আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১০৪৮২
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي خَامِسِ الْمُحَرَّمِ كَانَ بُرُوزُ السُّلْطَانِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ قَاصِدًا بِلَادَ الشَّامِ ; لِمُنَاجَزَةِ الْأَعْدَاءِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ، وَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ عَهْدِهِ بِمِصْرَ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ أَغَارَ فِي طَرِيقِهِ عَلَى أَطْرَافِ بِلَادِ الْفِرِنْجِ بِأَرْضِ الْكَرَكِ وَجَعَلَ أَخَاهُ تَاجَ الْمُلُوكِ بُورِي بْنَ أَيُّوبَ عَلَى الْمَيْمَنَةِ يَسِيرُ نَاحِيَةً عَنْهُ ; لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ بِلَادِ الْعَدُوِّ فَالْتَقَوْا عَلَى الْأَزْرَقِ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَقَدْ أَغَارَ نَائِبُ دِمَشْقَ عِزُّ الدِّينِ فَرُّوخْشَاهْ عَلَى بِلَادِ طَبَرِيَّةَ وَمَا حَوْلَهَا، وَافْتَتَحَ حُصُونًا جَيِّدَةً، وَأَسَرَ مِنْهُمْ أَلْفًا، وَغَنِمَ عِشْرِينَ أَلْفَ رَأْسٍ مِنَ الْأَنْعَامِ، بَيَّضَ اللَّهُ وَجْهَهُ. وَكَانَ دُخُولُ السُّلْطَانِ إِلَى دِمَشْقَ سَابِعَ عَشَرَ مِنْ صَفَرٍ ثُمَّ خَرَجَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَاقْتَتَلَ مَعَ الْفِرِنْجِ فِي نَوَاحِي طَبَرِيَّةَ وَبَيْسَانَ تَحْتَ حِصْنِ كَوْكَبٍ، فَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَلَكِنْ كَانَتِ الدَّائِرَةُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَرَجَعَ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا. ثُمَّ رَكِبَ السُّلْطَانُ فِي جَحَافِلِهِ وَعَسَاكِرِهِ قَاصِدًا حَلَبَ وَبِلَادَ الشَّرْقِ لِيَأْخُذَهَا ; وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوَاصِلَةَ وَالْحَلَبِيِّينَ قَدْ كَاتَبُوا الْفِرِنْجَ حَتَّى يَغْزُوَا عَلَى أَطْرَافِ الْبِلَادِ ; لِيَشْغَلُوا النَّاصِرَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ، فَكَانَ مَسِيرُهُ عَلَى بِلَادِ الْبِقَاعِ ثُمَّ إِلَى حَمَاةَ ثُمَّ إِلَى حَلَبَ فَحَاصَرَهَا ثَلَاثًا، وَرَأَى الْعُدُولَ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا أَوْلَى بِهِ،
পৃষ্ঠা - ১০৪৮৩
فَسَارَ حَتَّى قَطَعَ الْفُرَاتَ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَى بِلَادِ الْجَزِيرَةِ وَالْخَابُورَ وَحَرَّانَ وَالرُّهَا وَالرَّقَّةَ وَنَصِيبِينَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَخَضَعَتْ لَهُ الْمُلُوكُ هُنَالِكَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى حَلَبَ فَتَسَلَّمَهَا مِنْ صَاحِبِهَا عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِيٍّ وَقَدْ كَانَ قَايَضَ أَخَاهُ عِزَّ الدِّينِ مَسْعُودًا بِهَا إِلَى سِنْجَارَ، كَمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، فَاسْتَوْسَقَتْ لَهُ الْمَمَالِكُ شَرْقًا وَغَرْبًا، وَبُعْدًا وَقُرْبًا، وَتَمَكَّنَ حِينَئِذٍ مِنْ قِتَالِ أَعْدَائِهِ مِنَ الْفِرِنْجِ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - وَأَمْكَنَهُ اللَّهُ مِنْ نَوَاصِيهِمْ، فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَوْلَاهُ. فَصْلٌ وَلَمَّا عَجَزَ إِبْرَنْسُ الْكَرَكِ - لَعَنَهُ اللَّهُ - عَنْ إِيصَالِ الْأَذَى لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْبَرِّ، عَمِلَ مَرَاكِبَ فِي بَحْرِ الْقُلْزُمِ ; لِيَقْطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى التُّجَّارِ وَالْحُجَّاجِ، فَوَصَلَتْ أَذِيَّتُهُمْ إِلَى عَيْذَابَ، وَخَافَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ مِنْ شَرِّهِمْ، فَأَمَرَ الْعَادِلُ أَبُو بَكْرٍ - نَائِبُ مِصْرَ الْأَمِيرَ حُسَامَ الدِّينِ - لُؤْلُؤًا صَاحِبَ الْأُسْطُولِ أَنْ يَعْمَلَ مَرَاكِبَهُ فِي بَحْرِ الْقُلْزُمِ لِمُحَارَبَةِ أَصْحَابِ إِبْرَنْسَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ فَظَفِرُوا بِهِمْ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ وَحَرَّقُوا وَغَرَّقُوا وَسَبَوْا وَقَهَرُوا وَأَسَرُوا فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، وَمَوَاقِفَ هَائِلَةٍ كَبِيرَةٍ، وَأَمِنَ الْبَرُّ وَالْبَحْرُ بِإِذْنِ اللَّهِ الَّذِي بِيَدِهِ النَّفْعُ وَالضُّرُّ، وَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَى أَخِيهِ يَشْكُرُ مِنْ مَسَاعِيهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى دِيوَانِ الْخِلَافَةِ يُعَرِّفُهُمْ بِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْفُتُوحَاتِ بَرًّا وَبَحْرًا، وَبِمَا هُوَ مُتَقَلِّبٌ فِيهِ مِنْ أَنْعُمِ اللَّهِ وَإِحْسَانِهِ سِرًّا وَجَهْرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
পৃষ্ঠা - ১০৪৮৪
