আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১০৬৮৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي مُحَرَّمِهَا تَكَامَلَ بِنَاءُ دَارِ الضِّيَافَةِ بِبَغْدَادَ الَّتِي أَنْشَأَهَا النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ مِنْ بَغْدَادَ لِلْحَاجِّ وَالْمَارَّةِ ; لَهُمُ الضِّيَافَةُ مَا دَامُوا نَازِلِينَ بِهَا، فَإِذَا عَزَمَ أَحَدُهُمْ عَلَى السَّفَرِ مِنْهَا زُوِّدَ وَكُسِيَ وَأُعْطِيَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ دِينَارًا لِلسَّفَرِ، جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا. وَفِيهَا عَادَ أَبُو الْخَطَّابِ ابْنُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيُّ مِنْ رِحْلَتِهِ الْعِرَاقِيَّةِ، فَاجْتَازَ بِالشَّامِ، فَاجْتَمَعَ فِي مَجْلِسِ الْوَزِيرِ صَفِيِّ الدِّينِ بْنِ شُكْرٍ هُوَ وَالشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ أَبُو الْيُمْنِ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْكِنْدِيُّ شَيْخُ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ، فَأَوْرَدَ ابْنُ دِحْيَةَ فِي كَلَامِهِ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ " بِفَتْحِ اللَّفْظَتَيْنِ فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: مِنْ وَرَاءُ وَرَاءُ. بِضَمِّهِمَا، فَقَالَ ابْنُ دِحْيَةَ لِلْوَزِيرِ ابْنِ شُكْرٍ: مَنْ ذَا؟ فَقَالَ: هَذَا الشَّيْخُ أَبُو الْيُمْنِ الْكِنْدِيُّ. فَنَالَ مِنْهُ ابْنُ دِحْيَةَ، وَكَانَ جَرِئِيًا، فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هُوَ مِنْ كَلْبٍ فَنَبَحَ. قَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ وَكِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ مَحْكِيَّتَانِ، وَحُكِيَ فِيهِمَا الْجَرُّ أَيْضًا. وَفِيهَا عَادَ فَخْرُ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ خَطِيبُ حَرَّانَ مِنَ الْحَجِّ إِلَى بَغْدَادَ وَجَلَسَ بِبَابِ بَدْرٍ لِلْوَعْظِ، مَكَانَ مُحْيِي الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ، فَقَالَ فِي
পৃষ্ঠা - ১০৬৯০
كَلَامِهِ ذَلِكَ: وَابْنُ اللَّبُونَ إِذَا مَا لُزَّ فِي قَرَنٍ ... لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ الْبَزْلِ الْقَنَاعِيسِ كَأَنَّهُ يُعْرِّضُ بِالْمُحْيِي بْنِ الْجَوْزِيِّ، لِكَوْنِهِ شَابًّا ابْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ تَاسِعِ الْمُحَرَّمِ دَخَلَ مَمْلُوكٌ إِفْرِنْجِيٌّ مِنْ بَابِ مَقْصُورَةِ جَامِعِ دِمَشْقَ وَهُوَ سَكْرَانُ وَفِي يَدِهِ سَيْفٌ مَسْلُولٌ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ يَنْتَظِرُونَ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَمَالَ عَلَى النَّاسِ يَضْرِبُهُمْ بِسَيْفِهِ، فَقَتَلَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَضَرَبَ الْمِنْبَرَ بِسَيْفِهِ فَانْكَسَرَ، فَأُخِذَ وَأُودِعَ الْمَارَسْتَانَ، وَشُنِقَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ عَلَى جِسْرِ اللَّبَّادِينَ. وَفِيهَا عَادَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ السُّهْرَوَرْدِيُّ مِنْ دِمَشْقَ بِهَدَايَا الْمَلِكِ الْعَادِلِ، فَتَلَقَّاهُ الْجَيْشُ، وَمَعَهُ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ لِنَفْسِهِ أَيْضًا، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقِيرًا زَاهِدًا، فَلَمَّا عَادَ مُنِعَ مِنَ الْوَعْظِ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ الرُّبُطُ الَّتِي يُبَاشِرُهَا، وَوُكِّلَ إِلَى مَا بِيَدِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ، فَشَرَعَ فِي تَفْرِيقِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، فَاسْتَغْنَى مِنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ. فَقَالَ الْمُحْيِي ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مَجْلِسِهِ مَا مَعْنَاهُ: لَا حَاجَةَ بِالرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ أَمْوَالًا مِنْ غَيْرِ حَقِّهَا، وَيَصْرِفَهَا إِلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَكَانَ تَرْكُهَا أَوْلَى بِهِ مِنْ تَنَاوُلِهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ تَرْتَفِعَ مَنْزِلَتُهُ بِبَذْلِهَا، أَوْ يَعُودَ إِلَى حَالِهِ كَمَا كَانَ، وَلَوْ تُرِكَ عَلَى مَا كَانَ يُبَاشِرُهُ لَمَا بَذَلَهَا، فَلْيَحْذَرِ الْعَبْدُ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّهَا خَدَّاعَةٌ غَرَّارَةٌ تَسْتَرِقُ فُحُولَ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ فَضْلًا عَنِ الْعَوَامِّ وَالْقُوَّادِ. وَقَدْ وَقَعَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا بَعْدُ؛
পৃষ্ঠা - ১০৬৯১
