আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১০৫৬৫
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] اسْتُهِلَّتْ وَالسُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ مُخَيِّمٌ بِالْقُدْسِ الشَّرِيفِ، وَقَدْ قَسَّمَ السُّورَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ وَأُمَرَائِهِ وَهُوَ يَعْمَلُ فِيهِ بِنَفْسِهِ وَيَحْمِلُ الْحَجَرَ بَيْنَ الْقَرَبُوسِ وَبَيْنَهُ، وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِهِ وَبِالْعُلَمَاءِ، وَالْفُقَرَاءُ يَعْمَلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، وَالْفِرِنْجُ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - حَوْلَ الْبَلَدِ مِنْ نَاحِيَةِ عَسْقَلَانَ وَمَا وَالَاهَا لَا يَتَجَاسَرُونَ أَنْ يَتَقَرَّبُوا مِنَ الْحَرَسِ وَالْيَزَكِ الَّذِينَ حَوْلَ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ إِلَّا أَنَّهُمْ عَلَى نِيَّةِ مُحَاصَرَةِ الْقُدْسِ مُصَمِّمُونَ وَلِكَيْدِ الْإِسْلَامِ مُجْمِعُونَ وَهُمْ وَالْحَرَسُ تَارَةً يَغْلِبُونَ وَتَارَةً يُغْلَبُونَ وَتَارَةً يَنْهَبُونَ وَتَارَةً يُنْهَبُونَ. وَفِي رَبِيعٍ الْآخَرِ وَصَلَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ الْمَشْطُوبُ إِلَى السُّلْطَانِ وَهُوَ بِالْقُدْسِ مِنَ الْأَسْرِ وَكَانَ نَائِبًا عَلَى عَكَّا حِينَ أُخِذَتْ فَافْتَدَى نَفْسَهُ مِنْهُمْ بِخَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَأَعْطَاهُ السُّلْطَانُ شَيْئًا كَثِيرًا مِنْهَا وَاسْتَنَابَهُ عَلَى مَدِينَةِ نَابُلُسَ فَتُوُفِّيَ بِهَا فِي شَوَّالٍ مِنْهَا. وَفِي رَبِيعٍ الْآخَرِ قُتِلَ الْمَرْكِيسُ صَاحِبُ صُورَ لَعَنَهُ اللَّهُ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ مَلِكُ الْإِنْكِلْتِيرِ اثْنَيْنِ مِنَ الْفِدَاوِيَّةِ فَقَتَلُوهُ فَأَظْهَرَا التَّنَصُّرَ وَلَزِمَا الْكَنِيسَةَ حَتَّى ظَفِرَا بِالْمَرْكِيسِ فَقَتَلَاهُ وَقُتِلَا، فَاسْتَنَابَ مَلِكُ الْإِنْكِلْتِيرِ عَلَيْهَا ابْنَ أُخْتِهِ لِأُمِّهِ الْكُنْدَهِرِيَّ وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ مَلِكِ إِفْرَنْسِيسَ لِأَبِيهِ فَهُمَا خَالَاهُ - لَعَنَهُ اللَّهُ - وَلَمَّا صَارَ إِلَى صُورَ
পৃষ্ঠা - ১০৫৬৬
ابْتَنَى بِزَوْجَةِ الْمَرْكِيسِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِلَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ حُبْلَى أَيْضًا وَذَلِكَ لِشِدَّةِ الْعَدَاوَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْإِنْكِلْتِيرِ وَبَيْنَهُ، وَقَدْ كَانَ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ يُبْغِضُهُمَا وَلَكِنَّهُ قَدْ كَانَ صَانَعَهُ الْمَرْكِيسُ بِبَعْضِ الشَّيْءِ فَلَمْ يَهُنْ قَتْلُهُ عَلَيْهِ. وَفِي تَاسِعِ جُمَادَى الْأُولَى اسْتَوْلَى الْفِرِنْجُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ عَلَى قَلْعَةِ الدَّارُومِ فَخَرَّبُوهَا وَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِهَا وَأَسَرُوا طَائِفَةً مِنَ الذُّرِّيَّةِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ثُمَّ أَقْبَلُوا بِخَيْلِهِمْ وَرَجِلِهِمْ جُمْلَةً نَحْوَ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ فَبَرَزَ إِلَيْهِمُ السُّلْطَانُ فِي حِزْبِ الْإِيمَانِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الرَّجَّالَةِ وَالْفُرْسَانِ وَالْأَبْطَالِ وَالشُّجْعَانِ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ نَكَصَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ عَلَى عَقِبَيْهِ وَانْقَلَبُوا رَاجِعِينَ قَبْلَ الْقِتَالِ وَالنِّزَالِ وَعَادَ السُّلْطَانُ إِلَى الْقُدْسِ وَقَدْ {رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25] ثُمَّ إِنَّ مَلِكَ الْإِنْكِلْتِيرِ - لَعَنَهُ اللَّهُ - وَهُوَ أَكْبَرُ مُلُوكِ الْفِرِنْجِ ذَلِكَ الْوَقْتَ ظَفِرَ بِبَعْضِ قُفُولِ الْمُسْلِمِينَ فَكَبَسَهُمْ لَيْلًا فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا وَأَسَرَ مِنْهُمْ خَمْسَمِائَةِ أَسِيرٍ وَغَنِمَ مِنْهُمْ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْجِمَالِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ فَكَانَ جُمْلَةُ الْجِمَالِ ثَلَاثَةَ آلَافِ بَعِيرٍ فَتَقَوَّى الْفِرِنْجُ بِذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا وَسَاءَ ذَلِكَ السُّلْطَانَ مَسَاءَةً عَظِيمَةً جِدًّا وَخَافَ مِنْ غَائِلَةِ ذَلِكَ وَاسْتَخْدَمَ الْإِنْكِلْتِيرُ الْجَمَّالَةَ عَلَى الْجِمَالِ وَالْخَرْبَنْدِيَّةَ عَلَى الْبِغَالِ وَالسَّاسَةَ عَلَى الْخَيْلِ، وَأَقْبَلَ وَقَدْ قَوِيَتْ نَفْسُهُ جِدًّا، وَصَمَّمَ عَلَى مُحَاصَرَةِ الْقُدْسِ وَأَرْسَلَ إِلَى مُلُوكِ الْفِرِنْجِ الَّذِينَ
পৃষ্ঠা - ১০৫৬৭
بِالسَّاحِلِ فَاسْتَحْضَرَهُمْ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ فَتَعَبَّأَ السُّلْطَانُ لَهُمْ وَتَهَيَّأَ وَأَكْمَلَ السُّورَ وَعَمَّرَ الْخَنَادِقَ وَنَصَبَ الْآلَاتِ وَالْمَجَانِيقَ وَأَمَرَ بِتَغْوِيرِ مَا حَوْلَ الْقُدْسِ مِنَ الْمِيَاهِ وَأَحْضَرَ السُّلْطَانُ أُمَرَاءَهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ تَاسِعَ عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَفِيهِمْ أَبُو الْهَيْجَاءِ السَّمِينُ وَالْمَشْطُوبُ وَالْأَسَدِيَّةُ بِكَمَالِهِمْ وَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَا قَدْ دَهَمَهُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الْفَظِيعِ الْمُوجِعِ الْمُؤْلِمِ فَأَفَاضُوا فِي ذَلِكَ وَأَشَارُوا كُلٌّ بِرَأْيهِ وَأَشَارَ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ بِأَنْ يَتَحَالَفُوا عَلَى الْمَوْتِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ يَفْعَلُونَ فَأَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ، هَذَا كُلُّهُ وَالسُّلْطَانُ سَاكِتٌ وَاجِمٌ مُفَكِّرٌ، فَسَكَتَ الْقَوْمُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ جُنْدُ الْإِسْلَامِ الْيَوْمَ وَمَنَعَتُهُ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَذَرَارِيَهِمْ مُعَلَّقَةٌ فِي ذِمَمِكُمْ، فَإِنَّ هَذَا الْعَدُوَّ أَمِنَ لَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ تَلَقَّاهُ إِلَّا أَنْتُمْ فَإِنْ لَوَيْتُمْ أَعِنَّتَكُمْ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - طَوَى الْبِلَادَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِكُمْ، فَإِنَّكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَصَدَّيْتُمْ لِهَذَا وَأَكَلْتُمْ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ فَالْمُسْلِمُونَ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ مُتَعَلِّقُونَ بِكُمْ وَالسَّلَامُ فَانْتَدَبَ لِجَوَابِهِ سَيْفُ الدِّينِ الْمَشْطُوبُ وَقَالَ: يَا مَوْلَانَا نَحْنُ مَمَالِيكُكَ وَعَبِيدُكَ وَأَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَنَا وَكَبَّرْتَنَا وَعَظَّمْتَنَا، وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا رِقَابُنَا وَنَحْنُ بَيْنُ يَدَيْكَ، وَاللَّهِ مَا يَرْجِعُ أَحَدٌ مِنَّا عَنْ نُصْرَتِكَ إِلَى أَنْ يَمُوتَ فَقَالَ الْجَمَاعَةُ مِثْلَ مَا قَالَ فَفَرِحَ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ وَطَابَ قَلْبُهُ وَمَدَّ لَهُمْ سِمَاطًا حَافِلًا وَانْصَرَفُوا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ عَلَى ذَلِكَ
পৃষ্ঠা - ১০৫৬৮
ثُمَّ بَلَغَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّا نَخَافُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْنَا فِي هَذَا الْبَلَدِ كَمَا جَرَى عَلَى أَهْلِ عَكَّا ثُمَّ يَأْخُذُونَ بِلَادَ الْإِسْلَامِ بَلَدًا بَلَدًا وَالْمَصْلَحَةُ أَنْ نَلْتَقِيَهُمْ بِظَاهِرِ الْبَلَدِ فَإِنْ هَزَمْنَاهُمْ أَخَذْنَا بَقِيَّةَ بِلَادِهِمْ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى سَلِمَ الْعَسْكَرُ وَمَضَى الْقُدْسُ وَقَدِ انْخَفَضَتْ بِلَادُ الْإِسْلَامِ بِدُونِ الْقُدْسِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَبَعَثُوا إِلَى السُّلْطَانِ يَقُولُونَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُنَا نُقِيمُ بِالْقُدْسِ تَحْتَ حِصَارِ الْفِرِنْجِ فَكُنْ أَنْتَ مَعَنَا أَوْ بَعْضُ أَهْلِكَ حَتَّى يَكُونَ الْجَيْشُ تَحْتَ أَمْرِكَ فَإِنَّ الْأَكْرَادَ لَا تُطِيعُ التُّرْكَ وَالتُّرْكُ لَا تُطِيعُ الْأَكْرَادَ. فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ شَقَّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً عَظِيمَةً وَبَاتَ لَيْلَتَهُ أَجْمَعَ مَهْمُومًا كَئِيبًا يُفَكِّرُ فِيمَا قَالُوا ثُمَّ انْجَلَى الْأَمْرُ وَاتَّفَقَ الْحَالُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَلِكُ الْأَمْجَدُ صَاحِبُ بَعْلَبَكَّ مُقِيمًا عِنْدَهُمْ نَائِبًا عَنْهُ بِالْقُدْسِ وَكَانَ ذَلِكَ نَهَارَ الْجُمُعَةِ فَلَمَّا حَضَرَ إِلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ وَسَجَدَ وَابْتَهَلَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ابْتِهَالًا عَظِيمًا وَتَضَرَّعَ إِلَى رَبِّهِ وَتَمَسْكَنَ وَسَأَلَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ كَشْفَ هَذِهِ الضَّائِقَةِ الْعَظِيمَةِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ مِنَ الْغَدِ جَاءَتِ الْكُتُبُ مِنَ الْحَرَسِ حَوْلَ الْبَلَدِ بِأَنَّ الْفِرِنْجَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي مُحَاصَرَةِ الْقُدْسِ فَقَالَ مَلِكُ الْإِفْرَنْسِيسِ: إِنَّا إِنَّمَا جِئْنَا مِنَ الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ وَأَنْفَقْنَا الْأَمْوَالَ الْعَدِيدَةَ فِي تَخْلِيصِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَرَدِّهِ إِلَيْنَا وَقَدْ بَقِيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مَرْحَلَةٌ فَقَالَ الْإِنْكِلْتِيرُ: إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ يَشُقُّ عَلَيْنَا
পৃষ্ঠা - ১০৫৬৯
حِصَارُهُ ; لِأَنَّ الْمِيَاهَ حَوْلَهُ قَدْ عُدِمَتْ وَمَتَى بَعَثْنَا مَنْ يَأْتِينَا بِالْمَاءِ مِنَ الْمَشَقَّةِ الْبَعِيدَةِ تَعَطَّلَ الْحِصَارُ وَتَلِفَ الْجَيْشُ ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَنْ حَكَّمُوا عَلَيْهِمْ ثَلَاثَمِائَةٍ مِنْهُمْ فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ مِنْهُمْ فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ فَبَاتُوا لَيْلَتَهُمْ يَنْظُرُونَ ثُمَّ أَصْبَحُوا وَقَدْ حَكَمُوا عَلَيْهِمْ بِالرَّحِيلِ فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ مُخَالَفَتُهُمْ فَسَحَبُوا رَاجِعِينَ، - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - أَجْمَعِينَ فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الرَّمْلَةِ، وَقَدْ طَالَتْ عَلَيْهِمُ الْغُرْبَةُ وَالرَّمْلَةُ وَذَلِكَ فِي بُكْرَةِ الْحَادِيَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَبَرَزَ السُّلْطَانُ بِجَيْشِهِ إِلَى خَارِجِ الْقُدْسِ وَسَارَ نَحْوَهُمْ خَوْفًا أَنْ يَسِيرُوا إِلَى مِصْرَ لِكَثْرَةِ مَا مَعَهُمْ مِنَ الظَّهْرِ وَالْأَمْوَالِ، وَكَانَ الْإِنْكِلْتِيرُ يَلْهَجُ بِذَلِكَ كَثِيرًا، فَخَذَلَهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ مِنَ الْإِنْكِلْتِيرِ إِلَى السُّلْطَانِ فِي طَلَبِ الصُّلْحِ وَوَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ثَلَاثَ سِنِينَ وَعَلَى أَنْ يُعِيدَ لَهُمْ عَسْقَلَانَ وَيَهَبَ لَهُمْ كَنِيسَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهِيَ الْقُمَامَةُ وَأَنْ يُمَكِّنَ النَّصَارَى مِنْ زِيَارَتِهَا وَحَجِّهَا بِلَا شَيْءٍ، فَامْتَنَعَ السُّلْطَانُ مِنْ إِعَادَةِ عَسْقَلَانَ وَأَطْلَقَ لَهُمُ الْقُمَامَةَ وَفَرَضَ عَلَى الزُّوَّارِ مَالًا يُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ فَامْتَنَعَ الْإِنْكِلْتِيرُ إِلَّا أَنْ تُعَادَ لَهُمْ عَسْقَلَانُ وَيُعَمَّرَ سُورُهَا كَمَا كَانَتْ فَصَمَّمَ السُّلْطَانُ عَلَى عَدَمِ الْإِجَابَةِ. ثُمَّ رَكِبَ السُّلْطَانُ حَتَّى وَافَى يَافَا فَحَاصَرَهَا حِصَارًا شَدِيدًا فَافْتَتَحَهَا وَغَنِمَ جَيْشُهُ مِنْهَا شَيْئًا كَثِيرًا وَامْتَنَعَتِ الْقَلْعَةُ فَبَالَغَ فِي أَمْرِهَا حَتَّى هَانَتْ وَلَانَتْ وَدَانَتْ، وَكَادُوا أَنْ يَبْعَثُوا إِلَيْهِ بِأَقَالِيدِهَا، وَيَأْخُذُوا الْأَمَانَ لِكَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَشْرَقَتْ عَلَيْهِمْ مَرَاكِبُ الْإِنْكِلْتِيرِ عَلَى وَجْهِ الْبَحْرِ فَقَوِيَتْ رُءُوسُهُمْ وَاسْتَعْصَتْ نُفُوسُهُمْ وَهَجَمَ اللَّعِينُ فَأَعَادَ الْبَلَدَ وَقَتَلَ مَنْ تَأَخَّرَ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ صَبْرًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَقَهْقَرَ السُّلْطَانُ عَنْ مَنْزِلَةِ الْحِصَارِ إِلَى مَا وَرَاءَهَا خَوْفًا عَلَى
