبْدَ اللَّهِ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ مِنْ ثَوْرَا عِنْدَ الْجِسْرِ الْأَبْيَضِ، إِذْ مَرَّ نَصْرَانِيٌّ وَمَعَهُ حِمْلُ بَغْلٍ خَمْرًا، فَعَثَرَتِ الدَّابَّةُ عِنْدَ الْجِسْرِ، فَسَقَطَ الْحِمْلُ فَرَأَى الشَّيْخَ وَقَدْ فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ، وَلَا يَعِرِفُهُ، وَاسْتَعَانَ بِهِ عَلَى رَفْعِ الْحِمْلِ، فَاسْتَدْعَانِي الشَّيْخُ فَقَالَ: تَعَالَ يَا فَقِيهُ فَتُسَاعِدَنَا عَلَى تَحْمِيلِ ذَلِكَ الْحِمْلِ عَلَى الدَّابَّةِ، وَذَهَبَ النَّصْرَانِيُّ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ ذَلِكَ وَتَبِعْتُ الْحِمْلَ، وَأَنَا ذَاهِبٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَانْتَهَى بِهِ إِلَى الْعُقَيْبَةِ، فَأَوْرَدَهُ إِلَى الْخَمَّارِ بِهَا، فَإِذَا هُوَ خَلٌّ، فَقَالَ لَهُ الْخَمَّارُ: وَيْحَكَ هَذَا خَلٌّ. فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: أَنَا أَعْرِفُ مِنْ أَيْنَ أُتِيتُ، ثُمَّ رَبَطَ الدَّابَّةَ فِي الْخَانِ، وَرَجَعَ إِلَى الصَّالِحِيَّةِ، فَسَأَلَ عَنِ الشَّيْخِ، فَعَرَفَهُ فَجَاءَ إِلَيْهِ، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ. وَلَهُ أَحْوَالٌ وَكَرَامَاتٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَكَانَ لَا يَقُومُ لِأَحَدٍ دَخَلَ إِلَيْهِ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَكَانَ الْأَمْجَدُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَقُولُ لَهُ: يَا مُجَيْدُ، فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا. وَيَأْمُرُهُ بِمَا يَأْمُرُهُ، وَيَنْهَاهُ عَمَّا يَنْهَاهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَمْتَثِلُ جَمِيعَ مَا يَقُولُهُ لَهُ; وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِصِدْقِهِ فِي زُهْدِهِ وَوَرَعِهِ وَطَرِيقِهِ. وَكَانَ يَقْبَلُ الْفَتُوحَ وَلَا يَدَّخِرُ مِنْهُ شَيْئًا لِغَدٍ، وَإِذَا اشْتَدَّ جُوعُهُ أَخَذَ مِنْ وَرَقِ
পৃষ্ঠা - ১০৭৯২
اللَّوْزِ، فَفَرَكَهُ وَاسْتَفَّهُ، وَيَشْرَبُ فَوْقَهُ الْمَاءَ الْبَارِدَ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ. وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ يَحُجُّ فِي بَعْضِ السِّنِينَ فِي الْهَوَاءِ، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا لِطَائِفَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الزُّهَّادِ وَصَالِحِي الْعِبَادَ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ، وَأَوَّلُ مَنْ يُذْكَرُ عَنْهُ هَذَا حَبِيبٌ الْعَجَمِيُّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَجْمَعِينَ -. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ صَلَّى الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْيُونِينِيُّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ بِجَامِعِ بَعْلَبَكَّ، وَكَانَ قَدْ دَخَلَ الْحَمَّامَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَهُوَ سَوِيٌّ صَحِيحٌ، فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلَاةِ، قَالَ لِلشَّيْخِ دَاوُدَ الْمُؤَذِّنِ وَكَانَ يُغَسِّلُ الْمَوْتَى: انْظُرْ كَيْفَ تَكُونُ غَدًا. ثُمَّ صَعِدَ الشَّيْخُ إِلَى زَاوِيَتِهِ، فَبَاتَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَيَتَذَكَّرُ أَصْحَابَهُ وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ وَلَوْ بِأَدْنَى شَيْءٍ، وَيَدْعُو لَهُمْ، فَلَمَّا دَخَلَ وَقْتُ الصُّبْحِ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ، ثُمَّ اسْتَنَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ وَفِي يَدِهِ سُبْحَةٌ، فَمَاتَ وَهُوَ كَذَلِكَ جَالَسٌ لَمْ يَسْقُطْ، وَلَمْ تَسْقُطِ السُّبْحَةُ مِنْ يَدِهِ، فَلَمَّا انْتَهَى الْخَبَرُ إِلَى الْمَلِكِ الْأَمْجَدِ صَاحِبِ بَعْلَبَكَّ، جَاءَ إِلَيْهِ، فَعَايَنَهُ كَذَلِكَ، فَقَالَ: لَوْ بَنَيْنَا عَلَيْهِ بُنْيَانًا هَكَذَا; لِيُشَاهِدَ النَّاسُ مِنْهُ آيَةً. فَقِيلَ لَهُ: لَيْسَ هَذَا مِنَ السُّنَّةِ. فَنُحِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَدُفِنَ تَحْتَ اللَّوْزَةِ الَّتِي كَانَ يَجْلِسُ تَحْتَهَا يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى، رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ السَّبْتِ، وَقَدْ جَاوَزَ ثَمَانِينَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ، وَكَانَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْفَقِيهُ الْيُونِينِيُّ مِنْ جُمْلَةِ تَلَامِيذِهِ، وَمِمَّنْ يَلُوذُ بِهِ، وَهُوَ
পৃষ্ঠা - ১০৭৯৩
جَدُّ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ بِمَدِينَةِ بَعْلَبَكَّ. أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُجَلِّيُّ الْمَوْصِلِيُّ وَيُعْرَفُ بِابْنِ الْجُهَنِيِّ، شَابٌّ فَاضِلٌ، وَلِيَ كِتَابَةَ الْإِنْشَاءِ لِبَدْرِ الدِّينِ لُؤْلُؤٍ زَعِيمِ الْمَوْصِلِ، وَمِنْ شِعْرِهِ: نَفْسِي فِدَاءُ الَّذِي فَكَّرْتُ فِيهِ وَقَدْ ... غَدَوْتُ أَغْرَقُ فِي بَحْرٍ مِنَ الْعَجَبِ يَبْدُو بِلَيْلٍ عَلَى صُبْحٍ عَلَى قَمَرِ ... عَلَى قَضِيبٍ عَلَى وَهْمٍ عَلَى كَثَبِ
পৃষ্ঠা - ১০৭৯৪
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا اسْتَوْلَتِ التَّتَارُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْبُلْدَانِ كَمَرَاغَةَ وَهَمَذَانَ وَأَرْدَبِيلَ وَتِبْرِيزَ وَكَنْجَةَ، وَقَتَلُوا أَهَالِيَهَا، وَنَهَبُوا مَا فِيهَا، وَاسْتَأْسَرُوا ذَرَارِيَّهَا، وَاقْتَرَبُوا مِنْ بَغْدَادَ، فَانْزَعَجَ الْخَلِيفَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَحَصَّنَ بَغْدَادَ، وَاسْتَخْدَمَ الْأَجْنَادَ، وَقَنَتَ النَّاسُ فِي الصَّلَوَاتِ وَالْأَوْرَادِ. وَفِيهَا قَهَرُوا الْكُرْجَ وَاللَّانَ، ثُمَّ قَاتَلُوا الْقَفْجَاقَ، فَكَسَرُوهُمْ، وَكَذَلِكَ الرُّوسَ، وَيَنْهَبُونَ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ هَؤُلَاءِ، وَيَسْبُونَ ذَرَارِيَّهُمْ وَنِسَاءَهُمْ. وَفِيهَا سَارَ الْمُعَظَّمُ إِلَى أَخِيهِ الْأَشْرَفِ، فَاسْتَعْطَفَهُ عَلَى أَخِيهِ الْكَامِلِ، وَكَانَ فِي نَفْسِهِ مَوجِدَةٌ عَلَيْهِ، فَأَزَالَهَا وَسَارَا جَمِيعًا نَحْوَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ لِمُعَاوَنَةِ الْكَامِلِ عَلَى الْفِرِنْجِ الَّذِينَ قَدْ أَخَذُوا ثَغْرَ دِمْيَاطَ، وَاسْتَحْكَمَ أَمْرُهُمْ هُنَالِكَ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَجَمِيعَ مَا كَانَ صَلَاحُ الدِّينِ فَتَحَهُ مِنْ بِلَادِ السَّاحِلِ، وَيَتْرُكُوا دِمْيَاطَ، فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ،
পৃষ্ঠা - ১০৭৯৫
وَلَمْ يَفْعَلُوا، فَقَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَقْوَاتُ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ مَرَاكِبُ فِيهَا مِيرَةٌ لَهُمْ، فَأَخَذَهَا الْأُسْطُولُ الْبَحْرِيُّ، وَأُرْسِلَتِ الْمِيَاهُ عَلَى أَرَاضِي دِمْيَاطَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَتَصَرَّفُوا فِي أَنْفُسِهِمْ، وَحَصَرَهُمُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى حَتَّى اضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِ الْأَمَاكِنِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَثَابُوا إِلَى الْمُصَالَحَةِ بِلَا مُعَاوَضَةٍ، فَجَاءَ مُقَدِّمُوهُمْ إِلَيْهِ، وَعِنْدَهُ أَخَوَاهُ الْمُعَظَّمُ عِيسَى وَمُوسَى الْأَشْرَفُ، وَكَانَا قَائِمَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا وَأَمْرًا مَحْمُودًا، فَوَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى مَا أَرَادَ الْكَامِلُ مُحَمَّدٌ، بَيَّضَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَمُلُوكُ الْفِرِنْجِ وَالْعَسَاكِرُ كُلُّهَا وَاقِفَةٌ بِحَضْرَتِهِ، وَمَدَّ سِمَاطًا عَظِيمًا، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَالْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَقَامَ رَاجِحٌ الْحِلِّيُّ الشَّاعِرُ فَأَنْشَدَ: هَنِيئًا فَإِنَّ السَّعْدَ رَاحَ مُخَلَّدَا ... وَقَدْ أَنْجَزَ الرَّحْمَنُ بِالنَّصْرِ مَوْعِدَا حَبَانَا إِلَهُ الْخَلْقِ فَتْحًا بَدَا لَنَا ... مُبِينًا وَإِنْعَامًا وَعِزًّا مُؤَبَّدَا تَهَلَّلَ وَجْهُ الدَّهْرِ بَعْدَ قُطُوبِهِ ... وَأَصْبَحَ وَجْهُ الشِّرْكِ بِالظُّلْمِ أَسْوَدَا وَلَمَّا طَغَى الْبَحْرُ الْخِضَمُّ بِأَهْلِهِ الْطُّ ... غَاةِ وَأَضْحَى بِالْمَرَاكِبِ مُزْبِدَا أَقَامَ لْهَذَا الدِّينِ مَنْ سَلَّ عَزْمَهُ ... صَقِيلًا كَمَا سُلَّ الْحُسَامُ مُجَرَّدَا فَلَمْ يَنْجُ إِلَّا كُلُّ شِلْوٍ مُجَدَّلٍ ... ثَوَى مِنْهُمُ أَوْ مَنْ تَرَاهُ مْقَيَّدَا وَنَادَى لِسَانُ الْكَوْنِ فِي الْأَرْضِ رَافِعًا ... عَقِيرَتَهُ فِي الْخَافِقَيْنِ وَمُنْشِدَا أَعُبَّادَ عِيسَى إِنَّ عِيسَى وَحِزْبَهُ ... وَمُوسَى جَمِيعًا يَخْدُمُونَ مُحَمَّدَا قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ أَشَارَ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى الْمُعَظَّمِ عِيسَى وَالْأَشْرَفِ
পৃষ্ঠা - ১০৭৯৬
مُوسَى وَالْكَامِلِ مُحَمَّدٍ. قَالَ وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ شَيْءٍ اتَّفَقَ. وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ تَاسِعَ عَشَرَ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَتَرَاجَعَتِ الْفِرِنْجُ إِلَى عَكَّا وَغَيْرِهَا مِنَ الْبُلْدَانِ، وَرَجَعَ الْمُعَظَّمُ إِلَى الشَّامِ، وَاصْطَلَحَ الْأَشْرَفُ وَالْكَامِلُ عَلَى أَخِيهِمَا الْمُعَظَّمِ. وَفِيهَا وَلَّى الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ قَضَاءَ دِمَشْقَ لِجَمَالِ الدِّينِ الْمِصْرِيِّ الَّذِي كَانَ وَكِيلَ بَيْتِ الْمَالِ بِهَا، وَكَانَ فَاضِلًا بَارِعًا، يَجْلِسُ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ قَبْلَ الصَّلَاةِ بِالْعَادِلِيَّةِ وَبَعْدَ فَرَاغِهَا لِإِثْبَاتِ الْمَحَاضِرِ، وَيَحْضُرُ عِنْدَهُ فِي الْمَدْرَسَةِ جَمِيعُ الشُّهُودِ مِنْ كُلِّ الْمَرَاكِزِ حَتَّى يَتَيَسَّرَ عَلَى النَّاسِ إِثْبَاتُ كُتُبِهِمْ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ، جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ يَاقُوتٌ الْكَاتِبُ الْمَوْصِلِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ أَمِينُ الدِّينِ الْمَشْهُورُ بِطَرِيقَةِ ابْنِ الْبَوَّابِ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ مَنْ يُقَارِبُهُ، وَكَانَتْ لَدَيْهِ فَضَائِلُ جَمَّةٌ، وَالنَّاسُ مُتَّفِقُونَ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَكَانَ نِعْمَ الرَّجُلُ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ نَجِيبُ الدِّينِ الْوَاسِطِيُّ قَصِيدَةً يَمْدَحُهُ بِهَا: جَامِعٌ شَارِدَ الْعُلُومِ وَلَوْلَا ... هُ لَكَانَتْ أُمُّ الْفَضَائِلِ ثَكْلَى ذُو يَرَاعٍ تَخَافُ زُبْيَتَهُ الْأُسْ ... دُ وَتَعْنُو لَهُ الْكَتَائِبُ ذُلَّا