পৃষ্ঠা - ১০৭২৩
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ عَشْرٍ وَسِتِّمِائَةٍ]
[الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا]
فِيهَا أَمَرَ الْعَادِلُ أَيَّامَ الْجُمَعِ بِوَضْعِ سَلَاسِلَ عَلَى أَفْوَاهِ الطُّرُقِ إِلَى الْجَامِعِ لِئَلَّا تَصِلَ الْخُيُولُ إِلَى قَرِيبِ الْجَامِعِ صِيَانَةً لِلْمُسْلِمِينَ عَنِ التَّأَذِّي بِهِمْ، وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ.
وَفِيهَا وُلِدَ الْمَلِكُ الْعَزِيزُ بْنُ الظَّاهِرِ غَازِيٍّ صَاحِبُ حَلَبَ، وَهُوَ وَالِدُ الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَاحِبِ دِمَشْقَ، وَاقِفِ النَّاصِرِيَّتَيْنِ الَّذِي أَسَرَهُ هَلَاوُونُ مَلِكُ التَّتَارِ.
وَفِيهَا قَدِمَ بِالْفِيلِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَحَمَلَ هَدِيَّةً إِلَى صَاحِبِ الْكُرْجِ، فَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْهُ، وَمِنْ بَدِيعِ خِلْقَتِهِ.
وَفِيهَا قَدِمَ الْمَلِكُ الظَّافِرُ خَضِرُ بْنُ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ مِنْ حَلَبَ قَاصِدًا الْحَجَّ، فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ، وَأَكْرَمَهُ ابْنُ عَمِّهِ الْمُعْظَّمُ صَاحِبُ دِمَشْقَ، فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ إِلَّا مَرَاحِلُ يَسِيرَةٌ تَلَقَّتْهُ حَاشِيَةُ الْكَامِلِ صَاحِبِ مِصْرَ، وَصَدُّوهُ عَنِ الدُّخُولِ إِلَى مَكَّةَ، وَقَالُوا: إِنَّمَا جِئْتَ لِأَخْذِ الْيَمَنِ. فَقَالَ لَهُمْ: قَيِّدُونِي وَذَرُونِي
পৃষ্ঠা - ১০৭২৪
أَقَضِي الْمَنَاسِكَ. فَقَالُوا: لَيْسَ مَعَنَا مَرْسُومٌ وَإِنَّمَا أُمِرْنَا بِرَدِّكَ وَصَدِّكَ. فَهَمَّ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ بِقِتَالِهِمْ، فَخَافَ مِنْ وُقُوعِ فِتْنَةٍ، فَتَحَلَّلَ مِنْ حَجِّهِ، وَرَجَعَ إِلَى الشَّامِ، وَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَى مَا فُعِلَ بِهِ، وَتَبَاكَوْا لَمَّا وَدَّعَهُمْ، تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ.
وَفِيهَا وَصَلَ كِتَابٌ مِنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ بِخُرَاسَانَ إِلَى الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ الْكِنْدِيِّ يُخْبِرُ فِيهِ أَنَّ السُّلْطَانَ خُوَارَزْمَ شَاهْ مُحَمَّدَ بْنَ تِكِشٍ تَنَكَّرَ فِي ثَلَاثَةِ نَفَرٍ، وَدَخَلَ بِلَادَ التَّتَرِ لِيَكْشِفَ أَخْبَارَهُمْ بِنَفْسِهِ، فَأَنْكَرُوهُمْ فَقَبَضُوا عَلَيْهِمْ، فَضَرَبُوا مِنْهُمُ اثْنَيْنِ حَتَّى مَاتَا، وَلَمْ يُقِرَّا بِمَا جَاءُوا إِلَيْهِ، وَاسْتَوْثَقُوا مِنَ الْمَلِكِ وَصَاحِبِهِ أَسْرًا، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي هَرَبَا، وَرَجَعَ السُّلْطَانُ إِلَى مُعَسْكَرِهِ، فَعَادَ إِلَى مَمْلَكَتِهِ.
قُلْتُ: وَهَذِهِ الْمُكَاتَبَةُ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَسْرِهِ فِي الْمَعْرَكَةِ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ الْأَمِيرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِيهَا ظَهَرَتْ بَلَاطَةٌ وَهُمْ يَحْفِرُونَ فِي خَنْدَقِ حَلَبَ، فَوُجِدَ تَحْتَهَا مِنَ الذَّهَبِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ رَطْلًا، وَمِنَ الْفِضَّةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بِالرَّطْلِ الْحَلَبِيِّ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَفِيهَا تُوُفِّيَ:
مُدَرِّسُ مَشْهَدِ أَبِي حَنِيفَةَ وَشَيْخُ الْحَنَفِيَّةِ بِبَغْدَادَ، الشَّيْخُ أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ عَلِيٍّ التُّرْكِسْتَانِيُّ، وَكَانَ إِلَيْهِ الْمَظَالِمُ، وَدُفِنَ بِالْمَشْهَدِ الْمَذْكُورِ.
পৃষ্ঠা - ১০৭২৫
وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَخْرُ الدِّينِ الْحَنْبَلِيُّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ الْمَاشِطَةِ، وَيُقَالُ لَهُ: الْفَخْرُ. غُلَامُ ابْنِ الْمَنِّيِّ. لَهُ تَعْلِيقَةٌ فِي الْخِلَافِ، وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ بِجَامِعِ الْخَلِيفَةِ، وَكَانَ يَلِي النَّظَرَ فِي قَرَايَا الْخَلِيفَةِ، ثُمَّ عَزَلَهُ فَلَزِمَ بَيْتَهُ فَقِيرًا لَا شَيْءَ لَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَكَانَ وَلَدُهُ مُحَمَّدٌ مُدَبِّرًا شَيْطَانًا مَرِيدًا، كَثِيرَ الْهِجَاءِ وَالسِّعَايَةِ بِالنَّاسِ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْأَمْرِ بِالْبَاطِلِ، فَقُطِعَ لِسَانُهُ، وَحُبِسَ إِلَى أَنْ مَاتَ.
