আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১০৬২৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا اشْتَدَّ الْغَلَاءُ بِأَرْضِ مِصْرَ جِدًّا، فَهَلَكَ خَلْقٌ كَثِيرٌ جِدًّا مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ، ثُمَّ أَعْقَبَهُ فَنَاءٌ عَظِيمٌ، حَتَّى حَكَى الشَّيْخُ أَبُو شَامَةَ فِي " الذَّيْلِ " أَنَّ الْعَادِلَ كَفَّنَ مِنْ مَالِهِ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ نَحْوًا مِنْ مِائَتَيْ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ مَيِّتٍ، وَأُكِلَتِ الْكِلَابُ وَالْمَيْتَاتُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِمِصْرَ، وَأُكِلَ مِنَ الصِّغَارِ وَالْأَطْفَالِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، يَشْوِيهِ وَالِدَاهُ وَيَأْكُلَانِهِ، وَكَثُرَ هَذَا فِي النَّاسِ حَتَّى صَارَ لَا يُنْكَرُ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ صَارُوا يَحْتَالُونَ عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا فَيَأْكُلُونَ مَنْ يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، وَمَنْ غَلَبَ مِنْ قَوِيٍّ ضَعِيفًا ذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ. وَكَانَ الرَّجُلُ يُضِيفُ صَاحِبَهُ فَإِذَا خَلَا بِهِ ذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ، وَوُجِدَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَرْبَعُمِائَةِ رَأْسٍ. وَهَلَكَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَطِبَّاءِ الَّذِينَ يُسْتَدْعُونَ إِلَى الْمَرْضَى، فَيُذْبَحُونَ وَيُؤَكَلُونَ ; وِقَدِ اسْتَدْعَى رَجُلٌ طَبِيبًا فَخَافَ الطَّبِيبُ وَذَهَبَ مَعَهُ عَلَى وَجَلٍ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَتَصَدَّقُ عَلَى مَنْ وَجَدَهُ فِي الطَّرِيقِ وَيَذْكُرُ وَيُسَبِّحُ، وَيُكْثِرُ مِنْ ذَلِكَ، فَارْتَابَ بِهِ الطَّبِيبُ وَتَخَيَّلَ، وَمَعَ هَذَا حَمَلَهُ الطَّمَعُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ مَعَهُ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الدَّارِ إِذَا هِيَ خَرِبَةٌ فَارْتَابَ أَيْضًا، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الدَّارِ، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: وَمَعَ هَذَا الْبُطْءِ جِئْتَ لَنَا بِصَيْدٍ. فَلَمَّا سَمِعَهَا الطَّبِيبُ هَرَبَ، فَخَرَجَا خَلْفَهُ سِرَاعًا فَمَا
পৃষ্ঠা - ১০৬৩০
خَلَصَ إِلَّا بَعْدَ جُهْدٍ جَهِيدٍ. وَفِيهَا وَقَعَ وَبَاءٌ شَدِيدٌ بِبِلَادِ عَنَزَةَ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ، وَكَانُوا يَسْكُنُونَ فِي عِشْرِينَ قَرْيَةً، فَبَادَتْ مِنْهَا ثَمَانِي عَشْرَةَ قَرْيَةً، وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا دَيَّارٌ وَلَا نَافِخُ نَارٍ، وَبَقِيَتْ أَنْعَامُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لَا قَانِيَ لَهَا، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَسْكُنَ تِلْكَ الْقُرَى وَلَا يَدْخُلَهَا، بَلْ كَانَ مَنِ اقْتَرَبَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْقُرَى هَلَكَ مِنْ سَاعَتِهِ، فَسُبْحَانَ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجِعُونَ، أَمَّا الْقَرْيَتَانِ الْبَاقِيَتَانِ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَمُتْ مِنْهُمَا أَحَدٌ وَلَا عِنْدَهُمْ شُعُورٌ بِمَا جَرَى عَلَى مَنْ حَوْلَهُمْ؛ بَلْ هُمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ لَمْ يُفْقَدْ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَاتَّفَقَ بِالْيَمَنِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَائِنَةٌ غَرِيبَةٌ جِدًّا، وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمْزَةَ الْعَلَوِيُّ كَانَ قَدْ تَغَلَّبَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ، وَجَمَعَ نَحَوًا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ وَمِنَ الرَّجَّالَةِ جَمْعًا كَثِيرًا، وَخَافَهُ مَلِكُ الْيَمَنِ الْمُعِزُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَيْفِ الْإِسْلَامِ بْنِ طُغْتِكِينَ بْنِ أَيُّوبَ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ مُلْكِهِ عَلَى يَدَيْ هَذَا الْمُتَغَلِّبِ، وَأَيْقَنَ بِالْهَلَكَةِ لِضَعْفِهِ عَنْ مُقَاوَمَتِهِ، وَاخْتِلَافِ أُمَرَائِهِ مَعَهُ فِي الْمَشُورَةِ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ صَاعِقَةً، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَاضْطَرَبَ الْجَيْشُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَأَقْبَلَ الْمُعِزُّ بِعَسْكَرِهِ فَقُتِلَ مِنْهُمْ سِتَّةُ آلَافِ قَتِيلٍ، وَاسْتَقَرَّ فِي مُلْكِهِ آمِنًا. وَفِيهَا تَكَاتَبَ الْأَخَوَانِ ; الْأَفْضَلُ مِنْ صَرَخْدَ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَلَبَ عَلَى أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى حِصَارِ دِمَشْقَ وَيَنْزِعَاهَا مِنَ الْمُعَظَّمِ بْنِ الْعَادِلِ، وَتَكُونُ لِلْأَفْضَلِ، ثُمَّ يَسِيرَا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَيَأْخُذَاهَا مِنَ الْعَادِلِ وَابْنِهِ الْكَامِلِ اللَّذَيْنِ نَقَضَا الْعَهْدَ
পৃষ্ঠা - ১০৬৩১
وَأَبْطَلَا خُطْبَةَ الْمَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَنَكَثَا الْمَوَاثِيقَ، فَإِذَا اسْتَقَرَّ لَهُمَا مُلْكُ مِصْرَ كَانَتْ لِلْأَفْضَلِ، وَتَصِيرُ دِمَشْقُ مُضَافَةً إِلَى الظَّاهِرِ مَعَ حَلَبَ فَلَمَّا بَلَغَ الْعَادِلَ مَا تَمَالَآ عَلَيْهِ، أَرْسَلَ جَيْشًا مَدَدًا لِابْنِهِ الْمُعَظَّمِ بِدِمَشْقَ، فَوَصَلُوا قَبْلَ وُصُولِ الظَّاهِرِ وَأَخِيهِ الْأَفْضَلِ، وَكَانَ وُصُولُهُمَا إِلَيْهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ نَاحِيَةِ بَعْلَبَكَّ فَنَزَلَا بِجَيْشِهِمَا فِي مَسْجِدِ الْقَدَمِ، وَاشْتَدَّ الْحِصَارُ لِلْبَلَدِ، وَتَسَلَّقَ كَثِيرٌ مِنَ الْجَيْشِ مِنْ نَاحِيَةِ خَانِ ابْنِ الْمُقَدَّمِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا فَتْحُ الْبَلَدِ، لَوْلَا هُجُومُ اللَّيْلِ. ثُمَّ إِنَّ الظَّاهِرَ بَدَا لَهُ فِيمَا كَانَ عَاهَدَ أَخَاهُ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِ دِمَشْقَ تَكُونُ لِلْأَفْضَلِ، فَرَأَى أَنْ تَكُونَ لَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ إِذَا فُتِحَتْ مِصْرُ يُسَلِّمُهَا لِلْأَفْضَلِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبَلِ الْأَفْضَلُ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفَا وَتَفَرَّقَتْ كَلِمَتُهُمَا، وَتَنَازَعَا عَلَى الْمُلْكِ بِدِمَشْقَ، فَتَفَرَّقَتِ الْأُمَرَاءُ عَنْهُمَا، وَكُوتِبَ الْعَادِلُ فِي الصُّلْحِ، فَأَرْسَلَ يُجِيبُ إِلَى مَا سَأَلَا مِنْ إِقْطَاعِهِمَا شَيْئًا مِنْ بِلَادِ الْجَزِيرَةِ وَبَعْضِ مُعَامَلَةِ الْمَعَرَّةِ. وَتَفَرَّقَتِ الْعَسَاكِرُ عَنِ الْبَلَدِ فِي مُحَرَّمٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ، وَسَارَ كُلٌّ مِنَ الْمَلِكَيْنِ إِلَى تَسَلُّمِ الْبِلَادِ الَّتِي أُقْطِعَهَا، وَجَرَتْ خُطُوبٌ يَطُولُ شَرْحُهَا، وَقَدْ كَانَ الظَّاهِرُ وَأَخُوهُ كَتَبَا إِلَى صَاحِبِ الْمَوْصِلِ نُورِ الدِّينِ أَرْسَلَانَ الْأَتَابِكِيِّ أَنْ يُحَاصِرَ مُدُنَ الْجَزِيرَةِ الَّتِي مَعَ عَمِّهِمَا الْعَادِلِ، فَرَكِبَ فِي جَيْشِهِ وَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ عَمِّهِ قُطْبِ الدِّينِ صَاحِبِ سِنْجَارَ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُمَا صَاحِبُ مَارِدِينَ الَّذِي كَانَ الْعَادِلُ قَدْ حَاصَرَهُ وَضَيَّقَ عَلَيْهِ مُدَّةً طَوِيلَةً، فَقَصَدَتِ الْعَسَاكِرُ حَرَّانَ وَبِهَا الْفَائِزُ بْنُ الْعَادِلِ، فَحَاصَرُوهُ مُدَّةً، ثُمَّ لَمَّا بَلَغَهُمْ وُقُوعُ الصُّلْحِ بَيْنَ الْعَادِلِ وَابْنَيْ أَخِيهِ الظَّاهِرِ وَالْأَفْضَلِ عَدَلُوا إِلَى الْمُصَالَحَةِ أَيْضًا، وَذَلِكَ بَعْدَ طَلَبِ الْفَائِزِ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَتَمَهَّدَتِ الْأُمُورُ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ؛ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلَكَ غِيَاثُ الدِّينِ وَأَخُوهُ شِهَابُ الدِّينِ الْغُورِيَّانِ جَمِيعَ مَا
পৃষ্ঠা - ১০৬৩২
كَانَ يَمْلِكُهُ خُوَارِزْمُ شَاهْ مِنَ الْبُلْدَانِ وَالْحَوَاصِلِ وَالْأَمْوَالِ، وَجَرَتْ لَهُمْ خُطُوبٌ طَوِيلَةٌ جِدًّا. وَفِيهَا كَانَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ، ابْتَدَأَتْ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ إِلَى الْجَزِيرَةِ وَبِلَادِ الرُّومِ وَالْعِرَاقِ، وَكَانَ جُمْهُورُهَا وَعُظْمُهَا بِالشَّامِ ; تَهَدَّمَتْ مِنْهَا دُورٌ كَثِيرَةٌ، وَخُسِفَ بِقَرْيَةٍ مِنْ أَرْضِ بُصْرَى، وَأَمَّا السَّوَاحِلُ فَهَلَكَ فِيهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَخَرِبَتْ مَحَالٌّ كَثِيرَةٌ مِنْ طَرَابُلُسَ وَصُورَ وَعَكَّا وَنَابُلُسَ، وَلَمْ يَبْقَ بِنَابُلُسَ سِوَى حَارَةِ السَّامَرَّةِ وَمَاتَ بِهَا وَبِقُرَاهَا ثَلَاثُونَ أَلْفًا تَحْتَ الرَّدْمِ، وَسَقَطَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْمَنَارَةِ الشَّرْقِيَّةِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً مِنْهُ، وَغَالِبُ الْكَلَّاسَةِ وَالْمَارَسْتَانِ النُّورِيِّ، وَخَرَجَ النَّاسُ إِلَى الْمَيَادِينِ يَسْتَغِيثُونَ، وَسَقَطَ غَالِبُ قَلْعَةِ بَعْلَبَكَّ مَعَ وَثَاقَةِ بِنَائِهَا، وَانْفَرَقَ الْبَحْرُ إِلَى قُبْرُسَ وَحَذَفَ بِالْمَرَاكِبِ إِلَى سَاحِلِهِ، وَتَعَدَّى إِلَى نَاحِيَةِ الشَّرْقِ، فَسَقَطَ بِسَبَبِهَا دُورٌ كَثِيرَةٌ، وَمَاتَ أُمَمٌ لَا يُحْصُونَ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ " مِرْآةِ الزَّمَانِ ": إِنَّهُ مَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِسَبَبِ الزَّلْزَلَةِ نَحْوٌ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ وَمِائَةِ أَلْفِ إِنْسَانٍ. نَقَلَهُ فِي " ذَيْلِ الرَّوْضَتَيْنِ " عَنْهُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ: الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَّادَى بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَوْزِيُّ - نِسْبَةً إِلَى فُرْضَةِ
পৃষ্ঠা - ১০৬৩৩
نَهْرٍ بِالْبَصْرَةِ - ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ النَّضِرِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، الشَّيْخُ الْحَافِظُ الْوَاعِظُ جَمَالُ الدِّينِ أَبُو الْفَرَجِ، الْمَشْهُورُ بِابْنِ الْجَوْزِيِّ، الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ الْحَنْبَلِيُّ، أَحَدُ أَفْرَادِ الْعُلَمَاءِ، بَرَزَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْعُلُومِ، وَجَمَعَ الْمُصَنَّفَاتِ الْكِبَارَ وَالصِّغَارَ نَحَوًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ مُصَنَّفٍ، وَكَتَبَ بِيَدِهِ نَحْوًا مِنْ أَلْفَيْ مُجَلَّدَةٍ، وَتَفْرَّدَ بِفَنِّ الْوَعْظِ الَّذِي لَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهِ، وَلَا يُلْحَقُ شَأْوُهُ فِي طَرِيقَتِهِ وَشَكْلِهِ، وَفِي فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَعُذُوبَةِ كَلَامِهِ، وَحَلَاوَةِ تَرْصِيعِهِ، وَنُفُوذِ وَعْظِهِ، وَغَوْصِهِ عَلَى الْمَعَانِي الْبَدِيعَةِ، وَتَقْرِيبِهِ الْأَشْيَاءَ الْغَرِيبَةَ فِيمَا يُشَاهَدُ مِنَ الْأُمُورِ الْحِسِّيَّةِ، بِعِبَارَةٍ وَجِيزَةٍ سَرِيعَةٍ، هَذَا وَلَهُ فِي الْعُلُومِ كُلِّهَا الْيَدُ الطُّولَى، وَالْمُشَارَكَاتُ فِي سَائِرِ أَنْوَاعِ الْعُلُومِ مِنَ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّارِيخِ وَالْحِسَابِ، وَالنَّظَرِ فِي النُّجُومِ، وَلَهُ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ فِي ذَلِكَ مَا يَضِيقُ هَذَا الْمَقَامُ عَنْ تِعْدَادِهَا، وَحَصْرِ أَفْرَادِهَا ; مِنْهَا كِتَابُهُ فِي التَّفْسِيرِ الْمَشْهُورُ بِ " زَادِ الْمَسِيرِ " وَلَهُ أَبْسَطُ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ وَلَا مَنْكُورٍ، وَلَهُ " جَامِعُ الْمَسَانِيدِ " اسْتَوْعَبَ فِيهِ غَالِبَ " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " وَ " صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ " وَ " جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ "، وَلَهُ كِتَابُ " الْمُنْتَظَمِ فِي تَوَارِيخِ الْأُمَمِ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ " فِي عِشْرِينَ مُجَلَّدًا، قَدْ أَوْرَدْنَا فِي كِتَابِنَا هَذَا كَثِيرًا مِنْ حَوَادِثِهِ وَتَرَاجِمِهِ، فَلَمْ يَزَلْ يُؤَرِّخُ أَخْبَارَ الْعَالَمِ حَتَّى صَارَ هُوَ تَارِيخًا، وَمَا أَحَقَّهُ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: مَا زِلْتَ تَدْأَبُ فِي التَّارِيخِ مُجْتَهِدًا ... حَتَّى رَأْيْتُكَ فِي التَّارِيخِ مَكْتُوبًا وَلَهُ مَقَامَاتٌ وَخُطَبٌ، وَلَهُ " الْأَحَادِيثُ الْمَوْضُوعَةُ " وَ " الْعِلَلُ الْمُتَنَاهِيَةُ فِي الْأَحَادِيثِ الْوَاهِيَةِ " وَغَيْرُ ذَلِكَ. وُلِدَ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَمَاتَ أَبُوهُ وَعُمْرُهُ ثَلَاثُ سِنِينَ، وَكَانَ أَهْلُهُ تُجَّارًا
পৃষ্ঠা - ১০৬৩৪
فِي النُّحَاسِ، فَلَمَّا تَرَعْرَعَ جَاءَتْ بِهِ عَمَّتُهُ إِلَى مَسْجِدِ مُحَمَّدِ بْنِ نَاصِرٍ الْحَافِظِ، فَلَزِمَ الشَّيْخَ، وَسَمِعَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ، وَتَفَقَّهَ بِابْنِ الزَّاغُونِيِّ، وَحَفِظَ الْوَعْظَ، وَوَعَظَ وَهُوَ دُونَ الْعِشْرِينَ، وَأَخَذَ اللُّغَةَ عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْجَوَالِيقِيِّ، وَكَانَ صَيِّنًا دَيِّنًا، مَجْمُوعًا عَلَى نَفْسِهِ لَا يُخَالِطُ أَحَدًا، وَلَا يَأْكُلُ مِمَّا فِيهِ شُبْهَةٌ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا لِلْجُمُعَةِ، وَقَدْ حَضَرَ مَجْلِسَ وَعْظِهِ الْخُلَفَاءُ وَالْوُزَرَاءُ وَالْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ وَالْعُلَمَاءُ وَالْفُقَرَاءُ، وَمِنْ سَائِرِ صُنُوفِ بَنِي آدَمَ، وَأَقَلُّ مَا كَانَ يَجْتَمِعُ فِي مَجْلِسِهِ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَرُبَّمَا اجْتَمَعَ فِيهِ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ، وَرُبَّمَا تَكَلَّمَ مِنْ خَاطِرِهِ عَلَى الْبَدِيهَةِ نَظْمًا وَنَثْرًا؛ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ أُسْتَاذًا فَرْدًا فِي الْوَعْظِ، لَهُ مُشَارَكَاتٌ حَسَنَةٌ فِي بَقِيَّةِ الْعُلُومِ، وَقَدْ كَانَ فِيهِ بَهَاءٌ، وَتَرَفُّعٌ فِي نَفْسِهِ، وَيَسْمُو بِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَقَامِهِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي نَثْرِهِ وَنَظْمِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: مَا زِلْتُ أُدْرِكُ مَا غَلَا بَلْ مَا عَلَا ... وَأَكَابِدُ النَّهْجَ الْعَسِيرَ الْأَطْوَلَا تَجْرِي بِيَ الْآمَالُ فِي حَلَبَاتِهِ ... طَلَقَ السَّعِيدِ جَرَى مَدَى مَا أَمَّلَا يُفْضِي بِيَ التَّوْفِيقُ فِيهِ إِلَى الَّذِي ... أَعْمَى سِوَايَ تَوَصُّلًا وَتَغَلْغُلَا لَوْ كَانَ هَذَا الْعِلْمُ شَخْصًا نَاطِقًا ... وَسَأَلْتُهُ هَلْ زُرْتَ مِثْلِي قَالَ لَا وَمِنْ شِعْرِهِ أَيْضًا، وَيُرْوَى لِغَيْرِهِ: إِذَا قَنِعْتَ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقُوتِ ... أَصْبَحْتَ فِي النَّاسِ حُرًّا غَيْرَ مَمْقُوتِ يَا قُوتَ نَفْسِي إِذَا مَا دَرَّ خِلْفُكَ لِي ... فَلَسْتَ آسَى عَلَى دُرٍّ وَيَاقُوتِ
পৃষ্ঠা - ১০৬৩৫
