পৃষ্ঠা - ১০৫৮৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
لَمَّا اسْتَقَرَّ الْمَلِكُ الْأَفْضَلُ بْنُ صَلَاحِ الدِّينِ مَكَانَ أَبِيهِ بِدِمَشْقَ، بَعَثَ بِهَدَايَا سَنِيَّةٍ فِيهَا تُحَفٌ شَرِيفَةٌ إِلَى بَابِ الْخِلَافَةِ ; مِنْ ذَلِكَ سِلَاحُ أَبِيهِ، وَحِصَانُهُ الَّذِي كَانَ يَحْضُرُ عَلَيْهِ الْغَزَوَاتِ، وَأَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ ; مِنْهَا صَلِيبُ الصَّلَبُوتِ الَّذِي اسْتَلَبَهُ أَبُوهُ مِنَ الْفِرِنْجِ يَوْمَ حِطِّينَ وَفِيهِ مِنَ الذَّهَبِ مَا يَنِيفُ عَلَى عِشْرِينَ رِطْلًا وَهُوَ مُرَصَّعٌ بِالْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ، وَأَرْبَعُ جَوَارٍ مِنْ بَنَاتِ مُلُوكِ الْفِرِنْجِ، وَأَنْشَأَ لَهُ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ كِتَابًا حَافِلًا يَذْكُرُ فِيهِ التَّعْزِيَةَ بِأَبِيهِ، وَالسُّؤَالَ مِنَ الْخَلِيفَةِ أَنْ يَكُونَ فِي مُلْكِهِ مِنْ بَعْدِهِ ; فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ.
وَلَمَّا كَانَ شَهْرُ جُمَادَى الْأُولَى قَدِمَ الْعَزِيزُ صَاحِبُ مِصْرَ إِلَى دِمَشْقَ ; لِيَأْخُذَهَا مِنْ أَخِيهِ الْأَفْضَلِ، فَخَيَّمَ عَلَى الْكُسْوَةِ يَوْمَ السَّبْتِ سَادِسِ جُمَادَى، وَحَاصَرَ الْبَلَدَ، فَمَانَعَهُ أَخُوهُ، وَدَافَعَهُ عَنْهَا فَقُطِعَتِ الْأَنْهَارُ وَنُهِبَتِ الثِّمَارُ، وَاشْتَدَّ الْحَالُ، وَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ الْعَادِلُ عَمُّهُمَا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمَا، وَرَدَّ الْأَمْرَ لِلْأُلْفَةِ بَعْدَ الْيَمِينِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِلْعَزِيزِ الْقُدْسُ وَمَا جَاوَرَ فِلَسْطِينَ مِنْ نَاحِيَتِهِ أَيْضًا، وَعَلَى أَنْ يَكُونَ جَبَلَةُ وَاللَّاذِقِيَّةُ لِلظَّاهِرِ صَاحِبِ حَلَبَ وَأَنْ يَكُونَ لِعَمِّهِمَا الْعَادِلِ إِقْطَاعُهُ الْأَوَّلُ بِبِلَادِ مِصْرَ مُضَافًا إِلَى مَا بِيَدِهِ مِنَ الشَّامِ
পৃষ্ঠা - ১০৫৯০
وَالْجَزِيرَةِ ; كَحَرَّانَ وَالرُّهَا وَجَعْبَرَ، وَمَا جَاوَرَ ذَلِكَ، فَاتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ، وَتَزَوَّجَ الْعَزِيزُ بِابْنَةِ عَمِّهِ الْعَادِلِ، وَمَرِضَ ثُمَّ عُوفِيَ، وَهُوَ مُخَيِّمٌ بِمَرْجِ الصُّفَّرِ، وَخَرَجَتِ الْمُلُوكُ لِتَهْنِئَتِهِ بِالْعَافِيَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَالصُّلْحِ، ثُمَّ كَرَّ رَاجِعًا إِلَى مِصْرَ لِطُولِ شَوْقِهِ إِلَى أَهْلِهِ، وَأَوْلَادِهِ.
وَكَانَ الْأَفْضَلُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ قَدْ أَسَاءَ التَّدْبِيرَ فَأَبْعَدَ أُمَرَاءَ أَبِيهِ، وَخَوَاصَّهُ، وَقَرَّبَ الْأَجَانِبَ، وَأَقْبَلَ عَلَى شُرْبِ الْمُسْكِرِ وَاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ وَزِيرُهُ ضِيَاءُ الدِّينِ بْنُ الْأَثِيرِ الْجَزَرِيُّ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَحْدُوهُ إِلَى ذَلِكَ فَتَلِفَ وَأَتْلَفَهُ، وَأَضَلَّ وَأَضَلَّهُ، وَزَالَتِ النِّعْمَةُ عَنْهُمَا، كَمَا سَيَأْتِي.
وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ شِهَابِ الدِّينِ مَلِكِ غَزْنَةَ وَبَيْنَ كُفَّارِ الْهِنْدِ ; أَقْبَلُوا إِلَيْهِ فِي أَلْفِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، وَمَعَهُمْ سَبْعُمِائَةِ فِيلٍ مِنْهَا فِيلٌ أَبْيَضُ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، فَهَزَمَهُمْ شِهَابُ الدِّينِ عِنْدَ نَهْرٍ عَظِيمٍ يُقَالُ لَهُ: مَاجُونُ. وَقَتَلَ مَلِكَهُمْ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَى حَوَاصِلِهِ وَحَوَاصِلِ بِلَادِهِ، وَغَنِمَ فِيَلَتَهُمُ، وَدَخَلَ بَلَدَ الْمَلِكِ الْكُبْرَى، فَحَمَلَ مِنْ خِزَانَتِهِ ذَهَبًا وَغَيْرَهُ عَلَى أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةِ جَمَلٍ، ثُمَّ عَادَ إِلَى بِلَادِهِ سَالِمًا مَنْصُورًا.
وَفِيهَا مَلَكَ السُّلْطَانُ خُوَارِزْمُ شَاهْ تِكِشُ وَيُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْأَصْبَاعِيِّ بِلَادَ الرَّيِّ وَغَيْرَهَا، وَاصْطَلَحَ مَعَ السُّلْطَانِ طُغْرُلَ السَّلْجُوقِيِّ، وَكَانَ قَدْ تَسَلَّمَ بِلَادَ الرَّيِّ وَسَائِرَ مَمْلَكَةِ أَخِيهِ سُلْطَانِ شَاهْ وَخَزَائِنِهِ، وَعَظُمَ شَأْنُهُ، ثُمَّ الْتَقَى هُوَ وَالسُّلْطَانُ طُغْرُلُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَقَتَلَ السُّلْطَانَ طُغْرُلَ، وَأَرْسَلَ
পৃষ্ঠা - ১০৫৯১
رَأْسَهُ إِلَى الْخَلِيفَةِ، فَعُلِّقَ عَلَى بَابِ النُّوبَةِ عِدَّةَ أَيَّامٍ، وَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ الْخِلَعَ وَالتَّقَالِيدَ إِلَى السُّلْطَانِ خُوَارِزْمِ شَاهْ، وَمَلَكَ هَمَذَانَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْبِلَادِ الْمُتَّسِعَةِ.
