পৃষ্ঠা - ১০৩০২
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِي الْمُحَرَّمِ مِنْهَا دَخَلَ السُّلْطَانُ سُلَيْمَانُ شَاهْ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَلِكْشَاهْ بْنِ أَلْبِ أَرْسَلَانَ السَّلْجُوقِيُّ إِلَى بَغْدَادَ وَعَلَى رَأْسِهِ الشَّمْسِيَّةُ، فَتَلَقَّاهُ الْوَزِيرُ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَأَدْخَلَهُ عَلَى الْخَلِيفَةِ، فَقَبَّلَ الْأَرْضَ وَحَلَّفَهُ عَلَى الطَّاعَةِ وَصَفَاءِ النِّيَّةِ وَالْمُنَاصَحَةِ وَالْمَوَدَّةِ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ خُلَعَ الْمُلُوكِ، وَتَقَرَّرَ أَنَّ لِلْخَلِيفَةِ الْعِرَاقَ وَلِسُلَيْمَانَ شَاهْ مَا يَفْتَحُهُ مِنْ خُرَاسَانَ ثُمَّ خُطِبَ لَهُ بِبَغْدَادَ بَعْدَ الْمَلِكِ سَنْجَرَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَاقْتَتَلَ هُوَ وَالسُّلْطَانُ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ مَلِكْشَاهْ، فَهَزَمَهُ مُحَمَّدٌ وَهَزَمَ عَسْكَرَهُ، فَذَهَبَ هَارِبًا فَتَلَقَّاهُ نَائِبُ قُطْبِ الدِّينِ مَوْدُودُ بْنُ زَنْكِيٍّ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ فَأَسَرَهُ وَحَبَسَهُ بِقَلْعَةِ الْمَوْصِلِ وَأَكْرَمَهُ مُدَّةَ حَبْسِهِ وَخَدَمَهُ، وَهَذَا مِنْ أَغْرَبِ الِاتِّفَاقَاتِ.
وَفِيهَا مَلَكَتِ الْفِرِنْجُ الْمَهْدِيَّةَ مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ بَعْدَ حِصَارٍ شَدِيدٍ. وَفِيهَا فَتَحَ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ زَنْكِيٍّ قَلْعَةَ تَلِّ حَارِمٍ وَاقْتَلَعَهَا مِنْ أَيْدِي الْفِرِنْجِ، وَكَانَتْ مِنْ أَحْصَنِ الْقِلَاعِ وَأَمْنَعِ الْبِقَاعِ وَذَلِكَ بَعْدَ قِتَالٍ عَظِيمٍ وَوَقْعَةٍ هَائِلَةٍ كَانَتْ مِنْ أَكبَرِ الْفُتُوحَاتِ، وَقَدِ امْتَدَحَهُ الشُّعَرَاءُ عِنْدَ ذَلِكَ. وَفِيهَا هَرَبَ الْمَلِكُ سَنْجَرُ مِنَ الْأَسْرِ وَعَادَ إِلَى مُلْكِهِ بِمَرْوَ، وَكَانَ لَهُ فِي أَيْدِيهِمْ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِ سِنِينَ. وَفِيهَا اسْتَعْمَلَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ أَوْلَادَهُ عَلَى بِلَادِهِ ; اسْتَنَابَ كُلَّ وَاحِدٍ فِي بَلَدٍ كَبِيرٍ.
পৃষ্ঠা - ১০৩০৩
ذِكْرُ حِصَارِ بَغْدَادَ
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ السُّلْطَانَ مُحَمَّدَ بْنَ مَحْمُودِ بْنِ مَلِكْشَاهْ أَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ الْمُقْتَفِي يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَخْطُبَ لَهُ بِبَغْدَادَ، فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ، فَسَارَ مِنْ هَمَذَانَ إِلَى بَغْدَادَ لِيُحَاصِرَهَا، فَانْجَفَلَ النَّاسُ، وَحَصَّنَ الْخَلِيفَةُ الْبَلَدَ، وَجَاءَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ فَحَصَرَ بَغْدَادَ وَوَقَفَ تُجَاهَ التَّاجِ مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ فِي جَحْفَلٍ عَظِيمٍ، وَرَمَوْا نَحْوَهُ بِالنُّشَّابِ، وَقَاتَلَتِ الْعَامَّةُ قِتَالًا عَظِيمًا بِالنِّفْطِ وَغَيْرِهِ، وَاسْتَمَرَّ الْقِتَالُ إِلَى مُدَّةٍ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَلَغَ السُّلْطَانُ أَنَّ أَخَاهُ قَدْ خَلَفَهُ فِي هَمَذَانَ فَانْشَمَرَ عَنْ بَغْدَادَ رَاحِلًا إِلَى هَمَذَانَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَتَفَرَّقَتِ الْعَسَاكِرُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي الْبِلَادِ، وَأَصَابَ النَّاسَ بَعْدَ هَذَا الْقِتَالِ مَرَضٌ شَدِيدٌ، وَمَوْتٌ ذَرِيعٌ، وَاحْتَرَقَتْ مَحَالُّ كَثِيرَةٌ مِنْ بَغْدَادَ وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ فِيهَا مُدَّةَ شَهْرَيْنِ.
وَفِيهَا أُطْلِقَ أَبُو الْبَدْرِ بْنُ الْوَزِيرِ بْنِ هُبَيْرَةَ مِنْ قَلْعَةِ تَكْرِيتَ وَكَانَ لَهُ فِيهَا، مُعْتَقَلًا، ثَلَاثَ سِنِينَ، فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ إِلَى أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، وَامْتَدَحَهُ الشُّعَرَاءُ، فَكَانَ مِنْ جُمْلَتِهِمُ الْأَبْلَهُ الشَّاعِرُ، أَنْشَدَ الْوَزِيرَ قَصِيدَةً يَقُولُ فِي أَوَّلِهَا:
بِأَيِّ لِسَانٍ لِلْوُشَاةِ أُلَامُ ... وَقَدْ عَلِمُوا أَنِّي سَهِرْتُ وَنَامُوا
পৃষ্ঠা - ১০৩০৪
إِلَى أَنْ قَالَ
وَيَسْتَكْثِرُونَ الْوَصْلَ لِي مِنْكَ لَيْلَةً ... وَقَدْ مَرَّ عَامٌ بِالصُّدُودِ وَعَامُ
فَطَرِبَ الْخَلِيفَةُ عِنْدَ ذَلِكَ. وَخَلَعَ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ وَأَطْلَقَ لَهُ خَمْسِينَ دِينَارًا، وَحَجَّ بِالنَّاسِ قَايْمَازُ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَبُو الْحَسَنِ الْغَزْنَوِيُّ
الْوَاعِظُ، كَانَ لَهُ قَبُولٌ كَثِيرٌ مِنَ الْعَامَّةِ، وَبَنَتْ لَهُ الْخَاتُونُ زَوْجَةُ الْمُسْتَظْهِرِ رِبَاطًا بِبَابِ الْأَزَجِّ، وَوَقَفَتْ عَلَيْهِ أَوْقَافًا كَثِيرَةً، فَحَصَلَ لَهُ جَاهٌ عَرِيضٌ وَزَارَهُ السُّلْطَانُ. وَكَانَ حَسَنَ الْإِيرَادِ مَلِيحَ الْوَعْظِ، يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَجَمٌّ غَفِيرٌ مِنْ أَصْنَافِ النَّاسِ. وَقَدِ اسْتَمْلَحَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَشْيَاءَ مِنْ وَعْظِهِ، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَوْمًا يَقُولُ: حُزْمَةُ حُزْنٍ خَيْرٌ مِنْ أَعْدَالِ أَعْمَالِ. ثُمَّ أَنْشَدَ
كَمْ حَسْرَةٍ لِي فِي الْحَشَا ... مِنْ وَلَدٍ إِذَا نَشَا
أَمَّلْتُ فِيهِ رُشْدَهُ ... فَمَا نَشَا كَمَا أَشَا
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَوْمًا يُنْشِدُ
يَحْسُدُنِي قَوْمِي عَلَى صَنْعَتِي ... لِأَنَّنِي فِي صَنْعَتِي فَارِسُ
سَهِرْتُ فِي لَيْلِي وَاسْتَنْعَسُوا ... وَهَلْ يَسْتَوِي السَّاهِرُ وَالنَّاعِسُ
পৃষ্ঠা - ১০৩০৫
قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: تُوَلُّونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَيَسُبُّونَ نَبِيَّكُمْ فِي يَوْمِ عِيدِهِمْ وَيُصْبِحُونَ يَجْلِسُونَ إِلَى جَانِبِكُمْ؟ ! ثُمَّ يَقُولُ: أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالَ: وَكَانَ يَتَشَيَّعُ، ثُمَّ سُعِيَ فِي مَنْعِهِ مِنَ الْوَعْظِ، ثُمَّ أُذِنَ لَهُ، وَلَكِنْ ظَهَرَ لِلنَّاسِ ابْنُ الْعَبَّادِيِّ، فَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَمِيلُونَ إِلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ يُعَظِّمُهُ وَيَحْضُرُ مَجْلِسَهُ، فَلَمَّا مَاتَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ ذُلَّ الْغَزْنَوِيُّ بَعْدَهُ، وَأُهِينَ إِهَانَةً بَالِغَةً، فَمَرِضَ وَمَاتَ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَعْرَقُ فِي نَزْعِهِ ثُمَّ يَفِيقُ وَهُوَ يَقُولُ: رِضًى وَتَسْلِيمٌ. وَلَمَّا مَاتَ دُفِنَ فِي رِبَاطِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ.
مَحْمُودُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ قَادُوسَ، أَبُو الْفَتْحِ الدِّمْيَاطِيُّ
كَاتِبُ الْإِنْشَاءِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَهُوَ شَيْخُ الْقَاضِي الْفَاضِلِ وَكَانَ يُسَمِّيهِ ذَا الْبَلَاغَتَيْنِ، وَذَكَرَهُ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ فِي " الْخَرِيدَةِ " وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَمِنْ شِعْرِهِ فِيمَنْ يُكَرِّرُ التَّكْبِيرَ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ
وَفَاتِرُ النِّيَّةِ عِنِّينِهَا ... مَعْ كَثْرَةِ الرَّعْدَةِ وَالْهِزَّهْ
يُكَبِّرُ سَبْعِينَ فِي مَرَّةٍ ... كَأَنَّهُ صَلَّى عَلَى حَمْزَهْ
পৃষ্ঠা - ১০৩০৬
الشَّيْخُ أَبُو الْبَيَانِ
نَبَا بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْحَوْرَانِيِّ، الْفَقِيهُ الزَّاهِدُ الْعَابِدُ الْفَاضِلُ الْخَاشِعُ، قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، قَرَأَ الْقُرْآنَ وَكِتَابَ " التَّنْبِيهِ " عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَكَانَ حَسَنَ الْمَعْرِفَةِ بِاللُّغَةِ، كَثِيرَ الْمُطَالَعَةِ، وَلَهُ كَلَامٌ يُؤْثَرُ عَنْهُ، وَرَأَيْتُ لَهُ كِتَابًا بِخَطِّهِ فِيهِ النَّظَائِمُ الَّتِي لَهُ، يَقُولُهَا أَصْحَابُهُ وَأَتْبَاعُهُ بِلَهْجَةٍ غَرِيبَةٍ، وَقَدْ كَانَ مِنْ نَشْأَتِهِ إِلَى أَنْ تُوَفِّيَ عَلَى طَرِيقَةٍ صَالِحَةٍ، وَقَدْ زَارَهُ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ فِي رِبَاطِهِ دَاخِلَ دَرْبِ الْحَجَرِ، وَوَقَفَ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ الثَّالِثِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ بَابِ الصَّغِيرِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا. وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي " طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ " رَحِمَهُ اللَّهُ.
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الْفَارِسِيُّ الْحَافِظُ، تَفَقَّهَ بِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَسَمِعَ الْكَثِيرَ عَلَى جَدِّهِ لِأُمِّهِ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ، وَرَحَلَ إِلَى الْبِلَادِ وَأَسْمَعَ الْكَثِيرَ، وَصَنَّفَ " الْمُفْهِمَ فِي غَرِيبِ مُسْلِمٍ " وَغَيْرِهِ، وَوَلِيَ خَطَابَةَ نَيْسَابُورَ وَكَانَ فَاضِلًا بَارِعًا ديِّنًا حَافِظًا.
পৃষ্ঠা - ১০৩০৭
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
اسْتُهِلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَمُحَمَّدُ شَاهْ بْنُ مَحْمُودٍ مُحَاصِرٌ بَغْدَادَ وَالْعَامَّةُ وَالْجُنْدُ مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ الْمُقْتَفِي يُقَاتِلُونَ أَشَدَّ الْقِتَالِ، وَالْجُمُعَةُ لَا تُقَامُ لِعُذْرِ الْقِتَالِ، وَالْفِتْنَةُ كَبِيرَةٌ، ثُمَّ يَسَّرَ اللَّهُ بِذَهَابِ السُّلْطَانِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَقَدْ بَسَطَ ذَلِكَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَطَوَّلَ.
وَفِيهَا كَانَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ بِالشَّامِ، هَلَكَ بِسَبَبِهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ، وَتَهَدَّمَ أَكْثَرُ حَلَبَ وَحَمَاةُ وَشَيْزَرُ وَحِمْصُ وَكَفْرُ طَابَ وَحِصْنُ الْأَكْرَادِ وَاللَّاذِقِيَّةُ وَالْمَعَرَّةُ وَأَفَامِيَةُ وَأَنْطَاكِيَةُ وَطَرَابُلُسُ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَأَمَّا شَيْزَرُ فَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهَا إِلَّا امْرَأَةٌ وَخَادِمٌ لَهَا، وَهَلَكَ الْبَاقُونَ، وَأَمَّا كَفْرُ طَابَ فَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهَا أَحَدٌ وَأَمَّا أَفَامِيَةُ فَسَاخَتْ قَلْعَتُهَا، وَتَلُّ جَرَّانَ انْقَسَمَ نِصْفَيْنِ، فَأَبْدَى نَوَاوِيسَ وَبُيُوتًا كَثِيرَةً فِي وَسَطِهِ. قَالَ: وَهَلَكَ مِنْ مَدَائِنِ الْإِفْرِنْجِ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَتَهَدَّمَ أَسْوَارُ أَكْثَرِ مُدُنِ الشَّامِ مِنْ ذَلِكَ ; حَتَّى إِنَّ مَكْتَبًا بِحَمَاةَ انْهَدَمَ عَلَى الصِّبْيَانِ فَهَلَكُوا عَنْ آخِرِهِمْ، فَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ يَسْأَلُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْفَصْلَ الشَّيْخُ أَبُو شَامَةَ فِي كِتَابِ " الرَّوْضَتَيْنِ " مُسْتَقْصًى، وَذَكَرَ مَا قَالَهُ الشُّعَرَاءُ فِي ذَلِكَ.
পৃষ্ঠা - ১০৩০৮
وَفِيهَا مَلَكَ السُّلْطَانُ مَحْمُودُ بْنُ زَنْكِيٍّ حِصْنَ شَيْزَرَ بَعْدَ حِصَارٍ، وَأَخَذَ مَدِينَةَ بَعْلَبَكَّ وَكَانَ بِهَا الضَّحَّاكُ الْبِقَاعِيُّ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ، كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِيهَا مَرِضَ نُورُ الدِّينِ فَمَرِضَ الشَّامُ بِمَرَضِهِ ثُمَّ عُوفِيَ فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَاسْتَوْلَى أَخُوهُ قُطْبُ الدِّينِ مَوْدُودٌ عَلَى جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ.
وَفِيهَا عَمِلَ الْخَلِيفَةُ بَابًا لِلْكَعْبَةِ مُصَفَّحًا بِالذَّهَبِ، وَأَخَذَ بَابَهَا الْأَوَّلَ فَجَعْلَهُ لِنَفْسِهِ تَابُوتًا. وَفِيهَا أَغَارَتِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ عَلَى حُجَّاجِ خُرَاسَانَ فَلَمْ يُبْقُوا مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ لَا زَاهِدٍ وَلَا عَالِمٍ. وَفِيهَا كَانَ غَلَاءٌ شَدِيدٌ بِخُرَاسَانَ حَتَّى أَكَلُوا الْحَشَرَاتِ، وَذَبَحَ إِنْسَانٌ رَجُلًا عَلَوِيًّا فَطَبَخَهُ وَبَاعَهُ فِي السُّوقِ، فَحِينَ ظَهَرَ عَلَيْهِ قُتِلَ.
وَذَكَرَ أَبُو شَامَةَ أَنَّ فَتْحَ بَانِيَاسَ كَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى يَدِ الْمَلِكِ نُورِ الدِّينِ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ كَانَ مُعِينُ الدِّينِ سَلَّمَهَا إِلَى الْفِرِنْجِ صُلْحًا عَنْ دِمَشْقَ فَعَوَّضَهُمْ بِهَا، وَقَتَلَ مَلِكِهَا وَغَنِمَ شَيْئًا كَثِيرًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَفِيهَا قَدِمَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الْأَوَّلِ بْنُ عِيسَى بْنِ شُعَيْبٍ السِّجْزِيُّ، فَسُمِّعَ عَلَيْهِ " الْبُخَارِيُّ " فِي دَارِ الْوَزِيرِ بِبَغْدَادَ. وَحَجَّ بِالنَّاسِ قَايْمَازُ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، أَبُو اللَّيْثِ النَّسَفِيُّ، مِنْ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، سَمِعَ الْحَدِيثَ وَتَفَقَّهَ وَوَعَظَ، وَكَانَ حَسَنَ السَّمْتِ، قَدِمَ
পৃষ্ঠা - ১০৩০৯
بَغْدَادَ فَوَعَظَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى بَلَدِهِ فَقَتَلَهُ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
أَحْمَدُ بْنُ بَخْتِيَارَ
بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَبُو الْعَبَّاسِ، الْمَنْدَائِيُّ الْوَاسِطِيُّ قَاضِيهَا، سَمِعَ الْحَدِيثَ وَكَانَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ بِالْأَدَبِ وَاللُّغَةِ، وَصَنَّفَ كُتُبًا فِي التَّارِيخِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَانَ ثِقَةً صَدُوقًا، تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالنِّظَامِيَّةِ.
السُّلْطَانُ سَنْجَرُ
ابْنُ مَلِكْشَاهْ بْنِ أَلْبِ أَرْسَلَانَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ مِيكَائِيلَ بْنِ سَلْجُوقَ، أَبُو الْحَارِثِ ; وَاسْمُهُ أَحْمَدُ، وَلُقِّبَ بِسَنْجَرَ، مَوْلِدُهُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَأَقَامَ فِي الْمُلْكِ نَيِّفًا وَسِتِّينَ سَنَةً ; مِنْ ذَلِكَ اسْتِقْلَالًا إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقَدْ أَسَرَهُ الْغُزُّ نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ، ثُمَّ هَرَبَ مِنْهُمْ فَعَادَ إِلَى مُلْكِهِ بِمَرْوَ، ثُمَّ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَدُفِنَ فِي قُبَّةٍ بَنَاهَا سَمَّاهَا: دَارَ الْآخِرَةِ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّطِيفِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَبُو بَكْرٍ الْخُجَنْدِيُّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ، وَلِيَ تَدْرِيسَ النِّظَامِيَّةِ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ يُنَاظِرُ حَسَنًا وَيَعِظُ النَّاسَ وَحَوْلَهُ السُّيُوفُ مُسَلَّلَةٌ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَمْ يَكُنْ مَاهِرًا فِي الْوَعْظِ، حَالُهُ أَشْبَهُ
পৃষ্ঠা - ১০৩১০
بِالْوُزَرَاءِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ السَّلَاطِينَ حَتَّى كَانُوا يُصْدِرُونَ عَنْ رَأْيِهِ، تُوُفِّيَ بِأَصْبَهَانَ فَجْأَةً.
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَلِّ، أَبُو الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْبَقَاءِ، سَمِعَ الْحَدِيثَ، وَتَفَقَّهَ عَلَى الشَّاشِيِّ، وَدَرَّسَ وَأَفْتَى، وَتُوُفِّيَ فِي مُحَرَّمِ هَذِهِ السَّنَةِ، وَتُوُفِّيَ أَخُوهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْخَلِّ الشَّاعِرُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْهَا.
يَحْيَى بْنُ عِيسَى
بْنُ إِدْرِيسَ، أَبُو الْبَرَكَاتِ الْأَنْبَارِيُّ الْوَاعِظُ، قَرَأَ الْقُرْآنَ وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَتَفَقَّهَ وَوَعَظَ النَّاسَ عَلَى طَرِيقَةِ الصَّالِحِينَ، وَكَانَ يَبْكِي مِنْ أَوَّلِ صُعُودِهِ إِلَى حِينِ نُزُولِهِ، وَكَانَ عَابِدًا زَاهِدًا وَرِعًا آمِرًا بِالْمَعْرُوفِ نَاهِيًا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَرُزِقَ أَوْلَادًا صَالِحِينَ سَمَّاهُمْ بِأَسْمَاءِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ ; أَبُو بَكْرٍ، وَعُمْرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَحَفَّظَهُمُ الْقُرْآنَ كُلَّهُمْ، وَخَتَّمَ خَلْقًا كَثِيرًا، وَكَانَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ يَصُومَانِ الدَّهْرَ، وَيَقُومَانِ اللَّيْلَ، وَلَا يُفْطِرَانِ إِلَّا بَعْدَ الْعَشَاءِ، وَكَانَتْ لَهُ كَرَامَاتٌ وَمَنَامَاتٌ صَالِحَةٌ. وَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ زَوْجَتُهُ: اللَّهُمَّ لَا تُحْيِنِي بَعْدَهُ. فَمَاتَتْ بَعْدَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَكَانَتْ مِنَ الصَّالِحَاتِ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.
পৃষ্ঠা - ১০৩১১
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِيهَا كَثُرَ فَسَادُ التُّرْكُمَانِ مِنْ أَصْحَابِ بُرْجُمَ الْإِيوَائِيِّ، فَجُهِّزَ إِلَيْهِمْ مَنْكُورُسُ الْمُسْتَرْشِدِيُّ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ، فَالْتَقَوْا مَعَهُمْ فَهَزَمَهُمْ أَقْبَحَ هَزِيمَةٍ، وَجَاءُوا بِالْأُسَارَى وَالرُّءُوسِ إِلَى بَغْدَادَ.
وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الْغُزِّ وَبَيْنَ الْمَلِكِ مَحْمُودٍ، فَكَسَرُوهُ وَقَتَلُوا مِنْ أَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ خَلْقًا كَثِيرًا وَنَهَبُوا الْبِلَادَ، وَأَقَامُوا بِمَرْوَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ طَلَبُوهُ إِلَيْهِمْ فَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ، فَأَرْسَلَ وَلَدَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَكْرَمُوهُ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِمْ فَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَعَظَّمُوهُ.
وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ كَبِيرَةٌ بِمَرْوَ بَيْنَ فَقِيهِ الشَّافِعِيَّةِ الْمُؤَيَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَبَيْنَ نَقِيبِ الْعَلَوِيِّينَ بِهَا أَبِي الْقَاسِمِ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ، فَقُتِلَ بَيْنَهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَاحْتَرَقَتِ الْمَسَاجِدُ وَالْمَدَارِسُ وَالْأَسْوَاقُ، وَانْهَزَمَ الْمُؤَيَّدُ الشَّافِعِيُّ إِلَى بَعْضِ الْقِلَاعِ.
وَفِيهَا وُلِدَ النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْمُسْتَضِيءِ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَفِيهَا خَرَجَ الْمُقْتَفِي نَحْوَ الْأَنْبَارِ مُتَصَيِّدًا وَعَبَرَ الْفُرَاتَ وَزَارَ الْحُسَيْنَ، وَمَضَى إِلَى وَاسِطٍ وَعَادَ إِلَى بَغْدَادَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْوَزِيرُ.
وَفِيهَا كَسَرَ جَيْشُ مِصْرَ الْفِرِنْجَ بِأَرْضِ عَسْقَلَانَ كَسْرَةً فَظِيعَةً صُحْبَةَ الْمَلِكِ
পৃষ্ঠা - ১০৩১২
الصَّالِحِ أَبِي الْغَارَاتِ، فَارِسِ الدِّينِ طَلَائِعِ بْنِ رُزِّيكَ وَامْتَدَحَهُ الشُّعَرَاءُ.
وَفِيهَا قَدِمَ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ مِنْ حَلَبَ إِلَى دِمَشْقَ وَقَدْ شُفِيَ مِنَ الْمَرَضِ فَفَرِحَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَخَرَجَ إِلَى قِتَالِ الْفِرِنْجِ، فَانْهَزَمَ جَيْشُهُ، فَبَقِيَ هُوَ وَشِرْذِمَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي لُجَّةِ الْعَدُوِّ، فَرَمَوْهُمْ بِالسِّهَامِ الْكَثِيرَةِ، ثُمَّ خَافُوا أَنْ يَكُونَ وُقُوفُهُ فِي هَذِهِ الشِّرْذِمَةِ الْقَلِيلَةِ، خَدِيعَةً لِمَجِيءِ كَمِينٍ إِلَيْهِمْ، فَفَرُّوا مُنْهَزِمِينَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا قَايْمَازُ الْأُرْجُوَانِيُّ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
عَبْدُ الْأَوَّلِ بْنُ عِيسَى
بْنِ شُعَيْبِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ، أَبُو الْوَقْتِ السِّجْزِيُّ الصُّوفِيُّ الْهَرَوِيُّ، رَاوِي " الْبُخَارِيِّ " وَ " مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ "، وَ " الْمُنْتَخِبِ مِنْ مُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ "، قَدِمَ بَغْدَادَ فَسَمِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ هَذِهِ الْكُتُبَ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْمَشَايِخِ وَأَحْسَنِهِمْ سَمْتًا، وَأَصْبَرِهِمْ عَلَى قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ التَّكْرِيتِيُّ الصُّوفِيُّ، قَالَ: أَسْنَدْتُهُ إِلَيَّ فَمَاتَ، فَكَانَ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس: 26]
نَصْرُ بْنُ مَنْصُورِ
بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْعَطَّارُ، أَبُو الْقَاسِمِ الْحَرَّانِيُّ، كَانَ كَثِيرَ الْمَالِ، يَعْمَلُ مِنْ صَدَقَاتِهِ الْمَعْرُوفَ الْكَثِيرَ مِنْ أَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ
পৃষ্ঠা - ১০৩১৩
الْحَسَنَةِ، وَيُكْثِرُ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ، وَيُحَافِظُ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَرُوِيَتْ لَهُ مَنَامَاتٌ صَالِحَةٌ، وَقَارَبَ الثَّمَانِينَ.
يَحْيَى بْنُ سَلَامَةَ
بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ، أَبُو الْفَضْلِ الشَّافِعِيُّ، الْحَصْكَفِيُّ ; نِسْبَةً إِلَى حِصْنِ كَيْفَا كَانَ إِمَامًا فِي عُلُومٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْفِقْهِ وَالْأَدَبِ، نَاظِمًا نَاثِرًا، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يُنْسَبُ إِلَى الْغُلُوِّ فِي التَّشَيُّعِ، وَقَدْ أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قِطْعَةً مِنْ نَظْمِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي جُمْلَةِ قَصِيدَةٍ لَهُ
تَقَاسَمُوا يَوْمَ الْوَدَاعِ كَبِدِي ... فَلَيْسَ لِي مُنْذُ تَوَلَّوْا كَبِدُ
عَلَى الْجُفُونِ رَحَلُوا وَفِي الْحَشَا ... تَقَيَّلُوا وَمَاءَ عَيْنِي وَرَدُوا
فَأَدْمُعِي مَسْفُوحَةٌ وَكَبِدِي ... مَقْرُوحَةٌ وِغُلَّتُي لَا تَبْرُدُ
وَصَبْوَتِي دَائِمُةٌ وَمُقْلَتِي ... دَامِيَةٌ وَنَوْمُهَا مُشَرَّدُ
تَيَّمَنِي مِنْهُمْ غَزَالٌ أَغْيَدُ ... يَا حَبَّذَا ذَاكَ الْغَزَالُ الْأَغْيَدُ
حُسَامُهُ مُجَرَّدٌ وَصَرْحُهُ ... مُمَرَّدٌ وَخَدُّهُ مُوَرَّدُ
وَصُدْغُهُ فَوْقَ احْمِرَارِ خَدِّهِ ... مُبَلْبَلٌ مُعَقْرَبٌ مُجَعَّدُ
كَأَنَّمَا نَكْهَتُهُ وَرِيقُهُ ... مِسْكٌ وَخَمْرٌ وَالثَّنَايَا بَرَدُ
يُقْعِدُهُ عِنْدَ الْقِيَامِ رِدْفُهُ ... وَفِي الْحَشَا مِنْهُ الْمُقِيمُ الْمُقْعِدُ
لَهُ قِوَامٌ كَقَضِيبِ بَانَةٍ ... يَهْتَزُّ قَصْدًا لَيْسَ فِيهِ أَوَدُ
وَهِيَ طَوِيلَةٌ جِدًّا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ هَذَا التَّغَزُّلِ إِلَى مَدْحِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالْأَئِمَّةِ
পৃষ্ঠা - ১০৩১৪
الِاثْنَيْ عَشْرَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَنَفَعَنَا بِهِمْ، حَيْثُ يَقُولُ:
وَسَائِلِي عَنْ حُبِّ أَهْلِ الْبَيْتِ هَلْ ... أُقِرُّ إِعْلَانًا بِهِ أَمْ أَجْحَدُ
هَيْهَاتَ مَمْزُوجٌ بِلَحْمِي وَدَمِي ... حُبُّهُمْ وَهْوَ الْهُدَى وَالرَّشَدُ
حَيْدَرَةُ وَالْحَسَنَانِ بَعْدَهُ ... ثُمَّ عَلِيٌّ وَابْنُهُ مُحَمَّدُ
وَجَعْفَرُ الصَّادِقُ وَابْنُ جَعْفَرٍ ... مُوسَى وَيَتْلُوهُ عَلِيُّ السَّيِّدُ
أَعْنِي الرِّضَا ثُمَّ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ ... ثُمَّ عَلِيٌّ وَابْنُهُ الْمُسَدَّدُ
وَالْحَسَنُ التَّالِي وَيَتْلُو تِلْوَهُ ... مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُفْتَقَدُ
فَإِنَّهُمْ أَئِمَّتِي وَسَادَتِي ... وَإِنْ لَحَانِي مَعْشَرٌ وَفَنَّدُوا