فِيمَا وَقَعَ فِيهِ السُّهْرَوَرْدِيُّ وَأَعْظَمَ. وَفِيهَا قَصَدَتِ الْفِرِنْجُ مَدِينَةَ حِمْصَ وَعَبَرُوا عَلَى الْعَاصِي بِجِسْرٍ أَعْدُّوهُ فِي بِلَادِهِمْ، فَلَمَّا أَحَسَّتْ بِهِمُ الْعَسَاكِرُ الْمَنْصُورَةُ رَكِبُوا فِي آثَارِهِمْ، فَهَرَبُوا مِنْهُمْ، فَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا مِنْهُمْ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ غَنِيمَةً جَيِّدَةً. وَفِيهَا قُتِلَ صَاحِبُ الْجَزِيرَةِ، وَكَانَ مِنْ أَسْوَأِ النَّاسِ سِيرَةً، وَأَرَادَهُمْ سَرِيرَةً، وَهُوَ الْمَلِكُ سَنْجَرُ شَاهْ بْنُ غَازِيِّ بْنِ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِيِّ بْنِ آقْ سُنْقُرَ الْأَتَابِكِيُّ، وَكَانَ ابْنَ عَمِّ نُورِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى قَتْلَهُ وَلَدُهُ غَازِيٌّ، تَوَصَّلَ إِلَيْهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْخَلَاءِ سَكْرَانُ، فَضَرَبَهُ بِسِكِّينٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ ضَرْبَةً، ثُمَّ ذَبَحَهُ؛ وَذَلِكَ كُلُّهُ لِيَأْخُذَ الْمُلْكَ مِنْ بَعْدِهِ، فَحَرَمَهُ اللَّهُ ذَلِكَ، فَبُويِعَ بِالْمُلْكِ لِأَخِيهِ مَحْمُودٍ، وَأُخِذَ غَازِيٌّ هَذَا الْعَاقُّ لِوَالِدِهِ؛ فَقُتِلَ مِنْ يَوْمِهِ، فَسَلَبَهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحَيَاةَ، وَلَكِنْ أَرَاحَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ظُلْمِ أَبِيهِ وَغَشْمِهِ وَفِسْقِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129] [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا أَيْضًا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَخْتِيَارَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ الْوَاسِطِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْمَنْدَائِيِّ. آخِرُ مَنْ رَوَى مُسْنَدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ الْحُصَيْنِ، وَكَانَ مِنْ بَيْتِ فِقْهٍ وَقَضَاءٍ وَدِيَانَةٍ، وَكَانَ ثِقَةً عَدْلًا
পৃষ্ঠা - ১০৬৯২
مُتَوَرِّعًا فِي النَّقْلِ، وَمِمَّا أَنْشَدَهُ مِنْ حِفْظِهِ: وَلَوْ أَنَّ لَيْلَى مَطْلِعُ الشَّمْسِ دُونَهَا ... وَكُنْتُ وَرَاءَ الشَّمْسِ حِينَ تَغِيبُ لَحَدَّثْتُ نَفْسِي بِانْتِظَارِ نَوَالِهَا ... وَقَالَ الْمُنَى لِي إِنَّهَا لَقَرِيبُ قَاضِي الْقُضَاةِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ صَدْرُ الدِّينِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ دِرْبَاسٍ الْمَارَانِيُّ الْكُرْدِيُّ
পৃষ্ঠা - ১০৬৯৩
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَسِتِّمِائَةٍ فِي الْمُحَرَّمِ وَصَلَ نَجْمُ الدِّينِ خَلِيلٌ شَيْخُ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى بَغْدَادَ فِي الرَّسْلِيَّةِ عَنِ الْعَادِلِ، وَمَعَهُ هَدَايَا كَثِيرَةٌ، وَتَنَاظَرَ هُوَ وَشَيْخُ النِّظَامِيَّةِ مَجْدُ الدِّينِ يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ فِي مَسْأَلَةِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْمَجْنُونِ، وَأَخَذَ الْحَنَفِيُّ يَسْتَدِلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا، فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، فَأَجَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الَّذِي أَوْرَدَهُ، ثُمَّ خُلِعَ عَلَى الْحَنَفِيِّ وَأَصْحَابِهِ بِسَبَبِ الرِّسَالَةِ، وَكَانَتِ الْمُنَاظَرَةُ بِحَضْرَةِ نَائِبِ الْوَزِيرِ ابْنِ أَمْسِينَا. وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ خَامِسِ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَصَلَ الْجَمَالُ يُونُسُ بْنُ بَدْرَانَ الْمِصْرِيُّ رَئِيسُ الشَّافِعِيَّةِ بِدِمَشْقَ إِلَى بَغْدَادَ فِي الرَّسْلِيَّةِ عَنِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ، فَتَلَقَّاهُ الْجَيْشُ مَعَ حَاجِبِ الْحُجَّابِ، وَدَخَلَ مَعَهُ ابْنُ أَخِي صَاحِبِ إِرْبِلَ مُظَفَّرُ الدِّينِ كُوكُبُرِي، وَالرِّسَالَةُ تَتَضَمَّنُ الِاعْتِذَارَ عَنْ صَاحِبِ إِرْبِلَ، وَالسُّؤَالَ فِي الرِّضَا عَنْهُ، فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ.
পৃষ্ঠা - ১০৬৯৪
وَفِيهَا مَلَكَ الْعَادِلُ الْخَابُورَ وَنَصِيبِينَ، وَحَاصَرَ مَدِينَةَ سِنْجَارَ مُدَّةً، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهَا، ثُمَّ صَالَحَ صَاحِبَهَا، وَرَجَعَ عَنْهَا. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ: الْقَاضِي الْأَسْعَدُ ابْنُ مَمَّاتِي: أَبُو الْمَكَارِمِ أَسْعَدُ بْنُ الْخَطِيرِ أَبِي سَعِيدٍ مُهَذَّبِ بْنِ مِينَا بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي قُدَامَةَ بْنِ أَبِي مَلِيحٍ مَمَّاتِي الْمِصْرِيُّ، الْكَاتِبُ الشَّاعِرُ، أَسْلَمَ فِي الدَّوْلَةِ الصَّلَاحِيَّةِ، وَتَوَلَّى نَظَرَ الدَّوَاوِينِ بِمِصْرَ مُدَّةً. قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: لَهُ فَضَائِلُ عَدِيدَةٌ، وَمُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَنَظَمَ سِيرَةَ صَلَاحِ الدِّينِ، وَكِتَابَ " كَلِيلَةَ وَدِمْنَةَ "، وَلَهُ دِيوَانُ شِعْرٍ، وَلَمَّا تَوَلَّى الْوَزِيرُ ابْنُ شُكْرٍ هَرَبَ مِنْهُ إِلَى حَلَبَ فَمَاتَ بِهَا، وَلَهُ ثِنْتَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً، فَمِنْ شِعْرِهِ فِي ثَقِيلٍ رَآهُ بِدِمَشْقَ: حَكَى نَهْرَيْنِ وَمَا فِي الْأَرْ ... ضِ مَنْ يَحْكِيهِمَا أَبَدًا حَكَى فِي خَلْقِهِ ثَوْرَى ... وَفِي أَخْلَاقِهِ بَرَدَى أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ اللَّمْغَانِيُّ، أَحَدُ الْأَعْيَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِبَغْدَادَ، سَمِعَ الْحَدِيثَ، وَدَرَّسَ بِجَامِعِ