পৃষ্ঠা - ১০৫৭০
الْجَيْشِ مِنْ مَعَرَّةِ الْفِرِنْجِ فَجَعَلَ مَلِكُ الْإِنْكِلْتِيرِ يَتَعَجَّبُ مِنْ شِدَّةِ سَطْوَةِ السُّلْطَانِ كَيْفَ فَتَحَ مِثْلَ هَذَا الْبَلَدِ الْعَظِيمِ فِي يَوْمَيْنِ وَغَيْرُهُ لَا يُمْكِنُهُ فَتْحُهُ فِي عَامَيْنِ وَلَكِنْ مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ مَعَ شَهَامَتِهِ وَصَرَامَتِهِ يَتَأَخَّرُ مِنْ مَنْزِلَتِهِ بِمُجَرَّدِ قُدُومِي وَأَنَا وَمَنْ مَعِي لَمْ نَخْرُجْ مِنَ الْبَحْرِ إِلَّا جَرَائِدَ بِلَا سِلَاحٍ ثُمَّ أَلَحَّ فِي طَلَبِ الصُّلْحِ وَأَنْ تَكُونَ عَسْقَلَانُ دَاخِلَةً فِي صُلْحِهِمْ فَامْتَنَعَ السُّلْطَانُ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ ثُمَّ إِنَّ السُّلْطَانَ كَبَسَ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي الْإِنْكِلْتِيزَ وَهُوَ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ فَارِسًا وَحَوْلَهُ قَلِيلٌ مِنَ الرَّجَّالَةِ فَأَوْكَبَ السُّلْطَانُ بِجَيْشِهِ حَوْلَهُ وَحَصَرَهُ حَصْرًا لَمْ يَبْقَ لَهُ مَعَهُ نَجَاةٌ لَوْ صَمَّمَ مَعَهُ الْجَيْشُ، وَلَكِنَّهُمْ نَكَلُوا كُلُّهُمْ عَنِ الْجُمْلَةِ فَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَجَعَلَ السُّلْطَانُ يُحَرِّضُهُمْ غَايَةَ التَّحْرِيضِ فَكُلُّهُمْ يَمْتَنِعُ كَمَا يَمْتَنِعُ الْمَرِيضُ مِنْ شُرْبِ الدَّوَاءِ. هَذَا وَالْإِنْكِلْتِيرُ - لَعَنَهُ اللَّهُ - قَدْ رَكِبَ فِي أَصْحَابِهِ وَأَخَذَ عُدَّةَ قِتَالِهِ وَحِرَابِهِ وَاسْتَعْرَضَ الْمَيْمَنَةَ إِلَى أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِ الْمَيْسَرَةِ يَعْنِي مَيْمَنَةَ الْمُسْلِمِينَ وَمَيْسَرَتَهُمْ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْفُرْسَانِ وَلَا بَهَشَ فِي وَجْهِهِ بَطَلٌ مِنَ الشُّجْعَانِ فَعِنْدَ ذَلِكَ كَرَّ السُّلْطَانُ رَاجِعًا وَقَدْ أَحْزَنَهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ مِنَ الْجَيْشِ مُطِيعًا وَلَا سَامِعًا فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. ثُمَّ حَصَلَ لِلْإِنْكِلْتِيرِ بَعْدَ ذَلِكَ مَرَضٌ شَدِيدٌ وَبَعَثَ إِلَى السُّلْطَانِ يَطْلُبُ فَاكِهَةً وَثَلْجًا فَأَمَدَّهُ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ مِنْ بَابِ الْفُتُوَّةِ وَالْإِحْسَانِ وَإِظْهَارِ الْقُوَّةِ وَالِامْتِنَانِ ثُمَّ عُوفِيَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - وَتَكَرَّرَتِ الرُّسُلُ مِنْهُ يَطْلُبُ مِنَ السُّلْطَانِ الْمُصَالَحَةَ وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ شَوْقِهِ إِلَى بِلَادِهِ وَتَوْقِهِ إِلَى مَلَاذِهِ وَطَاوَعَ السُّلْطَانَ عَلَى مَا يَقُولُ وَنَزَلَ عَنْ طَلَبِ عَسْقَلَانَ وَرَضِيَ بِمَا رَسَمَ بِهِ السُّلْطَانُ، وَكُتِبَ كِتابُ الصُّلْحِ عَلَى مَا رَسَمَ بِهِ السُّلْطَانُ فِي ثَامِنَ عَشَرَ شَعْبَانَ وَأُكِّدَتِ الْعُهُودُ وَالْمَوَاثِيقُ
পৃষ্ঠা - ১০৫৭১
مِنْ كُلِّ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ وَأُسْقُفٍ وَجَاثَلِيقٍ، وَحَلَفَ الْأُمَرَاءُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَتَبُوا خُطُوطَهُمْ وَاكْتُفِيَ مِنَ السُّلْطَانِ بِالْقَوْلِ الْمُجَرَّدِ، كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ السَّلَاطِينَ وَفَرِحَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ فَرَحًا كَثِيرًا، وَأَظْهَرُوا سُرُورًا وَوُقِّعَتِ الْهُدْنَةُ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ ثَلَاثَ سِنِينَ وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَعَلَى أَنْ يُقَرَّ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْبِلَادِ السَّاحِلِيَّةِ وَلِلْمُسْلِمِينَ مَا يُقَابِلُهَا مِنَ الْبِلَادِ الْجَبَلِيَّةِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُعَامَلَاتِ، فَقَسْمُهَا عَلَى الْمُنَاصَفَةِ، وَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ مِائَةَ نِقَابٍ صُحْبَةَ أَمِيرٍ لِتَخْرِيبِ سُورِ عَسْقَلَانَ وَإِخْرَاجِ مَنْ بِهَا مِنَ الْفِرِنْجِ وَالْأَلْمَانِ. وَعَادَ السُّلْطَانُ إِلَى الْقُدْسِ الشَّرِيفِ فَرَتَّبَ أَحْوَالَهُ وَوَطَّدَهَا، وَسَدَّدَ أُمُورَهُ وَأَكَّدَهَا وَزَادَ وَقْفَ الْمَدْرَسَةِ سُوقًا بِدَكَاكِينِهَا وَأَرْضًا بِبَسَاتِينِهَا، وَزَادَ وَقْفَ الصُّوفِيَّةِ أَيْضًا وَعَزَمَ عَلَى الْحَجِّ عَامَهُ ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَى الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ لِيَعْلَمُوا بِذَلِكَ وَيَتَأَهَّبُوا لَهُ فَكَتَبَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَى الْبِلَادِ وَيَذْكُرُ لَهُ أَنَّ النَّظَرَ فِي أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَإِصْلَاحِ أَمْرِهِمُ الَّذِي قَدْ تَدَاعَى إِلَى الْفَسَادِ وَسَدَّ ثُغُورِهِمْ وَمُصَابَرَةَ أَعْدَائِهِمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ، أَفْضَلُ لَكَ مِمَّا عَزَمْتَ عَلَيْهِ فِي عَامِكَ هَذَا، وَالْعَدُوُّ الْمَخْذُولُ مُخَيِّمٌ بَعْدُ بِالشَّامِ لَمْ يُقْلِعْ مِنْهُ مَرْكِبٌ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يُهَادِنُونَ لِيَتَقَوَّوْا وَيَكْثُرُوا ثُمَّ يَمْكُرُوا وَيَغْدِرُوا. فَسَمِعَ السُّلْطَانُ مِنْهُ وَشَكَرَ نُصْحَهُ وَقَبِلَهُ، وَعَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ عَامَهُ ذَلِكَ، وَكَتَبَ بِهِ إِلَى سَائِرِ الْمَمَالِكِ وَاسْتَمَرَّ السُّلْطَانُ مُقِيمًا بِالْقُدْسِ جَمِيعَ شَهْرِ رَمَضَانَ
পৃষ্ঠা - ১০৫৭২
فِي صِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَقُرْآنٍ وَكُلَّمَا وَفَدَ أَحَدٌ مِنْ رُؤَسَاءِ النَّصَارَى لِلزِّيَارَةِ أَوْلَاهُ غَايَةَ الْإِكْرَامِ وَالْإِحْسَانِ تَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ وَتَأْكِيدًا لِمَا حَلَفُوهُ مِنَ الْأَيْمَانِ، وَرَغْبَةً أَنْ يَدْخُلَ فِي قُلُوبِهِمْ شَيْءٌ مِنَ الْإِيمَانِ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ مُلُوكِهِمْ إِلَّا جَاءَ لِزِيَارَةِ الْقُمَامَةِ مُتَنَكِّرًا، وَيَحْضُرُ سِمَاطَ السُّلْطَانِ فِيمَنْ يَحْضُرُ مِنْ جُمْهُورِهِمْ بِحَيْثُ لَا يُرَى، وَالسُّلْطَانُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا وَلِهَذَا يُعَامِلُهُمْ بِالْإِكْرَامِ وَيُرِيهِمْ صَفْحًا جَمِيلًا وَبِرًّا جَزِيلًا وَظِلًّا ظَلِيلًا فَلَمَّا كَانَ خَامِسُ شَوَّالٍ رَكِبَ فِي عَسَاكِرِهِ وَجَحَافِلِهِ فَبَرَزَ مِنَ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ قَاصِدًا دِمَشْقَ الْمَحْرُوسَةَ وَاسْتَنَابَ عَلَى الْقُدْسِ عِزَّ الدِّينِ جُرْدَيْكَ وَعَلَى قَضَائِهَا بَهَاءَ الدِّينِ يُوسُفَ بْنَ رَافِعِ بْنِ تَمِيمٍ الشَّافِعِيَّ، وَاجْتَازَ عَلَى وَادِي الْجِيبِ وَبَاتَ عَلَى بِرْكَةِ الدَّاوِيَّةِ، ثُمَّ أَصْبَحَ فِي نَابُلُسَ فَنَظَرَ فِي أَحْوَالِهَا وَأُمُورِهَا ثُمَّ تَرَحَّلَ عَنْهَا، فَجَعَلَ يَمُرُّ بِالْمَعَاقِلِ وَالْحُصُونِ وَالْبُلْدَانِ لِلنَّظَرِ فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَمْوَالِ وَكَشْفِ الْمَظَالِمِ وَالْمَحَارِمِ وَالْمَآثِمِ وَتَرْتِيبِ الْمَكَارِمِ، وَفِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ جَاءَ إِلَى خِدْمَتِهِ بَيْمُنْدُ صَاحِبُ أَنْطَاكِيَةَ فَأَكْرَمَهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ وَأَطْلَقَ لَهُ أَمْوَالًا جَزِيلَةً وَخِلَعًا جَمِيلَةً، وَكَانَ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ فِي صُحْبَتِهِ، فَأَخْبَرَ عَنْ مَنَازِلِهِ مَنْزِلَةً مَنْزِلَةً وَمَرْحَلَةً مَرْحَلَةً إِلَى أَنْ قَالَ: وَعَبَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ عَيْنَ الْجَرِّ إِلَى مَرْجِ يَبُوسَ وَقَدْ زَالَ الْبُوسُ، وَهُنَاكَ تَوَافَدَ أَعْيَانُ دِمَشْقَ وَأَمَاثِلُهَا وَأَفَاضِلُهَا
পৃষ্ঠা - ১০৫৭৩
وَفَوَاضِلُهَا، وَنَزَلْنَا يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ عَلَى الْعَرَّادَةِ جَرَى الْمُتَلَقُّونَ بِالطُّرَفِ وَالتُّحَفِ عَلَى الْعَادَةِ، وَأَصْبَحْنَا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ - يَعْنِي سَادِسَ عَشَرَ شَوَّالٍ بُكْرَةً - إِلَى جَنَّةِ دِمَشْقَ دَاخِلِينَ بِسَلَامٍ آمِنِينَ لَوْلَا أَنَّنَا غَيْرُ خَالِدِينَ، وَكَانَتْ غَيْبَةُ السُّلْطَانِ عَنْهَا طَالَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ فَأَخْرَجَتْ دِمَشْقُ أَثْقَالَهَا، وَأَبْرَزَتْ نِسَاءَهَا وَرِجَالَهَا، وَكَانَ يَوْمَ الزِّينَةِ وَخَرَجَ كُلٌّ مَنْ فِي الْمَدِينَةِ، وَحُشِرَ النَّاسُ ضُحًى وَأَشَاعُوا اسْتِبْشَارًا وَفَرَحًا، وَاجْتَمَعَ بِأَوْلَادِهِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ، وِقَدِمَ عَلَيْهِ رُسُلُ الْمُلُوكِ مِنْ سَائِرِ الْأَمْصَارِ، وَأَقَامَ بَقِيَّةَ عَامِهِ فِي اقْتِنَاصِ الصَّيْدِ وَحُضُورِ دَارِ الْعَدْلِ لِلْفَصْلِ، وَالْعَمَلِ بِالْإِحْسَانِ وَالْفَضْلِ. وَلَمَّا كَانَ عِيدُ الْأَضْحَى امْتَدَحَهُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ بِقَصِيدَةٍ يَقُولُ فِيهَا: وَأَبِيهَا لَوْلَا تَغَزُّلُ عَيْنَيْهَا ... لَمَا قُلْتُ فِي التِّغَزُّلِ شِعْرًا وَلَكَانَتْ مَدَائِحُ الْمَلِكِ النِّاصِرِ ... أَوْلَى مَا فِيهِ أُعْمِلُ فِكْرَا مَلِكٌ طَبَّقَ الْمَمَالِكَ عَدْلًا ... مِثْلَمَا أَوْسَعَ الْبَرِيَّةَ بِرَّا فَتَحَلَّ الْأَعْيَادَ صَوْمًا وَفِطْرًا ... وَتَلَقَّ الْهَنَاءَ بَرًّا وَبَحْرَا يَا مُسِرَّ الطَّاعَاتِ لِلَّهِ إِنْ ... أَضْحَى مَلِيكٌ عَلَى الْهَنَاتِ مُصِرَّا نِلْتَ مَا تَبْتَغِي مِنَ الدِّينِ وَالدُّنْ ... يَا فَتِيهًا عَلَى الْمُلُوكِ وَفَخْرَا قَدْ جَمَعْتَ الْمَجْدَيْنِ أَصْلًا وَفَرْعًا ... وَمَلَكْتَ الدَّارَيْنِ دُنْيَا وَأُخْرَى وَمِمَّا وَقَعَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْحَوَادِثِ غَزْوَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ صَاحِبِ غَزْنَةَ شِهَابِ الدِّينِ السُّبُكْتِكِينِيِّ، وَبَيْنُ مَلِكِ الْهِنْدِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ كَسَرُوهُ فِي سَنَةِ
পৃষ্ঠা - ১০৫৭৪
ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ فَأَظْفَرَهُ اللَّهُ بِهِمْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَكَسَرَهُمْ وَقَتَلَ خَلْقًا مِنْهُمْ وَأَسَرَ خَلْقًا وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ أَسَرَهُ مَلِكُهُمُ الْأَعْظَمُ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ فِيلًا مِنْ جُمْلَتِهَا الَّذِي كَانَ جَرَحَهُ فَأُحْضِرُ الْمَلِكُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَهَانَهُ وَلَمْ يُكْرِمْهُ وَاسْتَحْوَذَ عَلَى حِصْنِهِ وَأَخْبَرَ بِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ كُلِّ جَلِيلٍ وَحَقِيرٍ ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَادَ إِلَى غَزْنَةَ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا مَسْرُورًا مَحْبُورًا وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ اتُّهِمَ أَمِيرُ الْحَجِّ بِبَغْدَادَ - وَهُوَ طَاشْتِكِينُ وَقَدْ كَانَ عَلَى إِمْرَةِ الْحَجِيجِ مِنْ مُدَّةِ عِشْرِينَ سَنَةً وَكَانَ فِي غَايَةِ حُسْنِ السِّيرَةِ - بِأَنَّهُ يُكَاتِبُ صَلَاحَ الدِّينِ بْنَ أَيُّوبَ بِالْقُدُومِ إِلَى الْعِرَاقِ لِيَأْخُذَهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ يَرُدُّهُ أَحَدٌ وَقَدْ كَانَ مَكْذُوبًا عَلَيْهِ وَمَعَ هَذَا حُبِسَ وَأُهِينَ وَصُودِرَ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] فَصْلٌ وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْفَرَّاشِ كَانَ قَاضِيَ الْعَسَاكِرِ بِدِمَشْقَ، وَيُرْسِلُهُ السُّلْطَانُ فِي الرِّسَالَاتِ إِلَى مُلُوكِ الْآفَاقِ وَتُوُفِّيَ بِمَلَطْيَةَ عَائِدًا مِنْ بَنِي قِلْجَ سَيْفُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمَشْطُوبُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَسَدِ الدِّينِ
পৃষ্ঠা - ১০৫৭৫
شِيرَكُوهْ حَضَرَ مَعَهُ الْوَقَعَاتِ الثَّلَاثَ بِمِصْرَ ثُمَّ صَارَ مِنْ كُبَرَاءِ أُمَرَاءِ صَلَاحِ الدِّينِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ نَائِبًا عَلَى عَكَّا حِينَ أَخَذَهَا الْفِرِنْجُ فَأَسَرُوهُ فِي جُمْلَةِ مَنْ أَسَرُوا فَافْتَدَى نَفْسَهُ بِخَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ وَتَخَلَّصَ إِلَى أَنْ خَلَصَ إِلَى السُّلْطَانِ وَهُوَ بِالْقُدْسِ فَأَعْطَاهُ أَكْثَرَهَا وَوَلَّاهُ نِيَابَةَ نَابُلُسَ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الْأَحَدِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ بِالْقُدْسِ الشَّرِيفِ وَدُفِنَ فِي دَارِهِ صَاحِبُ بِلَادِ الرُّومِ عِزُّ الدِّينِ قِلْجُ أَرْسَلَانَ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ قِلْجِ أَرَسْلَانَ وَكَانَ قَدْ قَسَّمَ جَمِيعَ بِلَادِهِ بَيْنَ أَوْلَادِهِ طَمَعًا فِي طَاعَتِهِمْ لَهُ، فَخَالَفُوهُ وَتَجَبَّرُوا وَعَتَوْا عَلَيْهِ وَخَفَّضُوا قَدْرَهُ وَارْتَفَعُوا، وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى تُوَفِّيَ فِي عَامِهِ هَذَا. وَفِي رَبِيعٍ الْآخَرِ تُوُفِّيَ الْأَدِيبُ الشَّاعِرُ أَبُو الْمُرْهَفِ نَصْرُ بْنُ مَنْصُورٍ النُّمَيْرِيُّ سَمِعَ الْحَدِيثَ وَاشْتَغَلَ بِالْأَدَبِ وَكَانَ قَدْ أَصَابَهُ جُدَرِيٌّ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَنَقَصَ بَصَرُهُ جِدًّا، وَكَانَ لَا يُبْصِرُ الْأَشْيَاءَ الْبَعِيدَةَ، وَيَرَى الْقَرِيبَ مِنْهُ وَلَكِنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى قَائِدٍ فَارْتَحَلَ إِلَى الْعِرَاقِ لِمُدَاوَاةِ عَيْنَيْهِ فَآيِسَتْهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ ذَلِكَ، فَاشْتَغَلَ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ وَمُصَاحَبَةِ الصَّالِحِينَ وَالزُّهَّادِ، فَأَفْلَحَ وَلَهُ دِيوَانُ شِعْرٍ كَبِيرٌ حَسَنٌ وَقَدْ سُئِلَ مَرَّةً عَنْ مَذْهَبِهِ وَاعْتِقَادِهِ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
পৃষ্ঠা - ১০৫৭৬
أُحِبُّ عَلِيًّا وَالْبَتُولَ وَوُلْدَهَا ... وَلَا أَجْحَدُ الشَّيْخَيْنِ فَضْلَ التَّقَدُّمِ وَأَبْرَأُ مِمَّنْ نَالَ عُثْمَانَ بِالْأَذَى ... كَمَا أَتَبَرَّا مِنْ وَلَاءِ ابْنِ مُلْجِمِ وَيُعْجِبُنِي أَهْلُ الْحَدِيثِ لِصِدْقِهِمْ ... فَلَسْتُ إِلَى قَوْمٍ سِوَاهُمْ بِمُنْتَمِي وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِبَغْدَادَ وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ الشُّهَدَاءِ بِبَابِ حَرْبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
পৃষ্ঠা - ১০৫৭৭
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اسْتُهِلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَهُوَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ، وَخَرَجَ هُوَ وَأَخُوهُ الْعَادِلُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الصَّيْدِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ وَقَدِ اتَّفَقَ الْحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ أَنَّهُ بَعْدَمَا قَدْ تَفَرَّغَ مِنْ أَمْرِ الْفِرِنْجِ هَذِهِ الْمُدَّةَ يَسِيرُ هُوَ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ، وَيَبْعَثُ أَخَاهُ إِلَى خِلَاطَ فَإِذَا فَرَغَا مِنْ شَأْنِهِمَا سَارَا جَمِيعًا إِلَى بِلَادِ أَذْرَبِيجَانَ وَبِلَادِ الْعَجَمِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا أَحَدٌ يُمَانِعُ عَنْهَا فَلَمَّا قَدِمَ الْحَجِيجُ مِنَ الْحِجَازِ الشَّرِيفِ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ حَادِي عَشَرَ صَفَرٍ خَرَجَ السُّلْطَانُ لِتَلَقِّيهِمْ، وَقَدِمَ مَعَهُمْ وَلَدُ أَخِيهِ سَيْفُ الْإِسْلَامِ صَاحِبُ الْيَمَنِ فَأَكْرَمَهُ وَاحْتَرَمَهُ وَعَادَ إِلَى الْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، فَدَخَلَهَا مِنْ بَابِ الْحَدِيدِ فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ مَا رَكِبَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، ثُمَّ إِنَّهُ اعْتَرَاهُ حُمَّى صَفْرَاوِيَّةٌ لَيْلَةَ السَّبْتِ سَادِسَ عَشَرَ صَفَرٍ فَلَمَّا أَصْبَحَ دَخَلَ عَلَيْهِ الْقَاضِي الْفَاضِلُ وَابْنُ شَدَّادٍ وَابْنُهُ الْأَفْضَلُ، فَأَخَذَ يَشْكُو إِلَيْهِمْ كَثْرَةَ قَلَقِهِ الْبَارِحَةَ، وَطَابَ لَهُ الْحَدِيثُ، وَطَالَ مَجْلِسُهُمْ عِنْدَهُ، ثُمَّ تَزَايَدَ بِهِ الْمَرَضُ وَاسْتَمَرَّ وَقَصَدَهُ الْأَطِبَّاءُ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَاعْتَرَاهُ يُبْسٌ وَحَصَلَ لَهُ عَرَقٌ شَدِيدٌ بِحَيْثُ نَفَذَ إِلَى الْأَرْضِ، فَقَوِيَ الْيُبْسُ فَأُحْضِرَ الْأُمَرَاءُ مِنَ الْأَكَابِرِ، فَبُويِعَ لِوَلَدِهِ الْأَفْضَلِ نُورِ الدِّينِ
পৃষ্ঠা - ১০৫৭৮
عَلَيٍّ نَائِبًا عَلَى دِمَشْقَ وَذَلِكَ عِنْدَمَا ظَهَرَتْ مَخَايِلُ الضَّعْفِ الشَّدِيدِ وَغَيْبُوبَةُ الذِّهْنِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَكَانَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ الْقَاضِي الْفَاضِلُ وَابْنُ شَدَّادٍ وَقَاضِي الْبَلَدِ ابْنُ الزَّكِيِّ وَتَفَاقَمَ الْحَالُ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ وَاسْتَدْعَى الشَّيْخَ أَبَا جَعْفَرٍ إِمَامَ الْكَلَّاسَةِ لِيَبِيتَ عِنْدَهُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُلَقِّنُهُ الشَّهَادَةَ إِذَا جَدَّ بِهِ الْأَمْرُ فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ عِنْدَهُ وَهُوَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ فَقَرَأَ: {هُوَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الحشر: 22] فَقَالَ: وَهُوَ كَذَلِكَ صَحِيحٌ فَلَمَّا أَذَّنَ الصُّبْحُ جَاءَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي آخِرِ رَمَقٍ، فَلَمَّا قَرَأَ الْقَارِئُ: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} [الرعد: 30] تَبَسَّمَ وَتَهَلَّلَ وَجْهُهُ وَأَسْلَمَ رُوحَهُ إِلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ وَجَعَلَ جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ وَكَانَ لَهُ مِنَ الْعُمْرِ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً، لِأَنَّهُ وُلِدَ بِتَكْرِيتَ فِي شُهُورِ سَنَةِ اثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَدْ كَانَ رِدْءًا لِلْإِسْلَامِ وَحِرْزًا وَكَهْفًا مِنْ كَيْدِ الْكَفَرَةِ اللِّئَامِ وَكَانَ أَهْلُ دِمَشْقَ لَمْ يُصَابُوا بِمِثْلِ مُصَابِهِ وَوَدَّ كُلٌّ مِنْهُمْ لَوْ فَدَاهُ بِأَوْلَادِهِ وَأَحْبَابِهِ وَأَصْحَابِهِ وَقَدْ غُلِّقَتِ الْأَسْوَاقُ وَاحْتُفِظَ عَلَى الْحَوَاصِلِ، ثُمَّ أَخَذُوا فِي تَجْهِيزِهِ وَغُسْلِهِ وَحَضَرَ جَمِيعُ أَوْلَادِهِ وَأَهْلِهِ، وَيَعِزُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى غُسْلَهُ خَطِيبُ الْبَلَدِ الْفَقِيهُ الدَّوْلَعِيُّ، وَكَانَ الَّذِي أَحْضَرَ الْكَفَنَ وَمُؤْنَةَ التَّجْهِيزِ الْقَاضِي الْفَاضِلُ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ الْحَلَالِ هَذَا وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ وَالصِّغَارُ يَبْرُزُونَ وَيُنَادُونَ وَيَبْكُونَ وَالنَّاسُ فِي التَّعْوِيلِ وَالِانْتِحَابِ وَالِابْتِهَالِ ثُمَّ أُبْرِزَ فِي تَابُوتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَأَمَّ النَّاسَ عَلَيْهِ الْقَاضِي ابْنُ الزَّكِيِّ ثُمَّ دُفِنَ
পৃষ্ঠা - ১০৫৭৯
فِي دَارِهِ بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، وَشَرَعَ ابْنُهُ فِي بِنَاءِ تُرْبَةٍ لَهُ وَمَدْرَسَةٍ لِلشَّافِعِيَّةِ بِالْقُرْبِ مِنْ مَسْجِدِ الْقَدَمِ لِوَصِيَّتِهِ بِذَلِكَ قَدِيمًا، فَلَمْ يَكْمُلْ بِنَاؤُهَا وَلَمْ يَتِمَّ، وَذَلِكَ حِينَ قَدِمَ وَلَدُهُ الْعَزِيزُ وَكَانَ مُحَاصِرًا لِأَخِيهِ الْأَفْضَلِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي سَنَةِ تِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى لَهُ الْأَفْضَلُ دَارًا شَمَالِيَّ الْكَلَّاسَةِ فِي وِزَانِ مَا زَادَهُ الْقَاضِي الْفَاضِلُ فِي الْكَلَّاسَةِ فَجَعَلَهَا لَهُ تُرْبَةً هَطَلَتْ سَحَائِبُ الرَّحْمَةِ عَلَيْهَا، وَوَصَلَتْ أَلْطَافُ الرَّأْفَةِ إِلَيْهَا، وَكَانَ نَقْلُهُ إِلَيْهَا فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ تَحْتَ النَّسْرِ قَاضِي الْقُضَاةِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْقُرَشِيُّ ابْنُ الزَّكِيِّ عَنْ إِذَنِ الْأَفْضَلِ لَهُ، وَدَخَلَ فِي لَحْدِهِ وَلَدُهُ الْأَفْضَلُ فَدَفَنَهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سُلْطَانُ الشَّامِ، وَذَلِكَ لِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَالْخِدْمَةِ وَالْإِكْرَامِ وَيُقَالُ: إِنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ سَيْفُهُ الَّذِي كَانَ يَحْضُرُ بِهِ الْجِهَادَ وَالْجِلَادَ، وَذَلِكَ عَنْ أَمْرِ الْقَاضِي الْفَاضِلِ أَحَدِ الْأَجْوَادِ وَالْأَمْجَادِ، وَتَفَاءَلُوا بِأَنَّهُ يَكُونُ مَعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهِ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ لِمَا أُنْعِمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ كَسْرِ الْأَعْدَاءِ وَنَصْرِ الْأَوْلِيَاءِ، وَأُعْظِمَ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْمِنَّةِ ثُمَّ عُمِلَ عَزَاؤُهُ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، يَحْضُرُهُ الْخَوَاصُّ وَالْعَوَّامُّ وَالرَّعِيَّةُ وَالْحُكَّامُ وَقَدْ عَمِلَ الشُّعَرَاءُ فِيهِ مَرَاثِيَ كَثِيرَةً، مِنْ أَحْسَنِهَا مَا عَمِلَ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ فِي آخِرِ كِتَابِهِ " الْبَرْقِ الشَّامِيِّ " وَهِيَ مِائَتَانِ وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ بَيْتًا وَقَدْ سَرَدَهَا الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ فِي " الرَّوْضَتَيْنِ " فَمِنْهَا قَوْلُهُ: فِي أَوَّلِهَا: شَمْلُ الْهُدَى وَالْمُلْكِ عَمَّ شَتَاتُهُ ... وَالدَّهْرُ سَاءَ وَأَقْلَعَتْ حَسَنَاتُهُ أَيْنَ الَّذِي مُذْ لَمْ يَزَلْ مَخْشِيَّةً ... مَرْجُوَّةً رَهَبَاتُهُ وَهِبَاتُهُ أَيْنَ الَّذِي كَانَتْ لَهُ طَاعَاتُنَا ... مَبْذُولَةً وَلِرَبِّهِ طَاعَاتُهُ
পৃষ্ঠা - ১০৫৮০
بِاللَّهِ أَيْنَ النَّاصِرُ الْمَلِكُ الَّذِي ... لِلَّهِ خَالِصَةً صَفَتْ نِيَّاتُهُ أَيْنَ الَّذِي مَا زَالَ سُلْطَانًا لَنَا ... يُرْجَى نَدَاهُ وَتُتَّقَى سَطَوَاتُهُ أَيْنَ الَّذِي شَرُفَ الزَّمَانُ بِفَضْلِهِ ... وَسَمَتْ عَلَى الْفُضَلَاءِ تَشْرِيفَاتُهُ أَيْنَ الَّذِي عَنَتِ الْفِرِنْجُ لِبَأْسِهِ ... ذُلًّا وَمِنْهَا أُدْرِكَتْ ثَارَاتُهُ أَغْلَالُ أَعْنَاقِ الْعِدَا أَسْيَافُهُ ... أَطْوَاقُ أَجْيَادِ الْوَرَى مِنَّاتُهُ وَلِلْعِمَادِ الْكَاتِبِ فِي الْمَلِكِ النَّاصِرِ يَرْثِيهِ: مَنْ لِلْعُلَا مَنْ لِلذُّرَى مَنْ لِلْهُدَى ... يَحْمِيهِ مَنْ لِلْبَأْسِ مَنْ لِلنَّائِلِ طَلَبَ الْبَقَاءَ لِمُلْكِهِ فِي آجِلٍ ... إِذْ لَمْ يَثِقْ بِبَقَاءِ مُلْكٍ عَاجِلِ بَحْرٌ أَعَادَ الْبَرَّ بَحْرًا بِرُّهُ ... وَبِسَيْفِهِ فُتِحَتْ بِلَادُ السَّاحِلِ مَنْ كَانَ أَهْلُ الْحَقِّ فِي أَيَّامِهِ ... وَبِعِزِّهِ يُرْدُونَ أَهْلَ الْبَاطِلِ وَفُتُوحُهُ وَالْقُدْسُ مِنْ أَبْكَارِهَا ... أَبْقَتْ لَهُ فَضْلًا بِغَيْرِ مُسَاجِلِ مَا كُنْتُ أَسْتَسْقِي لِقَبْرِكَ وَابِلًا ... وَرَأَيْتُ جُودَكَ مُخْجِلًا لِلْوَابِلِ فَسَقَاكَ رِضْوَانُ الْإِلَهِ لِأَنَّنِي ... لَا أَرْتَضِي سُقْيَا الْغَمَامِ الْهَاطِلِ ذِكْرُ تَرِكَتِهِ، وَشَيْءٌ مِنْ تَرْجَمَتِهِ قَالَ الْعِمَادُ وَغَيْرُهُ: لَمْ يَتْرُكْ فِي خِزَانَتِهِ مِنَ الذَّهَبِ سِوَى جُرْمٍ وَاحِدٍ
পৃষ্ঠা - ১০৫৮১
صُورِيٍّ وَسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَلَمْ يَتْرُكْ دَارًا وَلَا عَقَارًا وَلَا مَزْرَعَةً وَلَا بُسْتَانًا، وَلَا شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ الْأَمْلَاكِ. هَذَا وَلَهُ مِنَ الْأَوْلَادِ سَبْعَةَ عَشَرَ ذَكَرًا وَابْنَةٌ وَاحِدَةٌ، وَتُوُفِّيَ لَهُ فِي بَعْضِ حَيَاتِهِ غَيْرُهُمْ، وَالَّذِينَ تَأَخَّرُوا بَعْدَهُ سِتَّةَ عَشَرَ ذَكَرًا، أَكْبَرُهُمُ الْمَلِكُ الْأَفْضَلُ نُورُ الدِّينِ عَلِيٌّ، وُلِدَ بِمِصْرَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ، ثُمَّ الْعَزِيزُ عِمَادُ الدِّينِ أَبُو الْفَتْحِ عُثْمَانُ وُلِدَ بِمِصْرَ أَيْضًا فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ، ثُمَّ الظَّافِرُ مُظَفَّرُ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْخَضِرُ، وُلِدَ بِمِصْرَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ، وَهُوَ شَقِيقُ الْأَفْضَلِ، ثُمَّ الظَّاهِرُ غِيَاثُ الدِّينِ أَبُو مَنْصُورٍ غَازِيٌّ، وُلِدَ بِمِصْرَ فِي نِصْفِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ، ثُمَّ الْمُعِزُّ فَتْحُ الدِّينِ أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ، وُلِدَ بِدِمَشْقَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعِينَ، ثُمَّ نَجْمُ الدِّينِ أَبُو الْفَتْحِ مَسْعُودٌ، وُلِدَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعَيْنِ، وَهُوَ شَقِيقُ الْعَزِيزِ، ثُمَّ الْأَغَرُّ شَرَفُ الدِّينِ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ، وُلِدَ بِمِصْرَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعَيْنِ، وَهُوَ شَقِيقُ الْعَزِيزِ أَيْضًا، ثُمَّ الزَّاهِرُ مُجِيرُ الدِّينِ أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ، وُلِدَ بِمِصْرَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، وَهُوَ شَقِيقُ الظَّاهِرِ، ثُمَّ أَبُو الْفَضْلِ قُطْبُ الدِّينِ مُوسَى، وَهُوَ شَقِيقُ الْأَفْضَلِ، وُلِدَ بِمِصْرَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ أَيْضًا، ثُمَّ لُقِّبَ بِالْمُظَفَّرِ، ثُمَّ الْأَشْرَفُ مُعِزُّ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ، وُلِدَ بِالشَّامِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، ثُمَّ الْمُحْسِنُ ظَهِيرُ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ ; وُلِدَ بِمِصْرَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ، وَهُوَ شَقِيقُ الَّذِي قَبْلَهُ، ثُمَّ الْمُعَظَّمُ فَخْرُ الدِّينِ أَبُو مَنْصُورٍ تُورَانْشَاهْ، وُلِدَ بِمِصْرَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ، وَتَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ إِلَى سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، ثُمَّ الْجَوَّالُ رُكْنُ الدِّينِ أَبُو سَعِيدٍ أَيُّوبُ وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعَيْنِ، وَهُوَ شَقِيقٌ لِلْمُعِزِّ،
পৃষ্ঠা - ১০৫৮২
ثُمَّ الْغَالِبُ نَصِيرُ الدِّينِ أَبُو الْفَتْحِ مَلِكْشَاهْ، وُلِدَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعَيْنِ وَهُوَ شَقِيقُ الْمُعَظَّمِ، ثُمَّ الْمَنْصُورُ أَبُو بَكْرٍ أَخُو الْمُعَظَّمِ لِأَبَوَيْهِ، وُلِدَ بِحَرَّانَ بَعْدَ وَفَاةِ السُّلْطَانِ، ثُمَّ عِمَادُ الدِّينِ شَاذِيٌّ لِأُمِّ وَلَدٍ، وَنُصْرَةُ الدِّينِ مَرْوَانُ لِأُمِّ وَلَدٍ أَيْضًا. وَأَمَّا الْبِنْتُ فَهِيَ مُؤْنِسَةُ خَاتُونَ تَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا الْمَلِكُ الْكَامِلُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنَّمَا لَمْ يُخْلِفْ أَمْوَالًا وَلَا أَمْلَاكًا ; لِكَثْرَةِ عَطَايَاهُ وَهِبَاتِهِ وَصَدَقَاتِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى أُمَرَائِهِ وَوُزَرَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، حَتَّى إِلَى أَعْدَائِهِ، وَقَدْ أَسْلَفْنَا مَا يَدُلُّ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ كَانَ مُتَقَلِّلًا فِي مَلْبَسِهِ، وَمَأْكَلِهِ، وَمَشْرَبِهِ، وَمَرْكَبِهِ، فَلَا يَلْبَسُ إِلَّا الْقُطْنَ وَالْكَتَّانَ وَالصُّوفَ، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ تَخَطَّى مَكْرُوهًا بَعْدَ أَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمُلْكِ، بَلْ كَانَ هَمُّهُ الْأَكْبَرُ وَمَقْصُودُهُ الْأَعْظَمُ نَصْرَ الْإِسْلَامِ، وَكَسْرَ الْأَعْدَاءِ اللِّئَامِ، وَيُعْمِلُ فِكْرَهُ فِي ذَلِكَ وَرَأْيَهُ وَحْدَهُ مَعَ مَنْ يَثِقُ بِرَأْيهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، سِرًّا وَجِهَارًا. وَهَذَا مَعَ مَا لَدَيْهِ مِنَ الْفَضَائِلِ وَالْفَوَاضِلِ، وَالْفَوَائِدِ الْفَرَائِدِ، فِي اللُّغَةِ وَالْأَدَبِ، وَأَيَّامِ النَّاسِ، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ الْحَمَاسَةَ بِتَمَامِهَا وَخِتَامِهَا. وَكَانَ مُوَاظِبًا عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا فِي جَمَاعَةٍ، يُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ تَفُتْهُ الْجَمَاعَةُ فِي صَلَاةٍ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ حَتَّى وَلَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، كَانَ يَدْخُلُ الْإِمَامُ فَيُصَلِّي بِهِ فَكَانَ يَتَجَشَّمُ الْقِيَامَ مَعَ ضَعْفِهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَكَانَ يَفْهَمُ مَا يُقَالُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْبَحْثِ وَالْمُنَاظَرَةِ، وَيُشَارِكُ فِي ذَلِكَ
পৃষ্ঠা - ১০৫৮৩
مُشَارَكَةً قَرِيبَةً حَسَنَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْعِبَارَةِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ لَهُ الْقُطْبُ النَّيْسَابُورِيُّ عَقِيدَةً فَكَانَ يَحْفَظُهَا، وَيُحَفِّظُهَا مَنْ عَقَلَ مِنْ أَوْلَادِهِ، وَكَانَ يُحِبُّ سَمَاعَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَيُوَاظِبُ عَلَى سَمَاعِ الْحَدِيثِ حَتَّى إِنَّهُ سَمِعَ فِي بَعْضِ الْمُصَافَّاتِ جُزْءًا، وَهُوَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَكَانَ يَتَبَجِّحُ بِذَلِكَ وَيَقُولُ: هَذَا مَوْقِفٌ لَمْ يَسْمَعْ أَحَدٌ فِي مِثْلِهِ حَدِيثًا. وَكَانَ ذَلِكَ بِإِشَارَةِ الْعِمَادِ الْكَاتِبِ. وَكَانَ رَقِيقَ الْقَلْبِ سَرِيعَ الدَّمْعَةِ عِنْدَ سَمَاعِ الْحَدِيثِ، كَثِيرَ التَّعْظِيمِ لِشَعَائِرِ الدِّينِ ; كَانَ قَدْ لَجَأَ إِلَى وَلَدِهِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ بِحَلَبَ، شَابٌّ يُقَالُ لَهُ: الشِّهَابُ السُّهْرَوَرْدِيُّ، وَكَانَ يَعْرِفُ الْكِيمْيَا وَشَيْئًا مِنَ الشَّعْبَذَةِ، وَالْأَبْوَابِ النِّيرَنْجِيَّاتِ، فَافْتَتَنَ بِهِ وَلَدُ السُّلْطَانِ الظَّاهِرُ، وَقَرَّبَهُ وَأَحَبَّهُ، وَخَالَفَ فِيهِ حَمَلَةَ الشَّرْعِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ لَا مَحَالَةَ فَصَلَبَهُ عَنْ أَمْرِ وَالِدِهِ، وَشَهَّرَهُ، وَيُقَالُ: بَلْ حَبَسَهُ بَيْنَ حَائِطَيْنِ حَتَّى مَاتَ كَمَدًا، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ. وَكَانَ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، مِنْ أَشْجَعِ النَّاسِ وَأَقْوَاهُمْ بَدَنًا وَقَلْبًا، مَعَ مَا كَانَ يَعْتَرِي جِسْمَهُ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ، وَلَاسِيَّمَا وَهُوَ مُرَابِطٌ مُصَابِرٌ مُثَابِرٌ عِنْدَ عَكَّا ; فَإِنَّهُ كَانَ مَعَ كَثْرَةِ جُمُوعِهِمْ وَأَمْدَادِهِمْ لَا يَزِيدُهُ ذَلِكَ إِلَّا قُوَّةً وَشَجَاعَةً، وَقَدْ بَلَغَتْ جُمُوعُهُمْ خَمْسَمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، وَيُقَالُ: سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ. وَكَانَ جُمْلَةُ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ مِائَةَ أَلْفِ مُقَاتِلٍ.