أَئِمَّةٌ أَكْرِمْ بِهِمْ أَئِمَّةً ... أَسْمَاؤُهُمْ مَسْرُودَةٌ تَطَّرِدُ
هُمْ حُجَجُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ... وَهُمْ إِلَيْهِ مَنْهَجٌ وَمَقْصِدُ
قَوْمٌ لَهُمْ فَضْلٌ وَمَجْدٌ بَاذِخٌ ... يَعْرِفُهُ الْمُشْرِكُ وَالْمُوَحِّدُ
قَوْمٌ لَهُمْ فِي كُلِّ أَرْضٍ مَشْهَدُ ... لَا بَلْ لَهُمْ فِي كُلِّ قَلْبٍ مَشْهَدُ
قَوْمٌ مِنًى وَالْمَشْعَرَانِ لَهُمْ ... وَالْمَرْوَتَانِ لَهُمْ وَالْمَسْجِدُ
قَوْمٌ لَهُمْ مَكَّةُ وَالْأَبْطَحُ وَالْ ... خَيْفُ وَجَمْعٌ وَالْبَقِيعُ الْغَرْقَدُ
ثُمَّ ذَكَرَ مَقْتَلَ الْحُسَيْنِ بِالطَّفِّ إِلَى أَنْ قَالَ:
يَا أَهْلَ بَيْتِ الْمُصْطَفَى يَا عِدَّتِي ... وَمَنْ عَلَى حُبِّهِمْ أَعْتَمِدُ
أَنْتُمْ إِلَى اللَّهِ غَدًا وَسِيْلَتِي ... وَكَيْفَ أَخْشَى وَبِكُمْ أَعْتَضِدُ
وَلِيُّكُمْ فِي الْخُلْدِ حَيٌّ خَالِدُ ... وَالضِّدُّ فِي نَارٍ لَظًى مُخَلَّدُ
পৃষ্ঠা - ১০৩১৫
وَلَسْتُ أَهْوَاكُمْ بِبُغْضِ غَيْرِكُمْ ... إِنِّي إِذًا أَشْقَى بِكُمْ لَا أَسْعَدُ
فَلَا يَظُنُّ رَافِضِيُّ أَنَّنِي ... وَافَقْتُهُ أَوْ خَارِجِيٌّ مُفْسِدُ
مُحَمَّدٌ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ ... أَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ فِيمَا أَجِدُ
هُمْ أَسَّسُوا قَوَاعِدَ الدِّينِ لَنَا ... وَهُمْ بَنَوا أَرْكَانَهُ وَشَيَّدوُا
وَمَنْ يَخُنْ أَحْمَدَ فِي أَصْحَابِهِ ... فَخَصْمُهُ يَوْمَ الْمَعَادِ أَحْمَدُ
هَذَا اعْتِقَادِي فَالْزَمُوهُ تَفْلَحُوا ... هَذَا طَرِيقِي فَاسْلُكُوهُ تَهْتَدُوا
وَالشَّافِعِيُّ مَذْهَبِي مَذْهَبُهُ ... لِأَنَّهُ فِي قَوْلِهِ مُؤَيَّدُ
أَتْبَعُهُ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مَعًا ... فَلْيَتَّبِعْنِي الطَّالِبُ الْمُسْتَرْشِدُ
إِنِّي بِإِذْنِ اللَّهِ نَاجٍ سَابِقُ ... إِذَا وَنَى الظَّالِمُ وَالْمُقْتَصِدُ
وَلَهُ أَيْضًا:
إِذَا قَلَّ مَالِي لَمْ تَجِدْنِيَ ضَارِعًا ... كَثِيرَ الْأَسَى مُغْرًى بِعَضِّ الْأَنَامِلِ
وَلَا بَطِرًا إِنْ جَدَّدَ اللَّهُ نِعْمَةً ... وَلَوْ أَنَّ مَا أُوتِي جَمِيعُ الْأَنَامِ لِي
تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بِمَيَّافَارِقِينَ.
পৃষ্ঠা - ১০৩১৬
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِيهَا مَرِضَ الْخَلِيفَةُ الْمُقْتَفِي مَرَضًا شَدِيدًا، ثُمَّ عُوفِيَ مِنْهُ فَزُيِّنَتْ لَهُ بَغْدَادُ أَيَّامًا، وَتَصَدَّقَ بِصَدَقَاتٍ عَظِيمَةٍ كَثِيرَةٍ. وَفِيهَا اسْتَعَادَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ مَدِينَةَ الْمَهْدِيَّةِ مِنْ أَيْدِي الْفِرِنْجِ، وَقَدْ كَانُوا أَخَذُوهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ، وَقَاتَلَ خَلْقًا كَثِيرًا بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ حَتَّى صَارَتْ عِظَامُ الْقَتْلَى هُنَاكَ كَالتَّلِّ الْعَظِيمِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَفِي صَفَرٍ سَقَطَ بَرَدٌ بِالْعِرَاقِ كِبَارٌ، زِنَةُ الْبَرَدَةِ قَرِيبٌ مِنْ خَمْسَةِ أَرْطَالٍ، وَمِنْهَا مَا هُوَ تِسْعَةُ أَرْطَالٍ بِالْبَغْدَادِيِّ، فَهَلَكَ بِذَلِكَ شَيْءٌ كَثِيرٌ مِنَ الْغَلَّاتِ، وَخَرَجَ الْخَلِيفَةُ إِلَى وَاسِطٍ فَاجْتَازَ بِسُوقِهَا وَرَأَى جَامِعَهَا، وَسَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَشُجَّ جَبِينُهُ، ثُمَّ عُوفِيَ.
وَفِي رَبِيعٍ الْآخَرِ زَادَتْ دِجْلَةُ زِيَادَةً عَظِيمَةً، فَغَرِقَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَحَالُّ كَثِيرَةٌ مِنْ بَغْدَادَ حَتَّى صَارَ أَكْثَرُ الدُّورِ بِهَا تُلُولًا، وَغَرِقَتْ تُرْبَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَتَخَسَّفَتْ هُنَالِكَ الْقُبُورُ، وَطَفَتِ الْمَوْتَى عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَثُرَ الْمَرَضُ وَالْمَوْتُ، وَفِيهَا أَقْبَلَ مَلِكُ الرُّومِ فِي جَحَافِلَ قَاصِدًا بِلَادَ الشَّامِ فَرَدَّهُ اللَّهُ خَائِبًا خَاسِرًا ; وَذَلِكَ لِضِيقِ حَالِهِمْ مِنَ الْمِيرَةِ، وَأَسَرَ
পৃষ্ঠা - ১০৩১৭
الْمُسْلِمُونَ ابْنَ أُخْتِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَايْمَازُ الْأُرْجُوَانِيُّ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
أَحْمَدُ بْنُ مَعَالِيِّ
بْنِ بَرَكَةَ الْحَرْبِيُّ، تَفَقَّهَ بِأَبِي الْخَطَّابِ الْكَلْوَذَانِيِّ، وَبَرَعَ فِي النَّظَرِ، وَدَرَسَ وَأَفْتَى، ثُمَّ صَارَ شَافِعِيًّا، ثُمَّ عَادَ حَنْبَلِيًّا، وَوَعَظَ بِبَغْدَادَ، وَتُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ ; دَخَلَتْ بِهِ دَابَّتُهُ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ، فَدَخَلَ قَرَبُوسُ سَرْجِهِ فِي صَدْرِهِ.
السُّلْطَانُ مُحَمَّدُ شَاهْ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَلِكْشَاهْ، بْنِ أَلْبِ أَرْسَلَانَ
لَمَّا رَجَعَ مِنْ مُحَاصَرَةِ بَغْدَادَ إِلَى هَمَذَانَ أَصَابَهُ مَرَضُ السُّلِّ، فَلَمْ يُنْجَعْ مِنْهُ، بَلْ تُوُفِّيَ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَبْلَ وَفَاتِهِ بِأَيَّامٍ أَمَرَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَا يَمْلِكُهُ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَنْظَرَةِ، فَرَكِبَ الْجَيْشُ بِكَمَالِهِ وَأُحْضِرَتْ أَمْوَالُهُ كُلُّهَا، وَمَمَالِيكُهُ حَتَّى جَوَارِيِهِ وَحَظَايَاهُ، فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ: هَذِهِ الْعَسَاكِرُ لَا يَدْفَعُونَ عَنِّي مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَلَا يَزِيدُونَ فِي عُمْرِي لَحْظَةً، ثُمَّ تَأَسَّفَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ إِلَى الْخَلِيفَةِ الْمُقْتَفِي، وَأَهْلِ بَغْدَادَ وَحِصَارِهِمْ وَأَذِيَّتِهِمْ،
পৃষ্ঠা - ১০৩১৮
ثُمَّ فَرَّقَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنْ تِلْكَ الْحَوَاصِلِ وَالْأَمْوَالِ، وَتُوُفِّيَ عَنْ وَلَدٍ صَغِيرٍ، وَاجْتَمَعَتِ الْعَسَاكِرُ وَالْأُمَرَاءُ عَلَى عَمِّهِ سُلَيْمَانَ شَاهْ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَلِكْشَاهْ وَكَانَ مَسْجُونًا بِالْمَوْصِلِ فَأُفْرِجَ عَنْهُ، وَانْعَقَدَتِ السَّلْطَنَةُ لَهُ، وَخُطِبَ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْبِلَادِ، سِوَى بَغْدَادَ وَالْعِرَاقِ.
পৃষ্ঠা - ১০৩১৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ الْخَلِيفَةِ الْمُقْتَفِي لِأَمْرِ اللَّهِ
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْتَظْهِرِ بِاللَّهِ
وَأُمُّهُ نُسَيْمُ، الْمَدْعُوَّةُ: سِتَّ السَّادَةِ، سَمْرَاءُ مِنْ خِيَارِ الْجَوَارِي، مَرِضَ بِالتَّرَاقِي، وَقِيلَ: بِدُمَّلٍ خَرَجَ فِي حَلْقِهِ. فَمَاتَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ ثَانِيَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ سِتٍّ وَسِتِّينَ سَنَةً، إِلَّا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَدُفِنَ بِدَارِ الْخِلَافَةِ، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى التُّرَبِ، وَقَدْ كَانَ شَهْمًا شُجَاعًا مِقْدَامًا، يُبَاشِرُ الْأُمُورَ بِنَفْسِهِ، وَيُشَاهِدُ الْحُرُوبَ وَيَبْذُلُ الْأَمْوَالَ الْكَثِيرَةَ لِأَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنِ اسْتَبَدَّ بِالْعِرَاقِ مُنْفَرِدًا عَنِ السَّلَاطِينِ، مِنْ أَوَّلِ أَيَّامِ الدَّيْلَمِ إِلَى أَيَّامِهِ، وَتَمَكَّنَ فِي الْخِلَافَةِ وَحَكَمَ عَلَى الْعَسْكَرِ وَالْأُمَرَاءِ، وَقَدْ وَافَقَ أَبَاهُ فِي أَشْيَاءَ ; مِنْ ذَلِكَ مَرَضُهُ بِالتَّرَاقِي، وَمَوْتُهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَتَقَدَّمَ مَوْتُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ شَاهْ قَبْلَهُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَظْهِرُ مَاتَ قَبْلَهُ مُحَمَّدٌ بِثَلَاثَةٍ، وَبَعْدَ غَرَقِ بَغْدَادَ بِسَنَةٍ مَاتَ الْقَائِمُ، وَكَذَلِكَ هَذَا. قَالَ عَفِيفٌ النَّاسِخُ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ قَائِلًا
পৃষ্ঠা - ১০৩২০
يَقُولُ: إِذَا اجْتَمَعَتْ ثَلَاثُ خَاءَاتٍ مَاتَ الْمُقْتَفِي. يَعْنِي: خَمْسًا وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ.
خِلَافَةُ الْمُسْتَنْجِدِ بِاللَّهِ، أَبِي الْمُظَفَّرِ يُوسُفَ بْنِ الْمُقْتَفِي
لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوهُ، كَمَا ذَكَرْنَا، بُويِعَ لَهُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَحَدِ ثَانِيَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، بَايَعَهُ أَشْرَافُ بَنِي الْعَبَّاسِ، ثُمَّ الْوَزِيرُ وَالْقُضَاةُ وَالْعُلَمَاءُ وَالْأُمَرَاءُ وَعُمْرُهُ يَوْمَئِذٍ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا، وَكَانَ وَلِيَّ عَهْدِ أَبِيهِ مِنْ مُدَّةٍ مُتَطَاوِلَةٍ، ثُمَّ عَمِلَ عَزَاءَ أَبِيهِ، وَلَمَّا خُطِبَ لَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ نُثِرَتِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ عَلَى النَّاسِ، وَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ بَعْدَ أَبِيهِ، وَأَقَرَّ الْوَزِيرَ ابْنَ هُبَيْرَةَ عَلَى مَنْصِبِهِ وَوَعَدَهُ بِذَلِكَ إِلَى الْمَمَاتِ، وَعَزَلَ قَاضِيَ الْقُضَاةِ ابْنَ الدَّامَغَانِيِّ، وَوَلَّى مَكَانَهُ أَبَا جَعْفَرٍ عَبْدَ الْوَاحِدِ الثَّقَفِيَّ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، لَهُ سَمَاعٌ بِالْحَدِيثِ، وَبَاشَرَ الْحُكْمَ بِالْكُوفَةِ مُدَّةً، فَتُوُفِّيَ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَوَلِيَ مَكَانَهُ ابْنُهُ جَعْفَرٌ.
وَفِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ اتَّفَقَ الْأَتْرَاكُ بِبَابِ هَمَذَانَ عَلَى خَلْعِ سُلَيْمَانَ شَاهْ، وَخَطَبُوا لَأَرْسَلَانَ بْنِ طُغْرُلَ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ
الْفَائِزُ بِنَصْرِ اللَّهِ الْفَاطِمِيُّ
صَاحِبُ مِصْرَ، وَهُوَ أَبُو الْقَاسِمِ عِيسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الظَّافِرُ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي صَفَرٍ وَعُمْرُهُ يَوْمَئِذٍ إِحْدَى عَشْرَةَ
পৃষ্ঠা - ১০৩২১
سَنَةً، وَمُدَّةُ وِلَايَتِهِ مِنْ ذَلِكَ سِتُّ سِنِينَ وَشَهْرَانِ، وَكَانَ مُدَبِّرَ دَوْلَتِهِ أَبُو الْغَارَاتِ، ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ الْعَاضِدُ آخِرُ خُلَفَائِهِمْ، وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ الْحَافِظِ، وَلَمْ يَكُنْ أَبُوهُ خَلِيفَةً، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزَ الِاحْتِلَامَ، فَقَامَ بِتَدْبِيرِ مَمْلَكَتِهِ الْمَلِكُ الصَّالِحُ طَلَائِعُ بْنُ رُزِّيكَ الْوَزِيرُ، أَخَذَ لَهُ الْبَيْعَةَ وَزَوَّجَهُ بِابْنَتِهِ، وَجَهَّزَهَا بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَقَدْ عُمِّرَتْ بَعْدَ زَوْجِهَا الْعَاضِدِ، وَرَأَتْ زَوَالَ دَوْلَةِ الْفَاطِمِيِّينَ عَلَى يَدِ الْمَلِكِ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ شَاذِيٍّ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ، كَمَا سَيَأْتِي مُفَصَّلًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ السُّلْطَانِ الْكَبِيرِ صَاحِبِ غَزْنَةَ
خُسْرُوشَاهْ بْنُ بَهْرَامْ شَاهْ
بْنِ مَسْعُودِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتُكِينَ، مِنْ بَيْتِ مُلْكٍ وَرِيَاسَةٍ بَاذِخَةٍ، يَرِثُونَهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، وَكَانَ مِنْ سَادَاتِ الْمُلُوكِ وَأَحْسَنِهِمْ سِيرَةً، يُحِبُّ الْعِلْمَ وَأَهْلَهُ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَامَ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدُهُ مَلِكْشَاهْ، فَسَارَ إِلَيْهِ عَلَاءُ الدِّينِ الْحُسَيْنُ مَلِكُ الْغُورِ فَحَاصَرَ غَزْنَةَ مُدَّةً فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا، فَرَجَعَ خَائِبًا.
وَفِيهَا مَاتَ مَلِكْشَاهْ بْنُ السُّلْطَانِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَلِكْشَاهْ
بْنِ أَلْبِ أَرْسَلَانَ السَّلْجُوقِيُّ، بِأَصْبَهَانَ مَسْمُومًا، يُقَالُ: إِنَّ الْوَزِيرَ عَوْنَ الدِّينِ بْنَ هُبَيْرَةَ دَسَّ إِلَيْهِ مَنْ سَقَاهُ إِيَّاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِيهَا مَاتَ
পৃষ্ঠা - ১০৩২২
أَمِيرُ الْحَاجِّ قَايِمَازُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُرْجُوَانِيُّ
سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ وَهُوَ يَلْعَبُ بِالْكُرَةِ بِمَيْدَانِ الْخَلِيفَةِ، فَسَالَ دِمَاغُهُ مِنْ أُذُنِهِ، فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ كَانَ مِنْ خِيَارِ الْأُمَرَاءِ، فَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَحَضَرَ جِنَازَتَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ. مَاتَ فِي شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا الْأَمِيرُ أَرَغَشُ مُقْطَعُ الْكُوفَةِ. وَحَجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ شِيرَكُوهْ بْنُ شَاذِيٍّ، مُقَدَّمُ عَسَاكِرِ الْمَلِكِ نُورِ الدِّينِ بْنِ زَنْكِيٍّ، وَتَصَدَّقَ بِأَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ.
وَفِيهَا اسْتَعْفَى الْقَاضِي زَكِيُّ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْقُرَشِيُّ مِنَ الْقَضَاءِ بِدِمَشْقَ، فَأَعْفَاهُ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ، وَوَلَّى مَكَانَهُ الْقَاضِي كَمَالَ الدَّيْنِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الشَّهْرُزُورِيَّ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْقُضَاةِ وَأَكْثَرِهِمْ صَدَقَةً، وَلَهُ صَدَقَاتٌ جَارِيَةٌ بَعْدَهُ، وَكَانَ عَالِمًا، بَارِعًا، وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ الشُّبَّاكُ الْكَمَالِيُّ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ الْحُكَّامُ فِي الْجَامِعِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
الْأَمِيرُ مُجَاهِدُ الدِّينِ
بُزَّانُ بْنُ مَامِينَ الْكُرْدِيُّ، أَحَدُ مُقَدَّمِي جَيْشِ الشَّامِ قَبْلَ الْمَلِكِ نُورِ الدِّينِ وَبَعْدَهُ، وَقَدْ نَابَ فِي مَدِينَةِ صَرْخَدَ مُدَّةً، وَكَانَ شَهْمًا، شُجَاعًا، كَثِيرَ الْبِرِّ وَالصَّدَقَاتِ وَالصِّلَاتِ، وَهُوَ وَاقِفُ الْمُدَرِّسَةِ الْمُجَاهِدِيَّةِ بِالْقُرْبِ مِنَ النُّورِيَّةِ، وَلَهُ الْمَدْرَسَةُ الْمُجَاهِدِيَّةُ الَّتِي دَاخِلَ بَابِ الْفَرَادِيسِ الْبَرَّانِيِّ، وَبِهَا