পৃষ্ঠা - ১০৬৯৫
السُّلْطَانِ، وَكَانَ مُعْتَزِلِيًّا فِي الْأُصُولِ، بَارِعًا فِي الْفُرُوعِ، اشْتَغَلَ عَلَى أَبِيهِ وَعَمِّهِ، وَأَتْقَنَ الْخِلَافَ وَعِلْمَ الْمُنَاظَرَةِ، وَقَارَبَ التِّسْعِينَ، رَحِمَهُ اللَّهُ. أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْخُرَاسَانِيِّ الْمُحَدِّثُ النَّاسِخُ، كَتَبَ كَثِيرًا مِنَ الْحَدِيثِ، وَجَمَعَ خُطَبًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَخَطُّهُ جَيِّدٌ مَشْهُورٌ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. أَبُو الْمَوَاهِبِ مَعْتُوقُ بْنُ مَنِيعِ بْنِ مَوَاهِبَ، الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ، قَرَأَ النَّحْوَ وَاللُّغَةَ عَلَى ابْنِ الْخَشَّابِ، وَجَمَعَ خُطَبًا كَانَ يَخْطُبُ مِنْهَا، وَكَانَ شَيْخًا فَاضِلًا أَدِيبًا، لَهُ دِيوَانُ شِعْرٍ، فَمِنْهُ قَوْلُهُ: وَلَا تَرْجُو الصَّدَاقَةَ مِنْ عَدُوٍّ ... يُعَادِي نَفْسَهُ سِرًّا وَجَهْرًا فَلَوْ أَجْدَتْ مَوَدَّتُهُ انْتِفَاعًا ... لَكَانَ النَّفْعُ مِنْهُ إِلَيْهِ أَجْرًا ابْنُ خَرُوفٍ شَارِحُ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ خَرُوفٍ الْأَنْدَلُسِيُّ النَّحْوِيُّ، شَرَحَ " سِيبَوَيْهِ "، وَقَدَّمَهُ إِلَى صَاحِبِ الْمَغْرِبِ، فَأَعْطَاهُ أَلْفَ دِينَارٍ، وَشَرَحَ جُمَلَ الزَّجَّاجِيِّ، وَكَانَ يَتَنَقَّلُ فِي الْبِلَادِ، وَلَا
পৃষ্ঠা - ১০৬৯৬
يَسْكُنُ إِلَّا فِي الْخَانَاتِ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ وَلَا تَسَرَّى، وَقَدْ تَغَيِّرَ عَقْلُهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، فَكَانَ يَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ تُوُفِّيَ عَنْ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً. أَبُو عَلِيٍّ يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرَّازٍ الْوَاسِطِيُّ الْبَغْدَادِيُّ اشْتَغَلَ بِالنِّظَامِيَّةِ عَلَى ابْنِ فَضْلَانَ، وَأَعَادَ عِنْدَهُ، وَسَافَرَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، فَأَخَذَ عَنْهُ طَرِيقَتَهُ فِي الْخِلَافِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى بَغْدَادَ، ثُمَّ صَارَ مُدَرِّسًا بِالنِّظَامِيَّةِ، وَنَاظِرًا فِي أَوْقَافِهَا، وَقَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ، وَكَانَ لَدَيْهِ عُلُومٌ كَثِيرَةٌ، وَمَعْرِفَةٌ حَسَنَةٌ بِالْمَذْهَبِ، وَلَهُ تَفْسِيرٌ فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ كَانَ يُدَرِّسُ مِنْهُ، وَاخْتَصَرَ تَارِيخَ الْخَطِيبِ وَالذَّيْلَ عَلَيْهِ لِابْنِ السَّمْعَانِيِّ، وَقَارَبَ الثَّمَانِينَ. رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. ابْنُ الْأَثِيرِ صَاحِبُ جَامِعِ الْأُصُولِ وَالنِّهَايَةِ: الْمُبَارَكُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، مَجْدُ الدِّينِ أَبُو السَّعَادَاتِ الشَّيْبَانِيُّ الْجَزَرِيُّ الشَّافِعِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْأَثِيرِ، وَهُوَ أَخُو الْوَزِيرِ الْأَفْضَلِ ضِيَاءِ الدِّينِ نَصْرِ اللَّهِ، وَأَخُو الْحَافِظِ عِزِّ الدِّينِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيٍّ صَاحِبِ الْكَامِلِ فِي
পৃষ্ঠা - ১০৬৯৭
التَّارِيخِ. وُلِدَ أَبُو السَّعَادَاتِ الْمُبَارَكُ فِي أَحَدِ الرَّبِيعَيْنِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ، وَأَتْقَنَ عُلُومَهُ وَحَرَزَ عُلُومًا جَمَّةً، وَكَانَ مَقَامُهُ بِالْمَوْصِلِ، وَقَدْ جَمَعَ فِي سَائِرِ الْعُلُومِ كُتُبًا مُفِيدَةً، مِنْهَا جَامِعُ الْأُصُولِ السِّتَّةِ; الْمُوَطَّأُ وَالصَّحِيحَانِ وَسُنَنُ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنَ مَاجَهْ فِيهِ، وَلَهُ كِتَابُ النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَلَهُ شَرَحُ مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ، وَالتَّفْسِيرُ فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي فُنُونٍ شَتَّى. وَكَانَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، مُعَظَّمًا عِنْدَ مُلُوكِ الْمَوْصِلِ، فَلَمَّا آلَ الْمُلْكُ إِلَى نُورِ الدِّينِ أَرْسَلَانَ شَاهِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِيِّ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ مَمْلُوكَهُ لُؤْلُؤًا يَعْرِضُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَوْزِرَهُ فَأَبَى، فَرَكِبَ السُّلْطَانُ إِلَيْهِ فَامْتَنَعَ أَيْضًا، وَقَالَ لَهُ: قَدْ كَبُرَتْ سِنِّي، وَاشْتَهَرْتُ بِنَشْرِ الْعِلْمِ، وَلَا يَصْلُحُ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا بِشَيْءٍ مِنَ الْعَسْفِ وَالظُّلْمِ، وَلَا يَلِيقُ بِي ذَلِكَ. فَأَعْفَاهُ. قَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ: كُنْتُ أَقْرَأُ عِلْمَ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الدَّهَّانِ، وَكَانَ يَأْمُرُنِي بِصَنْعَةِ الشِّعْرِ، فَكُنْتُ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ الشَّيْخُ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي، فَأَمَرَنِي بِذَلِكَ، فَقُلْتُ: ضَعْ لِي مِثَالًا أَعْمَلُ عَلَيْهِ. فَقَالَ: جُبِ الْفَلَا مُدْمِنًا إِنْ فَاتَكَ الظَّفَرُ فَقُلْتُ أَنَا: وَخُدَّ خَدَّ الثَّرَى وَاللَّيْلُ مُعْتَكِرُ