فَصْلٌ فِي وَفَاةِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ عِزِّ الدِّينِ فَرُّوخْشَاهْ بْنِ شَاهِنْشَاهْ بْنِ أَيُّوبَ صَاحِبِ بَعْلَبَكَّ وَنَائِبِ دِمَشْقَ لِعَمِّهِ الْمَلِكِ صَلَاحِ الدِّينِ، وَهُوَ وَالِدُ الْمَلِكِ الْأَمْجَدِ بَهْرَامْ شَاهْ صَاحِبِ بَعْلَبَكَّ أَيْضًا بَعْدَ أَبِيهِ، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ الْمَدْرَسَةُ الْفَرُّوخْشَاهِيَّةُ بِالشَّرْقِ الشَّمَالِيِّ، وَإِلَى جَانِبِهَا التُّرْبَةُ الْأَمْجَدِيَّةُ لِوَلَدِهِ، وَهُمَا وَقْفٌ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَقَدْ كَانَ فَرُّوخْشَاهْ شَهْمًا شُجَاعًا بَطَلًا عَاقِلًا ذَكِيًّا فَاضِلًا كَرِيمًا مُمَدَّحًا، امْتَدَحَهُ الشُّعَرَاءُ لِجُودِهِ وَفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ أَصْحَابِ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ أَبِي الْيُمْنِ الْكِنْدِيِّ، عَرَفَهُ مِنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي الْفَاضِلِ لَهُ، وَلِلْعِمَادِ الْكَاتِبِ فِيهِ مَدَائِحُ بَدَائِعُ، وَلَهُ هُوَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، شِعْرٌ رَائِقٌ لَطِيفٌ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: أَنَا فِي أَسْرِ السِّقَامِ ... مِنْ هَوَى هَذَا الْغُلَامِ رَشَأٌ تَرْشُقُ عَيْنًا ... هُ فُؤَادِي بِسِهَامِ كُلَّمَا أَرْشَفَنِي فَا ... هُ عَلَى حَرِّ الْأُوَامِ ذُقْتُ مِنْهُ الشَّهْدَ فِي الثَّلْ ... جِ الْمُصَفَّى فِي الْمُدَامِ وَكَانَ ابْنُهُ الْمَلِكُ الْأَمْجَدُ شَاعِرًا جَيِّدًا أَيْضًا، وَقَدْ وَلَّاهُ عَمُّ أَبِيهِ صَلَاحُ الدِّينِ بَعْلَبَكَّ بَعْدَ أَبِيهِ، وَاسْتَمَرَّ فِيهَا مُدَّةً طَوِيلَةً، وَمِنْ مَحَاسِنِ الْمَنْصُورِ عِزِّ الدِّينِ فَرُّوخْشَاهْ صُحْبَتُهُ لِتَاجِ الدَّيْنِ الْكِنْدِيِّ، وَلَهُ فِي الْكِنْدِيِّ مَدَائِحُ، وَقَدْ أَوْرَدَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ ذَلِكَ كُلَّهُ مُسْتَقْصًى فِي " الرَّوْضَتَيْنِ " ; وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ دَخَلَ يَوْمًا
পৃষ্ঠা - ১০৪৮৫
إِلَى الْحَمَّامِ فَرَأَى رَجُلًا كَانَ يَعْرِفُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ، وَقَدْ نَزَلَ بِهِ الْحَالُ حَتَّى إِنَّهُ تَسَتَّرَ بِبَعْضِ يَدَيْهِ حَتَّى لَا يَبْدُوَ جِسْمُهُ، فَرَقَّ لَهُ وَأَمَرَ غُلَامَهُ أَنْ يَنْقُلَ بَقُجَّةً وَبِسَاطًا إِلَى مَوْضِعِ الرَّجُلِ، وَأَحْضَرَ بِهِ بَغْلَةً وَأَلْفَ دِينَارٍ وَتَوْقِيعًا لَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، فَدَخَلَ الرَّجُلُ مِنْ أَفْقَرِ النَّاسِ، وَخَرَجَ وَهُوَ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ، فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى الْأَجْوَادِ الْأَكْيَاسِ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ الرِّفَاعِيُّ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الرِّفَاعِيِّ، شَيْخُ الطَّائِفَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ وَالرِّفَاعِيَّةِ الْبَطَائِحِيَّةِ لِسُكْنَاهُ أُمَّ عَبِيدَةَ مِنْ قُرَى الْبَطَائِحِ وَهِيَ بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَوَاسِطٍ، كَانَ أَصْلُهُ مِنَ الْعَرَبِ فَسَكَنَ هَذِهِ الْبِلَادَ، وَالْتَفَّ عَلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ حَفِظَ " التَّنْبِيهَ " فِي الْفِقْهِ. وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ. قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَلِأَتْبَاعِهِ أَحْوَالٌ عَجِيبَةٌ مِنْ أَكْلِ الْحَيَّاتِ وَهِيَ حَيَّةٌ، وَالنُّزُولِ فِي التَّنَانِيرِ وَهِيَ تَضْطَرِمُ، فَيُطْفِئُونَهَا، وَيُقَالُ: إِنَّهُمْ فِي بِلَادِهِمْ يَرْكَبُونَ الْأُسْوَدَ. قَالَ: وَلَيْسَ لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ عَقِبٌ، وَإِنَّمَا النَّسْلُ لِأَخِيهِ، وَذُرِّيَّتُهُ يَتَوَارَثُونَ الْمَشْيَخَةَ بِتِلْكَ الْبِلَادِ. وَقَالَ: وَمِنْ شِعْرِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ، عَلَى مَا قِيلَ: إِذَا جَنَّ لَيْلِي هَامَ قَلْبِي بِذِكْرِكُمْ ... أَنُوحُ كَمَا نَاحَ الْحَمَامُ الْمُطَوَّقُ
পৃষ্ঠা - ১০৪৮৬
وَفَوْقِي سَحَابٌ يُمْطِرُ الْهَمَّ وَالْأَسَى ... وَتَحْتِي بِحَارٌ بِالْأَسَى تَتَدَفَّقُ سَلُوا أُمَّ عَمْرٍو كَيْفَ بَاتَ أَسِيرُهَا ... تُفَكُّ الْأُسَارَى دُونَهُ وَهْوَ مُوثَقُ فَلَا هُوَ مَقْتُولٌ فَفِي الْقَتْلِ رَاحَةٌ ... وَلَا هُوَ مَمْنُونٌ عَلَيْهِ فَيُطْلَقُ وَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: أَغَارُ عَلَيْهَا مِنْ أَبِيهَا وَأُمِّهَا ... وَمِنْ كُلِّ مَنْ يَدْنُو إِلَيْهَا وَيَنْظُرُ وَأَحْذَرُ لِلْمِرْآةِ أَيْضًا بِكَفِّهَا ... إِذَا نَظَرَتْ مِنْكِ الَّذِي أَنَا أَنْظُرُ قَالَ: وَلَمْ يَزَلْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ يَوْمَ الْخَمِيسِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، رَحِمَهُ اللَّهُ. خَلَفُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ بَشْكُوَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُرْطُبِيُّ الْحَافِظُ الْمُحَدِّثُ الْمُؤَرِّخُ، صَاحِبُ التَّصَانِيفِ، لَهُ كِتَابُ " الصِّلَةِ " جَعَلَهُ ذَيْلًا عَلَى تَارِيخِ أَبِي الْوَلِيدِ بْنِ الْفَرَضِيِّ، وَلَهُ كِتَابُ " الْمُسْتَغِيثِينَ بِاللَّهِ "، وَلَهُ مُجَلَّدٌ فِي تَعْيِينِ الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ فِي الرِّوَايَاتِ عَلَى طَرِيقَةِ الْخَطِيبِ، وَأَسْمَاءِ مَنْ رَوَى " الْمُوَطَّأَ "، عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، بَلَغُوا ثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ رَجُلًا، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي رَمَضَانَ عَنْ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ.
পৃষ্ঠা - ১০৪৮৭
الْعَلَّامَةُ قُطْبُ الدِّينِ أَبُو الْمَعَالِي مَسْعُودُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ النَّيْسَابُورِيُّ، تَفَقَّهَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى صَاحِبِ الْغَزَالِيِّ، قَدِمَ دِمَشْقَ وَدَرَّسَ بِالْغَزَّالِيَّةِ وَالْمُجَاهِدِيَّةِ، وَبِحَلَبَ بِمَدْرَسَةِ نُورِ الدِّينِ وَأَسَدِ الدِّينِ، ثُمَّ بِهَمَذَانَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى دِمَشْقَ وَدَرَّسَ بِالْغَزَّالِيَّةِ، وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ الْمَذْهَبِ، وَمَاتَ بِهَا فِي سَلْخِ رَمَضَانَ يَوْمَ الْعِيدِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، عَنْ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَعَنْهُ أَخَذَ الْفَخْرُ بْنُ عَسَاكِرَ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الَّذِي صَلَّى عَلَى الْحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
পৃষ্ঠা - ১০৪৮৮
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ مُحَرَّمِهَا تَسَلَّمَ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ مَدِينَةَ آمِدَ صُلْحًا بَعْدَ حِصَارٍ طَوِيلٍ، مِنْ يَدِ صَاحِبِهَا ابْنِ نِيسَانَ، بَعْدَمَا حَمَلَ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ حَوَاصِلِهِ وَأَمْوَالِهِ وَأَثْقَالِهِ مُدَّةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَمَّا تَسَلَّمَ السُّلْطَانُ الْبَلَدَ وَجَدَ فِيهِ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْحَوَاصِلِ وَآلَاتِ الْحَرْبِ وَالسِّلَاحِ، حَتَّى إِنَّهُ وَجَدَ بُرْجًا مَمْلُوءًا بِنُصُولِ النُّشَّابِ، وَبُرْجًا آخَرَ فِيهِ مِائَةُ أَلْفِ شَمْعَةٍ، وَأَشْيَاءَ يَطُولُ شَرْحُهَا، وَوَجَدَ فِيهَا خِزَانَةَ كُتُبٍ فِيهَا أَلْفُ أَلْفِ مُجَلَّدٍ، وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ مُجَلَّدٍ، فَوَهَبَهَا كُلَّهَا لِلْقَاضِي الْفَاضِلِ، فَانْتَخَبَ مِنْهَا حِمْلَ سَبْعِينَ حِمَارَةٍ. ثُمَّ وَهَبَ السُّلْطَانُ الْبَلَدَ بِمَا فِيهِ لِنُورِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ قَرَا أَرْسَلَانَ - وَكَانَ قَدْ وَعَدَهُ بِهَا - فَقِيلَ لَهُ: فَإِنَّ الْحَوَاصِلَ لَمْ تَدْخُلْ فِي وَعْدِكَ. فَقَالَ: لَا أَبْخَلُ بِهَا عَلَيْهِ - وَكَانَ فِي خِزَانَتِهَا ثَلَاثَةُ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ - وَقَدْ صَارَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَنْصَارِنَا. فَامْتَدَحَهُ الشُّعَرَاءُ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ الْحَسَنِ الْجَمِيلِ، وَهُوَ حَقِيقٌ بِالثَّنَاءِ وَالْجَزَاءِ الْجَزِيلِ، وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ قَصِيدَةٍ لَهُ فِي السُّلْطَانِ: قُلْ لِلْمُلُوكِ تَنَحَّوا عَنْ مَمَالِكِكُمْ ... فقَدْ أَتَى آخِذُ الدُّنْيَا وَمُعْطِيهَا
পৃষ্ঠা - ১০৪৮৯
ثُمَّ سَارَ السُّلْطَانُ فِي بَقِيَّةِ الْمُحَرَّمِ إِلَى مَدِينَةِ حَلَبَ فَنَازَلَهَا وَحَاصَرَهَا، وَقَاتَلَهُ أَهْلُهَا قِتَالًا جَيِّدًا، وَجُرِحَ أَخُو السُّلْطَانِ تَاجُ الْمُلُوكِ بُورِي بْنُ أَيُّوبَ جُرْحًا بَلِيغًا، فَمَاتَ مِنْهُ بَعْدَ أَيَّامٍ وَكَانَ أَصْغَرَ أَوْلَادِ أَيُّوبَ، لَمْ يَبْلُغْ عِشْرِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: بَلْ جَاوَزَهَا بِسَنَتَيْنِ، وَكَانَ ذَكِيًّا فَهِمًا، لَهُ دِيوَانُ شِعْرٍ لَطِيفٍ، فَحَزِنَ عَلَيْهِ أَخُوهُ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ حُزْنًا شَدِيدًا، وَدَفَنَهُ بِحَلَبَ، ثُمَّ نَقَلَهُ إِلَى دِمَشْقَ ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَالُ بَيْنَ السُّلْطَانِ وَبَيْنَ صَاحِبِ حَلَبَ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِيِّ بْنِ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِيِّ بْنِ آقْ سُنْقُرَ عَلَى عِوَضٍ أَطْلَقَهُ وَهُوَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ سِنْجَارَ وَيُسَلِّمَهُ الْبَلَدَ، فَخَرَجَ عِمَادُ الدِّينِ زَنْكِيٌّ، وَجَاءَ إِلَى خِدْمَةِ السُّلْطَانِ، وَعَزَّاهُ فِي أَخِيهِ، وَنَزَلَ عِنْدَهُ فِي الْمُخَيَّمِ، وَنَقَلَ أَثْقَالَهُ إِلَى سِنْجَارَ وَزَادَهُ السُّلْطَانُ الْخَابُورَ وَالرَّقَّةَ وَنَصِيبِينَ وَسَرُوجَ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ إِرْسَالَ الْعَسْكَرِ فِي الْخِدْمَةِ لِلْغُزَاةِ، ثُمَّ سَارَ وَوَدَّعَهُ السُّلْطَانُ وَمَكَثَ السُّلْطَانُ فِي الْمُخَيَّمِ أَيَّامًا غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِحَلَبَ، وَلَا مُسْتَكْثِرٍ لَهَا وَلَا بِهَا، ثُمَّ صَعِدَ إِلَى قَلْعَتِهَا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَابِعَ عَشَرَ صَفَرٍ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا مَحْبُورًا، وَعَمِلَ لَهُ الْأَمِيرُ طَمَّانُ وَلِيمَةً عَظِيمَةً، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا فَسَمِعَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ دَاخِلٌ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران: 26] الْآيَةَ. وَلَمَّا دَخَلَ دَارَ الْمَلِكِ تَلَا: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [الأحزاب: 27] وَلَمَّا دَخَلَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَأَطَالَ السُّجُودَ وَالدُّعَاءَ وَالتَّضَرُّعَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ شَرَعَ فِي عَمَلِ وَلِيمَةٍ عَظِيمَةٍ، وَقَدْ ضُرِبَتِ الْبَشَائِرُ، وَخَلَعَ السُّلْطَانُ عَلَى الْأُمَرَاءِ، وَأَحْسَنَ إِلَى الرُّؤَسَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، وَأَلْقَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، وَقَضَتِ الْقُلُوبُ أَوْطَارَهَا. وَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّ بِهَا النَّوَى ... كَمَا قَرَّ عَيْنًا بِالْإِيَابِ الْمُسَافِرُ
পৃষ্ঠা - ১০৪৯০
وَقَدِ امْتَدَحَهُ الشُّعَرَاءُ عِنْدَ فَتْحِ حَلَبَ بِمَدَائِحَ حِسَانٍ، وَكَانَتْ قَدْ وَقَعَتْ مِنْهُ مَوْقِعًا عَظِيمًا، حَتَّى إِنَّهُ قَالَ: مَا سُرِرْتُ بِفَتْحِ قَلْعَةٍ أَعْظَمَ سُرُورًا مِنْ فَتْحِ مَدِينَةِ حَلَبَ. وَأَسْقَطَ عَنْهَا وَعَنْ سَائِرِ بِلَادِ الْجَزِيرَةِ الْمُكُوسَ وَالضَّرَائِبَ، وَكَذَلِكَ عَنْ بِلَادِ الشَّامِ وَمِصْرَ، فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا. وَقَدْ كَانَتِ الْفِرِنْجُ فِي غَيْبَةِ السُّلْطَانِ وَاشْتِغَالِهِ بِبِلَادِ الْجَزِيرَةِ وَتِلْكَ الْأُمُورِ، قَدْ عَاثَتْ فِي الْبِلَادِ بِالْإِفْسَادِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَاغْتَنَمَتِ الثَّعَالِبُ غَيْبَةَ الْأَسَدِ فَجَالَتْ حَوْلَ الْعَرِينِ وَهِيَ تَظُنُّ ذَلِكَ خَيَالًا، فَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَى عَسَاكِرِهِ ; لِيَجْتَمِعُوا إِلَيْهِ وَيَكُونُوا بَيْنَ يَدَيْهِ ; لِيَتَصَدَّى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ لِقِتَالِ الْفِرِنْجِ الْعَدُوِّ الْمَخْذُولِ، وَكَانَ قَدْ بُشِّرَ بِفَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حِينَ فَتَحَ حَلَبَ ; وَذَلِكَ أَنَّ الْفَقِيهَ مَجْدَ الدِّينِ بْنَ جَهْبَلٍ الشَّافِعِيَّ رَأَى فِي تَفْسِيرِ أَبِي الْحَكَمِ بْنِ بَرَّجَانَ الْمَغْرِبِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 1] الْآيَةَ. الْبِشَارَةَ بِفَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ، فَكَتَبَ ذَلِكَ فِي وَرَقَةٍ وَأَعْطَاهَا لِلْفَقِيهِ عِيسَى الْهَكَّارِيِّ ; لِيُبَشِّرَ بِهَا السُّلْطَانَ، فَلَمْ يَتَجَاسَرْ عَلَى ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ، فَأَعْلَمَ بِذَلِكَ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ بْنَ الزَّكِيِّ، فَنَظَمَ مَعْنَاهَا فِي قَصِيدَةٍ يَقُولُ فِيهَا: وَفَتْحُكُمْ حَلَبَ الشَّهْبَاءِ فِي صَفَرٍ ... قَضَى لَكُمْ بِافْتِتَاحِ الْقُدْسِ فِي رَجَبِ وَقَدَّمَهَا لِلسُّلْطَانِ فَقَوِيَتْ هِمَّةُ السُّلْطَانِ إِلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا افْتَتَحَهَا - كَمَا سَيَأْتِي - أَمَرَ الْقَاضِي فَخَطَبَ يَوْمَئِذٍ وَكَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ ابْنَ جَهْبَلٍ هُوَ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلًا، أَمَرَهُ فَدَرَّسَ عَلَى نَفْسِ الصَّخْرَةِ دَرْسًا عَظِيمًا،
পৃষ্ঠা - ১০৪৯১
وَأَجْزَلَ لَهُ الْعَطَاءَ وَأَحْسَنَ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ. فَصْلٌ ثُمَّ رَحَلَ السُّلْطَانُ مِنْ حَلَبَ فِي أَوَاخِرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ بِجُيُوشِهِ وَعَسَاكِرِهِ وَقَدْ جَعَلَ فِيهَا وَلَدَهُ الظَّاهِرَ غَازِيًا، وَوَلَّى قَضَاءَهَا لِمُحْيِي الدِّينِ بْنِ الزَّكِيِّ، فَاسْتَنَابَ لَهُ فِيهَا نَائِبًا، وَرَجَعَ هُوَ مَعَ السُّلْطَانِ فِي خِدْمَتِهِ، فَاجْتَازَ بِحَمَاةَ ثُمَّ بِحِمْصَ ثُمَّ عَلَى بَعْلَبَكَّ ثُمَّ دَخَلَ دِمَشْقَ فِي ثَالِثِ جُمَادَى الْأُولَى مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ وَنِعْمَةٍ جَسِيمَةٍ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَمِنْ نِيَّتِهِ الْخُرُوجُ سَرِيعًا إِلَى قِتَالِ الْفِرِنْجِ، فَبَرَزَ مِنْهَا فِي أَوَّلِ جُمَادَى الْآخِرَةِ فِي جَحَافِلِهِ قَاصِدًا نَحْوَ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ، فَانْتَهَى إِلَى بَيْسَانَ فَنَهَبَهَا، وَنَزَلَ عَلَى عَيْنِ جَالُوتَ وَأَرْسَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ سَرِيَّةً هَائِلَةً فِيهَا جُرْدَيْكُ وَطَائِفَةٌ مِنَ النُّورِيَّةِ، وَجَاوْلِي مَمْلُوكُ عَمِّهِ أَسَدِ الدِّينِ، فَوَجَدُوا جَيْشَ الْكَرَكِ مِنَ الْفِرِنْجِ قَاصِدِينَ إِلَى أَصْحَابِهِمْ ; نَجْدَةً لَهُمْ، فَالْتَقَوْا مَعَهُمْ فَقَتَلُوا مِنَ الْفِرِنْجِ خَلْقًا كَثِيرًا وَأَسَرُوا مِائَةَ أَسِيرٍ، وَلَمْ يُفْقَدْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سِوَى شَخْصٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ عَادَ فِي آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَبَلَغَ السُّلْطَانَ أَنَّ الْفِرِنْجَ قَدِ اجْتَمَعُوا لِقِتَالِهِ، فَقَصَدَهُمْ وَتَصَدَّى لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يُصَافُّونَهُ، فَنَكَّلُوا عَنْهُ فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ أَطْرَافِهِمْ وَجَرَحَ مِثْلَهُمْ، فَرَجَعُوا نَاكِصِينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ خَائِفِينَ مِنْهُ غَايَةَ الْمَخَافَةِ ; لِكَثْرَةِ جَيْشِهِ، وَهُوَ خَلْفَهُمْ يَقْتُلُ وَيَأْسِرُ حَتَّى غَوَّرُوا فِي بِلَادِهِمْ، فَرَجَعَ عَنْهُمْ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا، وَكَتَبَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ إِلَى الْخَلِيفَةِ يُعْلِمُهُ بِمَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَصْرِهِمْ عَلَى الْفِرِنْجِ، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ إِلَّا طَالَعَ
পৃষ্ঠা - ১০৪৯২
بِذَلِكَ الْخَلِيفَةِ ; أَدَبًا وَاحْتِرَامًا وَطَاعَةً وَاحْتِشَامًا. فَصْلٌ وَفِي رَجَبٍ سَارَ السُّلْطَانُ إِلَى الْكَرَكِ فَحَاصَرَهَا وَفِي صُحْبَتِهِ تَقِيُّ الدِّينِ عُمَرُ ابْنُ أَخِيهِ، وَقَدْ كَتَبَ إِلَى أَخِيهِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرٍ لِيَحْضُرَ إِلَيْهِ لِيُوَلِّيَهُ حَلَبَ وَأَعْمَالَهَا وَفْقَ مَا كَانَ طَلَبَ مِنْهُ، وَاسْتَمَرَّ الْحِصَارُ عَلَى الْكَرَكِ مُدَّةَ شَهْرِ رَجَبٍ، فَلَمْ يَظْفَرْ مِنْهَا بِطَلَبٍ، وَبَلَغَهُ أَنَّ الْفِرِنْجَ قَدِ اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ لِيَمْنَعُوا مِنْهُ الْكَرَكَ فَكَرَّ رَاجِعًا إِلَى دِمَشْقَ ; لِيَلْقَاهُمْ - وَذَلِكَ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّهِ وَأَعْظَمِ طَلَبِهِ - وَأَرْسَلَ ابْنَ أَخِيهِ تَقِيَّ الدِّينِ عُمَرَ إِلَى مِصْرَ نَائِبًا، وَفِي صُحْبَتِهِ الْقَاضِي الْفَاضِلُ، وَبَعَثَ أَخَاهُ عَلَى مَمْلَكَةِ حَلَبَ وَأَعْمَالِهَا، وَاسْتَقَدْمَ وَلَدَهُ الظَّاهِرَ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ نُوَّابَهُ وَمَنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَعْطَى السُّلْطَانُ أَخَاهُ الْعَادِلَ حَلَبَ لِيَكُونَ قَرِيبًا مِنْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَقْطَعُ أَمْرًا دُونَ مَشُورَتِهِ، وَاقْتَرَضَ النَّاصِرُ مِنْ أَخِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْعَادِلِ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَتَأَلَّمَ الظَّاهِرُ بْنُ النَّاصِرِ عَلَى مُفَارَقَةِ حَلَبَ وَكَانَتْ إِقَامَتُهُ الْأَوْلَى بِهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَلَكِنَّهُ لَا يُظْهِرُ مَا فِي نَفْسِهِ لِوَالِدِهِ، لَكِنْ يَظْهَرُ ذَلِكَ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ.
পৃষ্ঠা - ১০৪৯৩
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَى الْعَسَاكِرِ الْحَلَبِيَّةِ وَالْجَزَرِيَّةِ وَالْمِصْرِيَّةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ تَقِيُّ الدِّينِ عُمَرُ مِنْ مِصْرَ وَمَعَهُ الْقَاضِي الْفَاضِلُ، وَجَاءَ مِنْ حَلَبَ أَبُو بَكْرٍ الْعَادِلُ، وَقَدِمَتْ مُلُوكُ الْجَزِيرَةِ وَسِنْجَارَ وَتِلْكَ النَّوَاحِي وَالْأَقْطَارِ، وَأَخَذَهَا كُلَّهَا مَعَ جَيْشِهِ، فَسَارَ بِهَا إِلَى الْكَرَكَ فَأَحْدَقُوا بِهَا فِي رَابِعَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى، وَرَكَّبَ عَلَيْهَا الْمَجَانِيقَ، وَكَانَتْ تِسْعَةً، وَأَخَذَ فِي حِصَارِهَا ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ فَتْحَهَا الْآنَ أَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُمْ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ عَلَى الْحَجِيجِ وَالتُّجَّارِ فِي الْبَرَارِي وَالْبِحَارِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَلَغَهُ أَنَّ الْفِرِنْجَ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - قَدِ اجْتَمَعُوا لَهُ كُلُّهُمْ فَارِسُهُمْ وَرَاجِلُهُمْ ; لِيَمْنَعُوا مِنْهُ الْكَرَكَ فَانْشَمَرَ عَنْهَا وَقَصَدَهُمْ، فَنَزَلَ عَلَى حُسْبَانَ تُجَاهَهُمْ، ثُمَّ صَارَ إِلَى مَاءِ عَيْنٍ، فَانْهَزَمَتِ الْفِرِنْجُ قَاصِدِينَ الْكَرَكَ فَأَرْسَلَ وَرَاءَهُمْ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَأَمَرَ السُّلْطَانُ الْجُيُوشَ بِالْإِغَارَةِ عَلَى السَّوَاحِلِ ; لِخُلُوِّهَا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ، فَنَهَبَتْ نَابُلُسَ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْقَرَايَا وَالرَّسَاتِيقِ، ثُمَّ عَادَ السُّلْطَانُ إِلَى دِمَشْقَ فَأَذِنَ لِلْعَسَاكِرِ فِي الِانْصِرَافِ إِلَى بُلْدَانِهِمُ الشَّتَّى، وَأَمَرَ ابْنَ أَخِيهِ تَقِيَّ الدِّينِ عُمَرَ الْمَلِكَ الْمُظَفَّرَ أَنْ يَعُودَ إِلَى مِصْرَ بِعَسْكَرِهِ، وَكَذَلِكَ أَخَاهُ الْعَادِلَ أَنْ يَعُودَ إِلَى الشَّهْبَاءِ، وَأَقَامَ السُّلْطَانُ بِدِمَشْقَ ;
পৃষ্ঠা - ১০৪৯৪
لِيُؤَدِّيَ فَرْضَ الصِّيَامِ، وَلِتَجِمَّ الْخَيْلُ وَيُحَدَّ الْحُسَامَ، وَقَدِمَتْ عَلَى السُّلْطَانِ خِلَعُ الْخَلِيفَةِ فَلَبِسَهَا، وَأَلْبَسَ أَخَاهُ الْعَادِلَ، وَابْنَ عَمِّهِ نَاصِرَ الدِّينِ مُحَمَّدَ بْنَ شِيرَكُوهْ، ثُمَّ خَلَعَ السُّلْطَانُ خِلْعَتَهُ عَلَى نَاصِرِ الدِّينِ بْنِ قَرَا أَرْسَلَانَ، صَاحِبِ حِصْنِ كَيْفَا وَخَرْتَبِرْتَ وَآمِدَ الَّتِي أَطْلَقَهَا لَهُ السُّلْطَانُ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ ابْنُ عَمِّهِ صَاحِبُ مَارْدِينَ وَمَيَّافَارْقِينَ وَتِلْكَ الْأَعْمَالِ، وَهُوَ قُطْبُ الدِّينِ إِيلِغَازِي بْنُ أَلْبِي بْنِ تَمُرْتَاشَ بْنِ إِيلِغَازِي بْنِ أُرْتُقَ، فَقَامَ فِي الْمُلْكِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ عَشْرُ سِنِينَ. وَفِيهَا مَاتَ صَاحِبُ الْمَغْرِبِ - أَيْضًا - يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ عَلِيٍّ وَقَامَ فِي الْمُلْكِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ يَعْقُوبُ. وَفِي أَوَاخِرِ السَّنَةِ بَلَغَ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ أَنَّ صَاحِبَ الْمَوْصِلِ نَازِلٌ إِرْبِلَ، فَبَعَثَ صَاحِبُهَا يَسْتَصْرِخُ بِالسُّلْطَانِ، فَرَكِبَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَيْهِ فِي جُنُودِهِ وَعَسَاكِرِهِ، فَسَارَ إِلَى بَعْلَبَكَّ ثُمَّ إِلَى حِمْصَ ثُمَّ إِلَى حَمَاةَ، فَأَقَامَ بِهَا أَيَّامًا يَنْتَظِرُ وُصُولَ الْعِمَادِ الْكَاتِبِ إِلَيْهِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ ضَعْفٌ فَأَقَامَ بِبَعْلَبَكَّ رَيْثَمَا اسْتَبَلَّ مِنْ مَرَضِهِ، وَقَدْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ الْقَاضِي الْفَاضِلُ مِنْ دِمَشْقَ حَكِيمًا يُقَالُ لَهُ: أَسْعَدُ بْنُ إِلْيَاسَ الْمُطْرَانُ. فَعَالَجَهُ مُعَالَجَةَ مَنْ طَبَّ لِمَنْ حَبَّ.
পৃষ্ঠা - ১০৪৯৫
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] اسْتُهِلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَالسُّلْطَانُ مُخَيِّمٌ بِظَاهِرِ حَمَاةَ، فَسَارَ إِلَى حَلَبَ وَتَلَقَّاهُ أَخُوهُ الْعَادِلُ، وَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ الْعَسَاكِرُ، فَخَرَجَ مِنْهَا فِي صَفَرٍ ; لِقَصْدِ الْمَوْصِلِ فَقَطَعَ الْفُرَاتَ، وَجَاءَ إِلَى حَرَّانَ فَقَبَضَ عَلَى صَاحِبِهَا مُظَفَّرِ الدِّينِ بْنِ زَيْنِ الدِّينِ، وَهُوَ أَخُو زَيْنِ الدِّينِ صَاحِبِ إِرْبِلَ، ثُمَّ رَضِيَ عَنْهُ، وَأَعَادَهُ إِلَى مَمْلَكَتِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حُسْنَ طَوِيَّتِهِ، ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إِلَى الْمَوْصِلِ فَتَلَقَّاهُ الْمُلُوكُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَجَاءَ إِلَى خِدْمَتِهِ عِمَادُ الدِّينِ أَبُو بَكْرِ بْنُ قَرَا أَرْسَلَانَ صَاحِبُ بِلَادِ بِكْرٍ وَآمِدَ، ثُمَّ بَلَغَهُ مَوْتُ أَخِيهِ نُورِ الدِّينِ أَرْسَلَانَ، فَطَلَبَ دُسْتُورًا ; لِأَخْذِ مَمْلَكَتِهِ فَأَعْطَاهُ، وَسَارَ السُّلْطَانُ فَنَزَلَ عَلَى الْإِسْمَاعِيلِيَّاتِ قَرِيبًا مِنَ الْمَوْصِلِ وَجَاءَهُ صَاحِبُ إِرْبِلَ زَيْنُ الدِّينِ وَهُوَ مِمَّنْ خَضَعَ لَهُ مُلُوكُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ - كَمَا تَقَدَّمَ - وَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ ضِيَاءَ الدِّينِ بْنَ كَمَالِ الدِّينِ الشَّهْرُزُورِيَّ إِلَى الْخَلِيفَةِ يُعْلِمُهُ بِمَا عَزَمَ عَلَيْهِ مِنْ حِصَارِ الْمَوْصِلِ وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ رَدُّهُمْ إِلَى طَاعَةِ الْإِمَامِ، وَنُصْرَةِ الْإِسْلَامِ، فَحَاصَرَهَا مُدَّةً، ثُمَّ تَرَحَّلَ عَنْهَا فِي آخِرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَفْتَحْهَا، وَسَارَ إِلَى خِلَاطَ وَاسْتَحْوَذَ عَلَى بُلْدَانٍ كَثِيرَةٍ، وَأَقَالِيمَ جَمَّةٍ بِبِلَادِ الْجَزِيرَةِ وَدِيَارِ بَكْرٍ، وَجَرَتْ أُمُورٌ طَوِيلَةٌ قَدِ اسْتَقْصَاهَا ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " الْكَامِلِ " وَصَاحِبُ " الرَّوْضَتَيْنِ "، ثُمَّ وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوَاصِلَةِ، عَلَى أَنْ يَكُونُوا مَنْ جُنْدِهِ إِذَا نَدَبَهُمْ لِقِتَالِ الْفِرِنْجِ، وَعَلَى أَنْ
পৃষ্ঠা - ১০৪৯৬
يَخْطُبَ لَهُ، وَتُضْرَبَ السِّكَّةُ بِاسْمِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ كُلِّهَا، وَانْقَطَعَتْ خُطْبَةُ السَّلَاجِقَةِ وَالْأَزِيقِيَّةِ بِتِلْكَ الْبِلَادِ كُلِّهَا، وَاتَّفَقَ الْحَالُ وَزَالَ الْإِشْكَالُ. وَاتَّفَقَ أَنَّهُ مَرِضَ بَعْدَ هَذَا مَرَضًا شَدِيدًا، وَهُوَ يَتَجَلَّدُ وَلَا يُظْهِرُ شَيْئًا مِنَ التَّأَلُّمِ حَتَّى قَوِيَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَتَزَايَدَ الْحَالُ، حَتَّى وَصَلَ إِلَى حَرَّانَ فَخَيَّمَ هُنَالِكَ مِنْ شِدَّةِ أَلَمِهِ، وَشَاعَ ذَلِكَ فِي الْبِلَادِ، فَخَافَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَأَرْجَفَ الْكَفَرَةُ وَالْمُلْحِدُونَ، وَخَافَ أَهْلُ الْبِرِّ وَالْمُؤْمِنُونَ، وَقَصَدَهُ أَخُوهُ أَبُو بَكْرٍ الْعَادِلُ مِنْ حَلَبَ بِالْأَطِبَّاءِ وَالْأَدْوِيَةِ، فَوَجَدَهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ يُوصِيَ وَيَعْهَدَ، فَقَالَ: مَا أُبَالِي وَأَنَا أَتْرُكُ مِنْ بَعْدِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا - يَعْنِي أَخَاهُ الْعَادِلَ صَاحِبَ حَلَبَ وَتَقِيَّ الدِّينِ عُمَرَ صَاحِبَ حَمَاةَ وَهُوَ إِذْ ذَاكَ نَائِبُ مِصْرَ وَهُوَ بِهَا مُقِيمٌ، وَابْنَيْهِ الْعَزِيزَ عُثْمَانَ وَالْأَفْضَلَ عَلَّيَا - ثُمَّ نَذَرَ لِلَّهِ تَعَالَى لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ مِنْ مَرَضِهِ هَذَا لَيَصْرِفَنَّ هِمَّتَهُ كُلَّهَا إِلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ، وَلَا يُقَاتِلُ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْلِمًا، وَلَيَجْعَلَنَّ أَكْبَرَ هَمِّهِ فَتْحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَوْ صَرَفَ فِي سَبِيلِ ذَلِكَ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُهُ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالذَّخَائِرِ وَلَيَقْتُلَنَّ الْبِرِنْسَ صَاحِبَ الْكَرَكِ بِيَدِهِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ نَقَضَ الْعَهْدَ الذى عَاهَدَ السُّلْطَانَ عَلَيْهِ فَغَدَرَ بِقَافِلَةٍ مِنْ تُجَّارِ مِصْرَ، فَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، وَضَرَبَ رِقَابَهُمْ صَبْرًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَيْنَ مُحَمَّدُكُمْ يَنْصُرُكُمْ؟ وَكَانَ هَذَا النَّذْرُ كُلُّهُ بِإِشَارَةِ الْقَاضِي الْفَاضِلِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ الَّذِي أَرْشَدَهُ إِلَى ذَلِكَ وَحَثَّهُ عَلَيْهِ، حَتَّى عَقَدَهُ مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَشَفَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَافَاهُ مِمَّا كَانَ ابْتَلَاهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ الَّذِي كَانَ فِيهِ ; كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِهِ وَرَفْعٌ لِدَرَجَتِهِ وَنُصْرَةٌ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَجَاءَتِ الْبَشَائِرُ بِذَلِكَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَزُيِّنَتِ الْبِلَادُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَكَتَبَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ مِنْ دِمَشْقَ وَهُوَ مُقِيمٌ بِهَا إِلَى الْمُظَفَّرِ تَقِيِّ الدِّينِ عُمَرَ
পৃষ্ঠা - ১০৪৯৭
পৃষ্ঠা - ১০৪৯৮
بَارِعًا فِي فُنُونٍ، وَلَا سِيَّمَا فِي الشِّعْرِ وَالْأَدَبِ، وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ الْعِمَادُ، وَالشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ. الْأَمِيرُ نَاصِرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَسَدِ الدِّينِ شِيرَكُوهْ صَاحِبُ حِمْصَ وَالرَّحْبَةِ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ، وَزَوْجِ أُخْتِهِ سِتِّ الشَّامِ بِنْتِ أَيُّوبَ، كَانَتْ وَفَاتُهُ بِحِمْصَ فَنَقَلَتْهُ زَوْجَتُهُ سِتُّ الشَّامِ إِلَى تُرْبَتِهَا بِالْمَدْرَسَةِ الشَّامِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ، فَقَبَرُهُ هُوَ الْأَوْسَطُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَخِيهَا الْمُعَظَّمِ تُورَانْشَاهْ صَاحِبِ الْيَمَنِ، وَقَدْ خَلَّفَ نَاصِرُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالذَّخَائِرِ شَيْئًا كَثِيرًا، يُنَيِّفُ عَلَى أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ فَجْأَةً، فَوَلِيَ مِنْ بَعْدِهِ مَمْلَكَةَ حِمْصَ وَلَدُهُ أَسَدُ الدِّينِ شِيرَكُوهْ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ، أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى. مَحْمُودُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ أَبُو الثَّنَاءِ الْمَحْمُودِيُّ بْنُ الصَّابُونِيِّ ; لِأَنَّ جَدَّ أُمِّهِ الشَّيْخُ أَبُو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ، كَانَ أَحَدَ الْأَئِمَّةِ الْمَشَاهِيرِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ: الْمَحْمُودِيُّ. لِصُحْبَةِ جَدِّهِ السُّلْطَانَ مَحْمُودَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مَلِكْشَاهْ، فَقَدِمَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ هَذَا الشَّامَ فِي أَيَّامِ السُّلْطَانِ نُورِ الدِّينِ مَحْمُودِ بْنِ زَنْكِيٍّ فَأَكْرَمَهُ وَاحْتَرَمَهُ، ثُمَّ سَارَ إِلَى
পৃষ্ঠা - ১০৪৯৯
مِصْرَ فَنَزَلَهَا، وَكَانَ صَلَاحُ الدِّينِ يُكْرِمُهُ أَيْضًا، وَوَقَفَ عَلَيْهِ وَعَلَى ذُرِّيَّتِهِ أَرْضًا، فَهِيَ لَهُمْ إِلَى الْآنَ. الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ سَعْدُ الدِّينِ مَسْعُودُ بْنُ مُعِينِ الدِّينِ كَانَ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْكِبَارِ أَيَّامَ نُورِ الدِّينِ وَصَلَاحِ الدِّينِ، وَهُوَ أَخُو السِّتِّ خَاتُونَ، وَحِينَ تَزَوَّجَهَا صَلَاحُ الدِّينِ زَوَّجَهُ أُخْتَهُ السِّتَّ رَبِيعَةَ خَاتُونَ بِنْتَ أَيُّوبَ، الَّتِي تُنْسَبُ إِلَيْهَا الْمَدْرَسَةُ الصَّلَاحِيَّةُ بِالسَّفْحِ عَلَى الْحَنَابِلَةِ، وَقَدْ تَأَخَّرَتْ مُدَّتُهَا فَتُوُفِّيَتْ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَكَانَتْ آخِرَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَوْلَادِ أَيُّوبَ لِصُلْبِهِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِدِمَشْقَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ جُرْحٍ أَصَابَهُ وَهُوَ فِي حِصَارِ مَيَّافَارِقِينَ. السِّتُّ خَاتُونُ عِصْمَةُ الدِّينِ بِنْتُ مُعِينِ الدِّينِ، نَائِبِ دِمَشْقَ وَأَتَابِكِ عَسْكَرِهَا قَبْلَ نُورِ الدِّينِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ كَانَتْ زَوْجَةَ نُورِ الدِّينِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا مِنْ بَعْدِهِ صَلَاحُ الدِّينِ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءِ وَأَعَفِّهِنَّ وَأَكْثَرِهِنَّ صَدَقَةً، وَهِيَ وَاقِفَةُ الْخَاتُونِيَّةِ الْجُوَانِيَّةِ بِمَحَلَّةِ حَجَرِ الذَّهَبِ، وَخَانِقَاهُ خَاتُونَ ظَاهِرَ بَابِ النَّصْرِ فِي أَوَّلِ الشَّرَفِ الْقِبْلِيِّ عَلَى بَانِيَاسَ وَدُفِنَتْ بِتُرْبَتِهَا فِي سَفْحِ قَاسِيُونَ قَرِيبًا مِنْ قِبَابِ الشَّرْكَسِيَّةِ، وَإِلَى جَنْبِهَا دَارُ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةُ وَالْأَتَابِكِيَّةُ، وَلَهَا أَوْقَافٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ ذَلِكَ، وَأمَّا
পৃষ্ঠা - ১০৫০০
الْخَاتُونِيَّةُ الْبَرَّانِيَّةُ الَّتِي عَلَى الْقَنَوَاتِ بِمَحَلَّةِ صَنْعَاءِ الشَّامِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ الْمَكَانُ الَّتِي هِيَ فِيهِ بِتَلِّ الثَّعَالِبِ، فَهِيَ مِنْ إِنْشَاءِ السِّتِّ زُمُرُّدَ خَاتُونَ بِنْتِ جَاوْلِي، وَهِيَ أُخْتُ الْمَلِكِ دُقَاقَ لِأُمِّهِ، وَكَانَتْ زَوْجَةَ زَنْكِيٍّ وَالِدِ نُورِ الدِّينِ مَحْمُودٍ، صَاحِبِ حَلَبَ وَقَدْ مَاتَتْ قَبْلَ هَذَا الْحِينِ كَمَا تَقَدَّمَ، رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى. الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ، أَحَدُ حُفَّاظِ الدُّنْيَا الرِّحَالِينَ الْجَوَّالِينَ لَهُ مُصَنَّفَاتٌ عَدِيدَةٌ، وَشَرَحَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ. السُّهَيْلِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ أَبُو الْقَاسِمِ وَأَبُو زَيْدٍ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْخَطِيبِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخَطِيبِ أَبِي عُمَرَ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَصْبَغَ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ سَعْدُونَ بْنِ رِضْوَانَ بْنِ فَتُّوحٍ - هُوَ الدَّاخِلُ إِلَى الْأَنْدَلُسِ - الْخَثْعَمِيُّ السُّهَيْلِيُّ حَكَى الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ، عَنِ ابْنِ دَحْيَةَ أَنَّهُ أَمْلَى عَلَيْهِ نَسَبَهُ، كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ وَالسُّهَيْلِيُّ نِسْبَةً إِلَى قَرْيَةٍ بِالْقُرْبِ مِنْ مَالِقَةَ، اسْمُهَا سُهَيْلٌ ; لِأَنَّهُ لَا يُرَى سُهَيْلٌ النَّجْمُ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ إِلَّا مِنْ رَأَسِ جَبَلٍ شَاهِقٍ عِنْدَهَا. وُلِدَ السُّهَيْلِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَقَرَأَ الْقِرَاءَاتِ وَاشْتَغَلَ، وَحَصَّلَ حَتَّى بَرَعَ وَسَادَ أَهْلَ زَمَانِهِ
পৃষ্ঠা - ১০৫০১
بِقُوَّةِ الْقَرِيحَةِ وَجَوْدَةِ الذِّهْنِ، وَحُسْنِ التَّصَانِيفِ، وَكَانَ ضَرِيرًا مَعَ ذَلِكَ. لَهُ كِتَابُ " الرَّوْضِ الْأُنُفِ " يَذْكُرُ فِيهِ نُكَتًا حَسَنَةً عَلَى السِّيرَةِ لَمْ يُسْبَقْ إِلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا، وَلَهُ كِتَابُ " الْإِعْلَامِ فِيمَا أُبْهِمَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ "، وَكِتَابُ " نَتَائِجِ الْفِكْرِ "، وَمَسْأَلَةٌ فِي الْفَرَائِضِ بَدِيعَةٌ، وَمَسْأَلَةٌ فِي السِّرِّ فِي كَوْنِ الدَّجَّالِ أَعْوَرَ، وَأَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ فَرِيدَةٌ بَدِيعَةٌ مُفِيدَةٌ، وَلَهُ أَشْعَارٌ حَسَنَةٌ، وَكَانَ عَفِيفًا فَقِيرًا، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فِي آخِرِ عُمْرِهِ مِنْ صَاحِبِ مُرَّاكِشَ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ السَّادِسَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، وَلَهُ قَصِيدَةٌ كَانَ يَدْعُو اللَّهَ بِهَا وَيَرْتَجِي الْإِجَابَةَ فِيهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: يَا مَنْ يَرَى مَا فِي الضَّمِيرِ وَيَسْمَعُ ... أَنْتَ الْمُعَدُّ لِكُلِّ مَا يُتَوَقَّعُ يَا مَنْ يُرَجَّى لِلشَّدَائِدِ كُلِّهَا ... يَا مَنْ إِلَيْهِ الْمُشْتَكَى وَالْمَفْزَعُ يَا مَنْ خَزَائِنُ رِزْقِهِ فِي قَوْلِ كُنْ ... امْنُنْ فَإِنَّ الْخَيْرَ عِنْدَكَ أَجْمَعُ مَا لِي سِوَى فَقْرِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ ... فَبِالِافْتِقَارِ إِلَيْكَ فَقْرِيَ أَدْفَعُ مَا لِي سِوَى قَرْعِي لِبَابِكَ حِيلَةٌ ... فَلَئِنْ رُدِدْتُ فَأَيَّ بَابٍ أَقْرَعُ وَمَنِ الَّذِي أَدْعُو وَأَهْتِفُ بِاسْمِهِ ... إِنْ كَانَ فَضْلُكَ عَنْ فَقِيرِكَ يُمْنَعُ حَاشَا لِمَجْدِكَ أَنْ يُقَنِّطَ عَاصِيًا ... الْفَضْلُ أَجْزَلُ وَالْمَوَاهِبُ أَوْسَعُ
পৃষ্ঠা - ১০৫০২
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي ثَانِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا كَانَ دُخُولُ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ إِلَى دِمَشْقَ بَعْدَ عَافِيَتِهِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا كَمَا جَرَتْ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَادَةُ الْمُلُوكُ، وَاجْتَمَعَ بِالْقَاضِي الْفَاضِلِ وَزَارَهُ وَاسْتَزَارَهُ، وَفَاوَضَهُ وَاسْتَشَارَهُ، وَكَانَ لَا يَقْطَعُ أَمْرًا دُونَهُ، وَلَا يُخْفِي عَنْهُ مَكْنُونَهُ، وَلَا ضَمِيرَهُ وَمَضْمُونَهُ، ثُمَّ قَرَّرَ السُّلْطَانُ فِي مُلْكِ دِمَشْقَ وَلَدَهُ الْأَفْضَلَ عَلِيًّا، وَنَزَلَ الْعَادِلُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ حَلَبَ لِصِهْرِهِ، زَوْجِ ابْنَتِهِ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ غَازِيِّ بْنِ السُّلْطَانِ، وَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ أَخَاهُ الْعَادِلَ صُحْبَةَ وَلَدِهِ عِمَادِ الدِّينِ عُثْمَانَ الْمَلِكِ الْعَزِيزِ عَلَى مُلْكِ مِصْرَ، وَيَكُونُ الْعَادِلُ أَتَابِكَهُ، وَلَهُ أَقْطَاعٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا، وَعَزَلَ عَنْهَا نَائِبَهَا تَقِيَّ الدِّينِ عُمَرَ، فَعَزَمَ عَلَى الدُّخُولِ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ، فَلَمْ يَزَلِ السُّلْطَانُ يُكَاتِبُهُ وَيَتَلَطَّفُ بِهِ وَيَتَرَفَّقُ لَهُ حَتَّى أَقْبَلَ بِجُنُودِهِ نَحْوَهُ، فَأَكْرَمَهُ وَاحْتَرَمَهُ وَعَظَّمَهُ وَأَقْطَعُهُ حَمَاةَ وَبِلَادًا كَثِيرَةً مَعَهَا - وَقَدْ كَانَتْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ - وَزَادَهُ عَلَى ذَلِكَ مَدِينَةَ مَيَّافَارِقِينَ وَامْتَدَحَهُ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ بِقَصِيدَةٍ سِينِيَّةٍ سَنِيَّةٍ ذَكَرَهَا فِي " الرَّوْضَتَيْنِ ". وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ هَادَنَ قُومَصُ طَرَابُلُسَ السُّلْطَانَ وَصَالَحَهُ وَصَافَاهُ، حَتَّى كَانَ يُقَاتِلُ مُلُوكَ الْفِرِنْجِ أَشَدَّ الْقِتَالِ وَيَسْبِي مِنْهُمُ النِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ، وَكَادَ أَنْ يُسْلِمَ وَلَكِنْ صَدَّهُ شَيْطَانُهُ وَرَمَاهُ بِالْخَبَالِ، وَكَانَتْ مُصَالَحَتُهُ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ نُصْرَةِ