وَالْوَزِيرُ مُعِزُّ الدِّينِ أَبُو الْمَعَالِي سَعِيدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَدِيدَةَ، مِنْ سُلَالَةِ الصَّحَابِيِّ قُطْبَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَلِيَ الْوِزَارَةَ لِلنَّاصِرِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ، ثُمَّ عَزَلَهُ عَنْ سِفَارَةِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، فَهَرَبَ إِلَى مَرَاغَةَ، ثُمَّ عَادَ بَعْدَ مَوْتِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، فَأَقَامَ بِبَغْدَادَ مُعَظَّمًا مُحْتَرَمًا، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَاتِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَسَنْجَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّاصِرِيُّ الْخَلِيفِيُّ
كَانَتْ لَهُ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ وَأَمْلَاكٌ وَإِقْطَاعَاتٌ مُتَّسِعَةٌ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ بَخِيلًا ذَلِيلًا سَاقِطَ النَّفْسِ، اتَّفَقَ أَنَّهُ خَرَجَ أَمِيرَ
পৃষ্ঠা - ১০৭২৬
الْحَاجِّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْأَعْرَابِ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ، وَكَانَ مَعَ سَنْجَرَ خَمْسُمِائَةِ فَارِسٍ، فَدَخَلَهُ الذُّلُّ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ، فَطَلَبَ مِنْهُ الْأَعْرَابِيُّ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَجَبَاهَا سَنْجَرُ مِنَ الْحَجِيجِ، وَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَادَ إِلَى بَغْدَادَ أَخَذَ الْخَلِيفَةُ مِنْهُ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَدَفْعَهَا إِلَى أَصْحَابِهَا وَعَزَلَهُ، وَوَلَّى طَاشْتِكِينَ مَكَانَهُ.
وَقَاضِي السَّلَّامِيَّةِ
ظَهِيرُ الدِّينِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَسْكَرٍ، الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ الْأَدِيبُ، ذَكَرَهُ الْعِمَادُ فِي " الْخَرِيدَةِ "، وَابْنُ خَلِّكَانَ فِي " الْوَفَيَاتِ "، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَأَنْشَدَ مِنْ شِعْرِهِ فِي شَيْخِ زَاوِيَةٍ وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ:
أَلَا قُلْ لِمَكِّيِّ قَوْلَ النَّصُوحِ ... فَحَقُّ النَّصِيحَةِ أَنْ تُسْتَمَعْ
مَتَى سَمِعَ النَّاسُ فِي دِينِهِمْ ... بِأَنَّ الْغِنَا سُنَّةٌ تُتَّبَعْ
وَأَنْ يَأْكُلَ الْمَرْءُ أَكْلَ الْبَعِيرِ ... وَيَرْقُصَ فِي الْجَمْعِ حَتَّى يَقَعْ
وَلَوْ كَانَ طَاوِي الْحَشَا جَائِعًا ... لَمَا دَارَ مِنْ طَرَبٍ وَاسْتَمَعْ
وَقَالُوا سَكِرْنَا بِحُبِّ الْإِلَهِ ... وَمَا أَسْكَرَ الْقَوْمَ إِلَّا الْقِصَعْ
كَذَاكَ الْحَمِيرُ إِذَا أَخْصَبَتْ ... يُنَقِّزُهَا رِيُّهَا وَالشِّبَعْ
وَتَاجُ الْأُمَنَاءِ
أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ
পৃষ্ঠা - ১০৭২৭
عَسَاكِرَ، مِنْ بَيْتِ الْحَدِيثِ وَالرِّوَايَةِ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَخَوَيْهِ زَيْنِ الْأُمَنَاءِ وَالْفَخْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعَ عَمَّيْهِ الْحَافِظَ أَبَا الْقَاسِمِ وَالصَّائِنَ، وَكَانَ صَدِيقًا لِلشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ الْكِنْدِيِّ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الْأَحَدِ ثَانِي رَجَبٍ، وَدُفِنَ قِبْلِيَّ مِحْرَابِ مَسْجِدِ الْقَدَمِ.
تَاجُ الْعُلَا النَّسَّابَةُ الْحَلَبِيُّ الْحَسَنِيُّ
اجْتَمَعَ بِآمِدَ بِالشَّيْخِ أَبِي الْخَطَّابِ بْنِ دِحْيَةَ، وَكَانَ يُنْسَبُ إِلَى دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، فَقَالَ لَهُ تَاجُ الْعُلَا: إِنَّ دِحْيَةَ لَمْ يُعْقِبْ. فَرَمَاهُ ابْنُ دِحْيَةَ بِالْكَذِبِ فِي مَسَائِلِهِ الْمَوْصِلِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " الْكَامِلِ ": وَفِي الْمُحَرَّمِ مِنْهَا تُوُفِّيَ الْمُهَذَّبُ الطَّبِيبُ الْمَشْهُورُ.
وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ هَبَلٍ الْمَوْصِلِيُّ سَمِعَ الْحَدِيثَ، وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالطِّبِّ، وَلَهُ فِيهِ تَصْنِيفٌ حَسَنٌ، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَةِ حَسَنَ الْأَخْلَاقِ.
ابْنُ خَرُوفٍ
شَارِحُ " سِيبَوَيْهِ " وَ " جُمَلِ الزَّجَّاجِيِّ "، هُوَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَضْرَمِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ الْإِشْبِيلِيُّ، أَحَدُ الْمَشَاهِيرِ فِي هَذِهِ الصِّنَاعَةِ، وَكُتُبُهُ تَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِهِ وَعِلْمِهِ وَفَضْلِهِ، وَكَانَ شَيْخَهُ فِيهَا ابْنُ طَاهِرٍ، الْمَعْرُوفُ بِالْخِدَبِّ الْأَنْدَلُسِيِّ.
পৃষ্ঠা - ১০৭২৮
الْجُزُولِيُّ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَةِ الْمُسَمَّاةِ بِ " الْقَانُونِ "
هُوَ أَبُو مُوسَى عِيسَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجُزُولِيُّ - بَطْنٌ مِنَ الْبَرْبَرِ - ثُمَّ الْيَزْدَكْتَنِيُّ النَّحْوِيُّ الْمَغْرِبِيُّ مُصَنِّفُ الْمُقَدِّمَةِ الْمَشْهُورَةِ الْبَدِيعَةِ، وَقَدْ شَرَحَهَا هُوَ وَتَلَامِذَتُهُ، وَكُلُّهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِتَقْصِيرِهِمْ عَنْ فَهْمِ مُرَادِهِ فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا، قَدِمَ دِيَارَ مِصْرَ، وَأَخَذَ عَنِ ابْنِ بِرِّيٍّ، ثُمَّ عَادَ إِلَى بِلَادِهِ، وَوَلِيَ خَطَابَةَ مَرَّاكُشَ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقِيلَ: قَبْلَهَا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
পৃষ্ঠা - ১০৭২৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ]
[الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا]
فِيهَا أَرْسَلَ الْمَلِكُ خُوَارَزْمُ شَاهْ أَمِيرًا مِنْ أَخِصَّاءِ أُمَرَائِهِ عِنْدَهُ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ سِيرَوَانًا، فَصَارَ أَمِيرًا خَاصًّا، فَبَعَثَهُ فِي جَيْشٍ، فَفَتَحَ لَهُ كَرْمَانَ وَمَكْرَانَ، وَإِلَى حُدُودِ بِلَادِ السِّنْدِ، وَخَطَبَ لِخُوَارَزْمِ شَاهْ بِتِلْكَ النَّوَاحِي، وَكَانَ خُوَارَزْمُ شَاهْ لَا يُصَيِّفُ إِلَّا بِنُوَاحِي سَمَرْقَنْدَ خَوْفًا مِنَ التَّتَارِ أَصْحَابِ كَشْلِي خَانَ أَنْ يَتَوَثَّبُوا عَلَى أَطْرَافِ بِلَادِهِ الَّتِي تُتَاخِمُهُمْ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَفِيهَا شَرَعَ فِي تَبْلِيطِ دَاخِلِ الْجَامِعِ، وَبَدَأُوا بِنَاحِيَةِ السَّبْعِ الْكَبِيرِ، وَكَانَتْ أَرْضُ الْجَامِعِ قَبْلَ ذَلِكَ حُفَرًا وَجُوَرًا. فَاسْتَرَاحَ النَّاسُ بِتَبْلِيطِهِ.
وَفِيهَا وُسِّعَ الْخَنْدَقُ مِمَّا يَلِي الْقَيْمَازِيَّةَ، فَأُخْرِبَتْ دُورٌ كَثِيرَةٌ هُنَاكَ، وَحَمَّامُ قَايْمَازَ وَفُرْنٌ كَانَ وَقْفًا عَلَى دَارِ الْحَدِيثِ النُّورِيَّةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
وَفِيهَا بَنَى الْمُعَظَّمُ الْفُنْدُقَ الْمَنْسُوبَ إِلَيْهِ بِنَاحِيَةِ قَبْرِ عَاتِكَةَ ظَاهِرَ بَابِ الْجَابِيَةِ.
পৃষ্ঠা - ১০৭৩০
وَفِيهَا أَخَذَ الْمُعَظَّمُ قَلْعَةَ صَرْخَدَ مِنِ ابْنِ قَرَاجَا، وَعَوَّضَهُ عَنْهَا، وَسَلَّمَهَا إِلَى مَمْلُوكِهِ عِزِّ الدِّينِ أَيْبَكٍ الْمُعَظَّمِيِّ، فَثَبَتَتْ فِي يَدِهِ إِلَى أَنِ انْتَزَعَهَا مِنْهُ نَجْمُ الدِّينِ أَيُّوبُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ.
وَفِيهَا حَجَّ الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ بْنُ الْعَادِلِ، رَكِبَ مِنَ الْكَرَكِ عَلَى الْهُجُنِ فِي حَادِي عَشَرَ ذِي الْقِعْدَةِ، وَمَعَهُ ابْنُ مُوسَكٍ، وَمَمْلُوكُهُ أَيْبَكٌ، عِزُّ الدِّينِ أُسْتَاذُ دَارِهِ وَخَلْقٌ، فَسَارَ عَلَى طَرِيقِ تَبُوكَ وَالْعَلَاءِ، وَبَنَى الْمُعَظَّمُ الْبِرْكَةَ الْمَنْسُوبَةَ إِلَيْهِ، وَمَصَانِعَ أُخَرَ. فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ النَّبَوِيَّةَ تَلَقَّاهُ صَاحِبُهَا سَالِمٌ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِ مَفَاتِيحَهَا، وَخَدَمَهُ خِدْمَةً تَامَّةً، وَأَمَّا صَاحِبُ مَكَّةَ قَتَادَةُ، فَلَمْ يَرْفَعْ بِهِ رَأْسًا، وَلِهَذَا لَمَّا قَضَى نُسُكَهُ، وَكَانَ قَارِنًا، وَأَنْفَقَ فِي الْمُجَاوِرِينَ مَا حَمَلَهُ إِلَيْهِمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ، وَكَرَّ رَاجِعًا اسْتَصْحَبَ مَعَهُ سَالِمًا صَاحِبَ الْمَدِينَةِ، وَشَكَا إِلَى أَبِيهِ عِنْدَ رَأْسِ الْمَاءِ مَا لَقِيَهُ مِنْ صَاحِبِ مَكَّةَ، فَأَرْسَلَ الْعَادِلُ مَعَ سَالِمٍ جَيْشًا يَطْرُدُونَ صَاحِبَ مَكَّةَ عَنْهَا، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهَا هَرَبَ مِنْهُمْ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالْجِبَالِ وَالْبَرَارِي، وَقَدْ أَثَّرَ الْمُعَظَّمُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِطَرِيقِ الْحِجَازِ آثَارًا حَسَنَةً، أَثَابَهُ اللَّهُ وَتَقَبَّلَ مِنْهُ آمِينَ.
وَفِيهَا تَعَامَلَ أَهْلُ دِمَشْقَ بِالْقَرَاطِيسِ السُّودِ الْعَادِلِيَّةِ، ثُمَّ بَطَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَفَنِيَتْ.