পৃষ্ঠা - ১০৫৮৪
وَلَمَّا انْفَصَلَ الْحَالُ، وَتَسَلَّمُوا عَكَّا وَقَتَلُوا أَكْثَرَ مَنْ كَانَ بِهَا، وَسَارُوا بَرُمَّتِهِمْ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ; جَعَلَ يُسَايِرُهُمْ مَنْزِلَةً مَنْزِلَةً، وَمَرْحَلَةً مَرْحَلَةً وَجُيُوشُهُمْ أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَنْ مَعَهُ، وَمَعَ هَذَا نَصَرَهُ اللَّهُ وَخَذَلَهُمْ، وَأَيَّدَهُ وَقَتَلَهُمْ، وَسَبَقَهُمْ إِلَى الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، فَصَانَهُ وَحَمَاهُ، وَشَيَّدَ بُنْيَانَهُ، وَأَطَّدَ أَرْكَانَهُ، وَصَانَ حِمَاهُ وَلَمْ يَزَلْ بِجَيْشِهِ مُقِيمًا بِهِ يُرْهِبُهُمْ وَيُرْعِبُهُمْ، وَيَغْلِبُهُمْ وَيَسْلُبُهُمْ وَيَكْسِرُهُمْ وَيَأْسِرُهُمْ، حَتَّى تَضَرَّعُوا إِلَيْهِ، وَخَضَعُوا لَدَيْهِ، وَدَخَلُوا عَلَيْهِ أَنْ يُصَالِحَهُمْ وَيُتَارِكَهُمْ، وَتَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فَأَجَابَهُمْ إِلَى مَا سَأَلُوا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَرَادَهُ، لَا مَا يُرِيدُونَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الرَّحْمَةِ الَّتِي خُصَّ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ ; فَإِنَّهُ مَا انْقَضَتْ تِلْكَ السُّنُونَ حَتَّى مَلَكَ الْبِلَادَ أَخُوهُ أَبُو بَكْرٍ الْعَادِلُ، فَعَزَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَذَلَّ بِهِ الْكَافِرُونَ. وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ سَخِيًّا كَرِيمًا حَيِيًّا ضَحُوكَ الْوَجْهِ كَثِيرَ الْبِشْرِ، لَا يَتَضَجَّرُ مِنْ خَيْرٍ يَفْعَلُهُ، شَدِيدَ الْمُصَابَرَةِ وَالْمُثَابَرَةِ عَلَى الْخَيْرَاتِ وَالطَّاعَاتِ فَرَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَسْكَنَهُ الْجَنَّاتِ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ طَرَفًا صَالِحًا مِنْ سِيرَتِهِ وَأَيَّامِهِ، وَعَدْلِهِ فِي سَرِيرَتِهِ وَعَلَانِيَتِهِ، وَأَحْكَامِهِ. فَصْلٌ كَانَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينَ قَدْ قَسَّمَ الْبِلَادَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ، فَالدِّيَارُ الْمِصْرِيَّةُ لِوَلَدِهِ الْعَزِيزِ عِمَادِ الدِّينِ عُثْمَانَ أَبِي الْفَتْحِ، وَبِلَادُ دِمَشْقَ وَمَا حَوْلَهَا لِوَلَدِهِ الْأَفْضَلِ نُورِ الدِّينِ عَلَيٍّ، وَهُوَ أَكْبَرُ أَوْلَادِهِ كُلِّهِمْ، وَالْمَمْلَكَةُ الْحَلَبِيَّةُ لِوَلَدِهِ الظَّاهِرِ
পৃষ্ঠা - ১০৫৮৫
غَازِيٍّ غِيَاثِ الدِّينِ، وَلِأَخِيهِ الْعَادِلِ الْكَرَكُ وَالشَّوْبَكُ وَبِلَادُ جَعْبَرَ وَبِلَادٌ كَثِيرَةٌ قَاطِعَ الْفُرَاتِ، وَحَمَاةُ وَمُعَامَلَةٌ أُخْرَى مَعَهَا لِلْمَلِكِ الْمَنْصُورِ مُحَمَّدِ بْنِ تَقِيِّ الدِّينِ عُمَرَ ابْنِ أَخِي السُّلْطَانِ، وَحِمْصُ وَالرَّحْبَةُ وَغَيْرُهَا لِأَسَدِ الدِّينِ بْنِ شِيرَكُوهْ بْنِ نَاصِرِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدِ الدِّينِ شِيرَكُوهْ الْكَبِيرِ، عَمِّ صَلَاحِ الدِّينِ أَخِي أَبِيهِ نَجْمِ الدِّينِ أَيُّوبَ، وَالْيَمَنُ بِمَعَاقِلِهِ وَمَخَالِيفِهِ جَمِيعُهُ فِي قَبْضَةِ السُّلْطَانِ ظَهِيرِ الدِّينِ سَيْفِ الْإِسْلَامِ طُغْتِكِينَ بْنِ أَيُّوبَ أَخِي السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ، وَبَعْلَبَكَّ وَأَعْمَالُهَا لِلْأَمْجَدِ بَهْرَامْ شَاهْ بْنِ فَرُّوخْشَاهْ، وَبُصْرَى وَأَعْمَالُهَا لِلظَّافِرِ بْنِ النَّاصِرِ، ثُمَّ شَرَعَتِ الْأُمُورُ بَعْدَ مَوْتِ صَلَاحِ الدِّينِ تَضْطَرِبُ وَتَخْتَلِفُ وَتَتَفَاقَمُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ، حَتَّى آلَ الْأَمْرُ إِلَى مَا آلَ إِلَيْهِ، وَاسْتَقَرَّتِ الْمَمَالِكُ، وَاجْتَمَعَتِ الْمَحَافِلُ عَلَى أَخِي السُّلْطَانِ، الْمَلِكِ الْعَادِلِ، وَصَارَتِ الْمَمْلَكَةُ فِي أَوْلَادِهِ الْأَمَاجِدِ الْأَفَاضِلِ، كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ جَدَّدَ الْخَلِيفَةُ النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ خِزَانَةَ كُتُبِ الْمَدْرَسَةِ النِّظَامِيَّةِ بِبَغْدَادَ، وَنَقَلَ إِلَيْهَا أُلُوفًا مِنَ الْكُتُبِ الْحَسَنَةِ الْمُثَمَّنَةِ. وَجَرَتْ بِبَغْدَادَ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ كَائِنَةٌ غَرِيبَةٌ ; وَهِيَ أَنَّ ابْنَةً لِرَجُلٍ مِنَ التُّجَّارِ فِي الطَّحِينِ تَعَشَّقَتْ لِغُلَامِ أَبِيهَا، فَلَمَّا عَلِمَ أَبُوهَا بِأَمْرِهَا طَرَدَ الْغُلَامَ مِنْ دَارِهِ، فَوَاعَدَتْهُ الْبِنْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَجَاءَ مُخْتَفِيًا، فَتَرَكَتْهُ فِي بَعْضِ الدَّارِ، وَنَزَلَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ، فَقَتَلَ أَبَاهَا مَوْلَاهُ، وَأَمَرَتْهُ الْجَارِيَةُ بِقَتْلِ أُمِّهَا، فَقَتَلَهَا وَهِيَ حُبْلَى، وَأَعْطَتْهُ الْجَارِيَةُ حُلِيًّا بِقِيمَةِ أَلْفَيْ دِينَارٍ، فَأَصْبَحَ أَمْرُهُ عِنْدَ الشُّرْطَةِ فَمُسِكَ وَقُتِلَ قَبَّحَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهَا، وَقَدْ كَانَ سَيِّدُهُ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، وَأَكْثَرِهِمْ صَدَقَةً وَبِرًّا، وَكَانَ شَابًّا وَضِيءَ الْوَجْهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ.