আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১০৫৩৩
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا قَدِمَ مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ رُسُلٌ إِلَى السُّلْطَانِ يُعْلِمُونَهُ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ لِأَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدٍ الْمُلَقَّبِ بِالظَّاهِرِ بْنِ الْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ، فَأَمَرَ السُّلْطَانُ خَطِيبَ دِمَشْقَ أَبَا الْقَاسِمِ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ زَيْدٍ الدَّوْلَعِيَّ بِالدُّعَاءِ لَهُ، ثُمَّ جَهَّزَ السُّلْطَانُ مَعَ الرُّسُلِ تُحَفًا عَظِيمَةً، وَهَدَايَا سَنِيَّةً، وَأَرْسَلَ بِأُسَارَى مِنَ الْفِرِنْجِ عَلَى هَيْئَتِهِمْ فِي حَالِ حَرْبِهِمْ، وَأَرْسَلَ بِصَلِيبِ الصَّلَبُوتِ فَدُفِنَ تَحْتَ عَتَبَةِ بَابِ النَّوَى، مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ، فَكَانَ بِالْأَقَدْامِ يُدَاسُ، بَعْدَمَا كَانَ يُعَظَّمُ وَيُبَاسُ، وَصَارَ يُبْصَقُ عَلَيْهِ بَعْدَمَا كَانَ يُسْجَدُ إِلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الصَّلِيبَ إِنَّمَا هُوَ الَّذِي كَانَ مَنْصُوبًا عَلَى قُبَّةِ الصَّخْرَةِ، وَكَانَ مِنْ نُحَاسٍ مَطْلِيًّا بِالذَّهَبِ، وَقَدِ انْحَطَّ إِلَى أَسْفَلِ الرُّتَبِ. [قِصَّةُ عَكَّا وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهَا] لَمَّا كَانَ شَهْرُ رَجَبٍ اجْتَمَعَ مَنْ كَانَ بِصُورَ مِنَ الْفِرِنْجِ وَسَارُوا إِلَى مَدِينَةِ عَكَّا فَأَحَاطُوا بِهَا يُحَاصِرُونَهَا، فَتَحَصَّنَ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَعَدُّوا لِلْحِصَارِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَبَلَغَ السُّلْطَانَ خَبَرُهُمْ فَسَارَ إِلَيْهِمْ مِنْ دِمَشْقَ مُسْرِعًا، فَوَجَدَهُمْ
পৃষ্ঠা - ১০৫৩৪
قَدْ أَحَاطُوا بِهَا، كَإِحَاطَةِ الْخَاتَمِ بِالْخِنْصَرِ، فَلَمْ يَزَلْ يُدَافِعُهُمْ عَنْهَا وَيُمَانِعُهُمْ مِنْهَا، حَتَّى جَعَلَ طَرِيقًا إِلَى بَابِ الْقَلْعَةِ يَصِلُ إِلَيْهِ كُلٌّ مَنْ أَرَادَهُ، مِنْ جُنْدِيٍّ وَسُوقِيٍّ، وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ، ثُمَّ أَوْلَجَ فِيهَا مَا أَرَادَ مِنْ آلَاتٍ وَأَمْتِعَةٍ، وَمُقَاتِلَةٍ، وَدَخَلَ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ، فَعَلَا سُورَهَا وَنَظَرَ إِلَى الْفِرِنْجِ وَجَيْشِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَعُدَدِهِمْ، وَالْمِيرَةُ تَفِدُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْبَحْرِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَكُلُّ مَا لَهُمْ فِي ازْدِيَادٍ، وَفِي كُلِّ حِينٍ تَصِلُ إِلَيْهِمُ الْأَمْدَادُ، وَعَادَ السُّلْطَانُ إِلَى مُخَيَّمِهِ وَالْجُنُودُ تَصِلُ إِلَيْهِ، وَتُقْدِمُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَمَكَانٍ، مِنْهُمْ رَجَّالَةٌ وَفُرْسَانٌ. [وَقْعَةُ مَرْجِ عَكَّا] ثُمَّ بَرَزَتِ الْفِرِنْجُ فِي نَحْوٍ مِنْ أَلْفَيْ فَارِسٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ رَاجِلٍ فِي الْعَشْرِ الْأُخَرِ مِنْ شَعْبَانَ، فَبَرَزَ إِلَيْهِمُ السُّلْطَانُ فِيمَنْ مَعَهُ مِنَ السَّادَةِ الشُّجْعَانِ، فَاقْتَتَلُوا بِمَرْجِ عَكَّا قِتَالًا عَظِيمًا، وَهُزِمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، ثُمَّ كَانَتِ الْكَرَّةُ عَلَى الْفِرِنْجِ فِي آخِرِهِ {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128] فَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَرِيبُ الْمِائَتَيْنِ، وَأَمَّا الْفِرِنْجُ فَكَانَتِ الْقَتْلَى مِنْهُمْ أَزْيَدَ مِنْ سَبْعَةِ آلَافِ قَتِيلٍ، وَلَمَّا تَمَّتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ تَحَوَّلَ السُّلْطَانُ مِنْ مَكَانِهِ الْأَوَّلِ إِلَى مَوْضِعٍ بَعِيدٍ مِنْ رَائِحَةِ الْقَتْلَى، خَوْفًا مِنَ الْوَخَمِ وَالْأَذَى ; لِيَسْتَرِيحَ الْخَيَّالَةُ وَالْخَيْلُ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَكْبَرِ الْمَصَالِحِ لِلْعَدُوِّ الْمَخْذُولِ، فَإِنَّهُمُ اغْتَنَمُوا هَذِهِ الْفَتْرَةَ، فَحَفَرُوا حَوْلَ مُخَيَّمِهِمْ خَنْدَقًا لِجَمِيعِ جَيْشِهِمْ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ مُحْدِقًا، وَاتَّخَذُوا مِنْ تُرَابِهِ سُورًا شَاهِقًا، وَجَعَلُوا لَهُ أَبْوَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهَا إِذَا أَرَادُوا، وَتَمَكَّنُوا فِي مَنْزِلِهِمْ ذَلِكَ الَّذِي لَهُ اخْتَارُوا وَارْتَادُوا، وَتَفَارَطَ الْأَمْرُ، وَقَوِيَ الْخَطْبُ، وَصَارَ الدَّاءُ عُضَالًا، وَازْدَادَ الْحَالُ وَبَالًا، وَكَانَ رَأْيُ السُّلْطَانِ أَنْ يُنَاجَزُوا بَعْدَ الْكَرَّةِ سَرِيعًا،
পৃষ্ঠা - ১০৫৩৫
وَلَا يُتْرَكُوا حَتَّى يَطِيبَ رِيحُ الْبَحْرِ فَتَأْتِيَهِمُ الْأَمْدَادُ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ هَرِيعًا، فَاعْتَذَرَ الْأُمَرَاءُ بِالْمَلَالِ وَالضَّجَرِ، وَكُلٌّ لِأَمْرِ الْفِرِنْجِ قَدِ احْتَقَرَ، وَلَمْ يَدْرِ مَا قَدْ حُتِّمَ فِي الْقَدَرِ، فَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَى جَمِيعِ الْمُلُوكِ يَسْتَنْفِرُ وَيَسْتَنْصِرُ، وَكَتَبَ إِلَى الْخَلِيفَةِ بِالْبَثِّ، وَبَثَّ الْكُتُبَ بِالتَّحْضِيضِ وَالْحَثِّ، فَجَاءَتْهُ الْأَمْدَادُ جَمَاعَاتٍ وَآحَادًا، وَأَرْسَلَ إِلَى مِصْرَ يَطْلُبُ أَخَاهُ الْعَادِلَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَعْجِلُ الْأُسْطُولَ، فَوَصَلَ إِلَيْهِ فِي خَمْسِينَ قِطْعَةً فِي الْبَحْرِ مَعَ الْأَمِيرِ حُسَامِ الدِّينِ لُؤْلُؤٍ، فَحِينَ وَصَلَ الْأُسْطُولُ حَادَتْ مَرَاكِبُ الْفِرِنْجِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً، وَخَافَتْ كُلُّهَا مِنْهُ، وَاتَّصَلَتْ بِالْبَلَدِ الْمِيرَةُ وَالْعَدَدُ وَالْعُدَدُ وَانْشَرَحَتِ الصُّدُورُ بَعْدَ الضِّيقِ وَالْكَمَدِ، وَانْسَلَخَتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَالْحَالُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَلَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الْقَاضِي شَرَفُ الدِّينِ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَصْرُونَ، أَحَدُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، لَهُ كِتَابُ " الِانْتِصَارِ "، وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ الْقُضَاةِ بِدِمَشْقَ، ثُمَّ أَضَرَّ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَشْرِ سِنِينَ، فَجُعِلَ وَلَدُهُ مُحْيِي الدِّينِ مَكَانَهُ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ، وَبَلَغَ الْقَاضِي شَرَفُ الدِّينِ ثَلَاثًا وَتِسْعِينَ سَنَةً وَنِصْفًا، وَدُفِنَ بِالْمَدْرَسَةِ الْعَصْرُونِيَّةِ، الَّتِي أَنْشَأَهَا غَرْبِيَّ سَوِيقَةِ بَابِ الْبَرِيدِ، قُبَالَةَ دَارِهِ، بَيْنَهُمَا عَرْضُ الطَّرِيقِ، وَكَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وِقَدْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي
পৃষ্ঠা - ১০৫৩৬
ابْنُ خَلِّكَانَ فَقَالَ: أَصْلُهُ مِنْ حَدِيثَةِ الْمَوصِلِ وَرَحَلَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إِلَى بُلْدَانٍ شَتَّى، وَأَخَذَ عَنْ أَسْعَدَ الْمِيهَنِيِّ وَأَبِي عَلِيٍّ الْفَارِقِيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَوَلِيَ قَضَاءَ سِنْجَارَ وَحَرَّانَ، وَبَاشَرَ فِي أَيَّامِ نُورِ الدِّينِ تَدْرِيسَ الْغَزَّالِيَّةِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى حَلَبَ فَبَنَى لَهُ نُورُ الدِّينِ مَدْرَسَةً بِحَلَبَ وَبِحِمْصَ أَيْضًا، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ فِي أَيَّامِ صَلَاحِ الدِّينِ، فَوَلِيَ قَضَاءَهَا فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَدْ جَمَعَ جُزْءًا فِي قَضَاءِ الْأَعْمَى، وَأَنَّهُ جَائِزٌ ; وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ، لَكِنْ حَكَاهُ صَاحِبُ " الْبَيَانِ " وَجْهًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ. قَالَ: وَلَمْ أَرَهُ فِي غَيْرِهِ. وَقَدْ صَنَّفَ كُتُبًا كَثِيرَةً، مِنْهَا: " صَفْوَةُ الْمَذْهَبِ فِي نِهَايَةِ الْمَطْلَبِ " فِي سَبْعِ مُجَلَّدَاتٍ، وَ " الِانْتِصَارُ " فِي أَرْبَعٍ، وَ " الْخِلَافُ " فِي أَرْبَعٍ، وَ " الذَّرِيعَةُ فِي مَعْرِفَةِ الشَّرِيعَةِ "، وَ " الْمُرْشِدُ " وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَكِتَابًا سَمَّاهُ " مَآخِذَ النَّظَرِ "، وَمُخْتَصَرًا فِي الْفَرَائِضِ وَغَيْرَهَا، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي " تَارِيخِهِ "، وَالْعِمَادُ فَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ وَأَوْرَدَ لَهُ الْعِمَادُ أَشْعَارًا كَثِيرَةً، وَمِمَّا أَوْرَدَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ عَنْهُ قَوْلُهُ: أُؤَمِّلُ أَنْ أَحْيَا وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ ... تَمُرُّ بِيَ الْمَوْتَى تُهَزُّ نُعُوشُهَا وَهَلْ أَنَا إِلَّا مِثْلُهُمْ غَيْرَ أَنَّ لِي ... بَقَايَا لَيَالٍ فِي الزَّمَانِ أَعِيشُهَا
পৃষ্ঠা - ১০৫৩৭
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَفْضَلِ الزَّمَانِ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: كَانَ عَالِمًا مُتَبَحِّرًا فِي عُلُومٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْفِقْهِ، وَالْأُصُولِ وَالْحِسَابِ وَالْفَرَائِضِ وَالنُّجُومِ وَالْهَيْئَةِ وَالْمَنْطِقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ جَاوَرَ بِمَكَّةَ وَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صُحْبَةً وَخُلُقًا. الْفَقِيهُ الْأَمِيرُ ضِيَاءُ الدِّينِ عِيسَى الْهَكَّارِيُّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَسَدِ الدِّينِ شِيرَكُوهْ، دَخَلَ مَعَهُ إِلَى مِصْرَ، وَحَظِيَ عِنْدَهُ، ثُمَّ كَانَ مُلَازِمًا لِلسُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ حَتَّى تُوُفِّيَ فِي رِكَابِهِ بِمَنْزِلَةِ الْخَرُّوبَةِ قَرِيبًا مِنْ عَكَّا فَنُقِلَ إِلَى الْقُدْسِ الشَّرِيفِ فَدُفِنَ بِهِ، وَكَانَ مِمَّنْ تَفَقَّهَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْبَزْرِيِّ الْجَزَرِيِّ. وَكَانَ الْفَقِيهُ عِيسَى مِنَ الْفُضَلَاءِ وَالنُّبَلَاءِ وَالْأُمَرَاءِ الْكِبَارِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. الْمُبَارَكُ بْنُ الْمُبَارَكِ الْكَرْخِيُّ مُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ، تَفَقَّهَ بِابْنِ الْخَلِّ، وَكَانَتْ لَهُ مَكَانَةٌ عِنْدَ الْخَلِيفَةِ وَالْعَامَّةِ، وَكَانَ يُضْرَبُ بِحُسْنِ خَطِّهِ الْمَثَلُ. وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي " الطَّبَقَاتِ "، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
পৃষ্ঠা - ১০৫৩৮
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] اسْتُهِلَّتْ وَالسُّلْطَانُ مُحَاصِرٌ لِمُحَاصِرِي عَكَّا وَأَمْدَادُ الْفِرِنْجِ تَقَدَمُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَحْرِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَكُلِّ حِينٍ حَتَّى إِنَّ النِّسَاءَ لِيَخْرُجْنَ بِنِيَّةِ الْقِتَالِ وَمِنْهُنَّ مَنْ تَأْتِي بِنِيَّةِ رَاحَةِ الْغُرَبَاءِ فِي الْغُرْبَةِ قَدِمَ إِلَيْهِمْ مَرْكَبٌ فِيهِ ثَلَاثُمِائَةِ امْرَأَةٍ حَسْنَاءَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ حَتَّى إِنَّ كَثِيرًا مِنْ فَسَقَةِ الْمُسْلِمِينَ تَحَيَّزُوا إِلَيْهِمْ لِأَجْلِ هَذِهِ النِّسْوَةِ، وَاشْتُهِرَ الْخَبَرُ بِأَنَّ مَلِكَ الْأَلْمَانِ قَدْ أَقْبَلَ فِي نَحْوِ ثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ مِنْ نَاحِيَةِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ يُرِيدُ أَخْذَ الشَّامِ وَقَتْلَ أَهْلِهِ وَمُلُوكِهِ انْتِصَارًا لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ هَمًّا عَظِيمًا وَخَافُوا غَائِلَةَ ذَلِكَ مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الشُّغْلِ الْعَظِيمِ وَالْحِصَارِ الْهَائِلِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ لَطَفَ بِهِمْ وَأَهْلَكَ غَالِبَ أُمَّةِ الْأَلْمَانِ فِي الطُّرُقَاتِ بِالْبَرْدِ وَالْجُوعِ وَالضَّلَالِ فِي الْمَهَالِكِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَانَ سَبَبَ نَفَرِ النَّصَارَى فِي هَذَا الْعَامِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " كَامِلِهِ " أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الرُّهْبَانِ وَالْقُسُوسِ رَكِبُوا مِنْ مَدِينَةِ صُورَ فِي أَرْبَعَةِ مَرَاكِبَ يَطُوفُونَ الْبُلْدَانَ الْبَحْرِيَّةَ يَحُثُّونَهُمْ عَلَى الِانْتِصَارِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا جَرَى عَلَى أَهْلِ السَّوَاحِلِ مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَخَرَابِ الدِّيَارِ وَقَدْ صَوَّرُوا صُورَةَ الْمَسِيحِ وَصُورَةَ عَرَبِيٍّ يَضْرِبُهُ فَإِذَا سَأَلُوهُمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَضْرِبُ الْمَسِيحَ؟ قَالُوا: هَذَا نَبِيُّ الْعَرَبِ
পৃষ্ঠা - ১০৫৩৯
يَضْرِبُهُ وَقَدْ جَرَحَهُ وَمَاتَ فَيَنْزَعِجُونَ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَحْمُونَ وَيَبْكُونَ وَيَحْزَنُونَ وَيَخْرُجُونَ مِنْ بِلَادِهِمْ لِنُصْرَةِ دِينِهِمْ وَنَبِيِّهِمْ وَمَوْضِعِ حَجِّهِمْ عَلَى الصَّعْبِ وَالذَّلُولِ حَتَّى النِّسَاءُ الْمُخَدَّرَاتُ وَالْأَبْنَاءُ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ أَهْلِيهِمْ مِنْ أَعْزِّ الثَّمَرَاتِ وَأَخَصِّ الْخَدِرَاتِ. وَفِي نِصْفِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ تَسَلَّمَ السُّلْطَانُ شَقَيفُ أَرْنُوَنَ بِالْأَمَانِ وَكَانَ صَاحِبُهُ مَأْسُورًا فِي الذُّلِّ وَالْهَوَانِ وَكَانَ مِنْ أَدْهَى الْفِرِنْجِ وَأَخْبَرِهِمْ بِأَيَّامِ النَّاسِ وَرُبَّمَا قَرَأَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَكَانَ مَعَ هَذَا غَلِيظَ الْجِلْدِ كَافِرَ الْقَلْبِ، قَبَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَمَّا انْفَصَلَ فَصْلُ الشِّتَاءِ وَأَقْبَلَ الرَّبِيعُ جَاءَتِ الْمُلُوكُ مِنْ بُلْدَانِهَا بِخُيُولِهَا وَشُجْعَانِهَا وَرِجَالِهَا وَفُرْسَانِهَا وَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ إِلَى الْمَلِكِ صَلَاحِ الدِّينِ أَحْمَالًا مِنَ النِّفْطِ وَالرِّمَاحِ وَنَفَّاطَةً وَنَقَّابِينَ كُلٌّ مِنْهُمْ مُتْقِنٌ فِي صَنْعَتِهِ غَايَةَ الْإِتْقَانِ وَمَرْسُومًا بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ وَانْفَتَحَ الْبَحْرُ وَتَوَاتَرَتْ مَرَاكِبُ الْفِرِنْجِ مِنْ كُلِّ جَزِيرَةٍ يَنْصُرُونَ أَصْحَابَهُمْ وَيَمُدُّونَهُمْ بِالْقُوَّةِ وَالْمِيرَةِ وَعَمِلَتِ الْفِرِنْجُ ثَلَاثَةَ أَبْرِجَةٍ مِنْ خَشَبٍ وَحَدِيدٍ عَلَيْهَا جُلُودٌ مُسْقَاةٌ بِالْخَلِّ لِئَلَّا يَعْمَلَ فِيهَا النِّفْطُ يَسَعُ الْبُرْجُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةِ مُقَاتِلٍ وَهِيَ أَعْلَى مِنْ أَبْرِجَةِ الْبَلَدِ وَهِيَ مُرَكَّبَةٌ عَلَى عَجَلٍ بِحَيْثُ يُدِيرُونَهَا كَيْفَ شَاءُوا، وَعَلَى ظَهْرِ كُلِّ بُرْجٍ مِنْهَا مَنْجَنِيقٌ كَبِيرٌ فَأَهَمَّ أَمْرُهَا الْمُسْلِمِينَ وَكَانُوا عَلَيْهَا حَنِقِينَ فَأَعْمَلَ السُّلْطَانُ فِكْرَهُ فِي إِحْرَاقِهَا فَاسْتَحْضَرَ النَّفَّاطِينَ وَوَعَدَهُمُ الْأَمْوَالَ الْجَزِيلَةَ فَانْتُدِبَ شَابٌّ نَحَّاسٌ مِنْ دِمَشْقَ يُعْرَفُ بِعَلِيِّ بْنِ عَرِيفِ النَّحَّاسِينَ وَالْتَزَمَ
পৃষ্ঠা - ১০৫৪০
بِإِحْرَاقِهَا وَإِهْلَاكِهَا فَأَخَذَ النِّفْطَ الْأَبْيَضَ وَخَلَطَهُ بِأَدْوِيَةٍ عَرَفَهَا وَغَلَى ذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ قُدُورٍ مِنْ نُحَاسٍ حَتَّى صَارَ نَارًا تَأَجَّجُ وَرَمَى كُلَّ بُرْجٍ مِنْهَا بِقَدْرٍ مِنْ تِلْكَ الْقُدُورِ بِالْمَنْجَنِيقِ مِنْ دَاخِلِ عَكَّا فَاحْتَرَقَتِ الْأَبْرِجَةُ الثَّلَاثَةُ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى صَارَتْ نَارًا لَهَا فِي الْجَوِّ أَلْسِنَةٌ مُتَصَاعِدَةٌ فَصَرَخَ الْمُسْلِمُونَ صَرْخَةً وَاحِدَةً بِالتَّهْلِيلِ وَاحْتَرَقَ فِي كُلِّ بُرْجٍ مِنْهَا سَبْعُونَ كَفُورًا {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} [الفرقان: 26] وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَتِ الْفِرِنْجُ تَعِبُوا فِيهَا سَبْعَةَ أَشْهُرٍ فَاحْتَرَقَتْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] ثُمَّ عَرَضَ السُّلْطَانُ عَلَى ذَلِكَ الشَّابِّ النَّحَّاسِ الْعَطِيَّةَ السَّنِيَّةُ فَامْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهَا وَقَالَ: إِنَّمَا عَمِلْتُ هَذَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَرَجَاءَ مَا عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ فَلَا أُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا. وَأَقْبَلَ الْأُسْطُولُ الْمِصْرِيُّ وَفِيهِ الْمِيرَةُ الْكَثِيرَةُ لِأَهْلِ الْبَلَدِ فَعَبَّى الْفِرِنْجُ أُسْطُولَهُمْ لِيُحَارِبُوا أُسْطُولَ الْمُسْلِمِينَ فَنَهَضَ السُّلْطَانُ بِجَيْشِهِ لِيَشْغَلَهُمْ عَنْ قِتَالِ الْأُسْطُولِ وَقَاتَلَهُمْ أَهْلُ الْبَلَدِ أَيْضًا وَاقْتَتَلَ الْأُسْطُولَانِ فِي الْبَحْرِ وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا عَظِيمًا وَحَرْبًا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فَظَفِرَتِ الْفِرِنْجُ بِشِينِيٍّ وَاحِدٍ مِنَ الْأُسْطُولِ الَّذِي لِلْمُسْلِمِينَ وَسَلَّمَ اللَّهُ الْبَاقِيَ فَوَصَلَ إِلَى الْبَلَدِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْمِيرَةِ الَّتِي قَدِ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُمْ إِلَى عُشْرِهَا وَحَمِدَتِ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى يُسْرِهَا بَعْدَ عُسْرِهَا. وَأَمَّا مَلِكُ الْأَلْمَانِ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ فَإِنَّهُ أَقْبَلَ فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ وَجَمٍّ غَفِيرٍ قَرِيبٍ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ مِنْ نِيَّتِهِ الِانْتِصَارُ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ حِينَ أُخِذَ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَمَا زَالَ يَمُرُّ بِإِقْلِيمٍ بَعْدَ إِقْلِيمٍ وَيُتَخَطَّفُونَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَيُقْتَلُونَ كَمَا يُقْتَلُ
পৃষ্ঠা - ১০৫৪১
الْحَيَوَانُ حَتَّى اجْتَازَ مَلِكُهُمْ بِنَهْرٍ شَدِيدِ الْجَرْيَةِ فَدَعَتْهُ نَفْسُهُ أَنْ يَسْبَحَ فِيهِ فَلَمَّا صَارَ فِيهِ حَمَلَهُ الْمَاءُ إِلَى جِذْعِ شَجَرَةٍ فَشَجَّتْ رَأْسَهُ وَأَخْمَدَتْ أَنْفَاسَهُ وَأَرَاحَ اللَّهُ مِنْهُ الْمُسْلِمِينَ وَحُشِرَتْ رُوحُهُ إِلَى سِجِّينٍ فَأُقِيمُ وَلَدُهُ الْأَصْغَرُ فِي الْمُلْكِ بَعْدَهُ، وَقَدْ تَمَزَّقَ شَمْلُهُمْ وَقَلَّتْ مِنْهُمُ الْعُدَّةُ ثُمَّ أَقْبَلُوا لَا يَجْتَازُونَ بِبَلَدٍ إِلَّا قُتِلُوا فِيهِ وَقَلَّ عَدَدُهُمْ حَتَّى جَاءُوا إِلَى أَصْحَابِهِمُ الْمُحَاصِرِينَ لَعَكَّا وَهُمْ فِي أَلْفِ فَارِسٍ وَلَيْسَ لَهُمْ قَدْرٌ وَلَا قِيمَةٌ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهِمْ وَلَا غَيْرِهِمْ وَهَكَذَا سُنَّةُ اللَّهِ فِيمَنْ أَرَادَ مُخَالَفَةَ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ فِي إِهْلَاكِهِ وَتَمْزِيقِ شَمْلِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ عَلَى إِحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ. وَزَعَمَ الْعِمَادُ فِي سِيَاقِهِ أَنَّ الْأَلْمَانَ وَصَلُوا فِي خَمْسَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ وَأَنَّ مُلُوكَ الْفِرِنْجِ كُلَّهُمْ كَرِهُوا قُدُومَهُمْ عَلَيْهِمْ لِمَا يَخَافُونَ مِنْ سَطْوَتِهِ وَزَوَالِ دَوْلَتِهِمْ بِدَوْلَتِهِ وَلَمْ يَفْرَحْ بِهِ إِلَّا الْمَرْكِيسُ صَاحِبُ صُورَ الَّذِي أَنْشَأَ هَذِهِ الْفِتْنَةَ وَأَثَارَ هَذِهِ الْمِحْنَةَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ تَقَوَّى بِهِ وَبِجَيْشِهِ وَكَيْدِهِ فَإِنَّهُ كَانَ خَبِيرًا بِالْحُرُوبِ وَالْقِتَالِ وَأَحْدَثَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ لَمْ تَخْطُرْ لِأَحَدٍ بِبَالٍ نَصَبَ دَبَّابَاتٍ أَمْثَالَ الْجِبَالِ تَسِيرُ بِعَجَلٍ وَلَهَا زُلُّومٌ مِنْ حَدِيدٍ تَنْطَحُ السُّورَ فَتَكْسِرُهُ وَتَثْلَمُ جَوَانِبَهُ فَمَنَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ بِإِحْرَاقِهَا وَإِهْلَاكِهَا وَأَرَاحَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّهَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَنَهَضَ بِالْعَسْكَرِ الْفِرِنْجيِّ فَصَادَمَ بِهِ جَيْشَ الْمُسْلِمِينَ وَنَاصَبَ بِالْحَرْبِ صَلَاحَ الدِّينِ فَمَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَلَهُ الْحَمْدُ بِالنُّصْرَةِ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَتِ الْجُيُوشُ بِرُمَّتِهَا إِلَيْهِ فَقَتَلُوا مِنَ الْكَفَرَةِ خَلْقًا كَثِيرًا وَجَمًّا غَفِيرًا وَهَجَمُوا مَرَّةً عَلَى الْمُخَيَّمِ بَغْتَةً فَنَهَبُوا شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْأَمْتِعَةِ فَنَهَضَ إِلَيْهِمُ الْمَلِكُ الْعَادِلُ
পৃষ্ঠা - ১০৫৪২
أَبُو بَكْرٍ - وَكَانَ رَأْسَ الْمَيْمَنَةِ - فَرَكِبَ فِي أَصْحَابِهِ وَأَمْهَلَ الْفِرِنْجَ حَتَّى تَوَغَّلُوا بَيْنَ الْخِيَامِ ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهِمْ بِالرِّمَاحِ وَالْحُسَامِ فَتَهَارَبُوا بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا زَالَ يَقْتُلُ مِنْهُمْ جَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ وَفِرْقَةً بَعْدَ فِرْقَةٍ حَتَّى كَسَى وَجْهَ الْأَرْضِ مِنْهُمْ حُلَلًا أَزْهَى مِنَ الرِّيَاضِ الْبَاسِمَةِ وَحُزِرَ مَا قَتَلَ مِنْهُمْ فَأَقَلُّ مَا قِيلَ خَمْسَةُ آلَافٍ وَزَعَمَ الْعِمَادُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قَتَلَ مِنْهُمْ فِيمَا بَيْنُ الظُّهْرِ إِلَى الْعَصْرِ عَشَرَةَ آلَافٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ هَذَا وَطَرَفُ الْمَيْسَرَةِ لَمْ يَشْعُرْ بِمَا جَرَى بَلْ وَهُمْ نَائِمُونَ وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ فِي خِيَامِهِمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ مَا دَرَى. وَكَانَ الَّذِينَ سَاقُوا وَرَاءَهُمْ وَأَسَرُوهُمْ أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ وَإِنَّمَا قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَشْرَةٌ أَوْ دُونَهُمْ وَهَذِهِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَنُصْرَةٌ عَمِيمَةٌ وَقَدْ أَوْهَنَ هَذَا جَيْشَ الْفِرِنْجِ وَأَضْعَفَهُ، وَكَادُوا يَطْلُبُونَ الصُّلْحَ وَيَنْصَرِفُونَ عَنِ الْبَلَدِ فَاتَّفَقَ قُدُومُ مَدَدٍ إِلَيْهِمْ مِنَ الْبَحْرِ مَعَ مَلِكٍ يُقَالُ لَهُ: كُنْدَهِرِيٌّ - لَعَنَهُ اللَّهُ - وَمَعَهُ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ وَغَرِمَ عَلَيْهِمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَبْرُزُوا مَعَهُ لِلِقَاءِ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ وَنَصَبَ عَلَى عَكَّا مَنْجَنِيقَيْنِ غَرِمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ فَأَحْرَقَهُمَا أَهْلُ الْبَلَدِ وَجَاءَتْ كُتُبُ صَاحِبِ الرُّومِ مِنَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ يَعْتَذِرُ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ مِنْ جِهَةِ مَلِكِ الْأَلْمَانِ وَأَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ مُلْكَهُ وَلَا بَلَدَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَأَنَّهُ تَجَاوَزَهُ لِكَثْرَةِ جُنُودِهِ وَلِذَلِكَ بَشَّرَ السُّلْطَانَ بِأَنَّ اللَّهَ سَيُهْلِكُهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَكَذَلِكَ وَقَعَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ الْقَدْيمِ الْإِحْسَانِ وَأَرْسَلَ إِلَى السُّلْطَانِ يَقُولُ لَهُ: إِنِّي سَأُقِيمُ عِنْدِي لِلْمُسْلِمِينَ جُمُعَةً وَخَطِيبًا فَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ مَعَ رَسُولِهِ خَطِيبًا وَمِنْبَرًا فَكَانَ يَوْمُ دُخُولِهِمْ إِلَيْهِ يَوْمًا مَشْهُودًا وَمَشْهَدًا مَحْمُودًا فَأُقِيمَتِ الْخُطْبَةُ وَدَعَا لِلْخَلِيفَةِ الْعَبَّاسِيِّ وَاجْتَمَعَ فِيهَا مَنْ هُنَاكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالتُّجَّارِ وَالْمُسَافِرِينَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ الْعَالَمِينَ
পৃষ্ঠা - ১০৫৪৩
فَصْلٌ وَكَتَبَ مُتَوَلِّي عَكَّا مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ وَهُوَ الْأَمِيرُ بَهَاءُ الدِّينِ قَرَاقُوشُ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السُّلْطَانِ: إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ فِي الْمَدِينَةِ مِنَ الْأَقْوَاتِ إِلَّا مَا يُبَلِّغُهُمْ إِلَى لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَابُ إِلَى السُّلْطَانِ أَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لِأَحَدٍ خَوْفًا مِنْ شُيُوعٍ ذَلِكَ فَيَبْلُغُ الْعَدُوَّ فَيَقْوُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَتَضْعُفَ الْقُلُوبُ وَكَانَ قَدْ كَتَبَ إِلَى أَمِيرِ الْأُسْطُولِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَنْ يَقَدَمَ بِالْمِيرَةِ إِلَى عَكَّا فَتَأَخَّرَ سَيْرُهُ ثُمَّ وَصَلَتْ ثَلَاثُ بُطُسٍ لَيْلَةَ النِّصْفِ فِيهَا مِنَ الْمِيرَةِ مَا يَكْفِي أَهْلَ الْبَلَدِ طُولَ الشِّتَاءِ وَهِيَ فِي صُحْبَةِ الْأَمِيرِ الْحَاجِبِ لُؤْلُؤٍ فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْبَلَدِ نَهَضَ إِلَيْهَا أُسْطُولُ الْفِرِنْجِ لِيَحُولَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَلَدِ وَيُتْلِفَ مَا فِيهَا فَاقْتَتَلُوا فِي الْبَحْرِ قِتَالًا شَدِيدًا عَظِيمًا وَالْمُسْلِمُونَ فِي الْبَرِّ يَبْتَهِلُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي سَلَامَتِهَا وَالْفِرِنْجُ أَيْضًا تَصْرُخُ بَرًّا وَبَحْرًا، وَقَدِ ارْتَفَعَ الضَّجِيجُ فَنَصَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ وَسَلَّمَ مَرَاكِبَهُمْ وَطَابَتِ الرِّيحُ لِلْبُطُسِ فَسَارَتْ فَاخْتَرَقَتِ الْمَرَاكِبَ الْفِرِنْجيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِالْمِينَاءِ وَدَخَلَتِ الْبَلَدَ سَالِمَةً، فَفَرِحَ بِهَا أَهْلُ الْبَلَدِ وَالْجَيْشُ فَرَحًا شَدِيدًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَكَانَ السُّلْطَانُ قَدْ جَهَّزَ قَبْلَ هَذِهِ الثَّلَاثِ بُطُسٍ الْمِصْرِيَّاتِ بُطْسَةً عَظِيمَةً مِنْ بَيْرُوتَ فِيهَا أَرْبَعُمِائَةِ غِرَارَةٍ وَشَيْءٌ كَثِيرٌ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبَصَلِ وَالشَّحْمِ وَالْقَدْيدِ وَالنُّشَّابِ وَالنِّفْطِ وَكَانَتْ هَذِهِ الْبُطْسَةُ مِنْ بُطُسِ الْفِرِنْجِ الْمَغْنُومَةِ وَأَمَرَ
পৃষ্ঠা - ১০৫৪৪
مَنْ فِيهَا مِنَ الْبَحَّارَةِ أَنْ يَتَزَيُّوا بِزِيِّ الْفِرِنْجِ حَتَّى إِنَّهُمْ حَلَقُوا لِحَاهُمْ وَشَدُّوا الزَّنَانِيرَ وَاسْتَصْحَبُوا مَعَهُمْ فِي الْبُطْسَةِ شَيْئًا مِنَ الْخَنَازِيرِ وَقَدِمُوا بِهَا عَلَى مَرَاكِبِ الْفِرِنْجِ فَاعْتَقَدْوا أَنَّهُمْ مِنْهُمْ وَهِيَ سَائِرَةٌ كَأَنَّهَا السَّهْمُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الرَّمِيَّةِ فَحَذَّرَهُمُ الْفِرِنْجُ غَائِلَةَ الْمِينَاءِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُسْلِمِينَ فَاعْتَذَرُوا بِأَنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ مَعَهَا وَالرِّيحُ قَوِيَّةٌ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقِفُوا وَلَا يَنْصَرِفُوا وَمَا زَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى وَلَجُوا الْمِينَاءَ وَأَفْرَغُوا مَا كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْمِيرَةِ - وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ - فَعَبَرَتِ الْمِينَاءَ وَعَيْنُ الْكُفْرِ عَبْرَى فَامْتَلَأَ الثَّغْرُ بِهَا خَيْرًا وَسُرُورًا وَأَثْرَى مُؤُنَتَهُمْ إِلَى أَنْ قَدِمَتْ عَلَيْهِمْ تِلْكَ الْبُطُسُ الثَّلَاثُ الْمِصْرِيَّةُ وَكَانَ مِينَاءُ الْبَلَدِ يَكْتَنِفُهَا بُرْجَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: بُرْجُ الذِّبَّانِ فَاتَّخَذَتِ الْفِرِنْجُ بُطْسَةً عَظِيمَةً لَهَا خُرْطُومٌ وَفِيهِ حَرَكَاتٌ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَضَعُوهُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْأَسْوَارِ وَالْأَبْرِجَةِ قَلَبُوهُ فَوَصَلَ إِلَى مَا أَرَادُوا فَعَظُمَ أَمْرُ هَذِهِ الْبُطْسَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَزَالُوا فِي أَمْرِهَا مُحْتَالِينَ حَتَّى أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا شُوَاظًا مِنْ نَارٍ فَأَحْرَقَهَا وَأَغْرَقَهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْفِرِنْجَ أَعَدُّوا فِيهَا نِفْطًا كَثِيرًا وَحَطَبًا جَزْلًا وَأُخْرَى خَلْفَهَا فِيهَا حَطَبٌ مَحْضٌ حَتَّى إِذَا أَرَادَ الْمُسْلِمُونَ الْمُحَاجَنَةَ عَلَى الْمِينَاءِ بِمَرَاكِبِهِمْ أَرْسَلُوا النِّفْطَ عَلَى بُطْسَةِ الْحَطَبِ فَاحْتَرَقَتْ وَهِيَ سَائِرَةٌ بَيْنَ بُطُسِ الْمُسْلِمِينَ فَتُحْرِقُهَا وَكَانَ فِي بُطْسَةٍ أُخْرَى لَهُمْ مُقَاتِلَةٌ تَحْتَ قَبْوٍ قَدْ أَحْكَمُوهُ فِيهَا، فَلَمَّا أَرْسَلُوا النِّفْطَ عَلَى بُرْجِ الذِّبَّانِ انْعَكَسَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ لِشِدَّةِ الْهَوَاءِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَمَا تَعَدَّتِ النَّارُ بُطْسَتَهُمْ فَاحْتَرَقَتْ وَتَعَدَّى الْحَرِيقُ إِلَى الْأُخْرَى فَغَرِقَتْ وَوَصَلَ إِلَى بُطْسَةِ الْمُقَاتِلَةِ
পৃষ্ঠা - ১০৫৪৫
فَتَلِفَتْ وَهَلَكَتْ بِمَنْ فِيهَا فَأَشْبَهُوا مَنْ سَلَفَ مِنَ الْكَافِرِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الحشر: 2] فَصْلٌ وَفِي ثَالِثِ رَمَضَانَ اشْتَدَّ حِصَارُ الْفِرِنْجِ لِلْبَلَدِ حَتَّى نَزَلُوا إِلَى الْخَنْدَقِ فَبَرَزَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ الْبَلَدِ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا وَتَمَكَّنُوا مِنْ حَرِيقِ الْكَبْشِ الَّذِي اتَّخَذُوهُ لِحِصَارِ الْأَسْوَارِ وَسَرَى حَرِيقُهُ إِلَى السُّفُورِ، وَارْتَفَعَتْ لَهُ لَهَبَةٌ عَظِيمَةٌ فِي عَنَانِ السَّمَاءِ ثُمَّ اجْتَذَبَهُ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ بِكَلَالِيبَ مِنْ حَدِيدٍ فِي سَلَاسِلَ فَحَصَّلُوهُ عِنْدَهُمْ وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ الْمَاءَ الْبَارِدَ فَبَرُدَ بَعْدَ أَيَّامٍ فَكَانَ فِيهِ مِنَ الْحَدِيدِ مِائَةُ قِنْطَارٍ بِالدِّمَشْقِيِّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَكَانَ مَعَ السُّلْطَانِ فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ الْمَلِكُ زَيْنُ الدِّينِ صَاحِبُ إِرْبِلَ فَتُوُفِّيَ فِي عَكَّا فَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَيْهِ لِشَبَابِهِ وَغُرْبَتِهِ وَجَوْدَتِهِ وَعُزِّيَ أَخُوهُ مُظَفَّرُ الدِّينِ فِيهِ وَهُوَ الَّذِي قَامَ بِالْمُلْكِ مِنْ بَعْدِهِ وَسَأَلَ مِنَ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ أَنْ يُضِيفَ إِلَيْهِ شَهْرُزُورَ وَيَتْرُكَ حَرَّانَ وَالرُّهَا وَسُمَيْسَاطَ وَغَيْرَهَا وَتَحَمَّلَ مَعَ ذَلِكَ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ نَقْدًا فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ وَكَتَبَ لَهُ تَقْلِيدًا وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً وَأُضِيفُ مَا تَرَكَهُ إِلَى الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ أَخِي السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ.
পৃষ্ঠা - ১০৫৪৬
فَصْلٌ وَكَانَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يُدَبِّرُ الْمَمَالِكَ بِهَا وَيُجَهِّزُ إِلَى السُّلْطَانِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالنَّفَقَاتِ وَعَمَلِ الْأُسْطُولِ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيهِ مِنْ مَحْصُولٍ، وَالْكُتُبُ السُّلْطَانِيَّةُ وَارِدَةٌ إِلَيْهِ فِي كُلِّ حِينٍ وَيَسْتَشِيرُهُ فِيمَا يُصْلِحُ بِهِ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ الْكُتُبُ الْفَاضِلَةُ قَادِمَةٌ عَلَى السُّلْطَانِ فِي كُلِّ أَوَانٍ، فَمِنْ ذَلِكَ كِتَابٌ يَذْكُرُ فِيهِ أَنَّ سَبَبَ هَذَا التَّطْوِيلِ فِي الْحِصَارِ إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الذُّنُوبِ وَارْتِكَابِ الْمَحَارِمِ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ فِي بَعْضِهَا إِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ وَلَا يُفْرِّجُ الشَّدَائِدَ إِلَّا بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ وَالِامْتِثَالِ لِشَرِيعَتِهِ، وَالْمَعَاصِي فِي كُلِّ مَكَانِ بَادِيَةٌ، وَالْمَظَالِمُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ فَاشِيَّةٌ، وَقَدْ طَلَعَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا مَا لَا يُتَوَقَّعُ بَعْدَهَا إِلَّا مَا يُسْتَعَاذُ مِنْهُ، وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَهُ أَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ قَدْ ظَهَرَ فِيهِ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ وَالْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ فِي بِلَادِهِ مَا لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهِ إِلَّا بِكُلْفَةٍ كَثِيرَةٍ. وَمِنْ ذَلِكَ كِتَابٌ يَقُولُ فِيهِ: إِنَّمَا أُتِينَا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِنَا وَلَوْ صَدَقْنَاهُ لِعَجَّلَ لَنَا عَوَاقِبَ صِدْقِنَا وَلَوْ أَطَعْنَاهُ لَمَّا عَاقَبَنَا بِعَدُوِّنَا وَلَوْ فَعَلْنَا مَا نَقَدِرُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِ لَفَعَلَ لَنَا مَا لَا نَقَدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا بِهِ فَلَا يَسْتَخْصِمُ أَحَدٌ إِلَّا عَمَلَهُ وَلَا يَلُمْ إِلَّا نَفْسَهُ وَلَا يَرْجُ إِلَّا رَبَّهُ وَلَا تُنْتَظَرُ الْعَسَاكِرُ أَنْ تَكْثُرَ وَلَا الْأَمْوَالُ أَنْ تُحْصَرَ وَلَا
পৃষ্ঠা - ১০৫৪৭
فُلَانٌ الَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَاتِلَ وَلَا فُلَانٌ الَّذِي يُنْتَظَرُ أَنْ يَسِيرَ، فَكُلُّ هَذِهِ مَشَاغِلُ عَنِ اللَّهِ لَيْسَ النَّصْرُ بِهَا وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يَكِلَنَا اللَّهُ إِلَيْهَا، وَالنَّصْرُ بِهِ وَاللُّطْفُ مِنْهُ وَالْعَادَةُ الْجَمِيلَةُ لَهُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ ذُنُوبِنَا فَلَوْلَا أَنَّهَا تَسُدُّ طَرِيقَ دُعَائِنَا لَكَانَ جَوَابُ دُعَائِنَا قَدْ نَزَلَ وَفَيْضُ دُمُوعِ الْخَاشِعِينَ قَدْ غَسَلَ وَلَكِنْ فِي الطَّرِيقِ عَائِقٌ؛ خَارَ اللَّهُ لِمَوْلَانَا فِي الْقَضَاءِ السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ. وَفِي كِتَابٍ آخَرَ يَتَأَلَّمُ فِيهِ لِمَا عِنْدَ السُّلْطَانِ مِنَ الضَّعْفِ فِي جِسْمِهِ بِسَبَبِ مَا حَمَلَ عَلَى قَلْبِهِ مِمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الشَّدَائِدِ - أَثَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ فِيهِ وَمَا فِي نَفْسِ الْمُلُوكِ شَائِنَةٌ إِلَّا بَقِيَّةُ هَذَا الضَّعْفِ الَّذِي بِجِسْمِ مَوْلَانَا فَإِنَّهُ بِقُلُوبِنَا وَنَفْدِيهِ بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا. بِنَا مَعْشَرَ الْخُدَّامِ مَا بِكَ مِنْ أَذًى ... وَإِنْ أَشْفَقُوا مِمَّا أَقُولُ فَبِي وَحْدِي وَقَدْ أَوْرَدَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ صَاحِبُ " الرَّوْضَتَيْنِ " هَاهُنَا كُتُبًا عِدَّةً مِنَ الْفَاضِلِ إِلَى السُّلْطَانِ فِيهَا فَصَاحَةٌ وَبَلَاغَةٌ وَمَوَاعِظُ وَتَحْضِيضٌ عَلَى الْجِهَادِ يَعْجِزُ عَنْ مِثْلِهَا شُجْعَانٌ وَهِيَ جَدِيرَةٌ أَنْ تُكْتَبَ بِمَاءِ الذَّهَبِ عَلَى قَلَائِدِ الْعِقْيَانِ فَرَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ إِنْسَانٍ مَا أَفْصَحَهُ، وَمِنْ وَزِيرٍ مَا كَانَ أَنْصَحَهُ، وَمِنْ عَقْلٍ مَا كَانَ أَرْجَحَهُ.
পৃষ্ঠা - ১০৫৪৮
فَصْلٌ وَكَتَبَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ كِتَابًا بَلِيغًا عَنِ السُّلْطَانِ إِلَى مَلِكِ الْغَرْبِ أَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ وَسُلْطَانِ جَيْشِ الْمُوَحِّدِينَ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ يَسْتَنْجِدُ بِهِ فِي إِرْسَالِ مَرَاكِبَ فِي الْبَحْرِ تَكُونُ عَوْنًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمَرَاكِبِ الْإِفْرِنْجِيَّةِ فَمِنْهُ عِبَارَةٌ طَوِيلَةٌ فَصِيحَةٌ بَلِيغَةٌ مَلِيحَةٌ حَكَاهَا الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ بِطُولِهَا وَحُسْنِهَا وَبَعَثَ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ مَعَ ذَلِكَ بِهَدِيَّةٍ سَنِيَّةٍ مِنَ التُّحَفِ وَالْأَلْطَافِ وَذَلِكَ كُلُّهُ صُحْبَةَ الْأَمِيرِ الْكَبِيرِ شَمْسِ الدِّينِ أَبِي الْحَزْمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُنْقِذٍ وَكَانَ ابْتِدَاءُ سَيْرِهِ فِي الْبَحْرِ فِي ثَامِنِ ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ فَدَخَلَ عَلَى سُلْطَانِ الْمَغْرِبِ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَأَقَامَ عِنْدَهُ إِلَى عَاشُورَاءَ مِنَ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَلَمْ يُفِدْ هَذَا الْإِرْسَالُ شَيْئًا ; لِأَنَّ السُّلْطَانَ تَغَضَّبَ إِذْ لَمْ يُلَقَّبْ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَكَانَتْ إِشَارَةُ الْفَاضِلِ إِلَى عَدَمِ الْإِرْسَالِ إِلَيْهِ وَالتَّعْوِيلِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ وَقَعَ مَا وَقَعَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. فَصْلٌ وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ حَصَلَ لِلسُّلْطَانِ سُوءُ مِزَاجٍ مِنْ كَثْرَةِ مَا يُكَابِدُهُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ أَمَرُّ مِنَ الْأُجَاجِ فَطَمِعَ الْعَدُوُّ الْمَخْذُولُ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - فِي الْإِسْلَامِ
পৃষ্ঠা - ১০৫৪৯
فَتَجَرَّدَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ لِلْقِتَالِ، وَثَبَتَ آخَرُونَ عَلَى الْحِصَارِ وَأَقْبَلُوا فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ وَعُدَدٍ فَرَتَّبَ السُّلْطَانُ الْجُيُوشَ يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَقَلْبًا وَجَنَاحَيْنِ فَلَمَّا رَأَوْا مَا عَايَنُوهُ مِنَ الْجَيْشِ الْكَثِيفِ فَرُّوا مِنْ مَوْقِفِ الْحَرْبِ وَعَادُوا عَنْ حَوْمَةِ الْوَغَى فَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرُ وَجَمٌّ غَفِيرٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. فَصْلٌ وَلَمَّا دَخَلَ فَصْلُ الشِّتَاءِ وَانْشَمَرَتْ مَرَاكِبُ الْإِفْرِنْجِ عَنِ الْبَلَدِ خَوْفًا مِنَ الْهَلَاكِ بِسَبَبِ اغْتِلَامِ الْبَحْرِ سَأَلَ مَنْ فِي الْبَلْدَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ السُّلْطَانِ أَنْ يُرِيحَهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْحَصْرِ الْعَظِيمِ وَالْمُقَاتَلَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَصَبَاحًا وَمُسَاءً سِرًّا وَجَهْرًا وَأَنْ يُرْسِلَ إِلَى الْبَلَدِ بَدَلَهُمْ فَرَقَّ لَهُمُ السُّلْطَانُ وَعَزَمَ عَلَى ذَلِكَ وَكَانُوا قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ أَلْفَ مُسْلِمٍ مَا بَيْنَ أَمِيرٍ وَمَأْمُورٍ فَجَهَّزَ جَيْشًا آخَرَ غَيْرَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِرَأْيٍ جَيِّدٍ وَلَكِنْ مَا قَصَدَ السُّلْطَانُ إِلَّا خَيْرًا وَأَنَّ هَؤُلَاءِ يَدْخُلُونَ الْبَلَدَ وَهُمْ جُدُدُ الْهِمَمِ وَلَهُمْ عَزْمٌ قَوِيٌّ وَهُمْ فِي رَاحَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أُولَئِكَ وَلَكِنْ أُولَئِكَ كَانَتْ لَهُمْ خِبْرَةٌ بِالْبَلَدِ وَبِالْقِتَالِ وَكَانَ لَهُمْ صَبْرٌ عَظِيمٌ وَقَدْ تَمَرَّنُوا عَلَى مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْمُصَابَرَةِ لِلْأَعْدَاءِ بَرًّا وَبَحْرًا وَجُهِّزَتْ لِهَؤُلَاءِ سَبْعُ بُطُسٍ فِيهَا مِيرَةٌ تَكْفِيهِمْ سَنَةً كَامِلَةً فَقَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَهُ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ أَنَّهَا لَمَّا تَوَسَّطَتِ الْبَحْرَ وَاقْتَرَبَتْ مِنَ الْمِينَاءِ هَاجَتْ رِيحٌ عَظِيمَةٌ فِي الْبَحْرِ فَتَلَعَّبَتْ بِتِلْكَ الْبُطُسِ عَلَى عِظَمِهَا فَاخْتَبَطَتْ وَاضْطَرَبَتْ وَتَصَادَمَتْ
পৃষ্ঠা - ১০৫৫০
فَتَكَسَّرَتْ وَغَرِقَتْ وَغَرِقَ مَا كَانَ فِيهَا مِنَ الْمِيرَةِ وَهَلَكَ مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْبَحَّارَةِ فَدَخَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَهْنٌ عَظِيمٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ جِدًّا وَمَرِضَ السُّلْطَانُ وَازْدَادَ مَرَضًا إِلَى مَرَضِهِ - عَافَاهُ اللَّهُ - وَكَانَ ذَلِكَ عَوْنًا لِلْعَدُوِّ الْمَخْذُولِ عَلَى أَخْذِ الْبَلَدِ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَكَانَ الْمُقَدَّمَ عَلَى الدَّاخِلِينَ إِلَى عَكَّا الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمَشْطُوبِ أَيَّدَهُ اللَّهُ. وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَقَطَتْ ثُلْمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ سُورِ عَكَّا فَبَادَرَ الْفِرِنْجُ إِلَيْهَا فَسَبَقَهُمُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى سَدِّهَا بِصُدُورِهِمْ وَقَاتَلُوا عَنْهَا بِنُحُورِهِمْ وَمَا زَالُوا يُمَانِعُونَ عَنْهَا حَتَّى بَنَوْهَا أَشَدَّ مِمَّا كَانَتْ وَأَقْوَى وَأَحْسَنَ وَأَبْهَى. وَوَقَعَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَبَاءٌ عَظِيمٌ فِي الْجَيْشَيْنِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فَكَانَ السُّلْطَانُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ اقْتُلُونِي وَمَالِكًا ... وَاقْتُلُوا مَالِكًا مَعِي وَاتَّفَقَ مَوْتُ ابْنِ مَلِكِ الْأَلْمَانِ فِي ثَانِي ذِي الْحِجَّةِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ كُبَرَاءِ الْكُنْدَهِرِيَّةِ وِسَادَاتِ الْفِرِنْجِ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَحَزِنَ الْفِرِنْجُ عَلَى ابْنِ مَلِكِ الْأَلْمَانِ حُزْنًا عَظِيمًا وَأَوْقَدُوا نَارًا عَظِيمَةً فِي كُلِّ خَيْمَةٍ وَصَارَ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَهْلِكُ مِنَ الْفِرِنْجِ الْمِائَةُ وَالْمِائَتَانِ وَاسْتَأْمَنَ إِلَى السُّلْطَانِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مِنْ شِدَّةِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْجُوعِ وَالضِّيقِ وَالْحَصْرِ وَأَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَفِي هَذَا الشَّهْرِ قَدِمَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى السُّلْطَانِ وَكَانَ
পৃষ্ঠা - ১০৫৫১
قَدْ طَالَ شَوْقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ فَأَفْضَى كُلٌّ مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ مَا كَانَ يُسِرُّهُ وَيَكْتُمُهُ مِنَ الْآرَاءِ الَّتِي فِيهَا مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ وَقَدِمَ وَزِيرُ الصِّدْقِ عَلَى السُّلْطَانِ الْمُوَفَّقِ وَالْأَمِيرِ الْمُؤَيَّدِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ: مَلِكُ الْأَلْمَانِ الَّذِي أَقْبَلَ فِي مِائَتَيْ أَلْفِ مُقَاتِلٍ وَيُقَالُ: فِي ثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ مِنْ أَقْصَى بِلَادِهِ فَاجْتَازَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْبُلْدَانِ يُرِيدُ انْتِزَاعَ بِلَادِ الشَّامِ بِكَمَالِهَا مِنْ أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ انْتِصَارًا فِي زَعْمِهِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ الَّذِي اسْتَنْقَذَهُ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ فَلَمْ يَزَلِ اللَّعِينُ يَتَنَاقَصُ جَيْشُهُ وَيَتَفَانَوْا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَمَوْضِعٍ وَقدَّرَ اللَّهُ هَلَاكَهُ بِالْغَرَقِ كَمَا أَهْلَكَ فِرْعَوْنَ لَعَنَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّهُ نَزَلَ يَسْبَحُ فِي بَعْضِ الْأَنْهَارِ فَاحْتَمَلَهُ الْمَاءُ قَسْرًا فَأَلْجَأَهُ إِلَى جِذْعِ شَجَرَةٍ هُنَاكَ فَشَدَخَتْ رَأْسَهُ وَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ - لَعَنَهُ اللَّهُ - فَمَلَّكَ الْأَلْمَانُ عَلَيْهِمُ ابْنَهُ الْأَصْغَرَ وَأَقْبَلَ بِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَأَمْرُهُ قَدْ تَقَهْقَرَ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ وَصَلُوا إِلَى إِخْوَانِهِمْ بِعَكَّا فِي خَمْسَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ وَقِيلَ: فِي أَلْفِ مُقَاتِلٍ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ حَمَلُوا مِنْ قُدُومِهِمْ هَمًّا عَظِيمًا وَخَافُوا خَوْفًا شَدِيدًا فَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ثُمَّ تُوُفِّيَ ابْنُهُ فِي أَوَاخِرِ هَذِهِ السَّنَةِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو حَامِدٍ قَاضِي الْقُضَاةِ بِالْمَوْصِلِ مُحْيِي
পৃষ্ঠা - ১০৫৫২
الدِّينِ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ كَمَالِ الدِّينِ الشَّهْرُزُورِيُّ الشَّافِعِيُّ أَثْنَى عَلَيْهِ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ وَأَنْشَدَ لَهُ مِنْ شِعْرِهِ قَوْلَهُ: قَامَتْ بِإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ أَدِلَّةٌ ... قَصَمَتْ ظُهُورَ أَئِمَّةِ التَّعْطِيلِ وَطَلَائِعُ التَّنْزِيهِ لَمَّا أَقْبَلَتْ ... هَزَمَتْ ذَوِي التَّشْبِيهِ وَالتَّمُثِيلِ فَالْحَقُّ مَا صِرْنَا إِلَيْهِ جَمِيعُنَا ... بِأَدِلَّةِ الْأَخْبَارِ وَالتَّنْزِيلِ مَنْ لَمْ يَكُنْ بِالشَّرْعِ مُقْتَدِيًا فَقَدْ ... أَلْقَاهُ فَرْطُ الْجَهْلِ فِي التَّضْلِيلِ
পৃষ্ঠা - ১০৫৫৩
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا قَدِمَ مَلِكُ الْإِفْرَنْسِيسِ وَمَلِكُ إِنْكِلْتِرَا وَغَيْرُهُمَا مِنْ مُلُوكِ الْبَحْرِ عَلَى الْفِرِنْجِ إِلَى عَكَّا وَتَمَالَئُوا عَلَى عَكَّا فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَقَدِ اسْتُهِلَّتْ وَالْحِصَارُ عَلَى عَكَّا عَلَى حَالِهِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَقَدِ اسْتُكْمِلَ دُخُولُ الْبَدَلِ إِلَى الْبَلَدِ وَالْمَلِكُ الْعَادِلُ مُخَيِّمٌ إِلَى جَانِبِ الْبَحْرِ لِيَتَكَامَلَ دُخُولُهُمْ وَدُخُولُ مِيرَتِهِمْ - لَطَفَ اللَّهُ بِهِمْ - وَفِي لَيْلَةِ مُسْتَهَلِّ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ عَكَّا فَهَجَمُوا عَلَى مُخَيَّمِ الْفِرِنْجِ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا وَسَبَوْا وَنَهَبُوا شَيْئًا كَثِيرًا سَبَوْا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ امْرَأَةً وَانْكَسَرَ مَرْكَبٌ عَظِيمٌ لِلْفِرِنْجِ فَغَرِقَ فِيهِ خَلْقٌ مِنْهُمْ وَأُسِرَ بَاقِيهِمْ وَأَغَارَ صَاحِبُ حِمْصَ أَسَدُ الدِّينِ شِيرَكُوهْ بْنُ نَاصِرِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ شِيرَكُوهْ عَلَى سَرْحَ الْفِرِنْجِ بِأَرَاضِي طَرَابُلُسَ فَاسْتَاقَ مِنْهُمْ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْخُيُولِ وَالْأَبْقَارِ وَالْأَغْنَامِ وَظَفِرَ الْيَزَكُ بِخَلْقٍ كَثِيرٍ مِنَ الْفِرِنْجِ فَقَتَلُوهُمْ وَلَمْ يُقْتَلْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سِوَى طَوَاشِيٍّ صَغِيرٍ عَثَرَ بِهِ فَرَسُهُ وَفِي ثَانِي عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَصَلَ إِلَى الْفِرِنْجِ مَلِكُ إِفْرَنْسِيسَ فِلِيبُ فِي سِتِّ بُطُسٍ مَلْعُونَةٍ مَشْحُونَةٍ بِعَبَدَةِ الصَّلِيبِ وَحِينَ وَصَلَ إِلَيْهِمْ وَقَدِمَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ مَعَهُ كَلَامٌ وَلَا حُكْمٌ لِعَظَمَتِهِ عِنْدَهُمْ وَقَدِمَ مَعَهُ بَازٌ عَظِيمٌ أَبْيَضُ وَهُوَ الْبَازُ الْأَشْهَبُ الْهَائِلُ فَطَارَ مِنْ يَدِهِ فَسَقَطَ عَلَى سُورِ عَكَّا فَأَمْسَكَهُ أَهْلُهَا وَبَعَثُوا بِهِ إِلَى