وَلَهُ مِنَ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ شَيْءٌ كَثِيرٌ لَا يَنْضَبِطُ، وَلَهُ كِتَابٌ مُفْرَدٌ سَمَّاهُ: " نَظْمَ الْجُمَانِ فِي كَانَ وَكَانَ ". وَمِنْ لَطَائِفِ كَلَامِهِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ» إِنَّمَا طَالَتْ أَعْمَارُ مَنْ قَبْلَنَا لِطُولِ الْبَادِيَةِ، فَلَمَّا شَارَفَ الرَّكْبُ بَلَدَ الْإِقَامَةِ، قِيلَ لَهُمْ: حُثُّوا الْمَطِيَّ. وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَيُّمَا أَفْضَلُ؟ أَجْلِسُ أُسَبِّحُ أَوْ أَسْتَغْفِرُ؟ فَقَالَ: الثَّوْبُ الْوَسِخُ أَحْوَجُ إِلَى الصَّابُونِ مِنِ الْبَخُورِ. وَسُئِلَ عَمَّنْ أَوْصَى وَهُوَ فِي السِّيَاقِ، فَقَالَ: هَذَا طِينٌ سُطُوحُهُ فِي كَانُونٍ. وَالْتَفَتَ يَوْمًا إِلَى نَاحِيَةِ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَضِيءِ وَهُوَ فِي الْوَعْظِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ; إِنْ تَكَلَّمْتُ خِفْتُ مِنْكَ، وَإِنْ سَكْتُّ خِفْتُ عَلَيْكَ، وَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: اتَّقِ اللَّهَ، خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّكُمْ أَهْلُ بَيْتٍ مَغْفُورٌ لَكُمْ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: إِذَا بَلَغَنِي عَنْ عَامِلٍ أَنَّهُ ظَالِمٌ فَلَمْ أُغَيِّرْهُ، فَأَنَا الظَّالِمُ. يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ; وَكَانَ يُوسُفُ لَا يَشْبَعُ فِي زَمَنِ الْقَحْطِ حَتَّى لَا يَنْسَى الْجِيعَانَ، وَكَانَ عُمْرُ يَضْرِبُ بَطْنَهُ عَامَ الرَّمَادَةِ وَيَقُولُ: قَرْقِرْ أَوْ لَا تُقَرْقِرْ، وَاللَّهِ لَا سَمْنًا وَلَا سَمِينًا حَتَّى يُخْصِبَ النَّاسُ. قَالَ: فَتَصَدَّقَ الْمُسْتَضِيءُ بِمَالٍ جَزِيلٍ، وَأَطْلَقَ الْمَحَابِيسَ، وَكَسَى خَلْقًا مِنَ الْفُقَرَاءِ. وُلِدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي حُدُودِ سَنَةِ عَشْرٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، كَمَا تَقَدْمَ، وَكَانَتْ
পৃষ্ঠা - ১০৬৩৬
وَفَاتُهُ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً، وَحُمِلَتْ جِنَازَتُهُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، فَدُفِنَ بِبَابِ حَرْبٍ عِنْدَ أَبِيهِ بِالْقُرْبِ مِنَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ أَفْطَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ بِسَبَبِ شِدَّةِ الْحَرِّ وَكَثْرَةِ الزِّحَامِ؛ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ أَوْصَى أَنْ تُكْتَبَ عَلَى قَبْرِهِ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ: يَا كَثِيرَ الْعَفْوِ عَمَّنْ ... كَثُرَ الْذَّنْبُ لَدَيْهِ جَاءَكَ الْمُذْنِبُ يَرْجُو الصَّفْ ... حَ عَنْ جُرْمِ يَدَيْهِ أَنَا ضَيْفٌ وَجَزَاءُ الضَّيْ ... فِ إِحْسَانٌ إِلَيْهِ وَقَدْ كَانَ لِلشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ الْجَوْزِيِّ مِنَ الْأَوْلَادِ الذُّكُورِ ثَلَاثَةٌ ; عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَهُوَ أَكْبَرُ أَوْلَادِهِ، مَاتَ شَابًّا فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، ثُمَّ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيٌّ، وَقَدْ كَانَ عَاقًّا لِوَالِدِهِ إِلْبًا عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الْمِحْنَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ تَسَلَّطَ عَلَى كُتُبِهِ فِي غَيْبَتِهِ بِوَاسِطٍ، فَبَاعَهَا بِأَبْخَسِ الْأَثْمَانِ، ثُمَّ مُحْيِي الدِّينِ يُوسُفُ، وَكَانَ أَنْجَبَ الْأَوْلَادِ وَأَصْغَرَهُمْ ; وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَوَعَظَ بَعْدَ أَبِيهِ، وَاشْتَغَلَ وَحَرَّرَ وَأَتْقَنَ وَسَادَ أَقْرَانَهُ، ثُمَّ بَاشَرَ حِسْبَةَ بَغْدَادَ ثُمَّ كَانَ رَسُولَ الْخُلَفَاءِ إِلَى الْمُلُوكِ بِأَطْرَافِ الْبِلَادِ، وَلَا سِيَّمَا إِلَى بَنِي أَيُّوبَ بِالشَّامِ، وَقَدْ حَصَلَ مِنْهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْكَرَامَاتِ مَا ابْتَنَى بِهِ الْمَدْرَسَةَ الْجَوْزِيَّةَ الَّتِي بِالنَّشَابِينَ بِدِمَشْقَ، ثُمَّ صَارَ أُسْتَاذَ دَارِ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَعْصِمِ فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَاسْتَمَرَّ مُبَاشِرَهَا إِلَى أَنْ قُتِلَ مَعَ الْخَلِيفَةِ عَامَ هُولَاكُو بْنِ تُولِي بْنِ جِنْكِزَخَانَ، وَكَانَ لِأَبِي الْفَرَجِ عِدَّةُ بَنَاتٍ ; مِنْهُنَّ رَابِعَةُ أُمُّ سِبْطِهِ أَبِي الْمُظَفَّرِ بْنِ قَزَاوَغْلِيٍّ صَاحِبِ " مِرْآةِ الزَّمَانِ " وَهِيَ كِتَابٌ
পৃষ্ঠা - ১০৬৩৭
مِنْ أَجْمَعِ التَّوَارِيخِ وَأَكْثَرِهَا فَائِدَةً، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ فِي " الْوَفِيَّاتِ " فَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَدَحَهُ وَشَكَرَ تَصَانِيفَهُ وَعُلُومَهُ. الْعِمَادُ الْكَاتِبُ الْأَصْبَهَانِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَامِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ أَلُّهْ - بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَضَمِّهَا - الْمَعْرُوفُ بِالْعِمَادِ الْكَاتِبِ الْأَصْبَهَانِيِّ، صَاحِبُ الْمُصَنَّفَاتِ وَالرَّسَائِلِ وَالشِّعْرِ، وُلِدَ بِأَصْبَهَانَ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وِقَدِمَ بَغْدَادَ فَاشْتَغَلَ بِهَا عَلَى الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ سَعِيدِ بْنِ الرَّزَّازِ مُدَرِّسِ النِّظَامِيَّةِ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، ثُمَّ رَحَلَ إِلَى الشَّامِ فَحَظِيَ عِنْدَ الْمَلِكِ نُورِ الدِّينِ مَحْمُودِ بْنِ زَنْكِيٍّ، وَكَتَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَوَلَّاهُ الْمَدْرَسَةَ الَّتِي أَنْشَأَهَا دَاخِلَ بَابِ الْفَرَجِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا الْعِمَادِيَّةِ ; نِسْبَةً إِلَى الْعِمَادِ هَذَا لِكَثْرَةِ إِقَامَتِهِ بِهَا، وَتَدْرِيسِهِ فِيهَا، وَلَمْ يَكُنْ أَوَّلَ مَنْ دَرَّسَ بِهَا، بَلْ قَدْ سَبَقَهُ إِلَى تَدْرِيسِهَا غَيْرُ وَاحِدٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةِ نُورِ الدِّينِ. ثُمَّ صَارَ الْعِمَادُ كَاتِبًا فِي الدَّوْلَةِ الصَّلَاحِيَّةِ، وَكَانَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ يُثْنِي عَلَيْهِ وَيَشْكُرُهُ، قَالُوا: وَكَانَ مَنْطُوقُهُ يَعْتَرِيهِ جُمُودٌ وَفَتْرَةٌ، وَقَرِيحَتُهُ فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ وَالْحِدَّةِ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ لِأَصْحَابِهِ يَوْمًا: قُولُوا، فَتَكَلَّمُوا وَشَبَّهُوهُ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ بِصِفَاتٍ، فَلَمْ يَقْبَلْهَا الْقَاضِي، وَقَالَ: هُوَ كَالزِّنَادِ، ظَاهِرُهُ بَارِدٌ
পৃষ্ঠা - ১০৬৩৮
وَدَاخِلُهُ نَارٌ، وَلَهُ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ: " خَرِيدَةُ الْقَصْرِ فِي شُعَرَاءِ الْعَصْرِ " وَ " الْفَتْحُ الْقُدْسِيِّ " وَ " الْبَرْقُ الشَّامِيِّ " وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ الْمُسْجَعَةِ، وَالْعِبَارَاتِ الْمُصَرَّعَةِ، وَالْقَصَائِدِ الْمُطَوَّلَةِ، وَالْمَعَانِي وَالْأَلْفَاظِ الْمُؤَثَّلَةِ. وَمِنْ لَطِيفِ تَغَزُّلِهِ، قَوْلُهُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ: كَيْفَ قُلْتُمْ فِي مُقْلَتَيْهِ فُتُورُ ... وَأَرَاهَا بِلَا فُتُورٍ تَجُورُ لَوْ بَصَرْتُمْ بِطَرْفِهِ كَيْفَ يَسْبِي ... قُلْتُمْ ذَاكَ كَاسِرٌ لَا كَسِيرُ مُوتِرٌ قَوْسَ حَاجِبَيْهِ لِإِصْمَا ... ءِ فُؤَادِي كَأَنَّهُ مَوْتُورُ لَا تَسَلْنِي عَنِ الْعَقَارِ فَعَقْلِي ... طَافِحٌ مِنْ عَقَارِهِنَّ عَقِيرُ كَيْفَ يَصْحُو مِنْ سُكْرِهِ مُسْتَهَامُ ... مَزَجَتْ كَأْسَهُ الْحِسَانُ الْحُورُ أَوْرَثَتْهُ سَقَامَهَا الْحُدْقُ النَّجْ ... لُ وَأَهْدَتْ لَهُ النُّحُولُ الْخُصُورُ مَا تَصِيدُ الْأُسْدُ الْخَوَادِرُ إِلَّا ... ظَبِيَاتٍ كُنَاسُهُنَّ الْخُدُورُ كُلُّ غُصْنِيَّةِ الْمَوَشَّحِ هَيْفَا ... ءُ عَلَى الْبَدْرِ جَيْبُهَا مَزْرُورُ وَجَنَّاتٌ تَجْنِي الشَّقَائِقَ مِنْهَا ... وَثَنَايَا كَأَنَّهَا الْمَنْثُورُ وَقَدْ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي مُسْتَهَلِّ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً؛ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ. الْأَمِيرُ بَهَاءُ الدِّينِ قَرَاقُوشُ الْفَحْلُ الْخَصِيُّ، أَحَدُ كُبَرَاءِ أُمَرَاءِ الدَّوْلَةِ الصَّلَاحِيَّةِ، كَانَ شَهْمًا شُجَاعًا فَاتِكًا، تَسَلَّمَ الْقَصْرَ لَمَّا مَاتَ الْعَاضِدُ، وَعَمَّرَ سُورَ
পৃষ্ঠা - ১০৬৩৯
الْقَاهِرَةِ مُحِيطًا عَلَى مِصْرَ أَيْضًا، وَانْتَهَى إِلَى الْمَقْسَمِ ; وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي اقْتَسَمَتْ فِيهِ الصَّحَابَةُ مَا غَنِمُوا مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَبَنَى قَلْعَةَ الْجَبَلِ، وَقَدْ كَانَ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ سَلَّمَهُ عَكَّا لِيُعَمِّرَ فِيهَا أَمَاكِنَ كَثِيرَةً، فَوَقَعَ الْحِصَارُ وَهُوَ بِهَا، فَلَمَّا خَرَجَ الْبَدَلُ مِنْهَا كَانَ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ خَرَجَ، ثُمَّ دَخَلَهَا ابْنُ الْمَشْطُوبِ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ أُسِرَ فَافْتَدَى نَفْسَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ، وَعَادَ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ فَفَرِحَ بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا، وَلَمَّا تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ احْتَاطَ الْعَادِلُ عَلَى تَرِكَتِهِ وَصَارَتْ أَقْطَاعُهُ وَأَمْلَاكُهُ لِلْمَلِكِ الْكَامِلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَادِلِ. قَالَ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ: وَقَدْ نُسِبَ إِلَيْهِ أَحْكَامٌ عَجِيبَةٌ، حَتَّى صَنَّفَ بَعْضُهُمْ جُزْءًا لَطِيفًا سَمَّاهُ: كِتَابَ " الْفَاشُوشِ فِي أَحْكَامِ قَرَاقُوشَ " فَذَكَرَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً جِدًّا وَأَظُنُّهَا مَوْضُوعَةً عَلَيْهِ ; فَإِنَّ الْمَلِكَ صَلَاحَ الدِّينِ كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ! وَاللَّهُ أَعْلَمُ. مَكْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُسْتَنْجِدِيُّ كَانَ تُرْكِيًّا عَابِدًا زَاهِدًا، سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ وَقْتَ السَّحَرِ وَهُوَ يُنْشِدُ عَلَى الْمَنَارَةِ: يَا رِجَالَ اللَّيْلِ جِدُّوا ... رُبَّ صَوْتٍ لَا يُرَدُّ مَا يَقُومُ اللَّيْلُ إِلَّا ... مَنْ لَهُ عَزْمٌ وَجِدُّ فَبَكَى مَكْلَبَةُ، وَقَالَ لِلْمُؤَذِّنِ: يَا مُؤَذِّنِي زِدْنِي، فَقَالَ الْمُؤَذِّنُ: قَدْ مَضَى اللَّيْلُ وَوَلَّى ... وَحَبِيبِي قَدْ تَجَلَّى
পৃষ্ঠা - ১০৬৪০