وَفِيهَا نَقَمَ الْخَلِيفَةُ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ، وَتَغَضَّبَ عَلَيْهِ، وَنَفَاهُ إِلَى وَاسِطٍ فَمَكَثَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَسْتَطْعِمْ بِطَعَامٍ، وَأَقَامَ بِهَا خَمْسَةَ أَعْوَامٍ يَخْدِمُ نَفْسَهُ، وَيَسْتَقِي مِنْ بِئْرٍ عَمِيقَةٍ لِنَفْسِهِ الْمَاءَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ بَلَغَ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَكَانَ يَتْلُو فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَتْمَةً، قَالَ: وَلَمْ أَقْرَأْ سُورَةَ يُوسُفَ لِوَجْدِي عَلَى وَلَدِي يُوسُفَ إِلَى أَنْ فَرَّجَ اللَّهُ. كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ:
أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يُوسُفَ
أَبُو الْخَيْرِ الْقَزْوِينِيُّ الشَّافِعِيُّ الْمُفَسِّرُ، قَدِمَ بَغْدَادَ وَوَعَظَ بِالنِّظَامِيَّةِ، وَكَانَ يَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ فِي الْأُصُولِ، وَجَلَسَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقِيلَ لَهُ: الْعَنْ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ. فَقَالَ: ذَاكَ إِمَامٌ مُجْتَهِدٌ، فَرَمَاهُ النَّاسُ بِالْآجُرِّ فَاخْتَفَى، ثُمَّ هَرَبَ إِلَى قَزْوِينَ.
ابْنُ الشَّاطِبِيِّ ; نَاظِمُ الشَّاطِبِيَّةِ
أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ فِيرُّهَ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ خَلَفُ بْنُ أَحْمَدَ، الرُّعَيْنِيُّ الشَّاطِبِيُّ الضَّرِيرُ، مُصَنِّفُ الشَّاطِبِيَّةِ فِي الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ فَلَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهَا وَلَا يُلْحَقْ فِيهَا، وَفِيهَا مِنَ الرُّمُوزِ كُنُوزٌ لَا يَهْتَدِي
পৃষ্ঠা - ১০৫৯২
إِلَيْهَا إِلَّا كُلُّ نَاقِدٍ بَصِيرٍ، هَذَا مَعَ أَنَّهُ ضَرِيرٌ، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَشَاطِبَةُ بَلَدُهُ قَرْيَةٌ شَرْقِيَّ الْأَنْدَلُسِ كَانَ فَقِيرًا، وَقَدْ أُرِيدَ أَنْ يَلِيَ خَطَابَةَ بَلَدِهِ فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَجْلِ مُبَالَغَةِ الْخُطَبَاءِ عَلَى الْمَنَابِرِ فِي وَصْفِ الْمُلُوكِ.
خَرَجَ الشَّاطِبِيُّ إِلَى الْحَجِّ، فَقَدِمَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَمِعَ عَلَى السِّلَفِيِّ الْحَافِظِ، وَوَلَّاهُ الْقَاضِي الْفَاضِلُ مَشْيَخَةَ الْإِقْرَاءِ بِمَدْرَسَتِهِ، وَزَارَ الْقُدْسَ الشَّرِيفَ وَصَامَ بِهِ شَهْرَ رَمَضَانَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْقَاهِرَةِ فَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِهَا فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُفِنَ بِالْقَرَافَةِ بِالْقُرْبِ مِنَ التُّرْبَةِ الْفَاضِلِيَّةِ، وَكَانَ دَيِّنًا خَاشِعًا نَاسِكًا كَثِيرَ الْوَقَارِ، لَا يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، وَكَانَ يَتَمَثَّلُ كَثِيرًا بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ، وَهِيَ لُغْزٌ فِي النَّعْشِ، وَهِيَ لِغَيْرِهِ:
أَتَعْرِفُ شَيْئًا فِي السَّمَاءِ يَطِيرُ ... إِذَا سَارَ صَاحَ النَّاسُ حَيْثُ يَسِيرُ
فَتَلْقَاهُ مَرْكُوبًا وَتَلْقَاهُ رَاكِبًا ... وَكُلُّ أَمِيرٍ يَعْتَلِيهِ أَسِيرُ
يَحُثُّ عَلَى التَّقْوَى وَيُكْرَهُ قُرْبُهُ ... وَتَنْفِرُ مِنْهُ النَّفْسُ وَهْوَ نَذِيرُ
وَلَمْ يَسْتَزِرْ عَنْ رَغْبَةٍ فِي زِيَارَةٍ ... وَلَكِنْ عَلَى رَغْمِ الْمَزُورِ يَزُورُ
পৃষ্ঠা - ১০৫৯৩
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِيهَا كَانَتْ وَقْعَةُ الزَّلَّاقَةِ بِبِلَادِ الْأَنْدَلُسِ شَمَالِيَّ قُرْطُبَةَ بِمَرْجِ الْحَدِيدِ، كَانَتْ وَقْعَةً عَظِيمَةً، نَصَرَ اللَّهُ فِيهَا الْإِسْلَامَ وَخَذَلَ فِيهَا عَبَدَةَ الصُّلْبَانِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفُنْشَ مَلِكَ الْفِرِنْجِ بِبِلَادِ الْأَنْدَلُسِ وَمَقَرُّ مُلْكِهِ بِمَدِينَةِ طُلَيْطُلَةَ كَتَبَ إِلَى الْأَمِيرِ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ مَلِكِ الْمَغْرِبِ يَسْتَنْخِيهِ وَيَسْتَدْعِيهِ وَيَسْتَحِثُّهُ إِلَيْهِ، فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ فِيهِ تَأْنِيبٌ وَتَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ شَدِيدٌ، فَكَتَبَ السُّلْطَانُ يَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ فِي رَأْسِ كِتَابِهِ فَوْقَ خَطِّهِ: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: 37]
ثُمَّ نَهَضَ مِنْ فَوْرِهِ بِجُنُودِهِ وَعَسَاكِرِهِ حَتَّى قَطَعَ الزُّقَاقَ إِلَى الْأَنْدَلُسِ، فَالْتَقَوْا فِي الْمَكَانِ الْمُتَقَدَّمِ ذِكْرُهُ، فَكَانَتِ الدَّائِرَةُ أَوَّلًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفًا، ثُمَّ كَانَتْ أَخِيرًا عَلَى الْكَافِرِينَ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ وَكَسَرَهُمْ وَخَذَلَهُمْ أَقْبَحَ كَسْرَةٍ، وَشَرَّ هَزِيمَةٍ وَأَشْنَعَهَا، فَقُتِلَ مِنْهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا، وَأُسِرَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ شَيْئًا كَثِيرًا ; مِنْ ذَلِكَ مِائَةُ أَلْفِ خَيْمَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ خَيْمَةً، وَمِنَ الْخَيْلِ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ فَرَسٍ، وَمِنَ الْبِغَالِ مِائَةُ أَلْفِ بَغْلٍ، وَمِنَ الْحُمُرِ مِثْلُهَا، وَمِنَ السِّلَاحِ التَّامِّ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَمِنَ الْعُدَدِ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَمَلَكَ عَلَيْهِمْ مِنْ حُصُونِهِمْ شَيْئًا كَثِيرًا، وَحَاصَرَ مَدِينَتَهُمْ طُلَيْطُلَةَ مُدَّةً، ثُمَّ لَمْ يَفْتَحْهَا،
পৃষ্ঠা - ১০৫৯৪
فَانْفَصَلَ عَنْهَا رَاجِعًا إِلَى بِلَادِهِ.