পৃষ্ঠা - ১০৬৯৮
فَالْعِزُّ فِي صَهَوَاتِ الْخَيْلِ مَرْكَبُهُ ... وَالْمَجْدُ يُنْتِجْهُ الْإِسْرَاءُ وَالسَّهَرُ فَقَالَ: أَحْسَنْتَ. ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ، فَأَتْمَمْتُ عَلَيْهَا نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ بَيْتًا. كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي سَلْخِ ذِي الْحِجَّةِ عَنْ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَدْ تَرْجَمَهُ أَخُوهُ فِي الْكَامِلِ، فَقَالَ: كَانَ عَالِمًا فِي عِدَّةِ عُلُومٍ; مِنْهَا الْفِقْهُ وَعِلْمُ الْأُصُولِ وَالنَّحْوُ وَالْحَدِيثُ وَاللُّغَةُ، وَلَهُ تَصَانِيفُ مَشْهُورَةٌ فِي التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْحِسَابِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَلَهُ رَسَائِلُ مُدَوَّنَةٌ، وَكَانَ مُفْلِقًا يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ، ذَا دِينٍ مَتِينٍ وَلُزُومِ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ، فَلَقَدْ كَانَ مِنْ مَحَاسِنَ الزَّمَانِ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَفِيهَا تُوُفِّيَ: الْمَجْدُ الْمُطَرِّزِيُّ النَّحْوِيُّ الْخُوَارَزْمِيُّ، كَانَ إِمَامًا فِي النَّحْوِ، لَهُ فِيهِ تَصَانِيفُ حَسَنَةٌ. قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَفِيهَا تُوُفِّيَ الْمَلِكُ الْمُغِيثُ فَتْحُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ الْمَلِكِ الْعَادِلِ، وَدُفِنَ بِتُرْبَةِ أَخِيهِ الْمُعَظَّمِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ. وَالْمَلِكُ الْمُؤَيَّدُ مَسْعُودُ بْنُ صَلَاحِ الدِّينِ بِمَدِينَةِ رَأْسِ الْعَيْنِ، فَحُمِلَ إِلَى
পৃষ্ঠা - ১০৬৯৯
حَلَبَ فَدُفِنَ بِهَا. وَفِيهَا تُوُفِّيَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ الْمُتَكَلِّمُ، صَاحِبُ التَّفْسِيرِ وَالتَّصَانِيفِ: مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ الْبِكْرِيُّ الْإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو الْمَعَالِي، الْمَعْرُوفُ بِالْفَخْرِ الرَّازِيِّ، وَيُقَالُ لَهُ: ابْنُ خَطِيبِ الرَّيِّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ أَحَدُ الْمَشَاهِيرِ بِالتَّصَانِيفِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ نَحْوٍ مِنْ مِائَتَيْ مُصَنَّفٍ; مِنْهَا " التَّفْسِيرُ الْحَافِلُ "، وَ " الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ "، وَ " الْمَبَاحِثُ الْمَشْرِقِيَّةُ "، وَ " الْأَرْبَعِينَ "، وَ " شَرْحُ الْإِشَارَاتِ "، وَغَيْرُهَا فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَمَذَاهِبِ الْأَوَائِلِ وَأَقْوَالِ النَّاسِ، وَلَهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ " الْمَحْصُولُ " وَغَيْرُهُ، وَصَنَّفَ تَرْجَمَةَ الشَّافِعِيِّ فِي مُجَلَّدٍ مُفِيدٍ، وَفِيهِ غَرَائِبُ، وَيُنْسَبُ إِلَيْهِ أَشْيَاءُ عَجِيبَةٌ، وَقَدِ اسْتَقْصَيْتُ تَرْجَمَتَهُ فِي " طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ "، وَقَدْ كَانَ مُعَظَّمًا عِنْدَ مُلُوكِ الْخُوَارَزْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَبُنِيَتْ لَهُ مَدَارِسُ كَثِيرَةٌ فِي بُلْدَانٍ شَتَّى، وَمَلَكَ مِنَ الذَّهَبِ الْعَيْنِ ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْتِعَةِ وَالْمَرَاكِبِ وَالْأَثَاثِ وَالْمَلَابِسِ، وَكَانَ لَهُ خَمْسُونَ مَمْلُوكًا مِنَ التُّرْكِ، وَقَدْ كَانَ يَعْقِدُ مَجْلِسَ الْوَعْظِ فَيَحْضُرُ عِنْدَهُ الْمُلُوكُ وَالْوُزَرَاءُ وَالْعُلَمَاءُ وَالْأُمَرَاءُ وَالْفُقَرَاءُ وَالْعَامَّةُ وَالْغَوْغَاءُ، وَكَانَتْ لَهُ عِبَادَاتٌ وَأَوْرَادٌ، وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَرَّامِيَّةِ فِي أَوْقَاتٍ شَتَّى، فَكَانَ يُبْغِضُهُمْ وَيُبْغِضُونَهُ وَيُبَالِغُ فِي ذَمِّهِمْ وَيُبَالِغُونَ فِي الْحَطِّ عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا طَرَفًا مِنْ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ مَعَ غَزَارَةِ
পৃষ্ঠা - ১০৭০০
عِلْمِهِ فِي فَنِّ الْكَلَامِ يَقُولُ: مَنْ لَزِمَ مَذْهَبَ الْعَجَائِزِ كَانَ هُوَ الْفَائِزَ. وَقَدْ ذَكَرْتُ وَصِيَّتَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَأَنَّهُ رَجَعَ فِيهَا إِلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ، وَتَسْلِيمِ مَا وَرَدَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُرَادِ اللَّائِقِ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ فِي الذَّيْلِ فِي تَرْجَمَتِهِ: كَانَ يَعِظُ وَيَنَالُ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ، وَيَنَالُونَ مِنْهُ سَبًّا وَتَكْفِيرًا، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ وَضَعُوا عَلَيْهِ مَنْ سَقَاهُ السُّمَّ فَمَاتَ فَفَرِحُوا بِمَوْتِهِ، وَكَانُوا يَرْمُونَهُ بِالْكَبَائِرِ. قَالَ: وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَلَا كَلَامَ فِي فَضْلِهِ، وَإِنَّمَا الشَّنَاعَاتُ عَلَيْهِ قَائِمَةٌ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا; قَالَ مُحَمَّدٌ التَّازِيُّ - يَعْنِي الْعَرَبِيَّ، يُرِيدُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي الْعَرَبِيَّ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ الرَّازِيُّ - يَعْنِي نَفْسَهُ، وَمِنْهَا أَنَّهُ كَانَ يُقَرِّرُ الشُّبْهَةَ مِنْ جِهَةِ الْخُصُومِ بِعِبَارَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَيُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَدْنَى إِشَارَةٍ. قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ خَلَّفَ مِنَ الذَّهَبِ الْعَيْنِ ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ غَيْرَ مَا كَانَ يَمْلِكُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ وَالْعَقَارِ وَالْآلَاتِ، وَخَلَّفَ وَلَدَيْنِ، أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ. وَكَانَ ابْنُهُ الْأَكْبَرُ قَدْ تَجَنَّدَ فِي حَيَاتِهِ وَخَدَمَ السُّلْطَانَ مُحَمَّدَ بْنَ تِكِشَ. وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " الْكَامِلِ ": وَفِيهَا تُوُفِّيَ فَخْرُ الدِّينِ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَطِيبِ الرَّيِّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ صَاحِبُ التَّصَانِيفِ الْمَشْهُورَةِ فِي
পৃষ্ঠা - ১০৭০১
الْفِقْهِ وَالْأُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ إِمَامَ الدُّنْيَا فِي عَصْرِهِ. وَبَلَغَنِي أَنَّ مَوْلِدَهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ. وَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: إِلَيْكَ إِلَهَ الْخَلْقِ وَجْهِي وَوِجْهَتِي ... وَأَنْتَ الَّذِي أَدْعُوكَ فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ وَأَنْتَ غِيَاثِي عِنْدَ كُلِّ مُلِمَّةٍ ... وَأَنْتَ مَعَاذِي فِي حَيَاتِي وَفِي قَبْرِي وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ السَّاعِي عَنْ يَاقُوتٍ الْحَمَوِيِّ، عَنِ ابْنٍ لْفَخْرِ الدِّينِ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ: أَنْشَدَنَا: تَتِمَّةُ أَبْوَابِ السَّعَادَةِ لِلْخَلْقِ ... بِذِكْرِ جَلَالِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ الْحَقِّ مُدَبِّرِ كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ بِأَسْرِهَا ... وَمُبْدِعِهَا بِالْعَدْلِ وَالْقَصْدِ وَالصِّدْقِ أُجِلُّ جَلَالَ اللَّهِ عَنْ شِبْهِ خَلْقِهِ ... وَأَنْصُرُ هَذَا الدِّينَ فِي الْغَرْبِ وَالشَّرْقِ إِلَهٌ عَظِيمُ الْفَضْلِ وَالْعَدْلِ وَالْعُلَا ... هُوَ الْمُرْشِدُ الْمُغْوِي هُوَ الْمُسْعِدُ الْمُشْقِي وَمِمَّا كَانَ يُنْشِدُهُ فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ: نِهَايَةُ إِقْدَامِ الْعُقُولِ عِقَالُ ... وَأَكْثَرُ سَعْيِ الْعَالَمِينَ ضَلَالُ وَأَرْوَاحُنَا فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِنَا ... وَحَاصِلُ دُنْيَانَا أَذًى وَوَبَالُ وَلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمْرِنَا ... سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ وَقَالُوا ثُمَّ يَقُولُ: لَقَدِ اخْتَبَرْتُ الطُّرُقَ الْكَلَامِيَّةَ وَالْمَنَاهِجَ الْفَلْسَفِيَّةَ، فَلَمْ أَجِدْهَا
পৃষ্ঠা - ১০৭০২
تَرْوِي غَلِيلًا وَلَا تَشْفِي عَلِيلًا، وَرَأَيْتُ أَقْرَبَ الطُّرُقِ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ، أَقْرَأُ فِي الْإِثْبَاتِ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] " فَاطِرٍ: 10 " وَفِي النَّفْيِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] " الشُّورَى: 11 " {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] " مَرْيَمَ: 65 ".
পৃষ্ঠা - ১০৭০৩
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] ذَكَرَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ فِي " الذَّيْلِ " أَنَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ تَمَالَأَتْ مُلُوكُ الْجَزِيرَةِ; صَاحِبُ الْمَوْصِلِ وَصَاحِبُ سِنْجَارَ، وَصَاحِبُ إِرْبِلَ، وَمَعَهُمُ ابْنُ أَخِيهِ الظَّاهِرُ صَاحِبُ حَلَبَ وَمَلِكُ الرُّومِ أَيْضًا، عَلَى مُخَالَفَةِ الْعَادِلِ وَمُنَابَذَتِهِ وَمُقَاتَلَتِهِ وَاصْطِلَامِ الْمُلْكِ مِنْ يَدِهِ، وَأَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ لِلْمَلِكِ كِيخُسْرُو بْنِ قِلِيجَ أَرْسَلَانَ صَاحِبِ الرُّومِ، وَأَرْسَلُوا إِلَى الْكُرْجِ لِيَقْدُمُوا لِحِصَارِ خِلَاطَ وَأَخْذِهَا مِنْ يَدِ الْمَلِكِ الْأَوْحَدِ بْنِ الْعَادِلِ، وَوَعَدَهُمُ النَّصْرَ وَالْمُعَاوَنَةَ عَلَيْهِ. قُلْتُ: وَهَذَا بَغْيٌ وَعُدْوَانٌ يَنْهَى اللَّهُ عَنْهُ، فَأَقْبَلَتِ الْكُرْجُ بِمَلِكِهِمْ إِيوَانِي، فَحَاصَرُوا خِلَاطَ، فَضَاقَ بِهِمُ الْأَوْحَدُ ذَرْعًا، وَقَالَ: هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ. فَقَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ تَاسِعَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ اشْتَدَّ حِصَارُهُمْ لِلْبَلَدِ، وَأَقْبَلَ مَلِكُهُمْ إِيوَانِي وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى جَوَادِهِ وَهُوَ سَكْرَانُ، فَسَقَطَ بِهِ جَوَادُهُ فِي بَعْضِ الْحُفَرِ الَّتِي قَدْ أُعِدَّتْ مَكِيدَةً حَوْلَ الْبَلَدِ، فَبَادَرَ إِلَيْهِ رِجَالُ الْبَلَدِ، فَأَخَذُوهُ أَسِيرًا حَقِيرًا، فَأُسْقِطَ فِي أَيْدِي الْكُرْجِ، فَلَمَّا أُوقِفَ بَيْنَ يَدِيِ الْأَوْحَدِ أَطْلَقَهُ وَمَنَّ عَلَيْهِ، وَأَكْرَمَهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَفَادَاهُ عَلَى مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ وَأَلْفَيْ
পৃষ্ঠা - ১০৭০৪
أَسِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَسْلِيمِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ قَلْعَةً مُتَاخِمَةً لِبِلَادِ الْأَوْحَدِ، وَأَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ مِنْ أَخِيهِ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ مُوسَى، وَأَنْ يَكُونَ عَوْنًا لَهُ عَلَى مَنْ يُحَارِبُهُ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، فَأُخِذَتِ الْأَيْمَانُ مِنْهُ بِذَلِكَ، وَبَعَثَ الْأَوْحَدُ إِلَى أَبِيهِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَالْعَادِلُ نَازِلٌ بِظَاهِرِ حَرَّانَ فِي أَشَدِّ حَيْرَةٍ مِمَّا قَدْ دَهَمَهُ مِنَ الْأَمْرِ الْفَظِيعِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُ هَذَا الْأَمْرُ الْهَائِلُ وَالتَّدْبِيرُ مِنْ عَزِيزٍ حَكِيمٍ، لَمْ يَكُنْ فِي بَالِهِ وَلَا حِسَابِهِ، فَكَادَ يَذْهَلُ فَرَحًا وَسُرُورًا، وَأَجَازَ جَمِيعَ مَا فَعَلَهُ وَلَدُهُ، وَطَارَتِ الْأَخْبَارُ بِمَا وَقَعَ بَيْنَ الْمُلُوكِ، فَخَضَعُوا وَذَلُّوا عِنْدَ ذَلِكَ، وَأَرْسَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَعْتَذِرُ مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ، وَيُحِيلُ عَلَى غَيْرِهِ، فَقَبِلَ مِنْهُمُ اعْتِذَارَاتِهِمْ، وَصَالَحَهُمْ صُلْحًا أَكِيدًا، وَاسْتَقْبَلَ الْمَلِكُ عَقْدًا جَدِيدًا. وَوَفَّى مَلِكُ الْكُرْجِ لِلْأَوْحَدِ بِجَمِيعِ مَا شَرَطَهُ عَلَيْهِ، وَتَزَوَّجَ الْأَشْرَفُ ابْنَتَهُ. وَمِنْ غَرِيبِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو شَامَةَ فِي هَذِهِ الْكَائِنَةِ أَنَّ قِسِّيسَ الْمَلِكِ كَانَ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لِلْمَلِكِ قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ: اعْلَمْ أَنَّكَ تَدْخُلُ غَدًا إِلَى قَلْعَةِ خِلَاطَ وَلَكِنْ بِزِيٍّ غَيْرِ زِيِّكَ أَذَانَ الْعَصْرِ. فَوَافَقَ دُخُولُهُ إِلَيْهَا أَسِيرًا وَقْتَ أَذَانِ الْعَصْرِ. [وَفَاةُ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ نُورِ الدِّينِ] ذِكْرُ وَفَاةِ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ نُورِ الدِّينِ أَرْسَلَ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ شَاهِ بْنُ عِزِّ الدِّينِ مَسْعُودِ بْنِ قُطْبِ الدِّينِ مَوْدُودِ بْنِ
পৃষ্ঠা - ১০৭০৫
زَنْكِيِّ، صَاحِبُ الْمَوْصِلِ يَخْطُبُ ابْنَةَ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ، وَأَرْسَلَ وَكِيلَهُ لِقَبُولِ الْعَقْدِ عَلَى ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ. فَاتَّفَقَ مَوْتُ نُورِ الدِّينِ وَوَكِيلِهِ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، فَعُقِدَ الْعَقْدُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي كَامِلِهِ كَثِيرًا وَشَكَرَ مِنْهُ وَمِنْ عَدْلِهِ وَشَهَامَتِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ، وَذَكَرَ أَنَّ مُدَّةَ مُلْكِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا. وَأَمَّا أَبُو الْمُظَفَّرِ السِّبْطُ فَإِنَّهُ قَالَ: كَانَ جَبَّارًا ظَالِمًا بَخِيلًا سَفَّاكًا لِلدِّمَاءِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَامَ فِي الْمُلْكِ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدُهُ الْقَاهِرُ عِزُّ الدِّينِ مَسْعُودٌ، وَجَعَلَ تَدْبِيرَ مَمْلَكَتِهِ إِلَى غُلَامِهِ بَدْرِ الدِّينِ لُؤْلُؤٍ الَّذِي صَارَ الْمُلْكُ إِلَيْهِ فِيمَا بَعْدُ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَفِي سَابِعِ شَوَّالٍ شُرِعَ فِي عِمَارَةِ الْمُصَلَّى; بُنِيَ لَهُ أَرْبَعُ جُدُرٍ مُشْرِفَةٍ، وَجُعِلَ لَهُ أَبْوَابٌ صَوْنًا لِمَكَانِهِ مِنَ الْمَيْتَاتِ وَنُزُولِ الْقَوَافِلِ، وَجُعِلَ فِي قِبْلَتِهِ مِحْرَابٌ مِنْ حِجَارَةٍ وَمِنْبَرٌ مِنْ حِجَارَةٍ، وَعُقِدَتْ فَوْقَ ذَلِكَ قُبَّةٌ، ثُمَّ فِي سَنَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ عُمِلَ فِي قِبْلَتِهِ رِوَاقَانِ، وَعُمِلَ لَهُ مِنْبَرٌ مِنْ خَشَبٍ، وَرُتِّبَ لَهُ خَطِيبٌ رَاتِبٌ وَإِمَامٌ رَاتِبٌ، وَمَاتَ الْعَادِلُ وَلَمْ يَتِمَّ الرِّوَاقُ الثَّانِي مِنْهُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى يَدِ الْوَزِيرِ صَفِيِّ الدِّينِ بْنِ شُكْرٍ. قَالَ: وَفِي حَادِي عَشَرَ شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ جُدِّدَتْ أَبْوَابُ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ مِنْ نَاحِيَةِ بَابِ الْبَرِيدِ بِالنُّحَاسِ الْأَصْفَرِ، وَرُكِّبَتْ فِي أَمَاكِنِهَا. وَفِي شَوَّالٍ أَيْضًا شُرِعَ فِي إِصْلَاحِ الْفَوَّارَةِ وَالشَّاذِرْوَانِ وَالْبِرْكَةِ وَعُمِلَ عِنْدِهَا مَسْجِدٌ، وَجُعِلَ لَهُ إِمَامٌ رَاتِبٌ، وَأَوَّلُ مَنْ تَوَلَّاهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: النَّفِيسُ الْمِصْرِيُّ.
পৃষ্ঠা - ১০৭০৬
وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: بُوقُ الْجَامِعِ، لِطِيبِ صَوْتِهِ إِذَا قَرَأَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ الضَّرِيرِ الْمُصَدَّرِ، فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ النَّاسُ الْكَثِيرُ. وَفِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا تَوَجَّهَتْ مَرَاكِبُ مِنْ عَكَّا فِي الْبَحْرِ إِلَى ثَغْرِ دِمْيَاطَ وَفِيهَا مَلِكُ قُبْرُسَ الْمُسَمَّى الْبَالَ، لَعَنَهُ اللَّهُ، فَدَخَلَ الثَّغْرَ لَيْلًا، وَأَغَارَ عَلَى بَعْضِ الْبِلَادِ، فَقَتَلَ وَسَبَى وَغَنِمَ، وَكَرَّ رَاجِعًا، فَرَكِبَ مَرَاكِبَهُ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ الطَّلَبُ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ لَهُ سَابِقَةٌ بِمِثْلِهَا قَبْلَ هَذِهِ، وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يَتَّفِقْ لِغَيْرِهِ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَاثَتِ الْفِرِنْجُ بِنَوَاحِي الْقُدْسِ الشَّرِيفِ فَبَرَزَ إِلَيْهِمُ الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ فِي عَسَاكِرِهِ، وَجَلَسَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ قِزُغْلِي الْحَنَفِيُّ، وَهُوَ سِبْطُ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ ابْنُ ابْنَتِهِ رَابِعَةَ، وَهُوَ صَاحِبُ " مِرْآةِ الزَّمَانِ "، وَكَانَ فَاضِلًا فِي فُنُونٍ كَثِيرَةٍ، حَسَنَ الشَّكْلِ، طَيِّبَ الصَّوْتِ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ فِي الْوَعْظِ جَيِّدًا، وَتُحِبُّهُ الْعَامَّةُ عَلَى صِيتِ جَدِّهِ، وَقَدْ رَحَلَ مِنْ بَغْدَادَ، فَنَزَلَ دِمَشْقَ وَأَكْرَمَهُ مُلُوكُهَا، وَوَلِيَ التَّدَارِيسَ الْكِبَارَ بِهَا، وَكَانَ يَجْلِسُ كُلَّ يَوْمِ سَبْتٍ عِنْدَ بَابِ مَشْهَدِ عَلِيٍّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ إِلَى السَّارِيَةِ الَّتِي يَجْلِسُ عِنْدَهَا الْوُعَّاظُ فِي زَمَانِنَا هَذَا، فَكَانَ يَكْثُرُ الْجَمْعُ عِنْدَهُ حَتَّى يَكُونُوا مِنْ بَابِ النَّاطِفَانِيِّينَ إِلَى بَابِ الْمَشْهَدِ وَإِلَى بَابِ السَّاعَاتِ غَيْرَ الْوُقُوفِ، فَحُزِرَ جَمْعُهُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَكَانَ النَّاسُ يَبِيتُونَ لَيْلَةَ السَّبْتِ بِالْجَامِعِ فِي الصَّيْفِ وَيَتْرُكُونَ الْبَسَاتِينَ وَالْفَرَحَ فِي خَتَمَاتٍ وَأَذْكَارٍ لِتَحْصِيلِ الْأَمَاكِنِ بِمِيعَادِهِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ
পৃষ্ঠা - ১০৭০৭
وَعْظِهِ خَرَجُوا إِلَى بَسَاتِينِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُمْ كَلَامٌ إِلَّا فِيمَا قَالَ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ. وَيَحْضُرُ عِنْدَهُ الْأَكَابِرُ، حَتَّى الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ أَبُو الْيُمْنِ الْكِنْدِيُّ كَانَ يَجْلِسُ فِي الْقُبَّةِ الَّتِي عِنْدَ بَابِ الْمَشْهَدِ هُوَ وَوَالِي الْبَلَدِ الْمُعْتَمِدُ وَوَالِي الْبَرِّ ابْنُ ثُمَيْرِكٍ وَغَيْرُهُمْ. فَلَمَّا جَلَسَ يَوْمَ السَّبْتِ خَامِسَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بِالْجَامِعِ - كَمَا ذَكَرْنَا - حَثَّ النَّاسَ عَلَى الْجِهَادِ، وَأَمَرَ بِإِحْضَارِ مَا كَانَ قَدْ تَحَصَّلَ عِنْدَهُ مِنْ شُعُورِ التَّائِبِينَ، وَقَدْ عَمِلَ مِنْهُ شِكَالَاتٍ يَحْمِلُهَا الرِّجَالُ، فَلَمَّا رَآهَا النَّاسُ ضَجُّوا ضَجَّةً وَاحِدَةً، وَتَبَاكَوْا بُكَاءً كَثِيرًا، وَقَطَّعُوا مِنْ شُعُورِهِمْ نَحْوَهَا، فَلَمَّا انْقَضَى الْمَجْلِسُ، وَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ، فَتَلَقَّاهُ الْوَالِي مُبَارِزُ الدِّينِ الْمُعْتَمِدُ إِبْرَاهِيمُ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، فَمَشَى بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى بَابِ النَّاطِفَانِيِّينَ يُعَضِّدُهُ حَتَّى رَكِبَ فَرَسَهُ، وَالنَّاسُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، فَخَرَجَ مِنْ بَابِ الْفَرَجِ وَبَابِ الْمُصَلَّى، ثُمَّ رَكِبَ مِنَ الْغَدِ فِي النَّاسِ إِلَى الْكُسْوَةِ، وَمَعَهُ خَلَائِقُ كَثِيرُونَ بِنِيَّةِ الْجِهَادِ إِلَى بِلَادِ الْقُدْسِ وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ مَعَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ مِنْ أَهْلِ زَمَلُكَا بِالْعُدَدِ التَّامَّةِ. قَالَ: فَجِئْنَا عَقَبَةَ أَفِيقَ، وَالطَّيْرُ لَا يَتَجَاسَرُ أَنْ يَطِيرَ مِنْ خَوْفِ الْفِرِنْجِ، فَلَمَّا وَصَلْنَا نَابُلُسَ تَلَقَّانَا الْمُعَظَّمُ. قَالَ: وَلَمْ أَكُنِ اجْتَمَعْتُ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَأَى الشِّكَالَاتِ مِنْ شُعُورِ التَّائِبِينَ جَعَلَ يُقَبِّلُهَا، وَيُمَرِّغُهَا عَلَى وَجْهِهِ وَيَبْكِي. وَعَمِلَ أَبُو الْمُظَفَّرِ مِيعَادًا بِنَابُلُسَ، وَحَثَّ عَلَى الْجِهَادِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، ثُمَّ سَارُوا صُحْبَةَ الْمُعَظَّمِ إِلَى نَاحِيَةِ بِلَادِ
পৃষ্ঠা - ১০৭০৮
الْفِرِنْجِ، فَقَتَلُوا خَلْقًا، وَخَرَّبُوا أَمَاكِنَ كَثِيرَةً، وَغَنِمُوا وَعَادُوا سَالِمِينَ، وَشَرَعَ الْمُعَظَّمُ فِي تَحْصِينِ جَبَلِ الطُّورِ وَبَنَى قَلْعَةً فِيهِ; لِيَكُونَ أَلْبًا عَلَى الْفِرِنْجِ، فَغَرِمَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً فِي ذَلِكَ، فَبَعَثَ الْفِرِنْجُ إِلَى الْعَادِلِ يَطْلُبُونَ مِنْهُ الْأَمَانَ وَالْمُصَالَحَةَ، فَهَادَنَهُمْ وَبَطَلَتْ تِلْكَ الْعِمَارَةُ، وَضَاعَ مَا كَانَ الْمُعَظَّمُ غَرِمَ عَلَيْهَا. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ: الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بَانِي الْمَدْرَسَةِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ لِلْقُرَّاءِ، رَحِمَهُ اللَّهُ. مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ، الشَّيْخُ الصَّالِحُ أَبُو عُمَرَ الْمَقْدِسِيُّ، بَانِي الْمَدْرَسَةِ الَّتِي يُقْرَأُ فِيهَا الْقُرْآنُ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، وَهُوَ أَخُو الشَّيْخِ مُوَفَّقِ الدِّينِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ، وَكَانَ أَبُو عُمَرَ أَسَنَّ مِنْهُ; لِأَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ بَقَرْيَةِ السَّاوَيَا، وَقِيلَ: بِجَمَّاعِيلَ. وَهُوَ رَبَّى الشَّيْخَ مُوَفَّقَ الدِّينِ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ وَزَوَّجَهُ، وَكَانَ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَدِمَ بِهِمْ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ، فَنَزَلُوا بِمَسْجِدِ أَبِي صَالِحٍ، ثُمَّ انْتَقَلُوا مِنْهُ إِلَى السَّفْحِ، وَلَيْسَ بِهِ مِنَ الْعِمَارَةِ شَيْءٌ سِوَى دَيْرِ الْحَوْرَانِيِّ، قَالَ: فَقِيلَ لَنَا: الصَّالِحِيُّونَ. نِسْبَةً إِلَى مَسْجِدِ أَبِي صَالِحٍ، لَا أَنَّا صَالِحُونَ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْبُقْعَةُ مِنْ ذَلِكَ الْحِينِ بِالصَّالِحِيَّةِ نِسْبَةً إِلَيْنَا، فَقَرَأَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ الْقُرْآنَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي عَمْرٍو، وَحَفِظَ " مُخْتَصَرَ الْخِرَقِيِّ " فِي الْفِقْهِ، وَهُوَ الَّذِي شَرَحَهُ أَخُوهُ، فَكَتَبَ شَرْحَهُ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ " تَفْسِيرَ الْبَغَوِيِّ "،
পৃষ্ঠা - ১০৭০৯
وَ " الْحِلْيَةَ " لِأَبِي نُعَيْمٍ، وَ " الْإِبَانَةَ " لِابْنِ بَطَّةَ، وَكَتَبَ مَصَاحِفَ كَثِيرَةً لِلنَّاسِ وَلِأَهْلِهِ لَا بِأُجْرَةٍ، وَكَانَ كَثِيرَ الْعِبَادَةِ، وَالتَّهَجُّدِ، يَصُومُ الدَّهْرَ، حَسَنَ الشَّكْلِ، نَحِيلَ الْجِسْمِ، عَلَيْهِ أَنْوَارُ الْعِبَادَةِ، لَا يَزَالُ مُتَبَسِّمًا، وَكَانَ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعًا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَيُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِيهِنَّ أَلْفَ مَرَّةٍ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، وَكَانَ يَزُورُ مَغَارَةَ الدَّمِ فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، وَيَجْمَعُ فِي طَرِيقِهِ الشِّيحَ، فَيُعْطِيهِ الْأَرَامِلَ وَالْمَسَاكِينَ، وَمَهْمَا تَهَيَّأَ لَهُ مِنْ فُتُوحٍ وَغَيْرِهِ يُؤْثِرُ بِهِ أَهْلَهُ وَالْمَسَاكِينَ، وَكَانَ مُتَقَلِّلًا فِي الْمَلْبَسِ، وَرُبَّمَا مَضَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ لَا يَلْبَسُ فِيهَا سَرَاوِيلَ وَلَا قَمِيصًا. وَكَانَ يَقْطَعُ مِنْ عِمَامَتِهِ قِطَعًا يَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ فِي تَكْمِيلِ كَفَنِ مَنْ يَعُوزُ كَفَنُهُ، وَكَانَ هُوَ وَأَخُوهُ وَابْنُ خَالِهِمُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ وَأَخُوهُ الشَّيْخُ الْعِمَادُ لَا يَنْقَطِعُونَ عَنْ غَزَاةٍ يَخْرُجُ فِيهَا الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى بِلَادِ الْفِرِنْجِ، وَقَدْ حَضَرُوا مَعَهُ فَتْحَ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهَا، وَجَاءَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ أَبُو بَكْرٍ يَوْمًا إِلَى خَيْمَتِهِمْ لِزِيَارَةِ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَمَا قَطَعَ صَلَاتَهُ وَلَا أَوْجَزَهَا، بَلِ اسْتَمَرَّ فِيهَا، وَهُوَ الَّذِي شَرَعَ فِي بِنَاءِ الْجَامِعِ أَوَّلًا بِمَالِ رَجُلٍ مِنَ النَّاسِ، فَنَفِدَ مَا كَانَ بِيَدِهِ، وَقَدِ ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ قَامَةً، فَبَعَثَ صَاحِبُ إِرْبِلَ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ كُوكُبُرِي مَالًا فَكَمَلَ، وَوَلِيَ خَطَابَتَهُ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ، فَكَانَ يَخْطُبُ بِهِ وَعَلَيْهِ لِبَاسُهُ الضَّعِيفُ، وَعَلَيْهِ أَنْوَارُ الْخَشْيَةِ وَالتَّقْوَى، وَإِنَّمَا كَانَ الْمِنْبَرُ الَّذِي فِيهِ ثَلَاثُ مَرَاقٍ، وَالرَّابِعَةُ لِلْجُلُوسِ كَمَا كَانَ الْمِنْبَرُ النَّبَوِيُّ.