وَفِيهَا مَاتَ صَاحِبُ الْيَمَنِ ابْنُ سَيْفِ الْإِسْلَامِ، فَتَوَلَّاهَا سُلَيْمَانُ بْنُ شَاهِنْشَاهِ بْنِ تَقِيِّ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ شَاهِنْشَاهِ بْنِ أَيُّوبَ بِاتِّفَاقِ الْأُمَرَاءِ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ الْعَادِلُ إِلَى
পৃষ্ঠা - ১০৭৩১
ابْنِهِ الْكَامِلِ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا وَلَدَهُ أَقْسِيسَ بْنَ الْكَامِلِ، فَأَرْسَلَهُ فَتَمَلَّكَهَا فَظَلَمَ بِهَا وَفَتَكَ، وَقَتَلَ مِنَ الْأَشْرَافِ نَحْوًا مِنْ ثَمَانِمِائَةٍ، وَأَمَّا مِمَّنْ عَدَاهُمْ فَكَثِيرٌ، وَكَانَ مِنْ أَفْجَرِ الْمُلُوكِ وَأَكْثَرِهِمْ فِسْقًا، وَأَقَلِّهِمْ حَيَاءً وَدِينًا، وَقَدْ ذَكَرُوا عَنْهُ مَا تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْأَبْدَانُ، وَتُنْكِرُهُ الْقُلُوبُ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ وَغَيْرِهِمْ:
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرُوسٍ
الْفَقِيهُ الْحَنْبَلِيُّ، أَفْتَى وَنَاظَرَ وَعَدَّلَ عِنْدَ الْحُكَّامِ، ثُمَّ انْسَلَخَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، وَصَارَ شُرْطِيًّا بِبَابِ النُّوبِيِّ، يَضْرِبُ النَّاسَ وَيُؤْذِيهِمْ غَايَةَ الْأَذَى، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ ضُرِبَ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَأُلْقِيَ فِي دِجْلَةَ، وَفَرِحَ النَّاسُ بِمَوْتِهِ، وَقَدْ كَانَ أَبُوهُ رَجُلًا صَالِحًا.
الرُّكْنُ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ
كَانَ أَبُوهُ صَالِحًا، وَكَانَ هُوَ مُتَّهَمًا بِالْفَلْسَفَةِ وَمُخَاطَبَةِ النُّجُومِ، وَوُجِدَ عِنْدَهُ كُتُبٌ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ وَلِيَ عِدَّةَ وِلَايَاتٍ، وَيُقَالُ لِمِثْلِهِ:
نِعْمَ الْجُدُودُ وَلَكِنْ بِئْسَ مَا نَسَلُوا
رَأَى عَلَيْهِ أَبُوهُ يَوْمًا ثَوْبًا بُخَارِيًّا، فَقَالَ: سَمِعْنَا بِالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَأَمَّا بُخَارِيٌّ وَكَافِرٌ، فَهَذَا شَيْءٌ عَجَبٌ. وَكَانَ مُصَاحِبًا لِأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ
পৃষ্ঠা - ১০৭৩২
الْجَوْزِيِّ، وَكَانَ الْآخَرُ مُدَبِّرًا فَاسِقًا، وَكَانَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى الشَّرَابِ وَالْمُرْدَانِ، قَبَّحَهُمَا اللَّهُ.
أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْبَزَّارُ
الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْأَخْضَرِ الْبَغْدَادِيُّ الْمُحَدِّثُ الْمُكْثِرُ الْحَافِظُ الْمُصَنِّفُ الْمُحَرِّرُ، لَهُ كُتُبٌ مُفِيدَةٌ مُتْقَنَةٌ، وَكَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَكَانَ يَوْمُ جَنَازَتِهِ يَوْمًا مَشْهُودًا.
الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْأَنْجَبِ أَبِي الْمَكَارِمِ الْمُفَضَّلِ اللَّخْمِيُّ الْمَقْدِسِيُّ، ثُمَّ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ الْمَالِكِيُّ، سَمِعَ السِّلَفِيَّ وَعَبْدَ الرَّحِيمِ الْمُنْذِرِيَّ، وَكَانَ مُدَرِّسًا لِلْمَالِكِيَّةِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَنَائِبَ الْحُكْمِ بِهَا، وَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ:
أَيَا نَفْسُ بِالْمَأْثُورِ عَنْ خَيْرِ مُرْسَلٍ ... وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ تَمَسَّكِي
عَسَاكِ إِذَا بَالَغْتِ فِي نَشْرِ دِينِهِ ... بِمَا طَابَ مِنْ نَشْرٍ لَهُ أَنْ تَمَسَّكِي
وَخَافِي غَدًا يَوْمَ الْحِسَابِ جَهَنَّمَا ... إِذَا لَفَحَتْ نِيرَانُهَا أَنْ تَمَسَّكِي
تُوُفِّيَ بِالْقَاهِرَةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. قَالَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ.
পৃষ্ঠা - ১০৭৩৩
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ]
[الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا]
فِيهَا شُرِعَ فِي بِنَاءِ الْمَدْرَسَةِ الْعَادِلِيَّةِ الْكَبِيرَةِ بِدِمَشْقَ، وَفِيهَا عُزِلَ الْقَاضِي الزَّكِيُّ بْنُ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ الزَّكِيِّ، وَفُوِّضَ الْحُكْمُ إِلَى الْقَاضِي جَمَالِ الدِّينِ بْنِ الْحَرَسْتَانِيِّ، وَهُوَ ابْنُ ثِنْتَيْنِ وَتِسْعِينَ سَنَةً، فَحَكَمَ بِالْعَدْلِ، وَقَضَى بِالْحَقِّ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ يَحْكُمُ بِالْمَدْرَسَةِ الْمُجَاهِدِيَّةِ عِنْدَ الْقَوَّاسِينَ.
وَفِيهَا أَبْطَلَ الْعَادِلُ ضَمَانَ الْخَمْرِ وَالْقِيَانِ، جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، فَزَالَ عَنِ النَّاسِ شَرٌّ كَثِيرٌ.
وَفِيهَا حَاصَرَ الْأَمِيرُ قَتَادَةُ صَاحِبُ مَكَّةَ الْمَدِينَةَ النَّبَوِيَّةَ وَمَنْ بِهَا، وَقَطَعَ نَخْلًا كَثِيرًا، فَقَاتَلَهُ أَهْلُهَا، فَكَرَّ خَاسِئًا حَسِيرًا، وَكَانَ صَاحِبُ الْمَدِينَةِ بِالشَّامِ فِي خِدْمَةِ الْعَادِلِ، فَطَلَبَ مِنْهُ النَّجْدَةَ عَلَى أَمِيرِ مَكَّةَ قَتَادَةَ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ جَيْشًا، فَأَسْرَعَ فِي الْأَوْبَةِ، فَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، فَاجْتَمَعَ شَمْلُ الْجَيْشِ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ جَمَّازٍ، فَقَصَدَ مَكَّةَ، فَالْتَقَاهُ أَمِيرُهَا بِالصَّفْرَاءِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا عَظِيمًا، فَهُزِمَ الْمَكِّيُّونَ، وَغَنِمَ مِنْهُمْ جَمَّازٌ شَيْئًا كَثِيرًا، وَهَرَبَ قَتَادَةُ إِلَى الْيَنْبُعِ، فَسَارُوا إِلَيْهِ، فَحَصَرُوهُ بِهَا، وَضَيَّقُوا عَلَيْهِ فِيهَا.
وَفِيهَا أَغَارَتِ الْفِرِنْجُ عَلَى بِلَادِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، فَقَتَلُوا وَنَهَبُوا وَسَبَوْا.
পৃষ্ঠা - ১০৭৩৪
وَفِيهَا أَخَذَ مَلِكُ الرُّومِ كَيْكَاوُسُ مَدِينَةَ أَنْطَاكِيَةَ مِنْ أَيْدِي الْفِرِنْجِ، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْهُ ابْنُ لَاوُنَ مَلِكُ الْأَرْمَنِ، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْهُ إِبْرَنْسُ طَرَابُلُسَ.
وَفِيهَا مَلَكَ السُّلْطَانُ خُوَارَزْمُ شَاهْ مُحَمَّدُ بْنُ تِكِشٍ مَدِينَةَ غَزْنَةَ بِغَيْرِ قِتَالٍ.
وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ الْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ حَزِنَ الْخَلِيفَةُ عَلَيْهِ حُزْنًا عَظِيمًا، وَكَذَلِكَ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ لِكَثْرَةِ صَدَقَاتِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَبْقَ بَيْتٌ بِبَغْدَادَ إِلَّا حَزِنُوا عَلَيْهِ، وَكَانَ يَوْمُ جَنَازَتِهِ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَنَاحَ أَهْلُ الْبَلَدِ عَلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَدُفِنَ عِنْدَ جَدَّتِهِ بِالْقُرْبِ مِنْ قَبْرِ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ. وَفِي هَذَا الْيَوْمِ قُدِمَ بِرَأْسِ مَنْكَلِيٍّ الَّذِي كَانَ قَدْ عَصَى عَلَى الْخَلِيفَةِ وَعَلَى أُسْتَاذِهِ - إِلَى بَغْدَادَ فَطِيفَ بِهَا، وَلَمْ تَتِمَّ فَرْحَتُهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِتَنْغِيصِهَا بِمَوْتِ وَلَدِهِ وَلِيِّ الْعَهْدِ، وَالدُّنْيَا لَا تَسُرُّ بِقَدْرِ مَا تَضُرُّ، وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ وَهُمَا; الْمُؤَيَّدُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنُ، وَالْمُوَفَّقُ أَبُو الْفَضْلِ يَحْيَى.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
الْحَافِظُ عَبْدُ الْقَادِرِ الرُّهَاوِيُّ:
عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
পৃষ্ঠা - ১০৭৩৫
أَبُو مُحَمَّدٍ، الْحَافِظُ الْكَبِيرُ الْمُحَدِّثُ الْمُخَرِّجُ الْمُفِيدُ الْمُحَرِّرُ الْمُتْقِنُ الْبَارِعُ الْمُصَنِّفُ الْمُفِيدُ، كَانَ مَوْلًى لِبَعْضِ الْمَوَاصِلَةِ، وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحَرَّانِيِّينَ اشْتَغَلَ بِدَارِ الْحَدِيثِ بِالْمَوْصِلِ ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى حَرَّانَ وَقَدْ رَحَلَ إِلَى بُلْدَانٍ شَتَّى، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ مِنَ الْمَشَايِخِ شَرْقًا وَغَرْبًا، وَأَقَامَ بِحَرَّانَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، كَانَ دَيِّنًا صَالِحًا خَيِّرًا، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
الْوَجِيهُ الْأَعْمَى، أَبُو بَكْرٍ الْمُبَارَكُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الدَّهَّانِ النَّحْوِيُّ الْوَاسِطِيُّ الْمُلَقَّبُ بِالْوَجِيهِ، وُلِدَ بِوَاسِطَ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ، فَاشْتَغَلَ بِعِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ وَالنَّحْوِ، فَأَتْقَنَ ذَلِكَ، وَحَفِظَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنْ أَشْعَارِ الْعَرَبِ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَكَانَ حَنْبَلِيًّا، فَانْتَقَلَ إِلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ صَارَ شَافِعِيًّا، وَوَلِيَ تَدْرِيسَ النَّحْوِ بِالنِّظَامِيَّةِ، وَفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
فَمَنْ مُبْلِغًا عَنِّي الْوَجِيهَ رِسَالَةً ... وَإِنْ كَانَ لَا تُجْدِي لَدَيْهِ الرَّسَائِلُ
تَمَذْهَبْتَ لِلنُّعْمَانِ بَعْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ ... وَذَلِكَ لَمَّا أَعْوَزَتْكَ الْمَآكِلُ
وَمَا اخْتَرْتَ رَأْيَ الشَّافِعِيِّ تَدَيُّنًا ... وَلَكِنَّمَا تَهْوَى الَّذِي هُوَ حَاصِلُ
পৃষ্ঠা - ১০৭৩৬
وَعَمَّا قَلِيلٍ أَنْتَ لَا شَكَّ صَائِرٌ ... إِلَى مَالٍ فَافْطِنْ لِمَا أَنَا قَائِلُ
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ.
وَكَانَ يَحْفَظُ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْحِكَايَاتِ وَالْأَمْثَالِ وَالْمُلَحِ، وَيَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ وَالتُّرْكِيَّةَ وَالْعَجَمِيَّةَ وَالرُّومِيَّةَ وَالْحَبَشِيَّةَ وَالزِّنْجِيَّةَ، وَكَانَتْ لَهُ يَدٌ طُولَى فِي نَظْمِ الشِّعْرِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:
وَلَوْ وَقَعَتْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ قَطْرَةٌ ... مِنَ الْمُزْنِ يَوْمًا ثُمَّ شَاءَ لَمَازَهَا
وَلَوْ مَلَكَ الدُّنْيَا فَأَضْحَى مُلُوكُهَا ... عَبِيدًا لَهُ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ مَا زَهَا
وَلَهُ فِي التَّجْنِيسِ أَيْضًا:
أَطَلْتَ مَلَامِي فِي اجْتِنَابِي لِمَعْشَرٍ ... طَغَامٍ لِئَامٍ جُودُهُمْ غَيْرُ مُرْتَجَى
تَرَى بَابَهُمْ لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهِمُ ... عَلَى طَالِبِ الْمَعْرُوفِ إِنْ جَاءَ مُرْتَجَا
حَمَوْا مَا لَهُمْ وَالدِّينُ وَالْعِرْضُ مِنْهُمُ ... مُبَاحٌ فَمَا يَخْشَوْنَ مِنْ هَجْوِ مَنْ هَجَا
إِذَا شَرَعَ الْأَجْوَادُ فِي الْجُودِ مَنْهَجًا ... لَهُمْ شَرَعُوا فِي الْبُخْلِ سَبْعِينَ مَنْهَجَا
وَلَهُ مَدَائِحُ حَسَنَةٌ وَأَشْعَارٌ رَائِقَةٌ، وَيَبْتَكِرُ مَعَانِيَ فَائِقَةً، وَرُبَّمَا عَارَضَ شِعْرَ
পৃষ্ঠা - ১০৭৩৭
الْبُحْتُرِيِّ بِمَا يُقَارِبُهُ وَيُدَانِيهِ.
قَالُوا: وَكَانَ الْوَجِيهُ لَا يَغْضَبُ قَطُّ. فَتَرَاهَنَ جَمَاعَةٌ مَعَ وَاحِدٍ أَنَّهُ كَانَ لَهُ كَذَا وَكَذَا إِنْ أَغْضَبَهُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الْعَرَبِيَّةِ، فَأَجَابَهُ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: أَخْطَأْتَ أَيُّهَا الشَّيْخُ. فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْجَوَابَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ لَهُ: أَخْطَأْتَ أَيْضًا. وَأَعَادَ ثَالِثَةً بِعِبَارَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ لَهُ: كَذَبْتَ، وَلَعَلَّكَ قَدْ نَسِيتَ النَّحْوَ. فَقَالَ لَهُ الْوَجِيهُ: أَيُّهَا الرَّجُلُ، فَلَعَلَّكَ لَمْ تَفْهَمْ مَا أَقُولُ لَكَ. فَقَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّكَ تُخْطِئُ. فَقَالَ لَهُ: فَقُلْ مَا عِنْدَكَ لِنَسْتَفِيدَهُ مِنْكَ. فَأَغْلَظَ لَهُ السَّائِلُ فِي الْقَوْلِ، فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا، وَقَالَ لَهُ الْوَجِيهُ: إِنْ كُنْتَ رَاهَنْتَ فَقَدْ غُلِبْتَ، إِنَّمَا مَثَلُكَ فِي هَذَا كَمَثَلِ الْبَقَّةِ - يَعْنِي النَّامُوسَةَ - سَقَطَتْ عَلَى ظَهْرِ الْفِيلِ، فَلَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَطِيرَ قَالَتْ لَهُ: اسْتَمْسِكْ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَطِيرَ. فَقَالَ لَهَا الْفِيلُ: مَا أَحْسَسْتُ بِكِ حِينَ وَقَعْتِ عَلَيَّ، فَمَا أَحْتَاجُ أَنْ أَسْتَمْسِكَ إِذَا طِرْتِ. كَانَتْ وَفَاتُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَعْبَانَ، وَدُفِنَ بِالْوَرْدِيَّةِ.
أَبُو الْفُتُوحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ
التَّاجِرُ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْجَلَاجِلِيِّ، كَانَ يَسْكُنُ بِدَارِ الْخِلَافَةِ بِبَغْدَادَ، قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى الرِّوَايَاتِ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَرَحَلَ إِلَى الْبُلْدَانِ الْمُتَبَايِنَةِ، بَلَغَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْقُدْسِ الشَّرِيفِ فِي رَمَضَانَ. رَحِمَهُ اللَّهُ.
পৃষ্ঠা - ১০৭৩৮
أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي الْمَعَالِي بْنِ غَنِيمَةَ بْنِ الْحَسَنِ
الْمَعْرُوفُ بِابْنِ مَنِينَا، وُلِدَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ وَأَسْمَعَهُ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ عَنْ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً.
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ كَمَالُ الدِّينِ مَوْدُودُ بْنُ الشَّاغُورِيِّ الشَّافِعِيُّ
كَانَ يُقْرِئُ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ الْفِقْهَ، وَيَشْرَحُ " التَّنْبِيهَ " لِلطَّلَبَةِ، وَيَتَأَنَّى فِي تَفْهِيمِهِمْ حَتَّى يَفْهَمُوا احْتِسَابًا، تُجَاهَ الْمَقْصُورَةِ. وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ بَابِ الصَّغِيرِ شَمَالِيَّ قُبُورِ الشُّهَدَاءِ، وَعَلَى قَبْرِهِ شِعْرٌ ذَكَرَهُ أَبُو شَامَةَ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
পৃষ্ঠা - ১০৭৩৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ]
[الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا]
قَالَ أَبُو شَامَةَ: فِيهَا أُحْضِرَتِ الْأَوْتَادُ الْخَشَبُ الْأَرْبَعَةُ لِأَجْلِ قُبَّةِ نَسْرِ الْجَامِعِ، طُولُ كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا بِالنَّجَّارِ.
وَفِيهَا شُرِعَ فِي تَجْدِيدِ خَنْدَقِ بَابِ السِّرِّ الْمُقَابِلِ لِدَارِ الطُّعْمِ الْعَتِيقَةِ إِلَى جَانِبِ بَانَاسَ قُلْتُ: وَهِيَ إِصْطَبْلُ السُّلْطَانِ الْيَوْمَ، وَقَدْ نَقَلَ السُّلْطَانُ الْمُعَظَّمُ بِنَفْسِهِ التُّرَابَ، وَمَمَالِيكُهُ تَحْمِلُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الْقَرَبُوسِ الْقِفَافَ مِنَ التُّرَابِ، فَيُفْرِغُونَهَا فِي الْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ، وَكَذَلِكَ أَخُوهُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ وَمَمَالِيكُهُ، يَعْمَلُ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا.
وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الشَّاغُورِ وَأَهْلِ الْعُقَيْبَةِ، اقْتَتَلُوا بِالرَّحْبَةِ وَالصَّيَارِفِ، فَرَكِبَ الْجَيْشُ مُلْبَسًا، وَجَاءَ السُّلْطَانُ الْمُعَظَّمُ بِنَفْسِهِ، فَحَبَسَ رُءُوسَهُمْ.
وَفِيهَا رُتِّبَ بِالْمُصَلَّى خَطِيبٌ مُسْتَقِلٌّ، وَأَوَّلُ مَنْ بَاشَرَهَا الصَّدْرُ مُعِيدُ الْفَلَكِيَّةِ، ثُمَّ خَطَبَ بَعْدَهُ بَهَاءُ الدِّينِ بْنُ أَبِي الْيُسْرِ، ثُمَّ بَنُو حَسَّانَ، وَإِلَى الْآنَ.
পৃষ্ঠা - ১০৭৪০
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَفِيهَا تُوُفِّيَ صَاحِبُ حَلَبَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ غَازِيُّ بْنُ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُلُوكِ وَأَسَدِّهِمْ سِيرَةً، وَلَكِنْ كَانَ فِيهِ عَسْفٌ وَيُعَاقِبُ عَلَى الذَّنْبِ سَرِيعًا شَدِيدًا، وَكَانَ يُكْرِمُ الْعُلَمَاءَ وَالشُّعَرَاءَ وَالْفُقَرَاءَ، أَقَامَ فِي الْمُلْكِ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَحَضَرَ كَثِيرًا مِنَ الْغَزَوَاتِ مَعَ أَبِيهِ، وَكَانَ ذَكِيًّا، لَهُ رَأْيٌ جَيِّدٌ، وَعِبَارَةٌ سَادَّةٌ، وَفِطْنَةٌ حَسَنَةٌ، وَعُمِّرَ أَرْبَعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جَعَلَ الْمُلْكَ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ الْمَلِكِ الْعَزِيزِ غِيَاثِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ كِبَارٌ، وَلَكِنَّهُ عَهِدَ إِلَى هَذَا مِنْ بَيْنِهِمْ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ بِنْتِ عَمِّهِ الْعَادِلِ، وَأَخْوَالُهُ الْأَشْرَفُ وَالْمُعَظَّمُ وَالْكَامِلُ وَجَدُّهُ الْعَادِلُ لَا يُنَازِعُونَهُ، وَهَكَذَا وَقَعَ سَوَاءً ; بَايَعَ لَهُ جَدُّهُ الْعَادِلُ وَخَالُهُ الْأَشْرَفُ صَاحِبُ حَرَّانَ وَالرُّهَا وَخِلَاطَ، وَهَمَّ الْمُعَظَّمُ بِنَقْضِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ ذَلِكَ، وَقَامَ بِتَدْبِيرِ مَمْلَكَتِهِ الطَّوَاشِيُّ شِهَابُ الدِّينِ طُغْرِيلُ الرُّومِيُّ الْأَبْيَضُ، وَكَانَ دَيِّنًا عَاقِلًا عَادِلًا.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَشَاهِيرِ:
الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ أَبُو الْيُمْنِ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عِصْمَةَ.
الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ، وَحِيدُ عَصْرِهِ وَنَسِيجُ وَحْدِهِ، تَاجُ الدِّينِ
পৃষ্ঠা - ১০৭৪১
أَبُو الْيُمْنِ الْكِنْدِيُّ، وُلِدَ بِبَغْدَادَ وَنَشَأَ بِهَا، وَاشْتَغَلَ وَحَصَّلَ، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ فَأَقَامَ بِهَا، وَفَاقَ أَهْلَ زَمَانِهِ شَرْقًا وَغَرْبًا فِي النَّحْوِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فُنُونِ الْعِلْمِ، وَعُلُوِّ الْإِسْنَادِ وَحُسْنِ الطَّرِيقَةِ وَالسِّيرَةِ وَحُسْنِ الْعَقِيدَةِ وَالسَّرِيرَةِ. وَانْتَفَعَ بِهِ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ، وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، وَخَضَعُوا لَهُ. وَكَانَ حَنْبَلِيًّا، ثُمَّ صَارَ حَنَفِيًّا. وُلِدَ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَقَرَأَ الْقُرْآنَ بِالرِّوَايَاتِ وَلَهُ عَشْرُ سِنِينَ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ مِنَ الْحَدِيثِ الْعَالِي عَلَى الشُّيُوخِ الثِّقَاتِ، وَعُنِيَ بِذَلِكَ، وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ وَاللُّغَةَ، وَاشْتَهَرَ بِذَلِكَ، ثُمَّ صَارَ إِلَى الشَّامِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَكَنَ مِصْرَ، وَاجْتَمَعَ بِالْقَاضِي الْفَاضِلِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى دِمَشْقَ فَسَكَنَ بِدَرْبِ الْعَجَمِ مِنْهَا، وَحَظِيَ عِنْدَ الْمُلُوكِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْأُمَرَاءِ، وَتَرَدَّدَ إِلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَالْمُلُوكُ وَأَبْنَاؤُهُمْ، كَانَ الْأَفْضَلُ بْنُ صَلَاحِ الدِّينِ - وَهُوَ صَاحِبُ دِمَشْقَ - يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ وَأَخُوهُ الْمُحَسِّنُ، وَكَذَلِكَ الْمُعَظَّمُ فِي أَيَّامِهِ عَلَى مُلْكِ دِمَشْقَ، يَنْزِلُ إِلَيْهِ إِلَى دَرْبِ الْعَجَمِ يَقْرَأُ عَلَيْهِ فِي " الْمُفَصَّلِ " لِلزَّمَخْشَرِيِّ، وَكَانَ الْمُعَظَّمُ يُعْطِي لِمَنْ حَفِظَ " الْمُفَصَّلَ " ثَلَاثِينَ دِينَارًا جَائِزَةً، وَكَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ بِدَرْبِ الْعَجَمِ جَمِيعُ الْمُصَدَّرِينَ بِالْجَامِعِ، كَالشَّيْخِ عَلَمِ الدِّينِ السَّخَاوِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ مُعْطِي، وَالْوَجِيهِ الْبَوْنِيِّ، وَالْفَخْرِ التُّرْكِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَكَانَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ يُثْنِي عَلَيْهِ كَثِيرًا.
قَالَ السَّخَاوِيُّ: كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْعُلُومِ مَا لَا يُوجَدُ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ سِيبَوَيْهِ، وَقَدْ شَرَحْتُ عَلَيْهِ " كِتَابَهُ "، كَانَ اسْمَهُ عَمْرٌو، وَاسْمُ الشَّيْخِ أَبِي الْيُمْنِ زَيْدٌ، فَقُلْتُ فِي ذَلِكَ:
পৃষ্ঠা - ১০৭৪২
لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ عَمْرٍو مِثْلُهُ ... وَكَذَا الْكِنْدِيُّ فِي آخِرِ عَصْرٍ
فَهُمَا زَيْدٌ وَعَمْرٌو إِنَّمَا ... بُنِيَ النَّحْوُ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرِو
قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَهَذَا كَمَا قَالَ فِيهِ ابْنُ الدَّهَّانِ الْمَذْكُورُ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ:
يَا زَيْدُ زَادَكَ رَبِّي مِنْ مَوَاهِبِهِ ... نِعَمًا يُقَصِّرُ عَنْ إِدْرَاكِهَا الْأَمَلُ
النَّحْوُ أَنْتَ أَحَقُّ الْعَالَمِينَ بِهِ ... أَلَيْسَ بِاسْمِكَ فِيهِ يُضْرَبُ الْمَثَلُ
وَلِلسَّخَاوِيِّ فِيهِ قَصِيدَةٌ حَسَنَةٌ، وَكَذَلِكَ أَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ أَبُو الْمُظَفَّرِ سِبْطُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، فَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ، وَكَانَ حَسَنَ الْعَقِيدَةِ، ظَرِيفَ الْخُلُقِ طَرِيفًا، لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ مُجَالَسَتِهِ، وَلَهُ النَّوَادِرُ الْعَجِيبَةُ، وَالْخَطُّ الْمَلِيحُ، وَالشِّعْرُ الرَّائِقُ، وَلَهُ دِيوَانُ شِعْرٍ كَبِيرٌ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَادِسَ شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَهُ ثَلَاثٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً وَشَهْرٌ وَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ ثُمَّ حُمِلَ إِلَى الصَّالِحِيَّةِ، فَدُفِنَ بِهَا.
وَكَانَ قَدْ وَقَفَ كُتُبًا نَفِيسَةً - وَهِيَ سَبْعُمِائَةٍ وَإِحْدَى وَسِتُّونَ مُجَلَّدًا - عَلَى مُعْتَقِهِ نَجِيبِ الدِّينِ يَاقُوتٍ، ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ عَلَى الْعُلَمَاءِ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَاللُّغَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَجُعِلَتْ فِي خِزَانَةٍ كَبِيرَةٍ بِمَقْصُورَةِ ابْنِ سِنَانَ الْحَنَفِيَّةِ الْمُجَاوِرَةِ لِمَشْهَدِ عَلِيٍّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ تَفَرَّقَتْ، وَأُبِيعَ كَثِيرٌ مِنْهَا، وَلَمْ يَبْقَ بِالْخِزَانَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا إِلَّا الْقَلِيلُ، وَهِيَ بِمَقْصُورَةِ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَانَتْ قَدِيمًا يُقَالُ لَهَا: مَقْصُورَةُ ابْنِ سِنَانَ. وَقَدْ تَرَكَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نِعْمَةً وَافِرَةً،
পৃষ্ঠা - ১০৭৪৩
وَأَمْوَالًا جَزِيلَةً، وَمَمَالِيكَ مُتَعَدِّدَةً مِنَ التُّرْكِ، وَقَدْ كَانَ رَقِيقَ الْحَاشِيَةِ، حَسَنَ الْأَخْلَاقِ، يُعَامِلُ الطَّلَبَةَ مُعَامَلَةً حَسَنَةً، فَلَمَّا كَبُرَ تَرَكَ الْقِيَامَ لَهُمْ، وَأَنْشَأَ اعْتِذَارًا:
تَرَكْتُ قِيَامِي لِلصَّدِيقِ يَزُورُنِي ... وَلَا ذَنْبَ لِي إِلَّا الْإِطَالَةُ فِي عُمْرِي
فَإِنْ بَلَغُوا مِنْ عَشْرِ تِسْعِينَ نِصْفَهَا ... تَبَيَّنَ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ لَهُمْ عُذْرِي
وَقَدْ أَسْلَفْنَا شَيْئًا مِنْ قِيلِهِ فِي قَتْلِ عُمَارَةَ الْيَمَنِيِّ فِي الدَّوْلَةِ الصَّلَاحِيَّةِ، فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ وَالْفَصَاحَةِ وَالْجِنَاسِ، وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ السَّاعِي فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ تَارِيخِهِ أَشْعَارًا حَسَنَةً، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ يَمْدَحُ الْمَلِكَ الْمُظَفَّرَ شَاهِنْشَاهْ:
وِصَالُ الْغَوَانِي كَانَ أَرْوَى وَأَرْوَجَا ... وَعَصْرُ التَّدَانِي كَانَ أَبْهَى وَأَبْهَجَا
لَيَالِيَ كَانَ الْعُمْرُ أَحْسَنَ شَافِعٍ ... تَوَلَّى وَكَانَ اللَّهْوُ أَوْضَحَ مَنْهَجَا
بَدَا الشَّيْبُ فَانْجَابَتْ طَمَاعِيَةُ الصِّبَا ... وَقُبِّحَ لِي مَا كَانَ يَسْتَحْسِنُ الْحِجَا
بُلَهْنِيَةٌ وَلَّتْ كَأَنْ لَمْ أَكُنْ بِهَا ... بِهَا أَجْتَلِي وَجْهَ النَّعِيمِ مُسَرَّجَا
وَلَا اخْتَلْتُ فِي بُرْدِ الشَّبَابِ مُجَرِّرًا ... ذُيُولِيَ إِعْجَابًا بِهِ وَتَبَرُّجَا
أُغَازِلُ غَيْدَاءَ الْمَعَاطِفِ طَفْلَةً ... وَأَغْيَدَ مَعْسُولَ الْمَرَاشِفِ أَدْعَجَا