وَلَمَّا حَصَلَ لَلْفُنْشِ مَا حَصَلَ حَلَقَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ، وَنَكَّسَ صَلِيبَهُ وَرَكِبَ حِمَارًا، وَحَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَرَسًا وَلَا يَتَلَذَّذُ بِطَعَامٍ، وَلَا يَنَامُ مَعَ امْرَأَةٍ حَتَّى تَنْصُرَهُ النَّصْرَانِيَّةُ، فَجَمَعَ مِنَ الْجُنُودِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَاسْتَعَدَّ لَهُ السُّلْطَانُ يَعْقُوبُ، فَالْتَقَيَا فَاقْتَتَلَا قِتَالًا عَظِيمًا، فَانْهَزَمَ الْفِرِنْجُ أَقْبَحَ مِنْ هَزِيمَتِهِمُ الْأُولَى وَغَنِمُوا مِنْهُمْ نَظِيرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَوْ أَكْثَرَ، وَاسْتَحْوَذَ السُّلْطَانُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ مَعَاقِلِهِمْ وَقِلَاعِهِمْ؛ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ بِيعَ الْأَسِيرُ بِدِرْهَمٍ، وَالْحِصَانُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ، وَالْخَيْمَةُ بِدِرْهَمٍ، وَالسَّيْفُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَسَمَ السُّلْطَانُ هَذِهِ الْغَنَائِمَ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، فَاسْتَغْنَى الْمُجَاهِدُونَ إِلَى الْأَبَدِ، ثُمَّ طَلَبَتِ الْفِرِنْجُ مِنَ السُّلْطَانِ الْأَمَانَ فَهَادَنَهُمْ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ خَمْسَ سِنِينَ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَيُورقِيُّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الْمُلَثَّمُ. ظَهَرَ بِبِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ، فَأَحْدَثَ أُمُورًا فَظِيعَةً فِي غَيْبَةِ السُّلْطَانِ وَاشْتِغَالِهِ بِقِتَالِ الْفِرِنْجِ مُدَّةَ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَظَهَرَ هَذَا الْمَارِقُ الْمَيُورقِيُّ بِالْبَادِيَةِ، وَعَاثَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، وَقَتَلَ خَلْقًا كَثِيرًا، وَتَمَلَّكَ بِلَادًا.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا اسْتَحْوَذَ جَيْشُ الْخَلِيفَةِ عَلَى بِلَادِ الرَّيِّ وَأَصْبَهَانَ وَهَمَذَانَ وَخُوزِسْتَانَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ، وَقَوِيَ جَانِبُ الْخِلَافَةِ عَلَى الْمُلُوكِ وَالْمَمَالِكِ. وَفِيهَا خَرَجَ الْعَزِيزُ مِنْ مِصْرَ قَاصِدًا دِمَشْقَ لِيَأْخُذَهَا مِنْ يَدِ أَخِيهِ الْأَفْضَلِ، وَكَانَ الْأَفْضَلُ قَدْ تَابَ وَأَنَابَ وَأَقْلَعَ عَمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الشَّرَابِ وَاللَّهْوِ
পৃষ্ঠা - ১০৫৯৫
وَاللَّعِبِ، وَأَقْبَلَ عَلَى الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ، وَشَرَعَ بِكِتَابَةِ مُصْحَفٍ بِيَدِهِ وَحَسُنَتْ طَرِيقَتُهُ، غَيْرَ أَنَّ وَزِيرَهُ الضِّيَاءَ الْجَزَرِيَّ يُفْسِدُ عَلَيْهِ دَوْلَتَهُ وَيُكَدِّرُ عَلَيْهِ صَفْوَتَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ الْأَفْضَلَ إِقْبَالُ أَخِيهِ نَحْوَهُ سَارَ سَرِيعًا إِلَى عَمِّهِ الْعَادِلِ وَهُوَ بِجَعْبَرَ فَاسْتَنْجَدَهُ، فَسَارَ مَعَهُ وَسَبَقَهُ إِلَى دِمَشْقَ، وَرَاحَ الْأَفْضَلُ أَيْضًا إِلَى أَخِيهِ الظَّاهِرِ بِحَلَبَ فَسَارَا جَمِيعًا نَحْوَ دِمَشْقَ، فَلَمَّا سَمِعَ الْعَزِيزُ بِذَلِكَ وَقَدِ اقْتَرَبَ مِنْ دِمَشْقَ كَرَّ رَاجِعًا سَرِيعًا إِلَى مِصْرَ، وَرَكِبَ وَرَاءَهُ الْعَادِلُ وَالْأَفْضَلُ لِيَأْخُذَا مِنْهُ دِيَارَ مِصْرَ، وِقَدِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَكُونَ ثُلُثُ مِصْرَ لِلْعَادِلِ وَثُلُثَاهَا لِلْأَفْضَلِ، ثُمَّ بَدَا لِلْعَادِلِ فِي ذَلِكَ فَأَرْسَلَ لِلْعَزِيزِ يُثَبِّتُهُ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْأَفْضَلِ يُثَبِّطُهُ، وَأَقَامَا عَلَى بِلْبِيسَ أَيَّامًا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِمَا الْقَاضِي الْفَاضِلُ مِنْ جِهَةِ الْعَزِيزِ، فَوَقَّعَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ يَرْجِعَ الْقُدْسَ وَمُعَامَلَتَهَا لِلْأَفْضَلِ، وَيَسْتَقِرَّ الْعَادِلُ مُقِيمًا بِمِصْرَ عَلَى إِقْطَاعِهِ الْقَدِيمِ، فَأَقَامَ الْعَادِلُ بِهَا طَمَعًا فِيهَا، وَرَجَعَ الْأَفْضَلُ إِلَى دِمَشْقَ بَعْدَمَا خَرَجَ الْعَزِيزُ لِتَوْدِيعِهِ، وَهِيَ هُدْنَةٌ عَلَى قَذًى، وَصُلْحٌ عَلَى دَخَنٍ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
عَلِيُّ بْنُ حَسَّانَ بْنِ مُسَافِرٍ
أَبُو الْحَسَنِ، الْكَاتِبُ الْبَغْدَادِيُّ، كَانَ أَدِيبًا شَاعِرًا، مِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ:
نَفَى رُقَادِي وَمَضَى ... بَرْقٌ بِسَلْعٍ وَمَضَا
لَاحَ كَمَا سَلَّتْ يَدُ الْ ... أَسْوَدِ عَضْبًا أَبْيَضَا
পৃষ্ঠা - ১০৫৯৬
كَأَنَّهُ الْأَشْهَبُ فِي ... الْنَّقْعِ إِذَا مَا رَكَضَا
يَبْدُو كَمَا تَخْتَلِفُ الرِّ ... يحُ عَلَى جَمْرِ الْغَضَا