فَصَرَخَ مَكْلَبَةُ صَرْخَةً كَانَ فِيهَا حَتْفُهُ، فَأَصْبَحَ أَهْلُ الْبَلَدِ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى بَابِهِ، فَالسَّعِيدُ مَنْ وَصَلَ إِلَى نَعْشِهِ؛ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. أَبُو مَنْصُورِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ شُجَاعٍ الْمُزَكْلِشُ بِبَغْدَادَ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ نُقْطَةَ، كَانَ يَدُورُ فِي أَسْوَاقِ بَغْدَادَ بِالنَّهَارِ يُنْشِدُ كَانَ وَكَانَ وَالْمَوَالِيَا، وَيُسَحِّرُ النَّاسَ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ، وَكَانَ مَطْبُوعًا ظَرِيفًا خَلِيعًا، وَكَانَ أَخُوهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الزَّاهِدُ مِنْ أَكَابِرِ الصَّالِحِينَ، لَهُ زَاوِيَةٌ بِبَغْدَادَ يُزَارُ فِيهَا، وَكَانَ لَهُ أَتْبَاعٌ وَمُرِيدُونَ، وَلَا يَدَّخِرُ شَيْئًا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْفُتُوحِ. تَصَدَّقَ فِي لَيْلَةٍ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَأَصْحَابُهُ صُيَّامٌ لَمْ يَدَّخِرْ مِنْهَا شَيْئًا لِعَشَائِهِمْ. وَزَوْجَتُهُ أَمُّ الْخَلِيفَةِ بِجَارِيَةٍ مِنْ خَوَاصِّهَا وَجَهَّزَتْهَا بِعَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ إِلَيْهِ، فَمَا حَالَ الْحَوْلُ وَعِنْدَهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، بَلْ جَمِيعُ ذَلِكَ يُؤْثِرُ بِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ سِوَى هَاوُنٍ، فَوَقَفَ سَائِلٌ بِبَابِهِ فَأَلَحَ فِي الطَّلَبِ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ الْهَاوُنَ، فَقَالَ: خُذْ هَذَا وَكُلْ بِهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَلَا تُشَنِّعْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الصَّالِحِينَ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ قِيلَ لِأَخِيهِ أَبِي مَنْصُورٍ هَذَا: وَيْحَكَ، أَنْتَ تَدُورُ فِي الْأَسْوَاقِ وَتُنْشِدُ الْأَشْعَارَ، وَأَخُوكَ مَنْ قَدْ عَرَفْتَ! فَأَنْشَأَ يَقُولُ فِي جَوَابِ ذَلِكَ بَيْتَيْنِ مُوَالِيًا مِنْ شِعْرِهِ عَلَى الْبَدِيهَةِ: قَدْ خَابَ مَنْ شَبَّهَ الْجَزْعَهْ إِلَى الدُّرَّهْ ... وَشَابَهَ قَحْبَهْ إِلَى مُسْتَجِنَّهْ حُرَّهْ
পৃষ্ঠা - ১০৬৪১
أَنَا مُغَنِّي وَأَخِي زَاهِدْ إِلَى مُرَّهْ ... فِي الدَّارِ بِئْرَيْنِ ذِي حَلْوَهْ وَذِي مُرَّهْ وَقَدْ جَرَى عِنْدَهُ مَرَّةً ذِكْرُ قَتْلِ عُثْمَانَ، وَعَلِيٌّ حَاضِرٌ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ: كَانَ وَكَانَ، وَمَنْ قُتِلَ فِي جِوَارِهِ مِثْلُ ابْنِ عَفَّانَ فَاعْتَذَرَ، يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَ فِي الشَّامِ عُذْرَ يَزِيدَ. فَأَرَادَتِ الرَّوَافِضُ قَتْلَهُ، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي يُسَحِّرُ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ إِذْ مَرَّ بِدَارِ الْخَلِيفَةِ فَعَطَسَ الْخَلِيفَةُ فِي الطَّارِقَةِ فَشَمَّتَهُ أَبُو مَنْصُورٍ هَذَا مِنَ الطَّرِيقِ فِي نَظْمٍ ارْتَجَلَهُ عَلَى الْبَدِيهَةِ مُوَالِيًا يَقُولُ فِي آخِرِهِ: أَيْ مَنْ عَطَسَ فِي الْمَنْظَرِهْ يَرْحَمُكَ اللَّهْ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ، وَرَسَمَ بِحِمَايَتِهِ مِنَ الرَّوَافِضِ، إِلَى أَنْ مَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ؛ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَفِيهَا تُوُفِّيَ: مُسْنِدُ الشَّامِ أَبُو طَاهِرٍ بَرَكَاتُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَاهِرٍ الْخُشُوعِيُّ، شَارَكَ ابْنَ عَسَاكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَشْيَخَتِهِ، وَطَالَتْ حَيَاتُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَأَلْحَقَ فِيهَا الْأَحْفَادَ بِالْأَجْدَادِ.
পৃষ্ঠা - ১০৬৪২
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا شَرَعَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ قُدَامَةَ الْمَقْدِسِيُّ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِالْجَبَلِ، فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الشَّيْخُ أَبُو دَاوُدَ مَحَاسِنُ الْفَامِيُّ. حَتَّى بَلَغَ الْبِنَاءُ مِقَدْارَ قَامَةٍ، فَنَفِدَ مَا عِنْدَهُ، وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ الْمَالِ، فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ كُوكُبُورِي بْنُ زَيْنِ الدِّينِ صَاحِبُ إِرْبِلَ مَالًا جَزِيلًا لِيُتَمِّمَهُ بِهِ فَكَمَلَ، وَأَرْسَلَ أَلْفَ دِينَارٍ لِيُسَاقَ بِهَا إِلَيْهِ الْمَاءُ مِنْ بَرْزَةَ، فَلَمْ يُمَكِّنْ مِنْ ذَلِكَ الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ صَاحِبُ دِمَشْقَ وَاعْتَذَرَ بِأَنَّ هَذَا يُشَوِّشُ قُبُورًا كَثِيرَةً لِلْمُسْلِمِينَ، فَصُنِعَ لَهُ بِئْرٌ وَبَغْلٌ يَدُورُ، وَأُوقِفُ عَلَيْهِ وَقْفٌ لِذَلِكَ. وَفِيهَا كَانَتْ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ وَخُطُوبٌ طَوِيلَةٌ بَيْنَ الْخُوَارِزْمِيَّةِ وَالْغُورِيَّةِ بِبِلَادِ الْمَشْرِقِ، بَسَطَهَا ابْنُ الْأَثِيرِ، وَاخْتَصَرَهَا ابْنُ كَثِيرٍ. وَفِيهَا دَرَّسَ بِالنِّظَامِيَّةِ مَجْدُ الدِّينِ يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ خِلْعَةٌ سَنِيَّةٌ سَوْدَاءُ وَطَرْحَةٌ كُحْلِيَّةٌ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْعُلَمَاءُ وَالْأَعْيَانُ. وَفِيهَا وَلِيَ قَضَاءَ الْقُضَاةِ بِبَغْدَادَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجِيلِيُّ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ أَيْضًا.