فَتَحْسَبُ الزِّنْجِيَّ أَبَ ... دَى نَظَرًا وَغَمَّضَا
أَوْ شُعْلَةُ النَّارِ عَلَا ... لَهِيبُهَا وَانْخَفَضَا
آهٍ لَهُ مِنْ بَارِقٍ ... ضَاءَ عَلَى ذَاتِ الْأَضَا
أَذْكَرْنِي عَهْدًا مَضَى ... عَلَى الْغُوَيْرِ وَانْقَضَى
فَقَالَ لِي قَلْبِي أَتُو ... صِي حَاجَةً وَأَعْرَضَا
يَطْلُبُ مَنْ أَمْرَضَهُ ... فَدَيْتُ ذَاكَ الْمُمْرِضَا
يَا غَرَضَ الْقَلْبِ لَقَدْ ... غَادَرْتَ قَلْبِي غَرَضَا
لِأَسْهُمٍ كَأَنَّمَا ... يُرْسِلُهَا صَرْفُ الْقَضَا
فَبِتُّ لَا أَرْتَابُ فِي ... أَنَّ رُقَادِي قَدْ قَضَى
حَتَّى قَفَا اللَّيْلُ وَكَادَ ... اللَّيْلُ أَنْ يَنْقَرِضَا
وَأَقْبَلَ الصُّبْحُ لِأَطْ ... رَافِ الدُّجَا مُبَيِّضَا
وَسَلَّ فِي الشَّرْقِ عَلَى الْ ... غَرْبِ ضِيَاءً وَانْقَضَى
পৃষ্ঠা - ১০৫৯৭
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنِ الْأَحْدَاثِ]
فِي رَجَبٍ مِنْهَا أَقَبْلَ الْعَزِيزُ صُحْبَةَ عَمِّهِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ فِي عَسَاكِرَ، فَدَخَلَا دِمَشْقَ قَهْرًا، وَأَخْرَجَا مِنْهَا الْأَفْضَلَ وَوَزِيرَهُ الَّذِي أَسَاءَ تَدْبِيرَهُ، وَصَلَّى الْعَزِيزُ عِنْدَ تُرْبَةِ وَالِدِهِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ، وَخُطِبَ لَهُ بِدِمَشْقَ، وَدَخَلَ إِلَى الْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ وَجَلَسَ فِي دَارِ الْعَدْلِ لِلْحُكْمِ وَالْفَصْلِ، كُلُّ هَذَا وَأَخُوهُ الْأَفْضَلُ حَاضِرٌ عِنْدَهُ فِي الْخِدْمَةِ، وَأَمَرَ الْقَاضِيَ مُحْيِي الدِّينِ بْنَ الزَّكِيِّ بِتَأْسِيسِ االْمَدْرَسَةِ الْعَزِيزِيَّةِ إِلَى جَانِبِ تُرْبَةِ أَبِيهِ، وَكَانَتْ دَارًا لِلْأَمِيرِ عِزِّ الدِّينِ شَامَةَ، ثُمَّ اسْتَنَابَ عَلَى دِمَشْقَ عَمَّهُ الْمَلِكَ الْعَادِلَ، وَرَجَعَ إِلَى مِصْرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ تَاسِعَ شَعْبَانَ، وَالسِّكَّةُ وَالْخُطْبَةُ لَهُ، وَصُولِحَ الْأَفْضَلُ عَنْ دِمَشْقَ عَلَى صَرْخَدَ وَهَرَبَ وَزِيرُهُ ابْنُ الْأَثِيرِ االْجَزَرِيُّ إِلَى جَزِيرَتِهِ، وَقَدْ أَتْلَفَ نَفْسَهُ وَمُلْكَهُ بِجَرِيرَتِهِ، وَانْتَقَلَ الْأَفْضَلُ إِلَى صَرْخَدَ بِأَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ وَأَخِيهِ قُطْبُ الدِّينِ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ سَوْدَاءُ مُدْلَهِمَّةٌ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ، وَمَعَهَا رَمْلٌ أَحْمَرُ، حَتَّى احْتَاجَ النَّاسُ إِلَى السُّرُجِ بِالنَّهَارِ، وَفِيهَا وَلِيَ قِوَامُ الدِّينِ أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ زِيَادَةَ كِتَابَ الْإِنْشَاءِ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ بَلِيغًا، وَلَيْسَ هُوَ كَالْفَاضِلِ، وَفِيهَا دَرَّسُ مُجِيرُ الدِّينِ أَبُو الْقَاسِمِ مَحْمُودُ بْنُ الْمُبَارَكِ بِالنِّظَامِيَّةِ،
পৃষ্ঠা - ১০৫৯৮
وَكَانَ فَاضِلًا مُنَاظِرًا.
وَفِيهَا قُتِلَ رَئِيسُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَصْبَهَانَ صَدْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّطِيفِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّطِيفِ بْنِ ثَابِتٍ الْخُجَنْدِيُّ، قَتَلَهُ فَلَكُ الدِّينِ سُنْقُرُ الطَّوِيلُ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ زَوَالِ مُلْكِ أَصْبَهَانَ عَنِ الدِّيوَانِ.
وَفِيهَا مَاتَ الْوَزِيرُ ; وَزِيرُ الْخِلَافَةِ.
مُؤَيِّدُ الدِّينِ أَبُو الْفَضْلِ
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْقَصَّابِ، وَكَانَ أَبُوهُ يَبِيعُ اللَّحْمَ فِي بَعْضِ أَسْوَاقِ بَغْدَادَ، فَتَقَدَّمَ وَسَادَ أَهْلَ زَمَانِهِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِهَمَذَانَ وَقَدْ أَعَادَ رَسَاتِيقَ كَثِيرَةً مِنْ بِلَادِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَغَيْرِهَا إِلَى دِيوَانِ الْخِلَافَةِ، وَكَانَ نَاهِضًا ذَا هِمَّةٍ عَالِيَةٍ، وَلَهُ صَرَامَةٌ وَشَهَامَةٌ وَشِعْرٌ جَيِّدٌ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ
الْفَخْرُ مَحْمُودُ بْنُ عَلِيٍّ.
النَّوْقَانِيُّ الشَّافِعِيُّ، عَائِدًا مِنِ الْحَجِّ.
وَالشَّاعِرُ: أَبُو الْغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ
ابْنُ الْمُعَلِّمِ الْهُرْثِيُّ مِنْ قُرَى وَاسِطٍ، عَنْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَكَانَ شَاعِرًا فَصِيحًا، وَكَانَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ يَسْتَشْهِدُ فِي
পৃষ্ঠা - ১০৫৯৯
مَجَالِسِهِ بِشَيْءٍ مِنْ لَطَائِفِ أَشْعَارِهِ، وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ السَّاعِي قِطْعَةً جَيِّدَةً مِنْ شِعْرِهِ الْحَسَنِ الْمَلِيحِ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ الْفَقِيهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْعَرِّيفِ.
وَيُلَقَّبُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، كَانَ حَنْبَلِيًّا ثُمَّ اشْتَغَلَ شَافِعِيًّا عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ فَضْلَانَ، وَهُوَ الَّذِي لَقَّبَهُ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ تَكْرَارِهِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ صَارَ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ إِلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ الشَّيْخُ أَبُو شُجَاعٍ
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ الدَّهَّانِ الْفَرَضِيُّ الْحَاسِبُ الْمُؤَرِّخُ الْبَغْدَادِيُّ، قَدِمَ دِمَشْقَ وَامْتَدَحَ الشَّيْخَ أَبَا الْيُمْنِ الْكِنْدِيَّ زَيْدَ بْنَ الْحَسَنِ فَقَالَ:
يَا زَيْدُ زَادَكَ رَبِّي مِنْ مَوَاهِبِهِ ... نَعْمَاءَ يَقْصُرُ عَنْ إِدْرَاكِهَا الْأَمَلُ
لَا بَدَّلَ اللَّهُ حَالًا قَدْ حَبَاكَ بِهَا ... مَا دَارَ بَيْنَ النُّحَاةِ الْحَالُ وَالْبَدَلُ
النَّحْوُ أَنْتَ أَحَقُّ الْعَالِمِينَ بِهِ ... أَلَيْسَ بِاسْمِكَ فِيهِ يُضْرَبُ الْمَثَلُ
পৃষ্ঠা - ১০৬০০
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنِ الْأَحْدَاثِ]
فِيهَا وَرَدَ كِتَابٌ مِنَ الْقَاضِي الْفَاضِلِ إِلَى ابْنِ الزَّكِيِّ يُخْبِرُهُ فِيهِ أَنَّ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ التَّاسِعِ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ أَتَى عَارِضٌ فِيهِ ظُلُمَاتٌ مُتَكَاثِفَةٌ، وَبُرُوقٌ خَاطِفَةٌ، وَرِيَاحٌ عَاصِفَةٌ، فَقَوِيَ لَهُوبُهَا، وَاشْتَدَّ هُبُوبُهَا، فَتَدَافَعَتْ لَهَا أَعِنَّةٌ مُطْلَقَاتٌ، وَارْتَفَعَتْ لَهَا صَعَقَاتٌ، فَرَجَفَتْ لَهَا الْجُدْرَانُ، وَاصْطَفَقَتْ، وَتَلَاقَتْ عَلَى بُعْدِهَا وَاعْتَنَقَتْ، وَثَارَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَجَاجٌ، فَقِيلَ: لَعَلَّ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ قَدِ انْطَبَقَتْ. وَلَا تَحْسَبُ إِلَّا أَنَّ جَهَنَّمَ قَدْ سَالَ مِنْهَا وَادٍ، وَعَدَا مِنْهَا عَادٍ، وَزَادَ عَصْفُ الرِّيحِ إِلَى أَنْ أَطْفَأَ سُرُجَ النُّجُومِ ; وَمَزَّقَتْ أَدِيمَ السَّمَاءِ، وَمَحَتْ مَا فَوْقَهُ مِنَ الرُّقُومِ، فَكُنَّا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ} [البقرة: 19] وَكَمَا قُلْنَا: يَرُدُّونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَعْيُنِهِمْ مِنِ الْبَوَارِقِ. لَا عَاصِمَ مِنَ الْخَطْفِ لِلْأَبْصَارِ، وَلَا مَلْجَأَ مِنَ الْخَطْبِ إِلَّا مَعَاقِلُ الِاسْتِغْفَارِ، وَفَرَّ النَّاسُ نِسَاءً وَرِجَالًا وَأَطْفَالًا، وَنَفَرُوا مِنْ دُورِهِمْ خِفَافًا وَثِقَالًا ; {لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} [النساء: 98] ، فَاعْتَصَمُوا بِالْمَسَاجِدِ الْجَامِعَةِ، وَأَذْعَنُوا لِلنَّازِلَةِ بِأَعْنَاقٍ خَاضِعَةٍ، بِوُجُوهٍ عَانِيَةٍ، وَنُفُوسٍ عَنِ الْأَهْلِ وَالْمَالِ سَالِيَةٍ، يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ
পৃষ্ঠা - ১০৬০১
خَفِيٍّ، وَيَتَوَقَّعُونَ أَيَّ خَطْبٍ جَلِيٍّ، قَدِ انْقَطَعَتْ مِنَ الْحَيَاةِ عُلَقُهُمْ، وَعَمِيَتْ عَنِ النَّجَاةِ طُرُقُهُمْ، وَوَقَعَتِ الْفِكْرَةُ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ قَادِمُونَ، وَقَامُوا إِلَى صَلَاتِهِمْ، وَوَدُّوا لَوْ كَانُوا مِنَ الَّذِينَ هُمْ عَلَيْهَا دَائِمُونَ إِلَى أَنْ أَذِنَ اللَّهُ فِي الرُّكُودِ، وَأَسْعَفَ الْهَاجِدِينَ بِالْهُجُودِ، وَأَصْبَحَ كُلٌّ يُسَلِّمُ عَلَى رَفِيقِهِ، وَيُهَنِّيهِ بِسَلَامَةِ طَرِيقِهِ، وَيَرَى أَنَّهُ قَدْ بُعِثَ بَعْدَ النَّفْخَةِ، وَأَفَاقَ بَعْدَ الصَّيْحَةِ، وَالصَّرْخَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ رَدَّ لَهُ الْكَرَّةَ، وَأَحْيَاهُ بَعْدَ أَنْ كَادَ يَأْخُذُهُ عَلَى غِرَّةٍ، وَوَرَدَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّهَا قَدْ كَسَرَتِ الْمَرَاكِبَ فِي الْبِحَارِ، وَالْأَشْجَارَ فِي الْقِفَارِ، وَأَتْلَفَتْ خَلْقًا كَثِيرًا مِنِ السُّفَّارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّ فَلَمْ يَنْفَعْهُ الْفِرَارُ. . . إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَا يَحْسَبُ الْمَجْلِسُ أَنِّي أَرْسَلْتُ الْقَلَمَ مُحَرِّفًا، وَالْقَوْلَ مُجَزِّفًا، فَالْأَمْرُ أَعْظَمُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ، وَنَرْجُو أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَيْقَظْنَا بِمَا وَعَظَنَا، وَنَبَّهْنَا بِمَا وَلَّهَنَا، فَمَا مِنْ عِبَادِهِ مَنْ رَأَى الْقِيَامَةَ عِيَانًا، وَلَمْ يَلْتَمِسْ عَلَيْهَا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ بُرْهَانًا إِلَّا أَهْلُ بَلَدِنَا ; فَمَا قَصَّ الْأَوَّلُونَ مِثْلَهَا فِي الْمُثُلَاتِ، وَلَا سَبَقَتْ لَهَا سَابِقَةٌ فِي الْمُعْضِلَاتِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مِنْ فَضْلِهِ قَدْ جَعَلَنَا نُخْبِرُ عَنْهَا، وَلَا تُخْبِرُ عَنَّا، وَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَصْرِفَ عَنَّا عَارِضَ الْحِرْصِ وَالْغُرُورِ إِذَا عَنَّا
وَفِيهَا كَتَبَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ إِلَى الْمَلِكِ الْعَادِلِ بِدِمَشْقَ يَحُثُّهُ عَلَى قِتَالِ الْفِرِنْجِ، وَيَشْكُرُهُ عَلَى مَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنْ مُحَارَبَتِهِمْ، وَحِفْظِ حَوْزَةِ الْإِسْلَامِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْكُتُبِ: هَذِهِ الْأَوْقَاتُ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا
পৃষ্ঠা - ১০৬০২
عَرَائِسُ الْأَعْمَارِ، وَهَذِهِ النَّفَقَاتُ الَّتِي تَجْرِي عَلَى أَيْدِيكُمْ مُهُورُ الْحُورِ فِي دَارِ الْقَرَارِ، وَمَا أَسْعَدَ مَنْ أَوْدَعَ يَدَ اللَّهِ مَا فِي يَدَيْهِ، فَتِلْكَ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَتَوْفِيقُهُ الَّذِي مَا كُلُّ مَنْ طَلَبَهُ وَصَلَ إِلَيْهِ، وَسَوَادُ الْعَجَاجِ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِفِ بَيَاضُ مَا سَوَّدَتْهُ الذُّنُوبُ مِنَ الصَّحَائِفِ، فَمَا أَسْعَدَ تِلْكَ الْوَقَعَاتِ، وَمَا أَعْوَدَ بِالطُّمَأْنِينَةِ تِلْكَ الرَّجَفَاتِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَيْضًا: أَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ الِاسْمَ تَاجًا عَلَى مَفَارِقِ الْمَنَابِرِ وَالطُّرُوسِ، وَحَيَّاةً لِلدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْأَجْسَادِ وَالنُّفُوسِ، وَعَرَّفَ الْمَمْلُوكَ مَا عَرَفَهُ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي اقْتَضَتْهُ الْمُشَاهَدَةُ، وَجَرَتْ بِهِ الْعَاقِبَةُ فِي سُرُورٍ، وَلَا مَزِيدَ عَلَى تَشْبِيهِ الْحَالِ بِقَوْلِهِ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْمَرَءَ تَدْوَى يَمِينُهُ ... فَيَقْطَعُهَا عَمْدًا لِيَسْلَمَ سَائِرُهْ
وَلَوْ كَانَ فِيهَا تَدْبِيرٌ لَكَانَ مَوْلَانَا سَبَقَ إِلَيْهِ، وَمَنْ قَلَمَ مِنَ الْأُصْبَعِ ظُفْرًا فَقَدْ جَلَبَ إِلَى الْجَسَدِ بِفِعْلِهِ نَفْعًا، وَدَفَعَ عَنْهُ ضَرَرًا.
وَتَجَشُّمُ الْمَكْرُوهِ لَيْسَ بِضَائِرٍ ... مَا خِلْتَهُ سَبَبًا إِلَى الْمَحْمُودِ
وَآخِرُ كُلِّ شِقْوَةٍ أَوَّلُ كُلِّ غَزْوَةٍ، فَلَا يَسْأَمْ مَوْلَانَا نِيَّةَ الرِّبَاطِ وَفِعْلَهَا، وَتَجَشُّمَ الْكُلَفِ وَحَمْلَهَا، فَهُوَ إِذَا صَرَفَ وَجْهَهُ إِلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ وَجْهُ اللَّهِ، صَرَفَ اللَّهُ إِلَيْهِ الْوُجُوهَ كُلَّهَا {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْهُدْنَةِ الَّتِي كَانَ عَقَدَهَا الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ
পৃষ্ঠা - ১০৬০৩
لِلْفِرِنْجِ فَأَقْبَلُوا بِقَضِّهِمْ، وِقَضِيضِهِمْ فَتَلَقَّاهُمُ الْمَلِكُ الْعَادِلُ بِمَرْجِ عَكَّا فَكَسَرَهُمْ وَغَنِمَهُمْ وَفَتَحَ يَافَا عَنْوَةً؛ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَدْ كَانُوا كَتَبُوا إِلَى مَلِكِ الْأَلْمَانِ يَسْتَنْهِضُونَهُ لِفَتْحِ بَيْتِ الْمَقَدْسِ فَقَدَّرَ اللَّهُ هَلَاكَهُ سَرِيعًا، وَأَخَذَتِ الْفِرِنْجُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بَيْرُوتَ مِنْ نَائِبِهَا عِزِّ الدِّينِ شَامَةَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ وَلَا نِزَالٍ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي الْأَمِيرِ شَامَةَ:
سَلِّمِ الْحِصْنَ مَا عَلَيْكَ مَلَامَهْ ... مَا يُلَامُ الَّذِي يَرُومُ السَّلَامَهْ
فَعَطَاءُ الْحُصُونِ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ ... سُنَّةٌ سَنَّهَا بِبَيْرُوتَ شَامَهْ
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنِ الْأَعْيَانِ]
وَمَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلِكُ الْفِرِنْجِ كُنْدَهِرِيٌّ ; سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ فَمَاتَ، فَبَقِيَتِ الْفِرِنْجُ كَالْغَنَمِ بِلَا رَاعٍ، حَتَّى مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ صَاحِبَ قُبْرُسَ وَزَوَّجُوهُ بِالْمَلِكَةِ امْرَأَةِ كُنْدَهِرِيٍّ، وَجَرَتْ خُطُوبٌ كَثِيرَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ، فَفِي كُلِّهَا يَسْتَظْهِرُ عَلَيْهِمْ وَيَكْسِرَهُمْ، وَيَقْتُلُ خَلْقًا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ؛ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ مَعَهُ حَتَّى طَلَبُوا الصُّلْحَ وَالْمُهَادَنَةَ، فَعَاقَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ مَلِكُ الْيَمَنِ سَيْفُ الْإِسْلَامِ طُغْتِكِينُ
أَخُو السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ أَمْوَالًا جَزِيلَةً جِدًّا، وَكَانَ يَسْبِكُ الذَّهَبَ مِثْلَ الطَّوَاحِينِ وَيَدَّخِرُهُ كَذَلِكَ، وَقَامَ فِي الْمُلْكِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ إِسْمَاعِيلُ، وَكَانَ أَهْوَجَ قَلِيلَ التَّدْبِيرِ، فَحَمَلَهُ جَهْلُهُ عَلَى أَنِ ادَّعَى أَنَّهُ قُرَشِيٌّ أُمَوِيٌّ، وَتَلَقَّبَ بِالْهَادِي،
পৃষ্ঠা - ১০৬০৪
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَمُّهُ الْعَادِلُ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَيَتَهَدَّدُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ وَلَا الْتَفَتَ إِلَيْهِ، بَلْ تَمَادَى وَأَسَاءَ التَّدْبِيرَ إِلَى الْأُمَرَاءِ وَالرَّعِيَّةِ، فَقُتِلَ وَتَوَلَّى بَعْدَهُ مَمْلُوكٌ مِنْ مَمَالِيكِ أَبِيهِ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ: الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ أَبُو الْهَيْجَاءِ السَّمِينُ الْكُرْدِيُّ، كَانَ مِنْ أَكَابِرِ أُمَرَاءِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ نَائِبًا عَلَى عَكَّا وَخَرَجَ مِنْهَا قَبْلَ أَخْذِ الْفِرِنْجِ، ثُمَّ دَخَلَهَا بَعْدَ الْمَشْطُوبِ فَأُخِذَتْ مِنْهُ، وَاسْتَنَابَهُ صَلَاحُ الدِّينِ عَلَى الْقُدْسِ ثُمَّ لَمَّا أَخَذَهَا الْعَزِيزُ عُزِلَ عَنْهَا، فَطُلِبَ إِلَى بَغْدَادَ فَأُكْرِمَ إِكْرَامًا زَائِدًا، وَأَرْسَلَهُ الْخَلِيفَةُ مُقَدَّمًا عَلَى الْعَسَاكِرِ إِلَى هَمَذَانَ فَمَاتَ هُنَاكَ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ: قَاضِي قُضَاةِ بَغْدَادَ أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بْنُ عَلِيِّ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْبُخَارِيِّ
سَمِعَ الْحَدِيثَ عَلَى أَبِي الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ فَضْلَانَ، وَتَوَلَّى نِيَابَةَ الْحُكْمِ بِبَغْدَادَ، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالْمَنْصِبِ، وَأُضِيفَ إِلَيْهِ فِي وَقْتِ نِيَابَةِ الْوِزَارَةِ، ثُمَّ عُزِلَ عَنِ الْقَضَاءِ، ثُمَّ أُعِيدَ وَمَاتَ وَهُوَ حَاكِمٌ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ، وَكَانَ فَاضِلًا بَارِعًا مِنْ بَيْتِ فِقْهٍ وَعَدَالَةٍ، وَلَهُ شِعْرٌ:
تَنَحَّ عَنِ الْقَبِيحِ وَلَا تُرِدْهُ ... وَمَنْ أَوْلَيْتَهُ حَسَنًا فَزِدْهُ
سَتُكْفَى مِنْ عَدُوِّكَ كُلَّ كَيْدٍ ... إِذَا كَادَ الْعَدُوُّ وَلَمْ تَكِدْهُ
وَفِيهَا تُوُفِّيَ: السَّيِّدُ الشَّرِيفُ نَقِيبُ الطَّالِبِيِّينَ بِبَغْدَادَ
أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ
পৃষ্ঠা - ১০৬০৫
عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْعَلَوِيُّ الْحُسَيْنِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْأَقْسَاسِيِّ، الْكُوفِيُّ مَوْلِدًا وَمَنْشَأً، كَانَ شَاعِرًا مُطَبِّقًا، امْتَدَحَ الْخُلَفَاءَ وَالْوُزَرَاءَ، وَهُوَ مِنْ بَيْتٍ مَشْهُورٍ بِالْأَدَبِ وَالرِّيَاسَةِ وَالْمُرُوءَةِ، قَدِمَ بَغْدَادَ فَامْتَدَحَ الْمُقْتَفِيَ وَالْمُسْتَنْجِدَ وَابْنَهُ الْمُسْتَضِيءَ وَابْنَهُ النَّاصِرَ فَوَلَّاهُ النِّقَابَةَ كَانَ شَيْخًا مَهِيبًا، جَاوَزَ الثَّمَانِينَ، وَقَدْ أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ السَّاعِي قَصَائِدَ كَثِيرَةً مِنْهَا:
اصْبِرْ عَلَى كَيْدِ الزَّمَا ... نِ فَمَا يَدُومُ عَلَى طَرِيقَهْ
سَبَقَ الْقَضَاءُ فَكُنْ بِهِ ... رَاضٍ وَلَا تَطْلُبْ حَقِيقَهْ
كَمْ قَدْ تَغَلَّبَ مَرَّةً ... وَأَرَاكَ مِنْ سَعَةٍ وَضِيقَهْ
مَا زَالَ فِي أَوْلَادِهِ ... يَجْرِي عَلَى هَذِي الطَّرِيقَهْ
وَفِيهَا تُوُفِّيَتِ السِّتُّ عَذْرَاءُ بِنْتُ شَاهِنْشَاهْ بْنِ أَيُّوبَ وَدُفِنَتْ بِمَدْرَسَتِهَا دَاخِلَ بَابِ النَّصْرِ.
وَالسِّتُّ خَاتُّونُ وَالِدَةُ الْمَلِكُ الْعَادِلُ، وَدُفِنَتْ بِدَارِهَا بِدِمَشْقَ الْمُجَاوِرَةِ لِدَارِ أَسَدِ الدِّينِ شِيرَكُوهْ
পৃষ্ঠা - ১০৬০৬
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِيهَا جَمَعَتِ الْفِرِنْجُ جُمُوعَهَا وَأَقْبَلُوا فَحَاصَرُوا تِبْنِينَ، فَاسْتَدْعَى الْعَادِلُ بَنِي أَخِيهِ لِقِتَالِهِمْ، فَجَاءَهُ الْعَزِيزُ مِنْ مِصْرَ وَالْأَفْضَلُ مِنْ صَرْخَدَ فَأَقْلَعَتِ الْفِرِنْجُ عَنِ الْحِصْنِ وَبَلَغَهُمْ مَوْتُ مَلِكِ الْأَلْمَانِ، فَطَلَبُوا مِنَ الْعَادِلِ الْهُدْنَةَ وَالْأَمَانَ، فَهَادَنَهُمْ وَرَجَعَتِ الْمُلُوكُ إِلَى أَمَاكِنِهَا، وَقَدْ عَظُمَ الْمُعَظَّمُ عِيسَى بْنُ الْعَادِلِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَاسْتَنَابَهُ أَبُوهُ عَلَى دِمَشْقَ وَسَارَ إِلَى مُلْكِهِ بِالْجَزِيرَةِ فَأَحْسَنَ فِيهِمُ السِّيرَةَ.
وَكَانَ قَدْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ السُّلْطَانُ صَاحِبُ سِنْجَارَ وَغَيْرِهَا مِنِ الْمَدَائِنِ الْكِبَارِ، وَهُوَ عِمَادُ الدِّينِ زَنْكِيُّ بْنُ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِيٍّ الْأَتَابِكِيُّ، كَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُلُوكِ وَأَحْسَنِهِمْ شَكْلًا وَسِيرَةً، وَأَجْوَدِهِمْ طَوِيَّةً وَسَرِيرَةً، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يُبْخَّلُ، وَكَانَ شَدِيدَ الْمَحَبَّةِ لِلْعُلَمَاءِ، وَلَا سِيَّمَا الْحَنَفِيَّةَ، وِقَدِ ابْتَنَى لَهُمْ مَدْرَسَةً بِسِنْجَارَ، وَشَرَطَ لَهُمْ طَعَامًا يُطْبَخُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَهَذَا نَظَرٌ حَسَنٌ، وَالْفَقِيهُ أَوْلَى بِهَذِهِ الْحَسَنَةِ مِنَ الْفَقِيرِ ; لِاشْتِغَالِ الْفَقِيهِ بِتَكْرَارِهِ وَمُطَالَعَتِهِ عَنِ الْفِكْرِ فِيمَا يُقِيتُهُ، فَعَدَا عَلَى أَوْلَادِهِ ابْنُ عَمِّهِ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ فَأَخَذَ الْمُلْكَ مِنْهُمْ، فَاسْتَغَاثَ
পৃষ্ঠা - ১০৬০৭
بَنُوهُ بِالْمَلِكِ الْعَادِلِ، فَرَدَّ فِيهِمُ الْمُلْكَ وَدَرَأَ عَنْهُمُ الضَّيْمَ، وَاسْتَقَرَّتِ الْمَمَلَكَةُ لِوَلَدِهِ قُطْبِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ سَارَ الْعَادِلُ إِلَى مَارِدِينَ فَحَاصَرَهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَاسْتَوْلَى عَلَى رَبَضِهَا وَمُعَامَلَتِهَا، وَأَعْجَزَتْهُ قَلْعَتُهَا فَصَافَ عَلَيْهَا وَشَتَا، وَمَا ظَنَّ أَحَدٌ أَنَّهُ تَمَلَّكَهَا ; حَتَّى هَنَّتْهُ الشُّعَرَاءُ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَثْبُوتًا وَلَا مُقَدَّرًا.
وَفِيهَا مَلَكَتِ الْغُورُ مَدِينَةَ بَلْخَ وَكَسَرُوا الْخِطَا وَقَهَرُوهُمْ وَهَزَمُوهُمْ وَتَوَقَّعُوا بِإِرْسَالِ الْخَلِيفَةِ إِلَيْهِمْ أَنْ يَمْنَعُوا خُوَارِزْمَ شَاهْ مِنْ دُخُولِ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُ كَانَ يَرُومُ أَنْ يُخْطَبَ لَهُ بِبَغْدَادَ.
وَفِيهَا حَاصَرَ خُوَارِزْمُ شَاهْ مَدِينَةَ بُخَارَا فَفَتَحَهَا بَعْدَ مُدَّةٍ، وَقَدْ كَانَتِ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ دَهْرًا وَنَصَرَهُمُ الْخِطَا فَقَهَرَهُمْ جَمِيعًا وَأَخَذَهَا عَنْوَةً، وَعَفَا عَنْ أَهْلِهَا وَصَفَحَ عَنْهُمْ، وَقَدْ كَانُوا أَلْبَسُوا كَلْبًا أَعْوَرَ قَبَاءً وَسَمَّوْهُ خُوَارِزْمَ شَاهْ، وَرَمَوْهُ فِي الْمَنْجَنِيقِ إِلَى الْخُوَارِزْمِيَّةِ، وَقَالُوا: هَذَا مَلِكُكُمْ. وَكَانَ خُوَارِزْمُ شَاهْ أَعْوَرَ، فَلَمَّا قَدِرَ عَلَيْهِمْ عَفَا عَنْهُمْ، جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنِ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنِ الْأَعْيَانِ:
الْقِوَامُ بْنُ زَبَادَةَ كَاتِبُ الْإِنْشَاءِ بِبَابِ الْخِلَافَةِ، وَهُوَ أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ زَبَادَةَ، قِوَامُ الدِّينِ، انْتَهَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ التَّرَسُّلِ
পৃষ্ঠা - ১০৬০৮
وَالْإِنْشَاءِ وَالْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ فِي زَمَانِهِ بِالْعِرَاقِ، وَلَهُ عُلُومٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، أَخَذَهُ عَنِ ابْنِ فَضْلَانَ، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ جَيِّدَةٌ بِالْأَصْلَيْنِ وَالْحِسَابِ وَاللُّغَةِ وَلَهُ شِعْرٌ جَيِّدٌ، وَقَدْ وَلِيَ عِدَّةَ مَنَاصِبَ، كَانَ مَشْكُورًا فِي جَمِيعِهَا، وَمِنْ مُسْتَجَادِ شِعْرِهِ قَوْلُهُ:
لَا تَحْقِرَنَّ عَدُوًّا تَزْدَرِيهِ فَكَمْ ... قَدْ أَتْعَسَ الدَّهْرُ جَدَّ الْجِدِّ بِاللَّعِبِ
فَهَذِهِ الشَّمْسُ يَعْرُوهَا الْكُسُوفُ لَهَا ... عَلَى جَلَالَتِهَا بِالرَّأْسِ وَالذَّنَبِ
وَقَوْلُهُ:
بِاضْطِرَابِ الزَّمَانِ تَرْتَفِعُ الْأَنْ ... ذَالُ فِيهِ حَتَّى يَعُمَّ الْبَلَاءُ
وَكَذَا الْمَاءُ رَاكِدٌ فِإِذَا ... حُرِّكَ ثَارَتْ مِنْ قَعْرِهِ الْأَقْذَاءُ
وَلَهُ أَيْضًا:
قَدْ سَلَوْتُ الدُّنْيَا وَلَمْ يَسْلُهَا ... مَنْ عَلَقَتْ فِي آمَالِهِ وَالْأَرَاجِي
فَإِذَا مَا صَرَفْتُ وَجْهِي عَنْهَا ... قَذَفُونِي فِي بَحْرِهَا الْعَجَاجِ
يَسْتَضِيئُونَ بِي وَأَهْلِكُ وَحْدِي ... فَكَأَنِّي ذُبَالَةٌ فِي سِرَاجِ
تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَلَهُ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَحَضَرَ جِنَازَتَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَدُفِنَ عِنْدَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ.
الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ جَابِرِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَطَائِحِيُّ.
قَدِمَ بَغْدَادَ
পৃষ্ঠা - ১০৬০৯
فَتَفَقَّهَ بِهَا وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَأَقَامَ بِرَحْبَةِ مَالِكِ بْنِ طَوْقٍ مُدَّةً يَشْتَغِلُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّبِيهِ الْفَرَضِيِّ ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ الْعِرَاقِ مُدَّةً، وَكَانَ أَدِيبًا، وَقَدْ سَمِعَ مِنْ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّبِيهِ يُنْشِدُ لِنَفْسِهِ مُعَارِضًا لِلْحَرِيرِيِّ فِي بَيْتَيْهِ اللَّذَيْنِ زَعَمَ أَنَّهُمَا لَا يُعَزَّزَانِ بِثَالِثٍ لَهُمَا، وَهُمَا قَوْلُهُ:
سِمْ سِمَةً يُحْمَدُ آثَارُهَا ... وَاشْكُرْ لِمَنْ أَعْطَى وَلَوْ سِمْسِمَهْ
وَالْمَكْرُ مَهْمَا اسْتَطَعْتَ لَا تَأْتَهِ ... لِتَقْتَنِيَ السُّؤْدُدَ وَالْمَكْرُمَهْ
فَقَالَ ابْنُ النَّبِيهِ:
مَا الْأَمَةُ الْوَكْعَاءُ بَيْنَ الْوَرَى ... أَحْسَنُ مِنْ حُرٍّ أَتَى مَلَأَمَهْ
فَمَهْ إِذَا اسْتُجْدِيتَ عَنْ قَوْلِ لَا ... فَالْحُرُّ لَا يَمْلَأُ مِنْهَا فَمَهْ
الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ جُرْدَيْكُ
كَانَ مِنْ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ فِي زَمَانِ نُورِ الدِّينِ، وَكَانَ مِمَّنْ شَرِكَ فِي قَتْلِ شَاوِرٍ، وَحَظِيَ عِنْدَ صَلَاحِ الدِّينِ، وِقَدِ اسْتَنَابَهُ عَلَى الْقُدْسِ حِينَ افْتَتَحَهَا، وَكَانَ يَسْتَنْدِبُهُ لِلْمُهِمَّاتِ الْكِبَارِ فَيَسُدُّهَا بِنَهْضَتِهِ وَشَجَاعَتِهِ، وَلَمَّا وَلِيَ الْأَفْضَلُ عَزَلَهُ عَنْ بَيْتِ الْمَقَدْسِ، فَتَرَكَ بِلَادَ الشَّامِ وَانْتَقَلَ إِلَى الْمَوْصِلِ فَمَاتَ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