পৃষ্ঠা - ১০৬৪৩
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الْقَاضِي ابْنُ الزَّكِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبُو الْمَعَالِي الْقُرَشِيُّ، مُحْيِي الدِّينِ قَاضِي الْقُضَاةِ بِدِمَشْقَ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ كَانَ قَاضِيًا ; أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَأَبُو جَدِّهِ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ وَلِيَ الْحُكْمَ بِدِمَشْقَ مِنْهُمْ، وَكَانَ جَدَّ الْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ عَسَاكِرَ لِأُمِّهِ، وَقَدْ تَرْجَمَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي التَّارِيخِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْقُرَشِيِّ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو شَامَةَ: وَلَوْ كَانَ أُمَوِيًّا عُثْمَانِيًّا كَمَا يَزْعُمُونَ لَذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَسَاكِرَ، إِذْ كَانَ فِيهِ شَرَفٌ لِجَدِّهِ وَخَالَيْهِ، مُحَمَّدٍ وَسُلْطَانَ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا لَمَا خُفِيَ عَلَى ابْنِ عَسَاكِرَ. اشْتَغَلَ ابْنُ الزَّكِيِّ عَلَى الْقَاضِي شَرَفِ الدِّينِ أَبِي سَعْدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَصْرُونَ، وَنَابَ عَنْهُ فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَرَكَ النِّيَابَةَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَطَبَ بِالْقُدْسِ لَمَّا فَتَحَهُ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ، ثُمَّ وَلَّاهُ قَضَاءَ دِمَشْقَ وَأَضَافَ إِلَيْهِ قَضَاءَ حَلَبَ أَيْضًا، وَكَانَ نَاظِرَ أَوْقَافِ الْجَامِعِ، ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشُهُورٍ، وَوَلِيَهَا شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْبَيْنِيِّ ضَمَانًا، وَقَدْ كَانَ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الزَّكِيِّ يَنْهَى الطَّلَبَةَ عَنِ الِاشْتِغَالِ
পৃষ্ঠা - ১০৬৪৪
بِالْمَنْطِقِ وَعِلْمِ الْكَلَامِ، وَيُمَزِّقُ كُتُبَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالْمَدْرَسَةِ التَّقَوِيَّةِ، وَكَانَ يَحْفَظُ الْعَقِيدَةَ الْمُسَمَّاةَ بِالْمِصْبَاحِ لِلْغَزَالِيِّ، وَيُحَفِّظُهَا أَوْلَادَهُ أَيْضًا، وَكَانَ لَهُ دَرْسٌ فِي التَّفْسِيرِ يَذْكُرُهُ بِالْكَلَّاسَةِ، تُجَاهَ تُرْبَةِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ، وَكَانَ قَدْ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، فَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَاتَّخَذَ لَهُ بَابًا مِنْ دَارِهِ إِلَى الْجَامِعِ ; لِيَخْرُجَ مِنْهُ إِلَى الصَّلَاةِ، ثُمَّ خُولِطَ فِي عَقْلِهِ، فَكَانَ يَعْتَرِيهِ شِبْهُ الصَّرْعِ إِلَى أَنْ تُوفِّيَ فِي سَابِعِ شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُفِنَ فِي تُرْبَةٍ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ. الْخَطِيبُ الدَّوْلَعِيُّ ضِيَاءُ الدِّينِ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ زَيْدِ بْنِ يَاسِينَ التَّغْلِبِيُّ الدَّوْلَعِيُّ، نِسْبَةً إِلَى قَرْيَةٍ بِالْمَوْصِلِ، يُقَالُ لَهَا: الدَّوْلَعِيَّةُ. وُلِدَ بِهَا فِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، فَسَمِعَ " التِّرْمِذِيَّ " عَلَى أَبِي الْفَتْحِ الْكَرُوخِيِّ، وَ " النَّسَائِيَّ " عَلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْيَزْدِيِّ، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ فَوَلِيَ بِهَا الْخَطَابَةَ وَتَدْرِيسَ الْغَزَّالِيَّةَ، وَكَانَ زَاهِدًا مُتَوَرِّعًا، حَسَنَ الطَّرِيقَةَ مَهِيبًا فِي الْحَقِّ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ثَانِي عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ بَابِ الصَّغِيرِ عِنْدَ قُبُورِ الشُّهَدَاءِ، وَكَانَ يَوْمُ جِنَازَتِهِ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَتَوَلَّى بَعْدَهُ الْخَطَابَةَ وَلَدُ أَخِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ زَيْدٍ سَبْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَقَدْ كَانَ ابْنُ الزَّكِيِّ وَلَّى وَلَدَهُ
পৃষ্ঠা - ১০৬৪৫
الزَّكِيَّ الطَّاهِرَ، فَصَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً، فَتَشْفَّعَ جَمَالُ الدِّينِ بِالْأَمِيرِ فَلَكِ الدِّينِ أَخِي الْعَادِلِ، فَوَلَّاهُ إِيَّاهَا فَبَقِيَ فِيهَا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ. الشَّيْخُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غُلَيْسٍ الْيَمَنِيُّ الْعَابِدُ الزَّاهِدُ، كَانَ مُقِيمًا شَرْقِيَّ الْكَلَّاسَةِ، وَكَانَتْ لَهُ أَحْوَالٌ وَكَرَامَاتٌ، نَقَلَهَا الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ السَّخَاوِيُّ عَنْهُ، وَسَاقَهَا أَبُو شَامَةَ عَنْهُ فِي " الذَّيْلِ ". الصَّدْرُ أَبُو الثَّنَاءِ حَمَّادُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ الْحَرَّانَيُّ التَّاجِرُ وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ، عَامَ وُلِدَ نُورُ الدِّينِ بْنُ زَنْكِيٍّ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ بِبَغْدَادَ وَمِصْرَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ، وَحَدَّثَ، وَتُوُفِّيَ فِي ذِي الْحِجَّةِ. وَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: تَنَقُّلُ الْمَرْءِ فِي الْآفَاقِ يُكْسِبُهُ ... مَحَاسِنًا لَمْ تَكُنْ فِيهِ بِبَلْدَتِهِ أَمَا تَرَى بَيْذَقَ الشِّطْرَنْجِ أَكْسَبَهُ ... حُسْنُ التَّنَقُّلِ فِيهَا فَوْقَ رُتْبَتِهِ السِّتُّ الْجَلِيلَةُ الْمَصُونَةُ بَنَفْشَا بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ عَتِيقَةُ الْإِمَامِ
পৃষ্ঠা - ১০৬৪৬
الْمُسْتَضِيءِ، كَانَتْ مِنْ أَكْبَرِ حَظَايَاهُ، ثُمَّ صَارَتْ بَعْدَهُ مِنْ أَكْثَرِ النِّسَاءِ صَدَقَةً وَبِرًّا وَإِحْسَانًا إِلَى الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، لَهَا بِطَرِيقِ الْحِجَازِ مَعْرُوفٌ كَثِيرٌ مَعْرُوفٌ، وَوَقَفَتْ مَدْرَسَةً عَلَى الْحَنَابِلَةِ وَأَوْقَافًا دَارَّةً، وَدُفِنَتْ بِبَغْدَادَ عِنْدَ تُرْبَةِ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ ابْنُ الْمُحْتَسِبِ الشَّاعِرُ أَبُو الشُّكْرِ مَحْمُودُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ سَعِيدَ الْمَوْصِلِيُّ ، يُعْرَفُ بِابْنِ الْمُحْتَسِبِ تَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ ثُمَّ سَافَرَ إِلَى الْبِلَادِ وَصَحِبَ ابْنَ الشَّهْرُزُورِيِّ وِقَدِمَ مَعَهُ، فَلَمَّا وُلِّيَ قَضَاءَ بَغْدَادَ وَلَّاهُ نَظَرَ أَوْقَافِ النِّظَامِيَّةِ، وَكَانَ فَاضِلًا يَقُولُ الشِّعْرَ الرَّائِقَ، فَمِنْ ذَلِكَ: أَسْلَفَ لَنَا فِي سُلَافَةِ الْعِنَبِ ... جَمِيعَ مَا يُقْتَنَى مِنَ الذَّهَبِ وَانَشَبْ مَعَ النَّفْسِ فِي مُعَامَلَةٍ ... فِيهَا بِمَا عِنْدَنَا مِنَ النَّشَبِ جَمِيعُ مَا فِي الْهِمْيَانِ يَحْقِرُهُ الْ ... عَاقِلُ فِي لَثْمِ رِيقِهَا الشَّنِبِ لَا سِيَّمَا إِنْ أَتَتْكَ كَالذَّهَبِ ... قَدْ قَلَّدُوهَا عِقْدًا مِنَ الْحَبَبِ تُحْرَقُ كَفُّ الْمُدِيرِ إِنْ وَقَفَ الدَّ ... وْرُ بِهَا سَاعَةً مِنَ اللَّهَبِ إِذَا بَدَا هَمُّنَا لِيَسْتَرِقَ السَّمْ ... عَ بِرِفْقٍ لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ
পৃষ্ঠা - ১০৬৪৭
تُتْبِعُهُ مِنْ سَمَاءِ رَاوُوقِهَا الرَّا ئِقِ رَجْمًا بِالْأَنْجُمِ الشُّهُبِ ... مَا قَطُّ تَبَّتْ يَدٌ لِشَارِبِهَا وَحَقِّ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبِ ... أَمُرُّ بِالْكَرْمِ خَلْفَ حَائِطِهِ تَأْخُذُنِي نَشْوَةٌ مِنَ الطَّرَبِ ... أَسْكَرُ بِالْأَمْسِ إِنْ عَزَمْتُ عَلَى الشُّرْ بِ غَدًا إِنَّ ذَا مِنَ الْعَجَبِ ... جَنَّبَهَا سُكْرَهَا وَصُحْبَتَهَا تَحْرِيمُ شَرْعٍ لِسَيِّدِ الْعَرَبِ ... تَرَكْتُهَا جَانِبًا وَلُذْتُ إِلَى ظِلِّ إِمَامٍ مُنْجٍ مِنَ النُّوَبِ ... الطَّاهِرِ الطُّهْرِ وَابْنِ خَيْرِ فَتًى وَطَاهِرِ الْخُلْقِ طَاهِرِ النَّسَبِ ... مَاذَا يَقُولُ الْمَدَّاحُ فِي رَجُلٍ خَلِيفَةُ اللَّهِ وَابْنُ عَمِّ نَبِي وَمِنْ شِعْرِهِ الرَّائِقِ لَهُ أَيْضًا: أَهَابُ وَصْفَ الْخَمْرِ فِي إِهَابِهَا ... يَا حَبَّذَا مَا كَانَ مِنْ مُهَابِهَا حَبَا بِهَا السَّاقِي وَقَدْ أَقْعَدَهُ ... سُكْرٌ فَزَادَ السُّكْرُ إِذْ حَبَا بِهَا خَطَا بِهَا وَثِيقَةً شَرْعِيَّةً ... عَلَى الَّذِي يُفْلِسُ مِنْ خُطَّابِهَا دَعَا بِهَا فِي صَدْرِ كُلِّ بَاخِلٍ ... وَخَلِّيَا مِنْ كُلِّ مَنْ دَعَا بِهَا فَتَا بِهَا قَلْبَ الْحَسُودِ وَاشْكُرَا ... كُلَّ فَتًى فِي النَّاسِ قَدْ فَتَا بِهَا اعْنَ بِهَا يَا أَيُّهَا الْمُغْرَى بِهَا ... وَأَسْلِفِ النُّضَارَ فِي أَعْنَابِهَا ثَوَى بِهَا كُلُّ السُّرُورِ عِنْدَنَا ... وَإِثْمُهَا أَكْبَرُ مِنْ ثَوَابِهَا
পৃষ্ঠা - ১০৬৪৮
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] قَالَ سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمِرْآةِ ": فِي لَيْلَةِ السَّبْتِ سَلْخِ الْمُحْرَّمِ هَاجَتِ النُّجُومُ فِي السَّمَاءِ وَمَاجَتْ شَرْقًا وَغَرْبًا، وَتَطَايَرَتْ كَالْجَرَادِ الْمُنْتَشِرِ يَمِينًا وَشِمَالًا، قَالَ: وَلَمْ يُرَ مِثْلُ هَذَا إِلَّا فِي عَامِ الْمَبْعَثِ وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ شُرِعَ فِي عِمَارَةِ سُورِ قَلْعَةِ دِمَشْقَ وَابْتُدِئَ بِبُرْجِ الزَّاوِيَةِ الْغَرْبِيَّةِ الْقِبْلِيَّةِ الْمُجَاوِرِ لِبَابِ النَّصْرِ. وَفِيهَا أَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ النَّاصِرُ الْخِلَعَ وَسَرَاوِيلَاتِ الْفُتُوَّةِ لِلْمَلِكِ الْعَادِلِ وَبَنِيهِ. وَفِيهَا بَعَثَ الْعَادِلُ وَلَدَهُ الْأَشْرَفَ مُوسَى لِمُحَاصَرَةِ مَارِدِينَ وَسَاعَدَهُ جَيْشُ سَنْجَارَ وَالْمَوْصِلِ، ثُمَّ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى يَدَيِ الظَّاهِرِ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ صَاحِبُ مَارِدِينَ لِلْعَادِلِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةَ أَلْفٍ وَخَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَأَنْ تَكُونَ السِّكَّةُ وَالْخُطْبَةُ لِلْعَادِلِ، وَأَنَّهُ مَتَى طَلَبَهُ بِجَيْشِهِ يَحْضُرُ إِلَيْهِ. وَفِيهَا كَمَلَ بِنَاءُ رِبَاطِ الْمَرْزُبَانِيَّةِ، وَوَلِيَهُ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ السُّهْرَوَرْدِيُّ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ، وَرُتِّبَ لَهُمْ مِنَ الْمَعْلُومِ وَالْجِرَايَةِ مَا
পৃষ্ঠা - ১০৬৪৯
يَنْبَغِي لِمَثْلِهِمْ مِنْ إِقَامَتِهِمْ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ. وَفِيهَا احْتَجَرَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْمَلِكِ الْعَزِيزِ وَإِخْوَتِهِ، وَسَيَّرَهُمْ إِلَى الرُّهَا خَوْفًا مِنْ إِقَامَتِهِمْ بِمِصْرَ. وَفِيهَا اسْتَحْوَذَتِ الْكُرْجُ عَلَى مَدِينَةِ دَوِينَ، فَقَتَلُوا أَهْلَهَا وَنَهَبُوهَا، وَهِيَ مِنْ بِلَادِ أَذْرَبِيجَانَ، وَذَلِكَ لِاشْتِغَالِ مَلِكِهَا بِالْفِسْقِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ - قَبَّحَهُ اللَّهُ - فَتَحَكَّمَتِ الْكَفَرَةُ مِنْ رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ غُلٌّ فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَفِيهَا تُوُفِّيَ الْمَلِكُ غِيَاثُ الدِّينِ الْغُورِيُّ أَخُو شِهَابِ الدِّينِ فَقَامَ فِي الْمُلْكِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ مَحْمُودٌ، وَتَلَقَّبَ بِلَقَبِ أَبِيهِ، وَكَانَ غِيَاثُ الدِّينِ عَاقِلًا حَازِمًا شُجَاعًا، لَمْ تُكْسَرْ لَهُ رَايَةٌ قَطُّ مَعَ كَثْرَةِ حُرُوبِهِ، وَكَانَ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ، قَدِ ابْتَنَى مَدْرَسَةً هَائِلَةً لِلشَّافِعِيَّةِ، وَكَانَتْ سِيرَتُهُ فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ، وَكَذَا سَرِيرَتُهُ؛ رَحِمَهُ اللَّهُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ فَلَكُ الدِّينِ، أَبُو مَنْصُورٍ سُلَيْمَانُ بْنُ شَرْوَةَ بْنِ خَلْدَكَ أَخُو الْمَلِكِ الْعَادِلِ لِأُمِّهِ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَدُفِنَ